كمال غبريال
كاتب سياسي وروائي
(Kamal Ghobrial)
الحوار المتمدن-العدد: 6205 - 2019 / 4 / 19 - 14:26
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
هي في الأصل تراث شفاهي (سماعي) تناقلته الأجيال. وكانت في زمانها تعتمد على المعنى والتأثير المباشر للعبارات والكلمات. بالإضافة للتأثير الموسيقي للنص، ولغة الجسد للمتحدث أو الراوية، والتأثير المصاحب له من ردود أفعال المستمعين.
ونظراً لتداولها الشفاهي عبر أزمنة طويلة قبل تثبيتها أو تجميدها بتدوينها كتابة، وما ترتب على ذلك من حذف وتعديلات وإضافات متعمدة وتلقائية، علاوة على تعدد المؤلفين الأصليين، وتنوع الظروف التي أدلوا فيها بخطاباتهم، فإن نصوصها تفتقد تماماً للتوحيد البنائي في فكرة أو مجموعة أفكار مركزية تهدف إليها النصوص وتلتزم بها. وإنما هي في حقيقتها بناء مفكك تراكمي، من شذرات نصية وفكرية، أملتها ظروف لحظة إنتاجها، وميول وأغراض مؤلفها والجمهور الذي يستمع إليها لحظتها. أو بالأحرى ميول الجماهير التي تستمع لرواتها عبر أزمنة عديدة مختلفة ومتنوعة الظروف والملابسات.
بالتالي هي منقطعة الصلة تماماً بما يمارسه البعض منا الآن، من تحليلات ومقارنات وتفسيرات وتأويلات مجازية أو رمزية، ومجهودات قد تصل لدرجة الفجاجة للتوفيق بين ما يشيع فيها من تناقضات. والتي تعد محاولات لتبديل معانيها الأصلية بمعان جديدة من صنع المحدثين، كل وفق ميوله وأغراضه، مع بقاء العنوان التراثي الذي يكفل لها التقديس.
ورغم ما قد يكون في بعض هذه المقاربات من حسن نية، إلا أنها تعد من أعمال التدليس والتزييف. ذلك أنها تنسب إلى أقدمين أفكاراً لمعاصرين، علاوة على إغراقها الحاضر في متاهة الأفكار الماضوية. فنظلم الماضي برؤيته منتزعاً من سياق ظروفه وبيئته، ونكبل الحاضر بربطه بأفكار نعرف جميعاً وإن جبنا عن التصريح، أنها صارت ببساطة أفكاراً بائدة.
النظرة الموضوعية للتراث هي التي تضعه باحترام في مكانه وتوصيفه الصحيح. وهو أن يكون سجلاً لتاريخ فكري واجتماعي بشري. وإن لم يكن سجلاً بالمعني الحرفي الدقيق الأمين لحقائق الماضي بمعايير عصرنا، فهو يسجل ما وصل إلينا من وصف الأجداد لعالمهم، بغض النظر عن مدى مصداقيتهم فيما قالوا.
#كمال_غبريال (هاشتاغ)
Kamal_Ghobrial#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟