قاسم الجميلي
الحوار المتمدن-العدد: 6202 - 2019 / 4 / 16 - 16:20
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
الصلة بين جماهيرنا العربية ومدام بوفاري
قاسم الجميلي
"مدام بوفاري" هو عنوان الرائعة القصصية للاديب الفرنسي غوستاف فلوبير (1821 - 1880). وهي من ابرز اعماله لكونها تنتمي للمدرسة الواقعية في الأدب التي نشأت في نهاية القرن الثامن عشر. ان مدام بوفاري في الرواية هي ابنة فلاح في قرية، لكنها شابة جميلة جامحة الخيال طامحة. وقد عشقها وتزوجها طبيب ينحدر من الوسط الريفي ذاته ولكنه يحمل عاطفة متحجرة. وبأحلامها الوردية التي قرأت عنها في الكتب وتمنت كثيرا أن تحققها، تفاجأت مدام بوفاري بان زوجها لايشاطرها اي منها. وقد مهد هذا الوضع الطريق لمدام بوفاري ان تضيق ذرعاً بهذه الحياة، وان تسلك دروب المغامرة، وان تبحث عمن يؤجج لديها العاطفة ويحقق لها الاحلام. فنجدها تارة تعشق هذا لمظهره ليس إلا ثم تضجر منه، ثم تعشق ذاك وتضجر منه هو الآخر. وتستمر مدام بوفاري في دورة الضجر هذه مع كل عشاقها حتى ينتهي بها المطاف ان تقرر التوقف عن ذلك بشرب السم ووضع حدا لحياتها واحلامها التي لم تتحقق مع اي من رجالها.
ومثلما عُرف عن مدام بوفاري انها كانت تغير رجالها مثلما تغير ثيابها، فان جماهيرنا العربية هي الاخرى تعشق قادتها لحين من الزمن. فتارة تجدها تهتف باسمهم تعظيما وتهزج لهم طربا ونشوة، ثم سرعان ما تضجر منهم في حين اخر فتنقلب عليهم. وفي كل مرة تعاود الجماهير الكرّة فترمي نفسها في احضان حكام اخرين وهكذا دواليك. لقد عشق المصريون والعرب الرئيس عبد الناصر وانبهروا به ومجدوه ثم انقلبوا عليه. وعملت الجماهير العراقية الشأن ذاته مع الرئيس صدام حسين، فقد احتفلت بحماس في الشوارع بعيد ميلاده الميمون ثم احتفلت بهياج ونشوة بيوم شنقه. جماهير كان يظهر للعيان انها تحكمها المبادئ والقيم، لكن احداث الزمن اثبتت انها في الاغلب تُساق بفعل مزاجها وهياجها العاطفي وفوق الكل مصالحها ومنافعها الذاتية. ثم في النهاية، كما انتحرت مدام بوفاري احباطا، انتحرت الجماهير العربية هي الاخرى في موسم "الربيع العربي" عندما رمت بنفسها في احضان اجنبية، فدُمّرت حواضرها وغُيّب تاريخها وتهاوى عيشها وزال امنها واستقرارها.
#قاسم_الجميلي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟