|
اليسار السوداني يقود ثورة فعلية
سامي الاخرس
الحوار المتمدن-العدد: 6201 - 2019 / 4 / 14 - 04:11
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
اليسار السوداني يقود ثورة فعلية قبل انتهاء الحلقة الأولى من أحداث المنطقة العربية، انطلقت الحلقة الثانية وعلى وجه التحديد في السودان الذي خرجت جماهيره رافعة شعار ثورة الخبز، والتي كانت الشرارة التي سرعان ما تلقفتها القوى اليسارية السودانية لإعلان العصيان على حكم امتد لثلاثة عقود؛ شهدت خلاله البلاد حكمًا تحت راية الإخوان المسلمين التي اختلفت فيما بينها، وانقسمت على نفسها بين مرشدها وزعيمها الترابي وبين رئيس النظام البشير، حقبة لم يشهد بها السودان أي مظاهر للنمو سواء المجتمعي، أو السياسي، أو الاقتصادي، بل تدهورت أحوال وأوضاع البلاد سياسيًا واقتصاديًا وجغرافيًا بما أن الجنوب السوداني تم منحه استقلالًا رغم ثرواته النفطية والاقتصادية الكبيرة، وغابت مظاهر العدالة المجتمعية، بل وانهار الاقتصاد السوداني وتحولت السودان لدولة الحزب والرئيس. ماذا حدث بالسودان؟ الأحداث السودانية لم تكن وليدة ارتفاع أسعار الخبز، بل هي تراكمات شهد السودان العديد من مؤشراتها، ففي عام 2013 خرج الشعب السوداني مطالبًا بحقوقه ومطالبه المجتمعية؛ إلا أن النظام السوداني استطاع التعامل مع هذه الحركة أمنيًا وقمعها بشكل قاسي، وزج بعناصر وقيادات المعارضة (اليسار) في المعتقلات والسجون، وخاصة قواعد الحزب الشيوعي السوداني، والنقابات المهنية، ورغم هذا الحرّاك لم تغير الحكومة السياسية من سياساتها ولم تستشف أن الشعب بدأ بالتململ، واستمرت في سياساتها وتصدير أزماتها الاقتصادية للمواطن السوداني عبر رفع الضرائب، ورفع الأسعار، والتغول على حقوق المواطن لصالح فئة وحزب واحد، مما أدى لانهيار اقتصادي عام بالرغم من دعم دول الخليج وتخفيف الولايات المتحدة لحصارها على السودان، وتدخل تركيا أيضًا؛ إلا أن الأوضاع الداخلية السودانية استمرت بالانهيار والتردي، ومرت البلاد بأزمات الوقود وارتفاع الأسعار، وتراجع وانهيار الجنية السوداني، وركود بالاقتصاد السوداني، وتحولت الاستثمارات الأجنبية لسيف على رقاب الشعب السوداني، والفئات محدودة الدخل، وعم الفساد كل مكونات المؤسسات السودانية دون أي خطوات اصلاحية فعلية من النظام والحكومة. ومع ارتفاع أسعار الخبز في أواخر العام الماضي خرج الشعب السوادني في معقل الحزب الشيوعي السوداني في عطبرة في التاسع عشر من ديسمبر 2018، لتتحرك جماهير الشعب السوداني بكل ولايات السودان، لتعبر عن غضبها على أحوال البلاد وتغول النظام على مقدرات الشعب السوداني، وواجهت الحكومة السودانية هذه التظاهرات باتجاهين (العصا والجزرة)، العصا وهي المعالجة الأمنية والتصدي بعنف وقسوة للمتظاهرين وللقيادات اليسارية والنقابية، واعتقلت الآلاف من أبناء اليسار والشعب السوداني، وملاحقة الشباب السوداني الذي سقط منه عشرات القتلى، أما الجزرة فقد خرج البشير وحزب المؤتمر ببعض القرارات أهمها عدم نية الرئيس التنحي إلا بعد انتهاء ولايته، مع الإعلان بعدم ترشحه لولاية جديدة، وإقالة الحكومة وولاة الولايات، والعودة عن رفع أسعار الخبز ...إلخ من القرارات التي تبدو مستهلكة للحركة الوطنية السودانية والشعب السوداني الذي رفض إلا الاستمرار في ثورته. وهنا يتضح أن الحزب الشيوعي والقوى الديمقراطية السودانية إنها استفادت من تجارب الشعوب العربية، ومن تجربتها السابقة، عكس النظام وحزب المؤتمر، وعليه فقد طورت المعارضة السودانية بخطوة ذكية وحاسمة تصعيد ثورتها بدفع الجماهير للاعتصام أمام مقر قيادة الجيش العامة في الخرطوم، وهي بتلك الخطوة وضعت الجيش أمام خيارين هما: الأول: أن يخرج للشعب السوداني بمؤسسة وطنية وجيش وطني يحمي ويدافع عن الشعب السوداني، وبذلك مهاجمة النظام بمؤسسة الجيش الركيزة الأساسية للبشير ومؤسسته التي تخرّج منها وصعد للحكم عبرها، وتجريده من قوته الرئيسية. الثاني: أن ينحاز الجيش للنظام ويعبر عن نفسه كأحد أدوات النظام وبذلك فقدان الثقة به من الشعب السوداني ومواجهة المعتصمين وانزلاق البلد في فوضى عارمة. ومع اليوم الثاني من الاعتصام بدا الجيش السوداني وكأنه في حالة انقسام، حيث أصدر بيانات متباينة منها من يدعو للاستجابة لمطالب المعتصمين والشعب السوداني، ومنها من يؤكد على ضرورة الحلول السلمية ولا نية لعزل الرئيس، وتحرك جزء من الجيش لحماية المعتصمين من هجمات قوى الأمن مما تطلب تحرك سريع قبل أن تتدهور حالة الانقسام في الجيش فجاء السيناريو الذي ظهر وكأنه توافق بين الرئيس وقيادة الجيش على عملية التسليم والتسلم، ومباغتة القوى التي تقود الثورة سياسيًا، حيث أعلن الجيش عن تشكيل مجلس عسكري بقيادة وزير الدفاع ونائب الرئيس بن عوف لفترة انتقالية لمدة عامين، والتحفظ على الرئيس البشير في مكان آمن، وعدم نية الجيش لعزل حزب المؤتمر الوطني في المستقبل أو اقصائه، والتي بدى الجيش بحالة مرتبكة غير واضحه حتى أنه لم يسمِ أعضاء المجلس العسكري، وهو تأكيد على الخلافات الكبيرة في هذه المؤسسة، كما أن قوى المعارضة وخاصة اليسار والنقابات المهنية، أدركت ما يدور رافضة البيان، ورافضة تشكيل المجلس برموز النظام، ووصفت ما يحدث بأنه عملية تسليم وتسلم للسلطة، فلم تحتفل قوى المعارضة ورفضت فض الاعتصام وأكدت على مواصلة نضالها حتى تحقيق مطالب الشعب بعزل النظام واسقاطه برموزه ومؤسساته، مما دفع رئيس المجلس ونائبه للتنحي في اليوم الثاني عن رئاسة المجلس. السودان ثورة يسارية فعلية: من خلال التجارب السابقة في المنطقة العربية والتي كانت جماعة الأخوان المسلمين تتصدر المشهد الشعبي، ورأس الحربة في حراكات الشارع العربي والتي من خلالها قادت هذه الحراكات لأهدافها وغاياتها الحزبية الضيقة التي تستهدف الوصول للسلطة سواء في مصر، أو اليمن، أو تونس، أو ليبيا، أو سوريا، بحيث لم تنجح أي ثورة في هذه الدول من تحقيق شعاراتها الكبيرة بالعدالة المجتمعية؛ لأن من قفز على ظهرها جماعة كانت لا تستهدف أكثر من الوصول إلى السلطة والحكم، وتمكين الجماعة التي تناضل منذ عقود للوصول لهذه الغاية، لذلك كانت تعم الاحتفالات والمهرجانات بمجرد تنحي الرئيس في أي دولة، ويتم فض التجمعات والاعتصامات ويبدو الأمر وأن الهدف والنصر قد تحققا، لأن الأهداف كانت تحدد بدوائر ضيقة ومخططة لمراحل قادمة عبر الوصول إلى الحكم، لذلك انتهت كل الحراكات العربية إلى فوضى وصدام عنيف، وأزمات عميقة كما حدث في مصر وتونس على وجه التحديد والتي تواجه فوضى مسلحة من بقايا هذه الجماعة وجماعات مسلحة أخرى، تحاول ضرب البنى الأساسية للدولة ومؤسساتها. أما في السودان فبمجرد إعلان الجيش الاستجابة لمطالب الشعب لم تحتفِ قوى اليسار الديمقراطي والنقابات أو تعلن الانتصار، بل عبرت عن رفضها لما جاء بالبيان وأكدت إنها ستواصل ثورتها وثورة الشعب حتى تحقق مطالبه العادلة، مما يؤكد إنها قوى ثورية تنطلق من مبادئ وايديولوجيا ثورية تنحاز للطبقات المهمشة كما حدث في حراك الشباب الفلسطيني في غزة قبل عدة أيام (بدنا نعيش) والتي إنحاز لها اليسار الفلسطيني غير طامعًا بسلطة أو بحكم، وإنما من منطق النصير للمستضعفين من فئات المجتمع المهمشة، كما هو الحال في القوى السودانية اليسارية التي لا زالت متمسكة بمطالب الجماهير والفئات المهمشة رافضة الاحتفال بالنصر أو محاولة استغلال الحدث ومساومة الجيش على مكتسبات مستقبلية في السلطة والحكم، بل تمسكت بمبادئ العدالة المجتمعية، وأكد على عدم المساومة على تلك الحقوق إلا بضمان حقوق الثورة والشعب السوداني. من هنا فإن ما تحقق هو ثورة فعلية تستهدف حقوق المواطن ومطالبه وليس مجرد ثورة لأهداف حزبية ضيقة. مخارج الأزمة السودانية: مع تسارع وتيرة الأحداث خلال الأيام الثلاثة السابقة فإن كل المؤشرات تؤكد أن اليسار السوداني وقوى الثورة الديمقراطية السودانية يدركوا الخريطة السياسية السودانية، ويدركوا ضرورة الاستمرار بالثورة حتى تحقق كل مطالبها دون الرجوع للخلف، هذا الإدراك هو نتاج حقائق على الأرض بأن حزب المؤتمر وجماعة الأخوان المسلمين مسيطرون على المكونات السودانية عامة خلال العقود الثلاثة السابقة، كذلك استدراك تجارب الشعوب العربية التي شهدت ثورات شعبية وما آلت إليه أحوالهم، وإدراك لخصوصية الساحة السودانية وطبيعتها وتركيبتها، وكذلك الإدراك الواعي لما حدث من الوهلة الأولى ومن خلال البيان الأول للجيش السوداني، فكان الرد حاسم جازم، وتفويت الفرصة على المناورات التي حاول الجيش وقيادته أن يسوقها للشارع السوداني، فبيان الجيش غير واضح وغير معلوم الخطوط، بل ترك الباب مشرعًا لعودة سيطرة حزب المؤتمر على مقدرات الشعب السوداني، وعليه فمحاولات الجيش السوداني لرأب الصدع في مؤسسته ووأد أي محاولة انقسام من خلال اللجوء لحلول وسطية تلبي رغبات الحزب الحاكم وبعض مفاصل الجيش والشعب؛ إلا أن المعارضة وقوى الثورة اليسارية أفشلت هذه المناورات من خلال التأكيد على مطالب الجماهير العادلة، وحقها بحلول جذرية وليس معالجات مؤقته، وهي تدرك أيضًا أن السودان يمر بمفترق سياسي خطير وأي مغامرة تؤدي لانزلاق البلاد في فوضى عارمة، وصدامات مسلحة عنيفة، خاصة وأن حزب المؤتمر يمتلك العديد من التشكيلات المسلحة، بالإضافة للتركيبة القبلية للمجتمع السوداني، والعديد من المليشيات المسلحة التي كانت تواجه النظام عبر العقود السابقة، وعليه فهناك العديد من السيناريوهات التي يمكن أن يشهدها السودان في أزمته الحالية: أولًا: أن يتم تشكيل حكومة انتقالية مدنية تشكلها الأحزاب السودانية، والقوى الديمقراطية السودانية، والجيش السوداني، والأجهزة الأمنية لفترة انتقالية لا تتجاوز العام يتم خلالها تهيئة السودان لانتخابات عامة لكل مؤسسات الدولة التشريعية والتنفيذية والولايات. ثانيًا: أن يقود السودان مجلس عسكري من الجيش السوداني لفترة انتقالية ثلاثة إلى ستة أشهر يتم من خلالها تعديل الدستور، وتعديل نظام الانتخابات والإعلان خلال عن موعد الانتخابات العامة شريطة أن لا يرشح لها أي عضو من مؤسسة الجيش الحالية. ثالثًا: أن تُصر قوات الجيش على خطواتها من خلال إعلان الطوارئ، وفض الاعتصامات بالقوة واللجوء للحلول الأمنية والعسكرية وهو سيناريو بكل حالاته سيؤدي لحالة صدام عنيفة بين قوى الشعب السوداني وجيشه الوطني ربما تؤدي لانقسامات حادة في مكونات الجيش وصدامات عسكرية تنزلق بالسودان لحالة احتراب شاملة تستغلها العديد من القوى المتربصة بالسودان. رابعًا: أن يتم التوافق بين القوى السودانية والجيش على ترشيح شخصية مدنية سودانية مستقلة تشكل مجلس طوارئ يقود السودان مدنيًا لفترة انتقالية لمدة عام يتم خلالها تهيئة السودان لانتخابات عامة، ووضع أسس واستراتيجيات للتخفيف عن كاهل المواطن السوداني مؤقتًا، وصياغة دستور مدني يكفل للجميع الحقوق. وعليه فإن المستقبل يحدده ملامح الأيام القادمة والتي من المؤكد أن جميع الأطراف وخاصة قوى الثورة واليسار لن تنحو بالسودان إلى الانزلاق في أتون فوضى وفلتان وصدامات، كما إنها لن تسمح باستمرار النظام بمؤسساته ورموزه لأنها قوى ثورية تستهدف العدالة المجتمعية للمواطن السوداني، وعليه فإنها ستكون أكثر توافقًا مع أيديولوجيتها الثورية المبدئية القائمة على وحدة السودان وسلامته. د. سامي محمد الأخرس الثالث عشر من إبريل(نيسان) 2019 [email protected]
#سامي_الاخرس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المقاومة مشروع متكامل
-
حصاد اليسار... التجمع الديمقراطي الفلسطيني
-
حكومة فصائلية متطلب حالة أم هروب
-
حرب نفسية في المواجهة مع دولة الكيان
-
السودان في اتجاه معلوم
-
اقليم ليس متمرد
-
الظاهرة الطبيعية في انطلاقة الجبهة الشعبية
-
ليسوا مطبعون بل منفذون
-
رأفت النجار لا أعرفك ولكني أعرفك
-
خطاب الرئيس محمود عباس بين القديم والجديد
-
روسيا وتركيا في سوريا
-
هدنة الوهم أم وهم الهدنة
-
القضية الفلسطينية على موائد التاريخ والحلول
-
ماذا بعد الرئيس محمود عباس
-
المجلس الوطني الفلسطيني مدخلات ومخرجات
-
سوريا واستراتيجية الرد
-
عدنان مجلي وملامح المرحلة القادمة
-
حراكات ساذجة من شباب ساذج
-
مصر والسودان منهجية الاختلاف وإستراتيجية الإلتقاء
-
سقوط إيران حتمية قائمة
المزيد.....
-
السعودية تعدم مواطنا ويمنيين بسبب جرائم إرهابية
-
الكرملين: استخدام ستورم شادو تصعيد خطر
-
معلمة تعنف طفلة وتثير جدلا في مصر
-
طرائف وأسئلة محرجة وغناء في تعداد العراق السكاني
-
أوكرانيا تستخدم صواريخ غربية لضرب عمق روسيا، كيف سيغير ذلك ا
...
-
في مذكرات ميركل ـ ترامب -مفتون- بالقادة السلطويين
-
طائرة روسية خاصة تجلي مواطني روسيا وبيلاروس من بيروت إلى موس
...
-
السفير الروسي في لندن: بريطانيا أصبحت متورطة بشكل مباشر في ا
...
-
قصف على تدمر.. إسرائيل توسع بنك أهدافها
-
لتنشيط قطاع السياحة.. الجزائر تقيم النسخة السادسة من المهرجا
...
المزيد.....
-
المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية
/ ياسين الحاج صالح
-
قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي
/ رائد قاسم
-
اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية
/ ياسين الحاج صالح
-
جدل ألوطنية والشيوعية في العراق
/ لبيب سلطان
-
حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة
/ لبيب سلطان
-
موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي
/ لبيب سلطان
-
الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق
...
/ علي أسعد وطفة
-
في نقد العقلية العربية
/ علي أسعد وطفة
-
نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار
/ ياسين الحاج صالح
-
في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد
/ ياسين الحاج صالح
المزيد.....
|