|
الدول العربية وهجرة العقول!
فهد المضحكي
الحوار المتمدن-العدد: 6200 - 2019 / 4 / 13 - 11:37
المحور:
الادارة و الاقتصاد
تشير بعض الإحصائيات الرصينة إلى وجود عدد كبير من النخب الثقافية والعلمية والمهنية العربية المنتشرة في كثير من دول العالم، وبفضل الكفاءة العالية التي تتمتع بها تلك النخب تم احتضانها في مؤسسات علمية وجامعات ذات شهرة عالية، فبرز منهم علماء كبار لديهم حضور فاعل في مراكز عملهم، ومنهم من شارك في الحياة السياسية ووصل إلى مراكز متقدمة في السلطة.
هذا ما ذكره الأكاديمي د. مسعود ضاهر في مجلة العربي الكويتية عدد مارس 2019.
وذلك - وفق رأيه - يطرح تساؤلات لا حصر لها حول الأسباب العميقة لهذه الظاهرة المتنامية التي باتت تشكل تزيفاً حاداً للدول العربية، وتهدد مجتمعاتها بفقدان كثير من نقاط القوة والصمود في زمن الهيمنة الشرسة للعولمة التسلطية، التي تهدد الأمن والاستقرار في العالم.
في تحليله لهذه الظاهرة يؤكد أن سياسة هدر الإمكانات البشرية والموارد الطبيعية العربية مازالت في صلب الهجرة العربية المتفاقمة باتجاه مختلف دول العالم، فقد فشلت الأنظمة العربية في ايجاد حلول علمية طويلة الأمد للمعضلات الاقتصادية والاجتماعية، وهي الآن عرضة للتفجير من الداخل عبر عصبيات طائفية وقبلية وقوى عسكرية تقلص دور التنمية فيها إلى الحدود الدنيا، فأرهق الاقتصاد العربي بالقروض الخارجية المستدامة من مؤسسات مالية دولية بفوائد فاحشة، وانفتح طريق الهجرة أمام النخب العربية إلى الخارج على مصراعيه.
ليس من شك في أن انتقال – وهو ما أشار إليه منذ سنوات الدكتور فيضي عمر محمود رئيس اتحاد الأطباء العرب في أوروبا – الموارد البشرية التي تمتلك المعرفة والمهارات من بلادها الأصلية النامية إلى البلدان المتقدمة بسبب ما تواجهه هذه الموارد من صعوبات في بلادها الأصلية مثل الحروب والنزاعات المسلحة أو عدم الاستقرار السياسي او البطالة او قلة فرص التقدم الوظيفي او ندرة مجالات البحث العلمي، او المخاطر الصحية وغير ذلك، وهذه الظاهرة تكلف الدول العربية حوالي 200 مليار دولار سنوياً.
وفي مقابل ذلك، إن الوطن العربي يساهم في ثلث هجرة الكفاءات من البلدان النامية، 50% من الأطباء، و23% من المهندسين، و15% من العلماء من مجموع الكفاءات العربية المتخرجة يهاجرون إلى أوروبا والولايات المتحدة وكندا.
يشكل الأطباء العرب 34% من مجموع الأطباء العاملين في انكلترا، وتستقطب الولايات المتحدة وكندا وبريطانيا 75% من المهاجرين العرب، إن الخسائر التي منيت بها البلدان العربية من جراء هجرة العقول العربية بلغت 11 مليار دولار في عقد السبعينات!.
تشير الإحصاءات إلى أن 7350 عالماً هاجروا من العراق إلى الغرب في الفترة من 1991 - 1998 بسبب الحصار الذي كان مفروضاً على العراق، وفي السنوات الثلاث الأولى من الاحتلال للعراق أي من 2003 - 2006، اغتيل 89 استاذاً جامعياً عراقياً، وتقول منظمة العمل العربية إن هنالك 450 ألف من حملة الشهادات العليا العرب هاجروا إلى أمريكا وأوروبا خلال السنوات العشر الأخيرة، وإن أكثر من نصف طلاب العرب الذين يتلقون دراساتهم العليا في الخارج لا يعودون إلى بلدانهم بعد التخرج، وهذا يدل على وجود خلل يجب معالجته لمصلحة كل من الوطن وأبنائه الشباب.
من المؤكد ثمة أسباب عميقة تقف وراء هذه الظاهرة لا تنفصل عن العوامل الاقتصادية والأمنية والاجتماعية والسياسية فهي تحتل الأولية في التأثير المباشر على هجرة الكفاءات العربية.
وباختصار إذا ما أردنا الحديث عن هذه السباب فإن عدم توفير الظروف المادية والاجتماعية التي تؤمن من المستوى المناسب لهم للعيش في المجتمعات العربية تأتي في المقدمة هذه الأسباب وكذلك البيروقراطية والفساد والإداري وتضييق الحريات على العقول العلمية المبدعة، وعدم الاستقرار السياسي والاجتماعي، وتهميش الباحث من قبل القيادات العلمية والسياسية والتي تؤدي إلى شعور بعض أصحاب الخبرات بالغربة في أوطانهم او تضطرهم إلى الهجرة سعياً وراء ظروف أكثر حرية وأكثر استقراراً، هذا ما أوجزه محمود في مقاله العلمي أسباب ودوافع هجرة الكفاءات الصحية العربية والحد من الهجرة.
في حين يعتبر – ضاهر – السلطات السياسية غير الديمقراطية السائدة في العالم العربي عامل دفع لهجرة أعداد كبيرة من المثقفين وأصحاب المهن الحرة من غالبية الدول العربية، لكن هناك مواقف مضيئة لعدد كبيرة من المثقفين العرب الذي تصدوا بجرأة لسياسة قمع الحريات وعدم احترام الرأي الآخر في بلادهم.
وتوضيحاً لذلك فإنه يرى كثيراً ما دفع المثقف العربي الحر – وغيره من مثقفي القوميات الأخرى في الدول العربية – ثمناً غالياً في تصديه لقوى القمع والإرهاب في بلده، وإن معالجة مشكلات الهجرة العربية المتفاقمة وما نجم عنها أزمات كالاستقرار والاندماج يتطلب إعادة نظر جذرية في مقولات الإصلاح السياسي والتنمية البشرية والاقتصادية المستدامة في جميع الدول العربية، فقد شجعت على الاستهلاك غير المجدي، وأهملت تنمية الطاقات البشرية، وبخاصة الشابة منها التي اختارت طريق الهجرة، علماً بأن فلسفة التنمية في الدول المتطورة تولي أهمية قصوى لبناء الإنسان المبدع؛ لأنه رأس المال الأكبر، وهو هدف التنمية وغايتها، لكن الحد من سيل الهجرة رهن بتلبية حاجات الإنسان في الدول العربية الذي يشكل رأس المال الثابت في مشاريع النهضة العربية، وذلك بالتركيز على المقاولات التالية:
- إطلاق حرية الإنسان ودعم طاقاته الإبداعية في مختلف حقول العلم والمعرفة والإبداع الفردي والجماعي.
- تنظيم المجتمعات العربية على أسس العدالة، والمساواة، وتكافؤ الفرص، والتوزيع العادل للموارد الطبيعية.
- عدم التفريط بمصادر الطاقة والموارد الخام، واعتماد نظام المساءلة والشفافية في محاسبة المسؤولين عن الهدر.
- تحسين نوعية الأداء السياسي للقوى المسيطرة، ووضع ضوابط دستورية لمنع التسلط، واستغلال النفوذ، والتفرد في اتخاذ القرارات المصيرية.
- تطوير الأداء العربية ومدها بأفضل القوى البشرية ذات الكفاءة العلمية العالية.
- حل مأزق الهوية الثقافية العربية في عصر العولمة، لأنه على صلة وثيقة بهجرة النخب الثقافية العربية الشابة وما ترتب عليها من تراجع في الإنتاج العلمي والإبداع الثقافي الدول العربية.
#فهد_المضحكي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ترامب وانتهاك الشرعية الدولية!
-
المدير الفاشل!
-
المرأة في الدول العربية وسوق العمل!
-
أرقام حول المرأة في يومها العالمي
-
تقارير عن الجوع وسوء التغذية!
-
الإسلام السياسي والاغتيالات السياسية!
-
ترامب وريغان
-
صراع الطوائف والطبقات في المشرق العربي وإيران
-
التدخل الأمريكي في أمريكا اللاتينية!
-
«نقمة النفط».. كيف تؤثر الثروة النفطية على نمو الأمم
-
بعض توقعات ستراتفور لعام 2019
-
المثقف وهاوية الطائفية!
-
الإمارات وعام التسامح
-
تقارير عن الفقر!
-
خليل سعادة
-
احتجاجات الفئات المهمشة!
-
الدول النامية وأزمة الاستدانة!
-
عن منتدى جمعية المرأة البحرينية
-
اعيدوا النظر.. انتخبوا الأكفأ
-
عن الكوتا النسائية
المزيد.....
-
مسؤول إسرائيلي: وضع اقتصادي -صعب- في حيفا جراء صواريخ حزب ال
...
-
مونشنغلادباخ وماينز يتألقان في البوندسليغا ويشعلان المنافسة
...
-
وزير الخارجية: التصعيد بالبحر الأحمر سبب ضررا بالغا للاقتصاد
...
-
الشعب السويسري يرفض توسيع الطرق السريعة وزيادة حقوق أصحاب ال
...
-
العراق: توقف إمدادات الغاز الإيراني وفقدان 5.5 غيغاوات من ال
...
-
تبون يصدّق على أكبر موازنة في تاريخ الجزائر
-
لماذا تحقق التجارة بين تركيا والدول العربية أرقاما قياسية؟
-
أردوغان: نرغب في زيادة حجم التبادل التجاري مع روسيا
-
قطر للطاقة تستحوذ على حصتي استكشاف جديدتين قبالة سواحل ناميب
...
-
انتعاش صناعة الفخار في غزة لتعويض نقص الأواني جراء حرب إسرائ
...
المزيد.....
-
الاقتصاد المصري في نصف قرن.. منذ ثورة يوليو حتى نهاية الألفي
...
/ مجدى عبد الهادى
-
الاقتصاد الإفريقي في سياق التنافس الدولي.. الواقع والآفاق
/ مجدى عبد الهادى
-
الإشكالات التكوينية في برامج صندوق النقد المصرية.. قراءة اقت
...
/ مجدى عبد الهادى
-
ثمن الاستبداد.. في الاقتصاد السياسي لانهيار الجنيه المصري
/ مجدى عبد الهادى
-
تنمية الوعى الاقتصادى لطلاب مدارس التعليم الثانوى الفنى بمصر
...
/ محمد امين حسن عثمان
-
إشكالات الضريبة العقارية في مصر.. بين حاجات التمويل والتنمية
...
/ مجدى عبد الهادى
-
التنمية العربية الممنوعة_علي القادري، ترجمة مجدي عبد الهادي
/ مجدى عبد الهادى
-
نظرية القيمة في عصر الرأسمالية الاحتكارية_سمير أمين، ترجمة م
...
/ مجدى عبد الهادى
-
دور ادارة الموارد البشرية في تعزيز اسس المواطنة التنظيمية في
...
/ سمية سعيد صديق جبارة
-
الطبقات الهيكلية للتضخم في اقتصاد ريعي تابع.. إيران أنموذجًا
/ مجدى عبد الهادى
المزيد.....
|