أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - ميثم الجنابي - الحسن البصري - مثقف الروح المتسامي (1-3)















المزيد.....



الحسن البصري - مثقف الروح المتسامي (1-3)


ميثم الجنابي
(Maythem Al-janabi)


الحوار المتمدن-العدد: 6195 - 2019 / 4 / 8 - 01:20
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


تقديم

ولد الحسن البصري، كما يقول أبو طالب المكي عام 20 للهجرة، قبل يومين من بقية خلافة عمر بن الخطاب. وبهذا تكون ولادته قد رافقت الاستكمال والاستتباب الأول لفكرة الخلافة الإمبراطورية بوصفها جزء من صيرورة الإمبراطورية الثقافية. إذ لم تكن الوحدانية الإسلامية المتغلغلة في فكرة الغزو، سوى الباعث الروحي الكامن في صيرورة ما ادعوه بالخلافة الإمبراطورية. وقد كانت بدورها محكومة في أبعادها السياسية بفكرة الرشد، أي بالقانون والشريعة والانتماء للأمة، وفي أبعادها الدينية بفكرة الأمة الواحدة المتحررة من مختلف مكونات "الجاهلية". ومن ثم، فإنها كانت تحتوي في أعماقها على مرجعيات الروح الثقافي. مما جعل من ولادتها صيرورة مرادفة لبداية القرن التأسيسي للدولة الكبرى (توفي الحسن البصري عام 110 للهجرة). وهو تأسيس كامن في صيرورته الفردية وكينونته الفردانية. ومنهما تراكمت شخصيته الروحية والاجتماعية والسياسية، التي جعلت منه احد ممثلي الاحتجاج المنظومي على خروج الأموية عن صراط الرشاد في إدارة شئون الدولة، والخروج على منطق مرجعياتها الأولى القائمة في أولوية وجوهرية الشريعة والنظام والقانون والأمة وقيم الأخلاق الروحية والعملية.
***

إن الأرواح الكبيرة للمثقفين صيرورة متراكمة في مجرى إدراك القيم السائدة في مظاهر البشر وبواطنهم. وهو إدراك يؤدي بالضرورة إلى نقد الواقع من خلال انتفاضة الجسد واحتجاج العقل. وحالما ترتقي وحدة الانتفاض الحسي والاحتجاج العقلي إلى مصاف الإدراك الأخلاقي، حينذاك يبدأ الروح في احتجاجه الخاص. لكنه خلافا للعقل والجسد، عادة ما يحفر قنواته العميقة صوب بحار الحكمة، أي نحو عوالم بلا أوهام وأهواء، بوصفها المقدمة الضرورية لصنع إرادة فاعلة في عوالم الخيال المبدع.
وعادة ما يتوقف حجم هذه العوالم ونوعها وعمقها ومداها على قدر ما في تاريخ الدولة والأمة من مساع إمبراطورية. فالشخصيات الكبرى هي الوجه الآخر للمساعي الإمبراطورية والنزعة الكونية. فإذا كانت الإمبراطورية الأموية هي نتاج معارك القوى الاجتماعية والسياسية والروحية للخلافة في مجرى القرن التأسيسي الأول، فإن الحسن البصري كان وجهها الآخر.
إننا نعثر فيه على الصفة الفردية والفردانية لإمبراطورية الروح المناهضة لسلطان السلطة المستبدة. وذلك لأنه جسّد بذاته خزين معارك القرن الأول وصراعاته وبحثه عن البدائل، أي كل ما كان يحتدم في أعمق أعماق النفس واشد مظاهرها بروزا في حل إشكاليات الوجود الطبيعي والماوراطبيعي للفرد والجماعة والأمة والدولة . مما جعل منه في العرف الإسلامي العام احد المصادر الكبرى للفكرة الإسلامية المتسامية رغم تباين المواقف السياسية منه. وهو أمر طبيعي. فالشخصية الكبرى، التي تنذر نفسها من اجل صنع "الإجماع" عادة ما تصبح احد مصادر الخلاف الأكبر. كما أنه القربان الروحي الضروري لكي تتكامل الدولة بمعايير الحق والمثقف بمعايير الحقيقة.
فقد جسّد الحسن البصري في ذاته نموذج المثقف المتسامي عن صراع القوى الحزبية ونزوعها الضيق وأوهامها وأهوائها وظنونها الجازمة! مما جعل منه نغما متموجا في دبيب النفس الاجتماعية والعقل الحر والروح الأخلاقي. بحيث جعله على الدوام محل الاحتكاك والحراك، كما جعله قريبا من الجميع وبعيدا عنهم. أما في الواقع فان القرب والبعد ليسا إلا الصيغة الظاهرية عن حقيقة بعده عن الباطل والخطيئة والرذيلة وقربه من الحق والصواب والفضيلة. لكنه اقتراب وابتعاد فرداني متحرر من أوهام وأهواء العامة والخاصة. ومن الممكن العثور عليه في احد أجوبته عندما قيل له مرة
- يا أبا سعيد! صليت؟
- نعم!
- لكن أهل السوق لم يصلوا بعد؟!
- ومن يأخذ دينه من أهل السوق؟!
بمعنى تمثيله لمسار الرؤية الفردية المسبوكة بمعايير المعاناة الفعلية للحق، أي تمثله للحقيقة القائلة، بان المعاناة هي التي تجعل الحياة سهلة بسيطة كالماء والهواء والنار والتراب. وذلك لان الحياة الخالية من معاناة كبرى هي ركود وملل. ومن ثم فهي كآبة قادرة على سحب بريق الرأفة والحنان والرقة والجمال من كل مشاعر الجسد وقلق الوجدان وتأمل العقل. وبالتالي من المكونات الضرورية التي تبعث في الوجود حرارة المعنى وقيمته بالنسبة للمصير والتاريخ على السواء.
وليس مصادفة أن نعثر في أكثر من تقرير مقارن له عن إشارة إلى ما "أدركه"، أي رآه وتحسسه وعاينه وعايشه وتأمله وتفكر به. من هنا كلماته العديدة التي يشير فيها إلى الأسلاف، ولكن بمعايير التجربة الفردية والتأمل الحسي والعقلي، وليس التقليد. إذ نراه مرة يقول "لقد أدركت سبعين بدريا ما كان لباسهم إلا الصوف" . وفي حالة أخرى يقول "أدركت سبعين من الأخيار ما لأحدهم إلا ثوبه، وما وضع احدهم بينه وبين الأرض ثوبا. وكان إذا أراد النوم باشر الأرض بجسمه وجعل ثوبه فوقه" . وفي حالة ثالثة يقول "أدركت أقواما كانوا لا يشبعون بأكل احدهم حتى إذا رد نفسه امسك ذائبا ناحلا مقبلا على نية. يعيش عمره كله ما طوي له ثوب قط، ولا أمر أهله بصنعة طعام، ولا جعل بينه وبين الأرض شيئا" . وفي حالة رابعة يقول "لقد رأيت أقواما كانت الدنيا أهون على احدهم من التراب تحت قدميه" . وفي حالة خامسة يقول "لقد أدركت أقواما كانوا أؤمر الناس بالمعروف وآخذهم به، وأنهى الناس عن منكر واتركهم له. ولقد بقينا في أقوام أأمر الناس بالمعروف وأبعدهم منه، وأنهى الناس عن المنكر وأوقعهم فيه. فكيف الحياة مع هؤلاء؟!" . إذ يتمم هذا السؤال من حيث منطقه الداخلي تأمل تجربة الماضي والحاضر بمعايير الإدراك الأخلاقي الذاتي. فالقضية هنا ليست في عدد مرات الإدراك بقدر ما تكمن في نموذجيتها المتكاملة في السؤال المتألم حول كيفية العيش مع هذا القطيع المقطوع عن تجارب الأسلاف الكبرى. ويحتوي هذا السؤال في أعماقه على إجابة، وذلك لأنه سؤال الاستغراب والاندهاش من الكيفية التي يمكن الهبوط بها صوب الحضيض، بينما الحقيقة والحق يفترضان الارتقاء الدائم صوب السمو الروحي.
بعبارة أخرى، إننا نقف ليس أمام سؤال يهدف إلى إدراك واقع أو حقيقة بقدر ما نقف أمام سؤال هو تعبير عن صرخة العقل والوجدان المتموجة في أعمق أعماقه بوصفها جزء من معاناة تاريخية أخلاقية كبرى. ويمكن الهبوط بهذه المعاناة إلى ميدان الخشونة المرّة للحياة من اجل تحسسها بمعايير الجسد أيضا، كما نراها في الفكرة التي وضعها مرة في عبارة مباشرة يخاطب بها الإنسان قائلا:"ابن ادم! انك تموت وحدك! وتدخل القبر وحدك! وتبعث وحدك! وتحاسب وحدك! ابن ادم وأنت المعني وإياك يراد" . وهي حقيقة اقرب إلى البديهة العقلية. لكن مفارقتها المثيرة تقوم في عدم تحسس أغلبية البشر لها، مع أنها اقرب الأشياء إلى جسد الإنسان! مما جعل عبارة الحسن البصري المذكورة أعلاه أشبه ما تكون بحشرجة مصدرها غباء العامة، وصلف الخاصة، وغيبوبة العقل، واندثار اليقين الروحي! من هنا يمكن فهم الاستكمال المبسط والمتمم لفكرة أن الإنسان يموت لوحده ويدفن لوحده، وان المقصود بكل ذلك هو الإنسان المخاطب (الجميع). بحيث نرى الحسن البصري يصل ضمن هذا السياق، إلى مطابقة ماهية المؤمن مع المحاسبة الذاتية باسم الحق، كما وضعها في عبارته القائلة:"إن المؤمن قوّام على نفسه، يحاسب نفسه لله" . بمعنى خروجه من تقاليد التقليد وشرطية العلاقات والقيم والانطواء على النفس بمعايير الروح المتسامي. وسوف تبداع هذه الحالة لاحقا فكرة وسلوك الخلوة بوصفها طريق التنقية الذاتية للنفس. وهي الحالة التي نعثر على صداها وتأسيسها الأول في السلوك الشخصي للحسن البصري، كما نراها على سبيل المثال في رده على ثابت البناني، الذي أراد مرافقة الحسن إلى الحج بعد أن سمع بذلك. فقد أجابه الحسن قائلا:"ويحك! دعنا نتعاشر بستر الله علينا. إني أخاف أن نصطحب فيرى بعضنا من بعض ما نتماقت عليه" .
إننا نقف هنا أمام فكرة تعكس نوعية السلوك المتراكم في مجرى المعاناة النقدية للنفس بوصفها محاسبة عسيرة، أو ما اسماه بمحاسبة النفس لله. بمعنى تحررها من قيود الظاهر والتقليد وعرف العوام. وليس مصادفة أن يرفع الحسن البصري هذا السلوك إلى مصاف الفكرة النظرية والعملية تجاه علاقة العقل والنقل أو الدراية والرواية، باعتبارها إحدى إشكاليات الثقافة الكبرى آنذاك. بحيث نسمعه يقول مرة:"إن الله لا يعبأ بصاحب رواية، وإنما يعبأ بذي فهم ودراية" . وأن "من لم يكن له عقل يسومه لم تنفعه كثرة مروياته" .
وتعكس هذه الفكرة أولا وقبل كل شيء ما يمكن دعوته بنوعية السلوك الباطني المتراكم في مجرى احتكاك النفس بخشونة الواقع الفعلية و"استحالة" المثال. لكنه تراكم فردي بالضرورة ومحكوم بمعاناة التجربة الذاتية الحرة. من هنا اندفاعها مع كل انغماس في دروبها صوب دهاليز الجنون المرعبة للذهنية المستأنسة بروايات الأسلاف، والمستظرفة بأساطيرهم الوديعة، والمتراخية بقصص الليالي وسردها المغري! وهي نتيجة ليست معزولة عن واقع الحقيقة القائلة، بان السمو الفردي المحكوم بمعاناة التجربة الذاتية الحرة عادة ما يجعل الشخصية "مجنونة" بمعايير الظاهر والعابر والزمن، و"روحا" بمعايير التاريخ والحقيقة. من هنا مقارنة الزمن العابر بالتاريخ الروحي في العبارة التي تفوه بها مرة عندما قال: "صحبت طوائف لو رأيتموهم لقلتم مجانين! ولو رأوا أخياركم لقالوا ما لهؤلاء من أخلاق!" . ويمكن فك رموز هذه "الصحبة" وأسرارها الواقعية والمعنوية حالما يجري وضعها على محك المطلق بوصفه مصدر الوحي الذاتي والكمال المتحرر، مما ستدعوه المتصوفة لاحقا برّق الاغيار، أي التحرر من عبودية الغير أيا كان شكله ومحتواه. فعندما قيل له مرة، بان قوما يحضرون مجلسه ليس بغيتهم إلا تتبع سقطات كلامه وإرهاقه بالسؤال، نراه يبتسم ويقول:"إني حدّثت نفسي بسكنى الجنان ومجاورة الرحمن فطمعت! وما حدّثت نفسي بالسلامة من الناس، لأني علمت أن خالقهم ورازقهم ومحييهم ومميتهم لم يسلم منهم" .
وليس في كلامه هذا شيئا غير حقيقة المحبة المفعمة برائحة التحرر من كل ما لا يمكنه أن يوصل إلى إدراك حقيقة الحق. وذلك لان حقيقة الحق بالنسبة للحسن البصري تقوم في بلوغ الحكمة. وهذه بدورها ليست شيئا غير "تحديث النفس بسكنى الجنان ومجاورة الرحمن"، بمعنى تجديدها وإصلاحها الدائم بحوار الرحمة الأبدية. لكنها رحمة يستحيل بلوغها دون معاناة التجربة الحرة بوصفها حوارا أبديا للروح المتسامي. وقد بلغ الحسن البصري هذه الغاية ووضعها في عبارته القائلة: "إن أهل العقل لم يزالوا يعودون بالذكر على الفكر، وبالفكر على الذكر حتى استنطقوا قلوبهم فنطقت بالحكمة" . كما سيقول عنه أبو نعيم الأصفهاني "مازال الحسن البصري يعي الحكمة حتى نطق بها" . وهو نطق ميز كلمة الحسن البصري وعبارته بوصفها حكمة. لهذا نسمعه يقول:"لسان المؤمن وراء قلبه. إذا أراد أن يتكلم تفكر. فإن كان له تكلم، وان كان عليه امسك. وقلب المنافق على طرف لسانه" . ومع ذلك تبقى مقارنة جزئية تعكس الفكرة الأوسع والأعمق والأكثر شمولا لعلاقة اللسان والقلب والحكمة، عندما وضعها في عبارته القائلة:"من لم يكن كلامه حكمة فهو لغو. ومن لم يكن سكوته تفكرا فهو سهو. ومن لم يكن نظره اعتبارا فهو لهو" .
بعبارة أخرى، إن وحدة الحكمة والتفكر والاعتبار هي الحلقات الضرورية التي تصنع على مثالها سبيكة الأنا الناطقة بالحق. بمعنى صيرورتها التاريخية والذاتية بوصفها تلقائية واحدة وجدت تعبيرها الإسلامي بوحدة الكمية النوعية القائمة في بلوغ الأربعين والنبوة. لهذا نرى المكي وغيره، على سبيل المثال، يقول بان الحسن البصري ظل "يعي الحكمة أربعين سنة حتى نطق بها" . ويعكس هذا الرقم أولا وقبل كل شيء نمطية التقاليد الإسلامية التي جعلت من الأربعين حدا للنبوة والحكمة. من هنا إجماع الثقافة العامة عنه، بأنه "ذاك الذي يشبه كلامه كلام الأنبياء" . ثم تخصيص ذلك بما يتناسب مع ذوق الثقافة الإسلامية ورؤيتها للعظمة عبر مشابهة كلامه بكلام النبي محمد، كما نراه في العبارة التي يوردها أبو طالب المكي عندما كتب يقول، بأن كلام الحسن البصري "كان يشبه كلام رسول الله" . وبهذا يكون الحسن البصري قد بلغ الدرجة المثلى في العرف التاريخي والروحي للثقافة الإسلامية التي جعلت منه سبيكة حية لتاريخ الأنبياء والحكماء. ويمكننا العثور على هذه الدرجة في العبارة التي وصفته بكلمات:"أن لسانه مثل لسان الأنبياء والحكماء". وليس المقصود بذلك نطق اللسان، بقدر ما كان المقصود به نمط التفكير والأسلوب والغاية. وهو القصد الذي يمكن رؤيته في التحديد الذي قدمه أبو طالب المكي واستعاده الغزالي لاحقا في عباراته القائلة :"لقد كان الحسن البصري أشبه الناس كلاما بكلام الأنبياء وأقربهم هديا من الصحابة. اتفقت الكلمة في حقه على ذلك. وكان أكثر كلامه في خواطر القلوب، وفساد الأعمال، ووساوس النفوس، والصفات الخفية الغامضة من شهوات النفس" . ذلك يعني أن الحسن البصري هو الكينونة التي جسّدت في ذاتها رحيق الصيرورة الإسلامية الروحية، من خلال توليف تراث الروح المتسامي والتاريخ الواقعي في سلسلة الوحدة الضرورية للتاريخ الفعلي والمثال الواجب.
من هنا ارتقائه في سماء الثقافة الإسلامية بوصفه احد مصادرها وأعلامها الكبرى. كما لو انه تجسيد للحقيقة القائلة، بان الأنبياء حالما تموت تحيى في ذاكرة الأجيال والأمم بما يتناسب وذوقها التاريخي. من هنا شيوع الصيغ العديدة والمتنوعة في مظاهرها والمتوحدة في مضمونها عنه بوصفه صوت التاريخ والحقيقة والروح الأخلاقي للأمة. لهذا قيل عنه، بأنه في الليلة التي مات فيها الحسن البصري شاهد البعض كما لو أن أبواب السماء مفتحة، وكأن مناديا ينادي "ألا أن الحسن البصري قدم على الله وهو عنه راض" . وهي الصيغة الرمزية المعبرة عما فيه من مفاتيح قادرة على فك مزلاج الوجود بفكرة الرضا الجوهرية للرؤية الإسلامية. إذ ليس الرضا سوى الوحدة المتجانسة للحرية والإرادة في المواقف. ومن ثم لا يعني رضا الله عنه سوى الصيغة اللاهوتية عن قبول التاريخ والروح له بمعايير وحدتهما التي جسدها الحسن البصري نفسه في صيرورته الفردية وكينونته الذاتية. وبالتالي لا تعني انفتاح أبواب السماء سوى الإطلالة الجميلة لاسترقاق السمع إلى صوت الحقيقة والتاريخ والروح الأخلاقي والأمة المتمثل في شخصية الحسن البصري. من هنا قول عبد الرحمن بن زيد عنه:"كان الحسن البصري إذا أمر بشيء كان من اعمل الناس به. وإذا نهى عن شيء كان من اترك الناس له. ولم أر أحدا قط أشبه سريرة بعلانية منه" . وعندما سأل عنه الأمير مسلم بن عبد الملك، أجابه خالد ابن صفوان قائلا "أشبه الناس سريرة بعلانية، وأشبه قولا بفعل. وإن قعد على أمر قام عليه، وإن قام على أمر قعد عليه. وإن أمر بشيء كان اعمل الناس به، وإن نهى عن شيء كان اترك الناس له. رأيته مستغنيا عن الناس، ورأيت الناس محتاجين إليه"! عندها قال مسلم:"حسبك يا خالد! كيف يضل قوم هذا فيهم؟!" . من هنا شيوع العبارة القائلة عنه:"كنا نشبهه بهدى إبراهيم الخليل في حلمه وخشوعه ووقاره وسكينته!". بمعنى بلوغه الدرجة التي يمكن وضعه، حسب ذوق لعبارة الإسلامية، في مصدر الفكرة الأخلاقية والروحية المتسامية. وليس مصادفة، كما تروي كتب التاريخ والسير الحادثة الطريفة عن الرغبة الوحيدة والأخيرة لجابر بن زيد، عندما قيل له قبيل موته:
- ما تشتهي؟
- نظرة إلى الحسن!
فلما دخل عليه الحسن، قالوا له:
- هذا الحسن!
- يا أخوتاه! الساعة أفارقكم إلى النار أو إلى الجنة!
ذلك يعني انه بلغ الحالة التي جعلته عروة اليقين والسعادة المحتملة بالنسبة لأرباب الإرادة الحرة والأخلاق المتسامية، بحيث قال عنه الشعبي:"ما رأيت مثل الحسن فيمن رأيت من العلماء إلا مثل الفرس العربي بين المقارف! وما شهدنا مشهدا إلا برز علينا" . وتشير هذه العبارة إلى تميز الأصيل عن المزيف. ولا معنى لهذا التمايز هنا سوى ما يتعلق بصيرورة الشخصية وأثرها الفعلي بالنسبة للروح الثقافي، التي جعلت الحسن البصري ممثلا لدراما الانتقال العاصف في تاريخ الدولة والأمة والثقافة.
فقد تمثل الحسن البصري تقاليد الرؤية التوحيدية في مرحلة الانتقال الدموية من فكرة الرشد إلى فكرة السلطان، أي الانتقال من براعم الفكرة العامة للدولة والأمة القائمة على جوهرية الاجتهاد العقلي والعملي المحكوم بمعايير وقيم الشريعة الإسلامية إلى أولوية التسلط المتحرر من فكرة القانون العام. من هنا إلغاء فكرة الدولة والأمة بالمعنى الدقيق للكلمة. بحيث حوّل تاريخ الأموية إلى دموية حروب خارجية وداخلية. وجرى تحسس هذه الحالة من جانب المثقفين المسلمين الكبار على أنها خروجا عن منطق الحق وروح الإسلام. وقد يكون الحسن البصري هو احد اكبر ممثلي هذا التيار الذي تذوق طعم المرارة القاسية في هذا التحول الدرامي وواجهها بأسلوب متميز في المواقف النظري والعملية. الأمر الذي جعل منه نموذجا متميزا وأصيلا في تمثل دراما المرحلة ومواجهة ورذائلها الهائلة. مما وجد انعكاسه في شخصيته باعتبارها نموذجا فرديا معبرا عن تأمل الثقافة الورعة لنفسها في مراحل صعودها المتشنج وصراعها الدموي. من هنا تحوله إلى احد المصادر الكبرى للفكرة الصوفية. ومن هنا قول الثقافة الصوفية اللاحقة عنه بان الحسن البصري هو احد الثمانية الذين انتهى إليهم الزهد من التابعين. غير أن مأثرته تقوم في رفعه ممارسة الزهد إلى مستوى الرؤية الفلسفية والعملية. من هنا يمكن فهم قول المكي، بان بداية الزهد "كانت مجالس الحسن البصري يخلو فيها للذكر مع إخوانه وأتباعه من النساك والعباد في بيته مثل مالك بن دينار وثابت البناني وأيوب السخستياني ومحمد بن واسع وفرقد السبخي وعبد الواحد بن زيد . فيقول :هاتوا انشروا النور! فيتكلم عليهم في هذا العلم من علم اليقين والقدرة وفي خواطر القلوب وفساد الأعمال ووسواس النفوس" . وكان هذا النوع من الكلام يبدو "غريبا" آنذاك. بحيث نرى ابو طالب المكي يقول بهذا الصدد:"إن الحسن البصري أول من انتهج سبيل هذا العلم (التصوف) وفتق الألسنة به ونطق بمعانيه واظهر أنواره وكشف به قناعه. وكان يتكلم بكلام لم يسمعوه من احد من إخوانه. فقيل له:
- يا أبا سعيد! انك تتكلم في هذا العلم بالكلام لم نسمعه من احد غيرك! فمن أين أخذت هذا؟
- من حذيفة بن اليمان!"
وتعكس هذه الإجابة ارتقاء الروح التلقائي في مجرى تأمله التاريخ والحقيقة. وهو ارتقاء ارتقى بالحسن البصري إلى مصاف المعلم الأول للروح الإسلامي الإنساني. من هنا استنتاج المكي:"الحسن هو إمامنا في هذا العلم الذي نتكلم به. أثره نقفو، وسبيله نتبع، ومن مشكاته نستضيء. أخذنا ذلك بإذن الله إماما عن إمام إلى أن ينتهي ذلك إليه" . إذ يعكس هذا التقييم أولا وقبل كل شيء الحالة الفعلية لتقاليد الإسلاف والحقيقة والتاريخ الذاتي للأمة التي تمثلها الحسن البصري في مراحل صعودها وتوتر صراعاتها وفتنة احترابها السياسي بسبب خروج السلطة الأموية على قواعد المنطق الشرعي والأخلاقي الكامنة في الفكرة الإسلامية الأولى.
كل ذلك يعطي لنا إمكانية القول، بأن خاتمة الحسن البصري قد اختتمت في مواقفها النظرية والعملية منظومة النقد الأخلاقي الشامل لمرحلة الانتقال من الخلافة إلى الملك. إذ جسّد في ذاته ومظهره وحياته ومماته المزاج النقدي تجاه هذا الانتقال ومحاولة تذليله في ميدان الأخلاق العملية والنظرية. وقد لا يكون ذلك معزولا عن البصرة بوصفها "موقد الأجناس" وموطن الاعتدال الديناميكي، مما يجعل من شخصية الحسن البصري بهذا الصدد أنموذجا لتمثل تقاليد المدينة والتاريخ الروحي وقيم العقائد الكبرى. وليس مصادفة أن تظهر في البصرة اغلب المدارس الفكرية الإسلامية الأولى، وكذلك تفرّع مختلف فرق الكلام مثل القدرية والمعتزلة إضافة إلى اتجاهات الزهد والتصوف وغيرهم منه. ولم تكن هذه النتيجة معزولة عما في فكره النظري والعملي وتجربته الذاتية التي رفعها إلى مصاف الحكمة من توحيد خفي وتلقائي لمختلف تقاليد التيارات الإسلامية المعارضة الأولى. من هنا كانت ردود فعله تتسم بقدر واحد من الابتعاد والاقتراب من الجميع، بحيث نعثر فيه على مواجهة نقدية تجاه السلطة والمجتمع والأفراد والجماعات والفرق المختلفة بقدر واحد! وهو نقد اتخذ مساره الخاص من خلال تحويل روافده صوب النفس والغوص في خلجانها والبحث فيها عن كل ما يعيق صفائها الأول. وهي المقدمة الضرورية لنقد الكلّ من خلال عرض النفس على مطالب الحكمة والقيم المتسامية بوصفه محك الاختبار الفعلي للفكر والتفكر والفكرة.
من هنا كان صمت الحسن البصري ونطقه نقدا كليا متكافئا للجميع. بحيث جعل منه ممثل الاحتجاج الأكبر في مرحلة الانتقال العاصفة من الخلافة إلى الملك. إذ كان هذا الاحتجاج يهدف أولا وقبل كل شيء إلى محق الغربة البليدة عن معاناة الأسلاف والتاريخ ومصالح الأمة وتراث الحقيقة. كما لو انه أراد القول، بأنه لا غابرين في التاريخ غير غبار الجهل وخواء العزيمة والخروج على منطق الأخلاق المتسامية. ولا قيمة لهذه المظاهر أمام ما تتوصل إليه الحكمة بوصفها استنطاق النفس الحرة. من هنا كان في احتجاجه أشبه ما يكون بالرمال المتراكمة للكينونة الإسلامية في قدرتها على امتصاص غبار الفتنة وحطامها التي كانت ترمي بها أفعال الأموية الهوجاء على سواحل الحياة الفعلية للروح. كما كان هذا الاحتجاج يكشف في كل مظاهره وخفاياه، لوامعه وملامحه عن ضحالة شواطئ الأموية وأمواجها. كما لو انه أراد القول، بان الأموية لا يمكنها أن تكون بحر الأرض ولا قمر السماء. لهذا كانت أمواج المد والجز العارمة تجري في أوهامها، لهذا لم يكن بإمكانها تحسس دور هذه الأمواج وما فيها من حياة وحيوية في صقل قاع الوجود وسماءه.
وفيما لو نقلنا هذه الصيغة البلاغية إلى ميدان الفكر والواقع، فان حركة المد والجزر التي تزخر بها الحياة لم تكن بالنسبة للحسن البصري، سوى الحركة المتموجة لتناسب العقل والوجدان. الأمر الذي جعل منه الممثل النموذجي لوحدة وتناسب العقل والوجدان في مرحلة الانتقال العاصفة للدولة والمجتمع والثقافة والقيم. فقد حارب الأموية من خلال صياغة نموذج جديد للمعارضة يقوم في تحديد واستخلاص وتجانس موقفه من كل شيء، وفي كل مظاهر الروح والجسد والحياة العامة والخاصة . وكان يصعب إدراج هذه المواقف فيما هو متعارف عليه بالنسبة لحركات المعارضة الأولى من حدة في المواجهة وتحديد مباشر ورد فعل في مواجهة سلوك الأموية الدموي بدماء قانية "نقية" من نقد الدينار والدرهم. لهذا وجدوا في مواقفه وكلماته وعباراته مجرد تعبيرا عن "لسان صامت". بحيث وجدت فيه بعض الحركات الشيعية الراديكالية "لسانا خانعا". من هنا قولهم "لولا سيف الحجاج ولسان الحسن البصري، ما قام لبني مروان أمر في الدنيا" . أما في الواقع، فقد كان لسان الحسن البصري صيغة نقدية تتسامى عن احتراب الفرق مع البقاء ضمن تيار الحقيقة ووجدان الإخلاص الفردي لها. من هنا كان صمته ونطقه تعبيرا عن نقد الكل من خلال اختبار النفس، بوصفه أسلوب صيرورة المرجعية الروحية المتسامية في الفرد، وبالتالي صنع فردانية متميزة بين أقرانها. وكانت تلك الصيغة الأولى في تاريخ الثقافة الإسلامية التي حققها الحسن البصري من خلال تأسيس ما يمكن دعوته بفلسفة بكاء الوجود.
لقد أبكى الحسن البصري الوجود فأبكى الجميع. أنه استدّر عطف العوام والخواص من اجل تأمل الرذيلة القائمة في الوجود بوصفها رذيلة كامنة في النفس. وجعل منها مقدمة نقد الكلّ. وبهذا يكون الفارس الروحي الذي استثار مختلف القوى الجديدة من اجل المشاركة في إحياء وإثراء بكاء الإرادة وقدرها التاريخي الذي وضع أنغامه وأصواته حركات المعارضة الكبرى للشيعة والخوارج. وهو إحياء وإثراء نقدي. وذلك لان النقد الأخلاقي الجديد للوجود عند السن البصري كان يقوم على فرضية أن الضلال هو ظلال الخطيئة الكامنة في النفس. من هنا كانت فلسفته عن بكاء الوجود ونعيه مبنية على أسس الموقف الفردي المحكوم بقيم الإخلاص للحق والمهّذب بمسالكه. ومن هنا أيضا وحدة بكاء النفس والروح والجسد وتأمله بمعايير السمو الباطني. فالإنسان بالنسبة له نفس وكلّ أخلاقي. وبالتالي ليست الإرادة الحقيقة سوى تحقيق وحدة العلم والعمل بالشكل الذي تجل منها وحدة لا تجزئة فيها. بمعنى تحريرها من تجزئة الظاهر والباطن، الجزئي والكلي، الغاية والوسيلة وما شابه ذلك. وهو السر القائم وراء جعله تعرية النفس أسلوب نقدها الظاهري والباطني. بعبارة أخرى، انه أراد فضحها وليس اكتشافها. وهو موقف عملي ونظري لم يكن معزولا عن شخصيته ومعاصرته لمرحلة السيطرة الأموية وما لازمها من سيادة الإكراه، والجبر، والقهر، والقسوة الهمجية، والخروج على الشرعية، وشراء الذمم، واستفحال قوة النفس الغضبية، وصعود الإمبراطورية المتحررة من قيم الرؤية الشرعية وفكرة الدولة، وتفسخ النخبة السياسية(يتبع....



#ميثم_الجنابي (هاشتاغ)       Maythem_Al-janabi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بارتولد - المستشرق الروسي الكبير
- ابن خلدون. من التجارب السياسية إلى الفكرة النظرية
- عبد الحميد الزهراوي(1855-1916) ونقد الاستبداد والاستعباد(6).
- عبد الحميد الزهراوي(1855-1916) وتأسيس الفكرة القومية الجديدة ...
- عبد الحميد الزهراوي (1855-1916) وفكرة التربية السياسية والرو ...
- عبد الحميد الزهراوي (1855-1916) وإشكاليات التنوع والاختلاف و ...
- عبد الحميد الزهراوي ((1855-1916) الواقعية والعقلانية في الفك ...
- عبد الحميد الزهراوي والفكرة العربية السياسية
- المثقف الكبير التزام روحي دائم
- البحث عن عقلانية إنسانية عربية
- الفكرة الإصلاحية وإشكاليات الإصلاحية الإسلامية
- عبد الكريم كاصد - إشكالية الروح والمعنى
- محمد رسول الإرادة
- تحليل ونقد تجارب الثورة والإصلاح في روسيا(5)
- تحليل ونقد تجارب الثورة والإصلاح في روسيا (4)
- تحليل ونقد تجارب الثورة والإصلاح في روسيا (3)
- تحليل ونقد تجارب الثورة والإصلاح في روسيا (2)
- تحليل ونقد تجارب الإصلاح والثورة في روسيا (1)
- الهوية وإشكاليات المرجعية الثقافية في روسيا(3)
- الهوية وإشكاليات المرجعية الثقافية في روسيا (2)


المزيد.....




- تحليل: رسالة وراء استخدام روسيا المحتمل لصاروخ باليستي عابر ...
- قرية في إيطاليا تعرض منازل بدولار واحد للأمريكيين الغاضبين م ...
- ضوء أخضر أمريكي لإسرائيل لمواصلة المجازر في غزة؟
- صحيفة الوطن : فرنسا تخسر سوق الجزائر لصادراتها من القمح اللي ...
- غارات إسرائيلية دامية تسفر عن عشرات القتلى في قطاع غزة
- فيديو يظهر اللحظات الأولى بعد قصف إسرائيلي على مدينة تدمر ال ...
- -ذا ناشيونال إنترست-: مناورة -أتاكمس- لبايدن يمكن أن تنفجر ف ...
- الكرملين: بوتين بحث هاتفيا مع رئيس الوزراء العراقي التوتر في ...
- صور جديدة للشمس بدقة عالية
- موسكو: قاعدة الدفاع الصاروخي الأمريكية في بولندا أصبحت على ق ...


المزيد.....

- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام
- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - ميثم الجنابي - الحسن البصري - مثقف الروح المتسامي (1-3)