|
الشعبويّة ، و الشعبويّة الاقتصادية
عماد عبد اللطيف سالم
كاتب وباحث
(Imad A.salim)
الحوار المتمدن-العدد: 6195 - 2019 / 4 / 8 - 00:19
المحور:
الادارة و الاقتصاد
ينظر الزعماء الشعبويّون للشعبوية الاقتصادية بعدّها "ردٌّ من الشعب الذي جرى افقارَهُ ، على المجتمع المُقصِّر بحق هذا الشعب" . وهذا المجتمع "المُقَصِّر" يتميز بوجود نخبة اقتصادية تمارس القمع ، وتعمل على استغلال سلطة الحكومة لزيادة ثرواتها ، وبما يؤدي الى تفشّي الفقر المدقع جنباً الى جنب مع الوفرة الاقتصادية . وفي ظل الشعبوية الاقتصادية تخضع الحكومة لمطالب الشعب ، مع قليل من الاهتمام بالحقوق الفردية ، أو بخصوصيات وظروف الواقع الاقتصادي التي تتحكّم بالكيفية التي تتم بها زيادة ثروة البلاد ، أو حتى الحفاظ عليها. بعبارة أخرى سيكون هناك تجاهل تام للنتائج الاقتصادية العكسية للسياسات ،عمداً ، أو بدون قصد. تسعى الشعبوية الاقتصادية الى الاصلاح ، وليس الى الثورة . وموقف ممارسيها واضح بشأن المظالم الواجب معالجتها . غير أن وصفات العلاج الشعبوية تتسّم بالغموض . فعلى عكس الرأسمالية أوالاشتراكية لا تقدّم الشعبوية الاقتصادية تحليلاً مُحدّداً للشروط الواجب توافرها لخلق الثروة ، ورفع مستوى المعيشة . كما أنّ الشعبوية ليست وليدة فكرة ، بل هي في المقام الأوّل رد فعل عاطفي ، أو هي بالأحرى صرخة ألم ، اذ يقدّم الزعماء الشعبويون وعوداً لا لبس فيها لعلاج المظالم المُتَخَيّلة ، واعادة توزيع الأراضي ، ومحاكمة النخب الفاسدة التي سرقت الفقراء ، ويعدّون ذلك علاجاً شائعاً لجميع الأمراض. وتتخيّل الشعبوية الاقتصادية عالماً أكثر استقامة ، ومبادؤها بسيطة ، وأطارها المفاهيمي بسيطٌ أيضاً. فاذا كانت هناك بطالة ، يجب على الحكومة توظيف العاطلين . واذا كان النقد شحيحاً في الاقتصاد ، واسعار الفائدة مرتفعة نتيجة لذلك ، يجب على الحكومة وضع حد أعلى لأسعار الفائدة ، او طبع المزيد من النقود . واذا كانت السلع المستوردة تهدد فرص العمل ، سوف تقوم الحكومة بوقف الاستيراد. ولكي تجتذب الشعبوية الأتباعَ ، ولكونها تعاني من افتقارها الى سياسات اقتصادية ذات سمات واضحة ، فإنها تضطّر الى ادّعاء تبرير اخلاقي ما . وبناءً على ذلك يجب أن يتمتَع الزعماء الشعبويّون بـ "كاريزما" ذات تاثير كبيرٍ على الأتباع ، وأن تبدو عليهم دائماً هالة تَحَمُّل المسؤولية ، بل وأيضاً القدرة على ممارسة الاستبداد. ويأتي العديد من هؤلاء القادة الشعبويّون ، وربما معظمهم ، من الجيش . وهم لا يُبرّرونَ التفوق المفاهيمي للشعبوية على الأسواق الحرّة على نحوٍ فعّال . كما أنّهم لا يؤمنون بالنزعة الشكلية الفكرية الخاصة بماركس ، ورسالتهم الاقتصادية تقوم على خطابٍ بسيط ، مُتَبّل ببعض الكلمات من قبيل "الاستغلال" و "العدالة" و "الاصلاح الزراعي" ، وليس "الناتج القومي الاجمالي" أو " الانتاجية" . تقدّم الشعبوية الاقتصادية وعوداً كبيرة ، بدون أن تأخذ بنظر الاعتبار كيفية الايفاء بها من الناحية المالية . وفي كثير من الأحيان يؤدي الاصرار على الايفاء ببعض هذه الوعود الى نقص في التمويل بسبب تراجع العائدات ، اضافةً الى صعوبة ، أو استحالة ، الاقتراض من القطاع الخاص أو من المستثمرين الاجانب . ويؤدي هذا في الغالب الى اعتماد يائس على بنك مركزي يقوم بدور الصرّاف . ومع تزايد مطالبة البنك المركزي بطبع المزيد من النقود لزيادة القدرة الشرائية للحكومة ، يتم اطلاق العنان لموجة من التضخم الجامح الذي لا يمكن السيطرة عليه ، أو التحكّم باتجاهاته وتأثيراته . وكانت النتيجة على مرّ التاريخ هي الاطاحة بالحكومات ، والحاق اضرار كبيرة وشديدة وعميقة بالاستقرار المجتمعي . وهذا النمط من النتائج الكارئية للشعبوية الاقتصادية كان قد تجسّد في وقائع تاريخية محددة ، منها (على سبيل المثال لا الحصر) التضخم الجامح في البرازيل (1994) ، والارجنتين (1989) ، والمكسيك في منتصف الثمانينيات ، وشيلي في منتصف السبعينيات من القرن الماضي ، وكان تأثير ذلك مُدَمّراً على مجتمعات تلك البلدان. ويُفتَرض بالشعبوية الاقتصادية أن تكون مدّاً للديموقراطية الى الاقتصاد، ولكنها ليست كذلك. فالديموقراطية عملية تتسم بعدم الترتيب ، ومن المؤكّد أنّها ليست ، وباستمرار ، الشكل الأكثركفاءة للحكم . ومع ذلك فنحنُ نتفّق مع ونستون تشرشل في قوله "أنّ الديموقراطية هي أسوأ شكلٍ للحكم ، اذا استثنينا تلك الأشكال الأخرى كلها ، التي تجري تجربتها من حينٍ لآخر" . وشئنا ام أبينا فليس أمامنا من خيار ، إلاّ افتراض أنّ الأشخاص الذين يعملونَ بحريّة ، سوف يتخّذون في نهاية الأمر القرارات الصحيحة بشأن كيفية حكم أنفسهم . فإذا اتخذت الأغلبية قرارات خاطئة ، ستكون هناك عواقب عكسية ، بل قد يصل الأمر الى الفوضى المجتمعية في نهاية المطاف . إنّ الشعبوية في ارتباطها بالحقوق الفردية (وليس في نكرانها لهذه الحقوق) ، هي ما يسميّه معظم الناس بـ "الديموقراطية الليبرالية". ومع ذلك يشير اصطلاح "الشعبوية الاقتصادية" ، (كما يستخدمه معظم الاقتصاديين ضمناً) ، الى ديموقراطية تفتقر الى حدٍّ كبير الى "الحقوق الفردية" . فعندما يُمكن لواحدٍ وخمسين بالمائة من الناس تجاهل حقوق التسعة والأربعين بالمائة المتبقيّة بشكل قانوني ، سوف تؤدي الديموقراطية المُطلقة .. الى الطُغيان.
ملاحظة : ( النصّ بأكمله مُعَدّ بتصرّف ، نقلاً عن : آلان غرينسبان . عصر الاضطراب ، مغامرات في عالم جديد . ترجمة أحمد محمود . دار الشروق ، القاهرة ، الطبعة الأولى 2008 ، p 407-419 ( .
#عماد_عبد_اللطيف_سالم (هاشتاغ)
Imad_A.salim#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تلاميذي الذينَ أُريدُ أنْ أُعَلِّمَهُم الخَيال
-
اطلاقُ النارِ على القِدّاح .. في نارنجةِ روحي
-
منذُ الانفجارِ العظيم ، وإلى هذهِ اللحظة
-
يحدثُ هذا في أرْذَلِ العُمْر .. في هذا الجزءِ من العالم
-
أُمٌّ للتَذَكُّرِ .. أُمٌّ للنسيان
-
الآباءُ على الجُرْفِ ، والأطفالُ يعبرونَ الروحَ ، بسلامٍ دائ
...
-
نشيدُ البلادِ الحزينة
-
غرقى الأجلِ الطويل
-
تاريخُ الحُزنِ العميق
-
أُغادِرُ البيتَ صباحاً ، وأكرهُ أشياءَ كثيرة ، تُصادفني في ا
...
-
بعضُ الناسِ ، لا يُمكِنُ نسيانهم
-
شيءٌ من المنطق
-
أغادرُ البيتَ صباحاً ، وأكرهُ أشياءَ كثيرةٍ تمشي في الشارع
-
كاتشب عضوي ، و مصّاصة عضوية
-
من أجل تلكَ الأيّام ، وليسَ هذه
-
في بلادٍ كهذه
-
بَحرُكَ واسِع .. ومَركَبي صغير
-
سأموتُ أخيراً .. من شدّةِ البهجة
-
البساتينُ المُطِلَّةُ على الشَطّ .. قرب معمل الدامرجي
-
عندما تنساكَ الوردةُ .. ويتذَكّرُكَ الدُبّ
المزيد.....
-
-بلومبرغ-: إنتاج مقاتلات -F-35- أصبح الأكثر تكلفة في الولاي
...
-
ألمانيا تدعو الاتحاد الأوروبي والصين للاتفاق بشأن السيارات ا
...
-
كييف بوست: هجوم أوكراني على قاعدة روسية لإنتاج المسيّرات قرب
...
-
وول ستريت جورنال: خريف مظلم ينتظر الاقتصاد الألماني
-
بلومبيرغ: الصين تواصل التقدم رغم القيود الأميركية
-
انتعاش إنتاج التصنيع بالولايات المتحدة في أغسطس
-
انطلاق منتدى رجال الأعمال العراقي-الأذربيجاني في العاصمة باك
...
-
إندونيسيا تتطلع للزوار العرب ولما وراء بالي من جزر
-
روسيا تعتزم إنشاء خط أنابيب لنقل الوقود في الكونغو
-
لماذا تخشى أسواق إسرائيل إقالة غالانت؟
المزيد.....
-
الإشكالات التكوينية في برامج صندوق النقد المصرية.. قراءة اقت
...
/ مجدى عبد الهادى
-
ثمن الاستبداد.. في الاقتصاد السياسي لانهيار الجنيه المصري
/ مجدى عبد الهادى
-
تنمية الوعى الاقتصادى لطلاب مدارس التعليم الثانوى الفنى بمصر
...
/ محمد امين حسن عثمان
-
إشكالات الضريبة العقارية في مصر.. بين حاجات التمويل والتنمية
...
/ مجدى عبد الهادى
-
التنمية العربية الممنوعة_علي القادري، ترجمة مجدي عبد الهادي
/ مجدى عبد الهادى
-
نظرية القيمة في عصر الرأسمالية الاحتكارية_سمير أمين، ترجمة م
...
/ مجدى عبد الهادى
-
دور ادارة الموارد البشرية في تعزيز اسس المواطنة التنظيمية في
...
/ سمية سعيد صديق جبارة
-
الطبقات الهيكلية للتضخم في اقتصاد ريعي تابع.. إيران أنموذجًا
/ مجدى عبد الهادى
-
جذور التبعية الاقتصادية وعلاقتها بشروط صندوق النقد والبنك ال
...
/ الهادي هبَّاني
-
الاقتصاد السياسي للجيوش الإقليمية والصناعات العسكرية
/ دلير زنكنة
المزيد.....
|