أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حارث رسمي الهيتي - الذاتي والموضوعي في تشكيل فهد













المزيد.....

الذاتي والموضوعي في تشكيل فهد


حارث رسمي الهيتي

الحوار المتمدن-العدد: 6194 - 2019 / 4 / 7 - 15:15
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


يشير بليخانوف الى نقاط غاية في الأهمية ، فهو يضع امام الانسان ودوره في التاريخ شرطان الأول هو الشرط الموضوعي الذي يصنع الانسان في فترة معينة من التاريخ ، والشرط الثاني هو الانسان الذي يصنع ويطور هذه الشروط الموضوعية . كما ينوه ايضاً الى ان الافراد بفضل الخصائص والميزات التي يتمتعون بها يمكن لهم ان يؤثروا في مصير مجتمعهم الذي يعيشون فيه ، الا ان هذا التأثير واتساعه ومداه محدودان بتنظيم المجتمع وبعلاقات الانتاج ، كما لا يستطيع الفرد ابراز مواهبه الا عندما يحتل في مجتمعه مكاناً ييسر له ذلك . ( 1 )
الى منطقة أردوهان ، ولعائلة تابعة للكنيسة الارثوذكسية الأرمنية تعود اصول يوسف سلمان يوسف ، كان جده يوسف كبير الأرمن في المنطقة و عمل مع المعارضة الأرمنية ضد السلطات العثمانية التي كانت تغتصب حقوقهم القومية والدينية ، وحين شنت الدولة العثمانية حربها ضد الأرمن عام 1895 كان وقتها يوسف قد توفي وورثه ابنه سلمان في وجاهة قومه والعمل معهم ضد العثمانيين مما دفعه لمواجهة عقوبة الاعدام لكنه نجح في الهرب منهم ترافقه عائلته متجها نحو سورية ثم الى سهل نينوى ليستقر بها الحال فيما بعد الى بغديدا ، ليقرر بعدها الرحيل باتجاه بغداد هذه المرة بعد ان واجهت الاسرة مرارة العيش وشظفه ، هناك في بغداد ولد لسلمان ابنه الثاني بعد داود ، ففي التاسع من حزيران عام 1901 ولد يوسف وحين كان وضع الاسرة لا يقل سوءاً عن ما عانته قبل في بغديدا اضطر لمغادرة بغداد باتجاه البصرة لينشأ مخبزاً صغيراً ليعينه على سد رمق عائلته .
رغم ما تقدم ، الا ان سلمان يوسف حرص على ان يدخل ولده يوسف المدرسة ، فارتاد وهو ابن السابعة المدرسة السريانية ثم المدرسة التبشيرية الامريكية ليدرس فيها اللغة العربية والانكليزية والتركية ، هذه اللغات مكنته فيما بعد من قراءة الكتب والصحف باللغتين العربية والانكليزية وبفضلها ايضاً اطلع لاحقاً على تاريخ الحركات الوطنية والتاريخ العربي الاسلامي ومتابعة ما كان يصل الى العراق آنذاك . ( 2 )
انصرف يوسف سلمان يوسف بعد عام 1916 حيث توفى والده الى العمل تاركاً دراسته ، وحين كانت القوات البريطانية قد اكملت احتلالها للبصرة كان يوسف يعمل في الميناء في محطة لتوليد الكهرباء حيث احتك بالعمال هناك وتابع اوضاعهم التعيسة ومشاكلهم وذاق معهم مرارة ما كانوا يشعرون به .
في سن مبكرة ، وهو ابن السابعة عشر من العمر ، صاغ للعمال المضربين في المسفن عام 1918 مذكرة باللغة الانكليزية يشرح فيها اوضاعهم القاسية مطالبين بتحسين اوضاعهم وزيادة اجورهم (3) لينتقل عام 1919 مع عائلته الى الناصرية ، هذه المحافظة التي يقول عنها احد الضباط البريطانيين ( يمكن مقارنة عرب المنتفق بالبارود الذي يمكن لأي شرارة ان تفجره ) ( 4 ) ليعمل مع اخاه داود في تشغيل مطحنة صغيرة حيث شهد هناك احداث ثورة العشرين التي تركت في نفسه الأثر الكبير وساهمت في تنمية الشعور الوطني لديه كما ذكر هو لاحقاً اثناء التحقيق معه عام 1947 .
كان يوسف سلمان يوسف منتبهاً جداً للتطورات السياسية التي شهدتها الساحة السياسية العراقية آنذاك كما سجلت له مشاركات في بعض منها وكما تذكر المصادر ان مؤتمراً كان قد انعقد في كربلاء في آذار عام 1922 قد حضره يوسف سلمان وكان من ابرز حضوره جعفر ابو التمن ، كانت مقرراته تتركز على ضرورة جلاء البريطانيين عن العراق والغاء الانتداب وايقاف الهجمات التي يتعرض لها العراق على يد الوهابيين ، لينتمي يوسف سلمان بعد ذلك الى الحزب الوطني العراقي بزعامة ابو التمن وهو اول حزب وطني في العراق .
وخلال هذه الفترة بقي يوسف سلمان يوسف يتنقل بين البصرة والناصرية وبعد ان عاش فترة في البصرة للعمل استقر للمرة الثانية في الناصرية عام 1927 وعمل مع شقيقه في معمل الثلج وخلال هذه الفترة انكب على المطالعة والتثقيف الذاتي ومراسلة الصحف البغدادية مثل صحيفة البلاد على وجه الخصوص .
وحسب الدكتور عامر حسن فياض فان الجميع قد اتفقوا على ان يوسف سلمان يوسف قد اعتنق الماركسية اللينينية عام 1929 وبدأ العمل المنظم بين صفوف العمال والمواطنين في الناصرية والبصرة متأثراً برجل وفد الى الناصرية يدعى بطرس ابو ناصر الذي عمل خياطاً وكان يكثر الحديث مع من يجتمعون به حول الاقطاع وظلمه للفلاح وراح يقارن لهم بين الاوضاع في الناصرية والعراق عموماً وبين روسيا وحال فلاحيها بعد الثورة .
في الناصرية نظم يوسف سلمان يوسف بعض من الشباب الثوري حوله كان من ضمنهم عبد الجبار حسون جار الله وعبد الرحمن داود وعبد الجبار غفوري وحميد مجيد دبة والشاعر طالب فليح ، عملت هذه المجموعة بقيادة يوسف سلمان يوسف في الاعداد الى اضراب الناصرية تأييداً لاضراب كانت قد دشنته بغداد ضد قانون رسوم البلديات ، هذا الاضراب جرى تحت اشراف يوسف سلمان يوسف فسارت الجماهير واصطدمت مع الشرطة وحين استخدمت الأخيرة الرصاص سقط اثنان من المتظاهرين قتلى ، وبعد عام على هذه الاحداث وفي 13 / 12 / 1932 شهدت شوارع الناصرية مناشير كتبت على ورق احمر ، كتب عليها شعاراً يظهر في العراق لأول مرة ( يا عمال العالم اتحدوا ) ومذيلة باسم عامل شيوعي خاطب فيها العمال مبيناً فيها حجم العاطلين عن العمل وحال اطفالهم ونساءهم امام الجموع يقابلها لا ابالية الحكومة تجاه ما يعانوه ومطالباً اياهم أن يكونوا شجعاناً ويناضلوا من اجل كرامتهم ومستقبل الاجيال القادمة .
اثار هذا البيان بلبلة في تلك المدينة ، تبعها في اليوم التالي توزيع بيانات حمراء اخرى مما دفع بالشرطة ان تقوم بحملة اعتقالات طالت بعض اعضاء الحزب الوطني العراقي لاعتقادها انهم وراء تلك المنشورات ، بعدها واصل يوسف سلمان يوسف وجماعته توزيع المنشورات لكن هذه المرة من محطة القطار المتجه الى كربلاء مستغلين بذلك الحشود الذاهبة بمواكب عزاء الحسين مما دفع البوليس هذه المرة في 12 / شباط / 1933 الى اعتقال اعضاء الهيئة الادارية للحزب الوطني ومنهم عبد الجبار حسون فريد رئيس فرع الحزب الوطني في الناصرية ويوسف سلمان يوسف بعد ان تلقفت الناس هذه المرة ترجمات عربية للبيان الشيوعي لكارل ماركس ورفيقه فريدريك انجلز .
اثناء التحقيق وامام متصرف لواء الناصرية اصر يوسف سلمان يوسف بأنه ليس من الحزب الوطني العراقي بل انه شيوعي وقدم دفاعاً عن الشيوعية والطبقات وشرح طريقة الاستغلال من قبل الرأسماليين للجماهير الكادحة ، وخلال التحقيق اعترف يوسف سلمان بأنه عامل ميكانيكي ودخله الشهري بين الخمسة والستة دنانير في فصل الصيف ولما سئل عن ما اذا كان هو المحرر للمناشير التي ظهرت في الناصرية بتوقيع عامل شيوعي اجابهم بمسؤوليته عن ذلك وبعد احالتهم الى المحكمة بتهمة التبشير بالشيوعية اطلق الحاكم عبود الشالجي سراح يوسف سلمان يوسف وزملائه كونه لم يجد في قانون العقوبات ما يحرم الشيوعية ويدينها ، لكن الشرطة واصلت ملاحقة يوسف سلمان ومضايقته بعد الافراج عنه فقرر الذهاب الى بغداد في مطلع العام 1933 .
في نهاية عام 1932 ونتيجة للخلاف بين الحزب الوطني العراقي الذي يقوده جعفر ابو التمن وحزب الاخاء الوطني الذي يتزعمه ياسين الهاشمي قرر ابو التمن اعتزاله العمل السياسي مما كان له الأثر في ان يفكر الماركسين والشيوعيين خاصة بعد وصول يوسف سلمان يوسف الى بغداد في ان يجدوا اطار يعملون فيه ففكريوسف سلمان يوسف بأن يجمع الحلقات الماركسية الموجودة في الناصرية والبصرة والتي كانت تضم عبد الحميد الخطيب وزكريا الياس وداود سلمان يوسف وغالي زويد ويربطها مع حلقات بغداد التي كانت تضم عاصم فليح وجميل توما ونوري روفائيل وزكي خيري ويوسف متي بعد أن تعرف عليهم يوسف سلمان يوسف عن طريق جميل توما الذي تعود علاقته مع الفكر الاشتراكي الى عام 1919 – 1920 حين تأثر بافكار استاذ لبناني قد درسه مادة التاريخ في ثانوية الهندسة في الموصل اسمه عبد الله الحاج .
وبحسب الاستاذ عزيز سباهي الذي وقعت بين يديه مخطوطة مذكرات احد مؤسسي الحزب الشيوعي العراقي حسن عباس الكرباس فأن اللولب الذي كان يعرف العناصر الشيوعية الاولى ويربطها ببعض هو يوسف سلمان يوسف حيث انه عرفه و عرف عبد الرحمن داود وهو من الناصرية بقاسم حسن وجميل توما ونوري روفائيل ومهدي هاشم وموسى حبيب .
في خريف عام 1934 شنت وزارة علي جودة الايوبي حملة واسعة ضد الشيوعيين وحزبهم الوليد الذي اصلاً كان يعاني من مشاكل ومواطن خلل جعلت من الحكومة قادرة على ضربه بسهولة ، فهو بالاضافة الى كونه حزباً فتياً ولا يزال في سنواته الاولى فقد كان يفتقر الى قيادة قوية تحكم هذا التنظيم الجديد والفتي والذي يعمل في ظروف عمل سرية وهذا ما لم ينتبه له الشيوعيين الأوائل حيث بقوا يفضلون النقاش في المقاهي التي كانت لا تخلو من جواسيس الشرطة الذين سبق وان تدربوا في انكلترا على اساليب مكافحة العمل الشيوعي السري .
فقد اعتقل قاسم حسن بعد تأسيس الحزب بأشهر قليلة ، وتم اعتقال حسن عباس الكرباس في مطلع 1935 وتم اعتقال رئيس الحزب الأول عاصم فليح وبعده مهدي هاشم وختمتها في كانون الاول من نفس العام باعتقال زكي خيري ومن يراجع كتاب حنا بطاطو الجزء الثاني في الصفحة 89 ويطلع على الجدول ( 5 – 1 ) سيجد ان كل من تم اعتقالهم هم من اللجنة المركزية الاولى ، وهذا يؤشر على مدى امكانية الاجهزة الأمنية من اختراق تنظيم الحزب حتى وصولهم الى اللجنة المركزية التي اعتقلت أربعة اشخاص منهم من اصل خمسة !!
وعلاوةً على قلة الخبرة لدى الشيوعيين الأوائل ورخاوة تنظيمهم على حد قول بطاطو واختلاط الخلايا المختلفة في بغداد مع بعضها فقد لعب حميد الخطيب دوراً قذراً في مساعدة الاجهزة الأمنية على كشف الشيوعيين واعتقالهم فقد فتح مكتبة في شارع المتنبي وقد اختصت ببيع الكتب الماركسية ومؤلفات لينين وستالين وكان يبدي بعض التسهيلات للشيوعيين الذي كانوا يبتاعون منه الكتب ، ولكن في هذه الاثناء تم اعتقال احد الاشخاص وتبعه الثاني والثالث ليتبين بعدها ان المكتبة كانت عبارة عن فخ قد دبرته التحقيقات الجنائية حيث كانوا يقفون على مبعدة منها ويراقبون الداخل والخارج وقد سببت هذه الطريقة باعتقال عدد كبي من الشيوعيين قبل ان تغلق المكتبة ويختفي الخطيب عن الانظار . (5)
اطلق الشيوعيين في بداية الأمر على منظمتهم الفتية والتي ارادوا لها ان تكون اطارهم للعمل بعد الاسباب التي ذكرناها اسم لجنة مكافحة الاستعمار والاستثمار ويحسب ليوسف سلمان يوسف الدور المهم والأبرز ويرجع السبب الذي جعل الاوائل يطلقون هذا الاسم على تنظيمهم الجديد عدم رغبتهم باستفزاز السلطة بادئ ذي بدء اضافة الى تنظيم بغداد كان لا يزال صغيراً حسب ما يذكر زكي خيري في مذكراته ( 6 ) وتم اختيار عاصم فليح سكرتيراً عاماً للتنظيم .
في نهاية عام 1934 غادر يوسف سلمان يوسف العراق متوجهاً الى موسكو للدراسة في جامعة كادحي شعوب الشرق فكانت المحطة الاولى له في سورية ومنها الى ايطاليا ليتوجه بعدها الى فرنسا التي عمل فيها بعض الوقت مع الحزب الشيوعي الفرنسي الذي كلف يوسف سلمان باداء مهمة المراسلة بين الحزب الشيوعي الفرنسي وبعض الاحزاب الشيوعية في اوربا ( 7 )
في جامعة كادحي شعوب الشرق درس يوسف سلمان مواد المادية التاريخية المستندة الى كتابات لينين والحركة العمالية والاقتصاد السياسي اضافة الى الكثير من الندوات التي كانت تدرس وتناقش القضايا المختلفة كما كانت تدعو شخصيات وقادة من الاحزاب الشيوعية للحديث والاستفادة من تجاربهم في الحركة الشيوعية ، كما انه حضر في موسكو المؤتمر السابع للأممية الشيوعية الذي انعقد عام 1935 خلال وجود ستالين على رأس الحزب الشيوعي السوفيتي وهناك ايضاً وفي هذه السنة تعرف على ادينا جورجينا وتزوجها .
وبقت الفترة التي قضاها في المدرسة مفعمة بالحيوية والصرامة وانشغالاً كبيراً بالدراسة والتثقيف الذاتي .
يبدو ان ما كتبه عميل الشرطة في تقرير عن اخبار الحزب الشيوعي العراقي ومعلومات عنه كان دقيقاً حيث كتب ما نصه " ان اعادة تنظيم الحزب الشيوعي العراقي لا يتوقع ان تتم الا بعودة شيوعي مهم قاد خلايا البصرية والناصرية والديوانية وبغداد والعمارة والكوت وكركوك واماكن اخرى والشيوعي المذكور هو يوسف سلمان يوسف من سكان الناصرية .
وبالفعل فما ان عاد يوسف سلمان يوسف الذي اصبح يعرف منذ عودته يعرف باسمه الحركي الجديد " فهد " الى العراق مطلع عام 1938 حتى انكب على دراسة الحالة التي وجد عليها الحزب ، منظمات صغيرة سلمت من سطوة الشرطة وملاحقاتها ونزعة فردية عالية كان من الصعب ان تنضبط . فالتقى برفاقه في بغداد والناصرية وعمل على ان يلتقي بهم شخصياً وبدأ فهد عمله بالتعاون مع عبد الله مسعود القريني وتابع عمله ببطء ومنهجية عالية . وهو الذي عرف بذلك حتى ان ابرز جلاديه بهجت العطية يصف فهد بانه كان بامكانه ان يطرح حجج اقناع قوية وله موهبة تفسير الامور بطريقة واضحة وبسيطة .
كان واحداً من ابرز اسباب الانشقاقات في الحزب هو عدم وجود برنامج له اضافة الى عدم وجود صلاحيات واضحة ومحددة له ايضاً كما كان يطالب بها داوود الصائغ وآخرون ، كان فهد كثيراً ما يبرر عدم عقده لمؤتمر حزبي راجعاً الى ان الحزب ما زال في مرحلة لينة ، وقلة عدد تنظيماته وتشكيلاته وافتقار كوادره المتقدمة الى الخبرة السياسية كل هذه من شأنها ان تنتج صخباً فارغاً كما من شأنه ان يخلق تشويشاً ايدلوجياً ، ناهيك عن ما كان يتعرض له الحزب من حملات اعتقال وترهيب فكان فهد يخشى من ان تخترق الشرطة او تعرف بأمر مثل هذا المؤتمر ويفضح أم الثوريين الأكثر نشاطاً ويتم تسليمهم الى فك السلطات ( 8 ) .
وهناك أسباب آخرى كانت تدفع بفهد الى عدم عقد مؤتمرات وهي خشيته من معرفة المندوبين بعضهم للبعض اضافة الى عدم امكانية حضور القادة البارزين الى المؤتمر لوجودهم في السجون او المهجر . ( 9 )
بعد كل هذا توصل قادة الحزب ، وفهد على وجه الدقة الى ان الظروف أصبحت مؤاتية وملحة لعقد مؤتمر حزبي وهذا القرار جاء بعد أن اصبح الحزب وتنظيماته اقوى بعد ان اجتاز مرحلة الصراع في قيادته وبينها ، اضافة الى ان فهد اصبح يمسك بالحزب بطريقة اكثر قوة من ذي قبل ، اضف الى ذلك ان حزباً شيوعياً شقيقاً قد عقد مؤتمره ، واقصد الحزب الشيوعي في سورية ولبنان وتبنى هذا الحزب دستوراً ومجموعة من الانظمة والقواعد الداخلية ، وجاء قرار الحزب هذا بعقد كونفرنس للحزب يكون ممهداً لعقد المؤتمر الوطني .
في محلة الشيخ عمر ، وفي دار عامل السكك علي التركي وبحضور 18 رفيقاً عقد فهد الكونفرنس الحزبي الأول في بداية آذار من العام 1944 ، افتتحه فهد بتسليط الاضواء على الاوضاع العراقية والاممية ، تحدث فهد كثيراً عن تراجع الحريات الداخلية والبون الشاسع الذي حصل بين الحكومة والشعب وهذا يتطلب ان يحدد الحزب اهدافه الآنية وتكتيكاته مما يتطلب ان يضع الحزب برنامجاً واضحاً له وبلا تأخير ، وصب جام غضبه على الاستغلال الذي يمارسه الاقطاع تجاه الفلاحين في الريف
وقدم " حازم " زكي محمد بسيم وقدم تقريراً حول العمل بين الشباب ثم تبعه " صارم " حسين محمد الشبيبي تقريره عن الجانب التثقيفي في الحزب ، وهنا وبعد مناقشة قصيرة تمت الموافقة على البرنامج الذي وضعه فهد . كما تم اختيار شعار الحزب الشيوعي السوري ( وطن حر وشعب سعيد ) ليكون شعاراً للحزب الشيوعي العراقي .
وما ان انفض الكونفرنس حتى بدأ الحزب نشاطه بين الجماهير ، ويذكر الاستاذ حنا بطاطو ان فهد لم يعمل بجد كما عمل في تلك السنة بين الكونفرنس الاول والمؤتمر الوطني فقد كان يذهب ويعود ويكتب ويتأمل ويأمر وينذر وينظم ويرتجل ويخطط وينفذ ويترك بصمة في كل مكان من الحزب .
في آذار ايضاً من العام 1945 وفي الصالحية حيث منزل المعلم يهودا صديق تم عقد المؤتمر الوطني الأول للحزب الشيوعي العراقي والذي يعرف بـ " مؤتمر التنظيم " ، حضر هذا المؤتمر ( 27 ) رفيقاً منهم ( 17 ) رفيقاً كانوا قد حضروا الكونفرنس الأول الذي عقد قبل عام ناقش المؤتمر تقريراً سياسياً كان فهد قد اعده مسبقاً تناول فيه الوضع الداخلي والعالمي ، ومن اهم النقاط التي اود التركيز عليها هو ما ذكره فهد في المؤتمر فيما يخص القضية الكردية ، وحين كان هناك صحفي امريكي يتصل ببعض الشخصيات الكردية ويعطيهم وعوداً بتوحيد مناطقهم نصح فهد الاكراد ونبههم الى نقطة غاية في الأهمية حيث يقول :-
" ننبه اخواننا الاكراد الى ان قضيتهم الوطنية مرتبطة بقضية العراق التحررية وان حرية الاكراد في العراق لا تأتيهم عن طريق الوعود الاستعمارية من هذا المستر او ذاك بل بالنضال المشترك مع العرب من اجل استقلال العراق " . ( 10 )
ركز هذا المؤتمر الذي انعقد تحت شعار ( قووا تنظيم حزبكم .. قووا تنظيم الحركة الوطنية ) على وضع نظام داخلي للحزب وهذا الاجراء الاول من نوعه بعد ان كان قد اشتكى الكثير من الشيوعيين سابقاً من غيابه ، وركز النظام الداخلي المركزية والضبط الحديدي للتنظيم ، وانتهى بانتخاب اول لجنة مركزية منتخبة ضمت اضافة الى فهد كل من ( حسين محمد الشبيبي ، زكي محمد بسيم ، سامي نادر ، احمد عباس عبد تمر ، كريكور بدروسيان ، يهودا صديق ، مالك سيف ، ملا شريف عثمان ، حسين طه ) اما الاحتياط فهم ( اسماعيل احمد ، موسى محمد نور ، محمد علي الزرقة ، علي محمد الشبيبي ، عبد الوهاب عبد الرزاق ، داود سلمان يوسف ، حسقيل ابراهيم صديق ، ظافر صالح ) .
تبقى قضية اعتقال فهد من دار ابراهيم ناجي شميل ليلة 18 / 1 / 1947 بحاجة الى مزيد من التقصي والدرس ، فكيف نقتنع بأن شخصاً مثل فهد الذي خبر العمل السري واجراءات الصيانة يبقى في تلك الدار وكان البوليس قد القى القبض على داود الصائغ في نفس الدار قبل اعتقال فهد بخمسة ايام ؟!
أو كيف لنا ان نصدق ان فهد طلب من رفيقه زكي بسيم بعد اعتقال داود الصائغ ان يغادراها لكن زكي بسيم اقنعه بالبقاء في تلك الدار لارتياحه فيها فوافق فهد ؟!
ما يذكره زكي خيري في مذكراته يعطي رأياً مغايراً تماماً حيث يتبين ان فهد لم يكن يسكن الدار لكنه ذهب الى هناك لأن موعداً للاجتماع كان قد تم تحديده بين فهد وسعد صالح القائد البارز في حزب الاحرار ووزير الداخلية السابق .
على أية حال لم يتوقف نشاط فهد السياسي أو الفكري أو التنظيمي باعتقاله ، فقد بدأ بمرحلة نضالية جديدة لكن الطبقة الحاكمة آنذاك والتي يمثل ابرز ملامحها وتوجهاتها نوري السعيد كانت غير مقتنعة بسجن فهد ورفاقه فتم محاكمتها امام المجلس العسكري برئاسة العقيد عبد الله رفعت النعساني الذي اصدر حكم الاعدام شنقاً بحق فهد ورفيقيه زكي بسيم وحسين محمد الشبيبي واعدم في 14 / 2 / 1949 كل من فهد وحسين الشبيبي ليتم اعدام زكي بسيم في اليوم التالي . وفي واحدة من دروس فهد التي لا تنتهي يروي الذين عرفوه واحتكوا معه في السجن انه حدثهم مرة وبمناسبة محاولة اغتيال زعيم الحزب الشيوعي الايطالي تولياتي قال لهم فهد :
ان الرجعية الايطالية حين تريد اغتيال تولياتي فهي لا تفعل ذلك عبثاً وانما هي تريد اغتيال التجربة الثورية للطبقة العاملة الايطالية . ( 11 )
نعم .. فالرجعية العراقية هي نفسها الايطالية بقباحتها واجرامها نجحت باعدام فهد ، التجرة الحية والحقيقية والميدانية لأول قائد شيوعي نجح في تأسيس حزب على ارض الواقع ونجح مرات عديدة باحتواء انشقاقات متكررة ، قائد كان حريصاً كل الحرص على تجميع كل القوى الوطنية على ارضٍ من المشتركات اعدمت الرجعية العراقية ومن خلفها الدول الاستعمارية سياسياً لم يعاصره سياسي ىخر اكثر الماماً بأحوال العراق حسب ما يصفه بذلك زكي خيري رفيقه وتلميذه في السجن الذي يروي عنه الكثير خلال ههذه الفترة .
مات فهد وباعلان موته تفككت خلايا كثيرة ، وصمتت صحافة الحزب السرية ووقف الحزب ساكناً للحظة . هكذا يصف بطاطو لحظة اعدامه .

..........................................................................................................

المصادر :
1. بليخانوف ، دور الفرد في التاريخ
2. هاجر مهدي النداوي ، فهد ودوره السياسي والفكري في العراق
3. عزيز سباهي ، عقود من تاريخ الحزب الشيوعي العراقي ، الجزء الاول
4. حنا بطاطو ، العراق / الحزب الشيوعي ، الجزء الثاني
5. عامر حسن فياض ، جذور الفكر الاشتراكي في العراق
6. زكي خيري ، صدى السنين في ذاكرة شيوعي عراقي مخضرم
7. عامر حسن فياض ، المصدر نفسه
8. بطاطو ، المصدر نفسه
9. كراس فهد ، حزب شيوعي لا اشتراكية ديمقراطية
10. سباهي ، المصدر نفسه
11. سباهي ، المصدر نفسه



#حارث_رسمي_الهيتي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- وثبة كانون ... فتاةٌ على الجسر وكسر للنهج الطائفي مبكراً
- اليشوف الموت ما يرضى بمجلس مكافحة الفساد
- وزير الثقافة و ورث بابا خرابة
- الموقف من الشيوعيين !!
- قراءة بصوت عال لمقال الرفيق جاسم الحلفي
- الهرمنيوطيقا .. ومحاولة فهم النص الديني
- ثلاث رسائل لمئوية ثورة أكتوبر
- لماذا لا يؤسس النظام الأمريكي دولةً للرفاه ؟!!
- ( المجتمع المدني ... قراءة في المفهوم )
- وثائق CIA وجائزة نوبل
- معالم وخصائص التجربة العراقية في الخصخصة خلال فترة النظام ال ...
- هل هكذا يكتب التاريخ ؟!!
- مئة يوم أخرى
- دين الدولة ... ودولة الدين
- أهمية السؤال
- اعتزال حقيقي ... أم لا ؟!
- متى تنتهي الصيحات الطائفية ؟!
- 14 / تموز ... ثورة أم انقلاب ؟
- راعية الانقلابات تنتقد !!
- 30 - يونيو ... المرحلة الثانية


المزيد.....




- سحب الدخان تغطي الضاحية الجنوبية.. والجيش الإسرائيلي يعلن قص ...
- السفير يوسف العتيبة: مقتل الحاخام كوغان هجوم على الإمارات
- النعمة صارت نقمة.. أمطار بعد أشهر من الجفاف تتسبب في انهيارا ...
- لأول مرة منذ صدور مذكرة الاعتقال.. غالانت يتوجه لواشنطن ويلت ...
- فيتسو: الغرب يريد إضعاف روسيا وهذا لا يمكن تحقيقه
- -حزب الله- وتدمير الدبابات الإسرائيلية.. هل يتكرر سيناريو -م ...
- -الروس يستمرون في الانتصار-.. خبير بريطاني يعلق على الوضع في ...
- -حزب الله- ينفذ أكبر عدد من العمليات ضد إسرائيل في يوم واحد ...
- اندلاع حريق بمحرك طائرة ركاب روسية أثناء هبوطها في مطار أنطا ...
- روسيا للغرب.. ضربة صاروخ -أوريشنيك- ستكون بالغة


المزيد.....

- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية / سعيد الوجاني
- ، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال ... / ياسر جابر الجمَّال
- الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية / خالد فارس
- دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني / فلاح أمين الرهيمي
- .سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية . / فريد العليبي .


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حارث رسمي الهيتي - الذاتي والموضوعي في تشكيل فهد