|
الدين و تغريبة الكردي
بولات جان
الحوار المتمدن-العدد: 6193 - 2019 / 4 / 6 - 02:35
المحور:
القضية الكردية
دور الدين في عملية الصهر القومي على الشعب الكردي
من الأهمية بمكان/ بدايةً، القول بأن الأرضية النقدية تأتي من الهاجس الوطني-القومي الكردي بالدرجة الأولى. أي ما ترتب على الهوية الثقافية و الشخصية الكردية جراء استخدام الجهات المختلفة للدين في احباط الشخصية الكردية و تغريبها و اضفاء صفة المقدس على حالة الاحتلال-السيطرة على كردستان. و لأجل الاسهاب في هذه الاشكالية التي تثير و ستثير حفيظة البعض، مع العلم بأن الموضوع برمته يحتاج إلى جهد معرفي و بحث متعمق و نقاش هادئ، لكن بدّ من ذكر بعض الأمور: - أولاً أقول الدين، الدين ككل و ليس الدين الفلاني أو المذهب أو الطريقة الفلانية. - ثانياً لستُ هنا بصدد تقييم الديانات، و لا بصدد القول بأن هذا الدين سيء و ذاك جيّد، هذا يصلح و هذا يفسد. لهذا الموضوع تشعبات و اشكاليات كثيرة. - لا يمكن الانكار بان انطلاقات الكثير من الأديان في بداياتها تكون حالة ثورة مجتمعية و سعي اخلاقي ووجداني في وجه الظلم و الاستبداد و الحرمان. - كل انطلاقة دينية تتشكل وتتقولب وفق خصوصية و ظروف الفئة أو المجتمع المعني و ضمن سياقها التاريخي المحدد. - كل الشواهد و النتائج تقول بكل جلاء و جهورية بأن الشعب الكردي قد تعرّض لأسوء أنواع الصهر القومي و ابعاده عن حقيقته و خلق حالة اغترابية لدى الفرد الكردي. - لا يمكن لأي باحث موضوعي و قارئ نبيه اهمال استخدام كل من الفرس و العرب و الترك الدين بكل حنكة و دهاء في تثبيت سلطة سلالتهم و اضفاء الشرعية و القداسة الألوهية على عروشهم و قوانينهم و اجراءاتهم. و بالتالي فالذي يعارض هذه السلطات فهو يكون قد عارض المقدس الألوهي و خالف الحقيقة (المطلقة). - و بالتالي تمكنت هذه السلالات الفارسية و العربية و التركية من فرض سيطرتها و هيمنتها على الكثير من الشعوب و الأمم و الأقوام و الاثنيات و السعي مع الوقت في صهرها ضمن بوتقتها الدينية-القومية، و بالتالي اندثرت الكثير من الأقوام جراء الصهر و الابادة. - ما يجب أن لا ننساه بأن السلالات (الفارسية) كانت قد أبتدأت في عملية عزل أجداد الكرد الميديين عن هويتهم القومية و الدينية و ذلك بابادة الكثير من الرهاب الزرادشتيين الميديين و اجراء تحوير على الزرادشتية و تحويلها إلى دين دولة. محاولة صهر الكرد لم تبدء من الغزوات العربية بل سبقتها محاولات قورش و قمبيز و خاصة بعد فشل الثورات و الانتفاضات الميدية بقيادة الـ(ماغ) أي الرهبان و العلماء الميديين. - عملية الصهر القومي الأخرى فقد جاءت مع العرب في القرن السابع الميلادي. الكثير من الكرد قاوموا الغزو العربي و خير مثال على ذلك مقاومة شهرزور، و لكن مناطق أخرى فقد استسلمت و لم تبدي مقاومة تذكر. - العرب لم يأتوا غزاة من الجزيرة العربية إلى كردستان بالسيف و حسب، بل جاءوا بهدف البقاء و إلى الأبد في تلك الأرض، جاءوا بالأسماء العربية، جاءوا بالثقافة و الاعراف التي ارادوها لتحل محل السائد و الموروث في بلاد الكرد. - لا ننكر هنا الدور السيء للكثير من الأسر و السلالات الكردية المتعاونة مع الغزاة الجدد. - طيلة قرون كان الدين هو السلاح الأمضى في أيدي الغزاة و عملائها في كردستان بهدف الابقاء على الكرد تحت السيطرة، دون هوية و دون كيان و عرقلة نيلهم للاستقلال. - الكثير من الحركات الكردية في بدايات القرن التاسع عشر، و خاصة في نضال الإمارات الكردية للحفاظ على ديمومتها قد تعرضت للتكفير و حاربها السلطات الايرانية و العثمانية بسلاح الدين و سلّطت عليها الملالي و الأئمة. و ما فعله الملا خاطي ضد الأمير محمد الرواندزي لمثال ساطع على ذلك. - السلالات العربية و الفارسية و التركية كانت تقول (كلنا مسلمين) حينما يطالب الكرد ببعض من خصوصيتهم و حقوقهم الانسانية المشروعة. - الكثير من الطرق و التكايا الدينية في كردستان لعبت دور سيء في ابقاء الكرد تحت نير الاحتلال، و الطريقة النقشبندية المستسلمة للسلطات التركية لخير برهان على ذلك. - السلطات التركية اسست جمهورية علمانية في غرب الاناضول(ذو الاغلبية التركية) و لكنها في الوقت نفسه شجعت المشيخات الدينية و أسست الاحزاب الدينية المتطرفة (حزب الله - هدى بار و غيرها) في كردستان الشمالية(شرق الاناضول). و لا زالت الحكومات التركية المتعاقبة تستخدم الدين و خاصة الاسلام السياسي في خداع الكرد أو قسم منهم و ابقاءهم تحت إبط الدولة و القومية التركية. - و لا ننسى ما فعله صدام حسين تحت يافطة سورة (الانفال) من جرائم وحشية ضد الكرد. و كذلك ما فعلته السلطات الايرانية المتعاقبة و خاصة في ظل ولاية الفقيه في كردستان ضد الشعب الكردي تحت يافطة (محاربة أعداء الله). ما فعلته المجموعات الاسلامية المتطرفة في شنغال و روجافا من مجازر و جرائم و احتلال عفرين تحت سورة (الفتح) مع كلاب المعارضة و بعض العملاء الكرد من الأخونجية. - هنا يجب القول بأن الموضوع لا يمكن حصره في مقال أو كتابة مقتضبة، و كذلك لا يمكن القاء كل الملامة على الدين بعينه، و كذلك لا يمكن انكار حاجة المجتمعات الشرقية إلى جانبها الروحي-الديني و المعنوي. فهنا لا نعادي الدين كحالة اشكالية مجرّدة، و لا ندعو إلى مكافحتها، بل الدعوة كل الدعوة إلى اليقظة، يقظة المجتمع الكردي من مغبة الالاعيب المسيّرة تحت و من خلال الدين. - بالاضافة إلى الأديان السائدة، فإن الأديان المحلية الأخرى كانت سبباً في تقوقع المجتمعات المحلية و مكونات القومية الكردية في زاويتها الضيقة و لم تتمكن من الانفتاح على باقي المكونات الكردية و كذلك فشلت في الوصول إلى مستوى يؤهلها لتبوء تمثيل الهوية الكردية ككل. و كذلك فقد فشلت في مواكبة التطورات الاجتماعية و الحضارية و بالتالي تراجع تأثيرها المعنوي و الاجتماعي و السياسي و لم تقم بالاصلاحات الجوهرية و التنظيمية المطلوبة.
الخلاصة: لكن ما مناسبة هذا الكلام في هذا الوقت بالذات؟ الموضوع قديم و جديد. يتجدد آليات الهاء المجتمع الكردي و المجتمعات الأخرى عبر الكثير من الآليات و منها الدين. للتو كشعب كردي خرجنا من حرب ضروس استمرت لسنوات تعرضنا فيها للتكفير و هدُر دمنا و سبيت نساءنا و قدمنا الآلاف من الشهداء حتى أبعدنا جزء من الخطر عنا. كشعب كردي رأينا العشرات من الشباب الكرد من باشور و باكور بين صفوف التنظيمات التكفيرية الارهابية يفجرون أنفسهم في مدننا الكردية بروجافا. رأينا العديد من الأئمة و الملالي (الكورد) يصرخون و يولولون و يكفّرون بقواتنا التي تتصدى للمجموعات التكفيرية و الارهابية. رأينا مئات الآلاف من الناس البسطاء المخدوعين في محافظات كردية تصوّت للمحتل التركي في الانتخابات التركية متأثرين بالدعايات الدينية و الوعود الدنيوية. و كذلك لاحظنا في الآونة الأخير و خاصة مع بدايات المقتلة السورية تنامي خطاب إخونجي و اسلام سياسي و ذوق مذهبي لدى بعض الشخصيات و التيارات الكردية في روجافا، و محاولات يائسة بائسة لإعادة تدوير النقشبندية و تسويقها على انها الحل الأفضل للاسلام المتطرف الداعشي. و بذلك يسعون إلى قطع الطريق أمام الاسلام الثقافي أو الاسلام المجتمعي البعيد عن براثن السلطة و المال و الاستبداد.
#بولات_جان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
على كتّابنا وأدباءنا تخليد ثورة روج آفا
-
-نحنُ لا نعادي الكُرد... و لكن-
-
واجبات العالم تجاه الكُرد
-
نفاق المصطلحات
-
حقائق يجب معرفتها حول انطلاقة ثورة 19 تموز
-
الديك الذي تحول إلى دجاجة
-
سقوط حلب الشرقية
-
كوباني تنبعث من رمادها
-
أ و لم أقل بأنك لا تستطيع؟!
-
مفارقات كوبانية
-
الطريق إلى شنغال-5
-
الطريق إلى شنكال- 4
-
الطريق إلى شنكال-3
-
الطريق إلى شنغال-2
-
الطريق إلى شنكال- 1
-
خيوط المؤامرة و تفجيرات سروج
-
ليست للطائفية و المذهبية أي محل بيننا
-
ما الذي يجب أن نتعلمه من الأرمن؟
-
19 تموز
-
مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ العَانِسّ الّتي اِشْتَهرت
المزيد.....
-
ماذا قال منسق الأمم المتحدة للسلام في الشرق الأوسط قبل مغادر
...
-
الأمم المتحدة: 7 مخابز فقط من أصل 19 بقطاع غزة يمكنها إنتاج
...
-
مفوضية شؤون اللاجئين: 427 ألف نازح في الصومال بسبب الصراع وا
...
-
اكثر من 130 شهيدا بغارات استهدفت النازحين بغزة خلال الساعات
...
-
اعتقال رجل من فلوريدا بتهمة التخطيط لتفجير بورصة نيويورك
-
ايران ترفض القرار المسيّس الذي تبنته كندا حول حقوق الانسان ف
...
-
مايك ميلروي لـ-الحرة-: المجاعة في غزة وصلت مرحلة الخطر
-
الأمم المتحدة: 9.8 ملايين طفل يمني بحاجة لمساعدة إنسانية
-
تونس: توجيه تهمة تصل عقوبتها إلى الإعدام إلى عبير موسي رئيسة
...
-
هيومن رايتس ووتش تتهم ولي العهد السعودي باستخدام صندوق الاست
...
المزيد.....
-
سعید بارودو. حیاتي الحزبیة
/ ابو داستان
-
العنصرية في النظرية والممارسة أو حملات مذابح الأنفال في كردس
...
/ كاظم حبيب
-
*الحياة الحزبية السرية في كوردستان – سوريا * *1898- 2008 *
/ حواس محمود
-
افيستا _ الكتاب المقدس للزرداشتيين_
/ د. خليل عبدالرحمن
-
عفرين نجمة في سماء كردستان - الجزء الأول
/ بير رستم
-
كردستان مستعمرة أم مستعبدة دولية؟
/ بير رستم
-
الكرد وخارطة الصراعات الإقليمية
/ بير رستم
-
الأحزاب الكردية والصراعات القبلية
/ بير رستم
-
المسألة الكردية ومشروع الأمة الديمقراطية
/ بير رستم
-
الكرد في المعادلات السياسية
/ بير رستم
المزيد.....
|