|
أهداف البيجيدي من تعريب المدرسة العمومية.
سعيد الكحل
الحوار المتمدن-العدد: 6192 - 2019 / 4 / 5 - 22:03
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
كانت المدرسة العمومية ، منذ الاستقلال وإلى تسعينيات القرن العشرين على أبعد تقدير ، ورغم كل المخططات الرسمية لاستهدافها ، مدرسة مواطِنة يلجها أبناء الشعب المغربي من مختلف طبقاته وتضمن لهم تكافؤ فرص الترقي الاجتماعي والتحصيل العلمي والمعرفي . كانت أقسامها تضم أبناء كل الطبقات وتقدم لهم نفس المناهج والبرامج والقيم كما تفتح أمامهم نفس المسالك والشعب والآفاق العلمية والمهنية . ومن ثم كان أبناء الأسر الفقيرة ينالون حظهم من التعليم والتكوين وينافسون أبناء الأغنياء على ولوج المعاهد العليا والكليات المتخصصة . وكانت المدارس الخصوصية ،إلى حدود منتصف الثمانينيات ، لا يلتحق بها إلا التلاميذ المفصولون عن الدراسة ؛ لهذا لم تكن محط تقدير من الأسر والمجتمع معا . لكن الخطاب الملكي في 1987 غيّر المعادلة وفتح الفرص أمام الاستثمار في التعليم الخصوصي على حساب جودة التعليم العمومي استجابة لتعليمات صندوق النقد الدولي وخدمة لمخططات سياسية تروم توسيع الفوارق الطبقية وضرب المدرسة العمومية كآلية للترقي الاجتماعي ومجال لاكتساب الوعي السياسي . هكذا توالت مخططات الإجهاز على التعليم العمومي وتقليص فرص التكوين والتحصيل والترقي أمام أبناء الأسر الفقيرة . وجاء مخطط حكومة البيجيدي ليجهز على ما تبقى من المدرسة العمومية . وإذا كانت الحكومات السابقة خضعت أساسا إلى إملاءات صندوق النقد الدولي في استهداف المدرسة العمومية (تغيير البرامج ، زيادة سنوات الابتدائي وتقليص سنوات الإعدادي للاقتصاد في الأطر والبنايات ) فإن حكومة البيجيدي جعلت دوافعها الإيديولوجية أشد خطرا على المدرسة العمومية من تعليمات صندوق النقد الدولي . إذ لم يعد خافيا على المواطنين أن قيادات البيجيدي وذراعه الدعوية حركة التوحيد والإصلاح تضغط بشدة على الحكومة من أجل تعريب كل المواد العلمية والتقنية . والغايات من هذا التعريب يمكن الإشارة إليها كالتالي : 1 ــ إغلاق فرص التكوين والانفتاح على الثقافات المختلفة أمام تلاميذ المدارس العمومية حتى يبقوا سجيني الثقافة المحلية التي تغذيها التنظيمات الإسلامية والسلفية بالخرافات وعقائد التكفير وفقه التحريم والقتل . 2 ــ أسلمة المجتمع عبر اتخاذ المدرسة قناة رئيسية لضرب الفكر النقدي وتكريس التفكير الأصولي القائم على الطاعة والتبعية للشيوخ والزعماء ، وكذا إشاعة ثقافة الغلو والتطرف ومناهضة قيم وثقافة حقوق الإنسان ومعاداة الحداثة ومحاربة مكتسباتها . فلا غرابة إذن أن يتخلى المدرسون عن وظائفهم التربوية ليتحولوا إلى شيوخ وداعة تحريم الفنون بكل أنواعها وتحريم الاختلاط وفرض الحجاب واستهجان العلوم الحقة والمكتسبات الحضارية والتحريض على الكراهية. 3 ــ تشكيل ذهنية مجتمعية قابلة للتشبع بثقافة الكراهية وفقه الغلو وفتاوى التحريم ليسهل استقطاب الأفراد وتجنيدهم لخدمة المشروع المجتمعي الأصولي .إذ كلما امتلك المرء لغة جديدة اتسع أفقه المعرفي وعظمت آماله وتطلعاته وتشوّف إلى أمم ومجتمعات أرقى ، فتعذر بالتالي تجنيده أو استقطابه. 4 ــ التحكم في المجتمع وتحديد اتجاهاته وردود أفعاله ، لأن من يتحكم في المدرسة ومناهجها يتحكم في ذهنية المجتمع وينمّط تفكيره . والاستبداد عموما ، والإسلاميون على وجه الخصوص يستثمرون في الجهل حتى لا يسود الوعي فتدور الدائرة عليهم . 5 ــ توسيع قاعدة المنخرطين في البيجيدي والمتعاطفين معه لاستغلال أصواتهم الانتخابية أو لحسم معارك سياسية مرتقبة . ولا يمكن تشكيل هذا الجيش الاحتياطي وهذا الخزّان الانتخابي إلا بتجفيف منابع العقل والنقد التي توفرها المدرسة العمومية ولو في حدودها الدنيا . 6 ــ إجبار متوسطي الدخل على اللجوء إلى التعليم الخصوصي لتوفير تعليم أفضل لأبنائهم ، وفي هذا فتح أبواب الاغتناء السريع لقيادات الحزب والحركة وأعضائهما الذين جعلوا من الاستثمار في هذا القطاع هدفا إستراتيجيا لأهميته القصوى في مراكمة الأرباح ، توفير مصادر قارة لتمويل أنشطة الحزب والحركة واستقطاب الأتباع ، اختراق المجتمع ونشر إيديولوجيتهم خصوصا لدى الأطفال ..) . 7 ــ ضرب تكافؤ الفرص بحرمان تلاميذ التعليم العمومي من فرص الترقي والارتقاء المعرفي وفتحها أمام أبناء الفئات الميسورة التي تتحمل تكاليف الدراسة في المؤسسات الخصوصية . 8 ــ خدمة أهداف الطبقة المتحكمة في دواليب الدولة والاقتصاد بوضع الحواجز المعرفية أمام تلاميذ التعليم العمومي حتى لا يتجاوز طموحهم الوظائف البسيطة والمهن التقنية ، أي يظلوا في قاع المجتمع ولا يتطلعوا إلى تسلق طبقاته . بهذا المخطط الذي يسعى البيجيدي لفرضه على الشعب المغربي ، لن نكون أمام مدرسة مواطنة تلقن للتلاميذ نفس القيم والمبادئ والمعارف الأساسية وتؤهلهم لنفس الوظائف والمهن ، بل أمام مدارس تعيد إنتاج الطبقات الاجتماعية وتزيد الهوة بينها اتساعا . إن البيجيدي ، بمناهضته تدريس المواد العلمية والتقنية باللغات الأجنبية الحية ، يعيد تكرار التجربة السلبية التي عاشها المغاربة في ظل الاستعمار حين طالب فصيل من المقاومة بمقاطعة المدارس الفرنسية العصرية واللجوء إلى المدارس العتيقة حفاظا على الهوية المغربية الإسلامية ، بينما فصيل آخر لم يقاطع التعليم الفرنسي وجعل أبناءه يستفيدون من خدماته العلمية والعرفية ، وحين جاء الاستقلال احتل خريجو المدارس الفرنسية المناصب العليا لأن لهم الكفاءة والدراية ، بينما جريجو المدارس العتيقة بالكاد عُيّنوا معلمين عرضيين وعُرفاء في المدارس التي قاطعها آباؤهم وأجدادهم .
#سعيد_الكحل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
زيارة البابا تسقط القناع عن تطرف الإسلاميين .
-
سقوط شعار -حجابي عفّتي-.
-
درس نيوزيلندا درس لنا .
-
أين مشروع الإسلاميين للنهوض بأوضاع المرأة ؟؟
-
دور الهيئات والمنظمات النسائية في النهوض بأوضاع المرأة بالمغ
...
-
من كانت مرجعيته -محددة من عند الله- فمكانه الزاوية وليس الحك
...
-
يوم كانت المدارس القرآنية تكوّن الوطنيين .
-
إستراتيجية الإخوان لتطويق النظام .
-
ما مدى نجاعة المقاربة الدينية في مواجهة التطرف والإرهاب ؟
-
أيها الريسوني:الإرهاب فتاوى يصدرها الشيوخ وينفذها الشباب.
-
كماشة التطرف تطبق على المجتمع المغربي.
-
ابحثوا عن مسئولية الدولة في الجرائم الإرهابية.
-
لولا العلمانية لما تمتع المسلمون بجزء من الحقوق الإنسانية.
-
الدعوشة تغزو المجتمع وتنخر الدولة.
-
خلفيات إطلاق اسم منظّر الإرهاب -سيد قطب- على شارع بطنجة .
-
تونس تؤسس للدولة المدنية في العالم العربي.
-
احذروهم فهم يكيدون.
-
تثبيت التوقيت الصيفي تأكيد للتبعية وفقدان للسيادة.
-
الحكومة المغربية تحتجز الشباب في وطن لم يعد لهم .
-
لازال في الإمكان تصحيح ما كان .
المزيد.....
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|