أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عباس علي العلي - المعتزلة ودورهم في بناء واقع الإنسان الكوني















المزيد.....

المعتزلة ودورهم في بناء واقع الإنسان الكوني


عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)


الحوار المتمدن-العدد: 6191 - 2019 / 4 / 4 - 09:45
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


المعتزلة ودورهم في بناء واقع الإنسان الكوني

أكد المعتزلة في طريقة رسم وتأسيس نظامهم الفكري ورؤيتهم الكونية أنهم ليسوا في وضع صراع مع أحد بمهنية التاجر (ربح أو خسارة) ولا بأنانية الذي يخوض نزلات من أجل البقاء أو الفناء، بل كان مشروعهم تحصن معرفي متقدم في موقع الدفاع عن العقل وقيمه الأساسية مهما كانت قاسية أو شديدة، لذا كانت الحرب ضدهم أيضا قاسية وشديدة ومن يومها تم تحالف الكهنة والسلطة المستبدة والعناصر المحافظة على قيم الماضوية والتراث النقلي فيما بينها على محاربة العقل والتقليل من دوره الوجودي بمقولة (لا يدرك العقل كل شيء وإن كان يملك ما يملك، فدين الله لا تدركه العقول بل تحمله النقول)، وهكذا نجح الظلاميون في تدمير العقلانية البشرية ووضعوا الإنسان أمام عقله كعدو، بدل أن تكون النفس البشرية باختلالات توازنها هي العنصر المقابل الذي يجب أن تخضع لمنطق المنطق.
العقلانية المنطقية التي تؤمن بالحركية الجوهرية للزمن وهي قاعدة الإسناد في فكر المعتزلة تقول أن كل شيء متحرك سائر للأمام دون أن يرتبط هذا الحراك بالإرادة الذاتية لعنصر وجودي أو عناصر متعددة، النظام الوجودي عندهم قائم على السيرورة المستدامة والتي تتحقق عبر فعل التنافس الإيجابي من خلال وجود قطبين لا بد لهما من تفاعل لديمومة الحركة، وبما أننا نشهد هذه الحركية مستمرة ولم يتوقف نظام الكون ولو للحظة واحدة، فهذا يعني أننا في خضم زخم مستمر من السيرورة، ولكي لا تسحقنا هذه الحركة حين نقف أمامها وجها لوجه لا بد أن نستخدم العقل بما تأسس عليه من مقدمات ومعطيات ووفق نظامه المصفوفي وتفاعلاته لنفهم كيف نساير هذه الحركية، ونستفيد من القوة والقدرة والعزم الذي تمنحه لنا لنعيش وجودا أفضل وفعلا أكثر إيجابية .
من هنا أقول أن كل فكر أو أيديولوجية تقوم على مبدأ حتمية الصراع ونتائجه كمحرك للوجود الكوني وسر أسرار الحركة الشمولية الوجودية قدرا نظاميا رافق نشأت الوجود ومنبع العلية فيه، وتجعله من هذا الزعم محورا فلسفيا في تفكيرها لا بد أن أين يكون مصدرها المؤسس تلمودي، الصراع للصراع منهج وأسلوب حيواني سبعي إقصائي وليس طريقة عقلانية لفهم حركة الوجود، النظرية الكونية تقوم على مبدأ المنافسة من أجل المشاركة ومن جلال وجود الأضداد والتناقض، ولا تقوم على مبدأ تحويل الوجود إلى قطب منتصر وقطب خاضع له، بل لا بد من وجود القطبية النوعية للديمومة والرقي، فالصراع الطبقي أو الصراع الديني وحتى الصراعات التي تقدم على أنها حتميات تاريخية بدية هي صراعات شريرة لا تنتمي لمفهوم المنافسة الوجودية الإيجابية لأن كل نتائجها كانت كارثية ومدمرة على نطاق واسع، وهي في الحقيقة تحريض على نسف العلاقة الديناميكية التي تسير الوجود وتضمن الحفاظ على سيرورته المتصاعدة، بهدف تمكين جهة واحدة من التحكم والسيطرة على مجريات الصراع، ومن ثم التحكم بالوجود من خلال ما يعرف بالعقل الكوني المرتبط بمفهوم شعب الله المختار.
على عكس كل التيارات الفكرية الدينية والتي تتوحد جميعها بتقديم قيمة النقل وقداسته على حق العقل في التدبر وحتى البعض من العقلانيين المتدينين الذي يؤمنون بموجبية العقل في إدراك المراد الديني من النص، فإنهم يناورون في الفكرة ويلعبون بالألفاظ والمسميات لخداع البعض من أنهم يرون في العقل طريقا لفهم النص، الحقيقية أن نجعل العقل طريقا لفهم النص وتحليله ومن ثم التسليم به هو ذات المعنى ولو من وجهة أخرى بتقديم النقل على إعمال العقل، النص عند المعتزلة فكرة خام يمكن أن ندركها ببساطة على أنها قضية تحتاج أولا لقبول منطقي عقلي بها وبنتائجها البعيدة أولا ومن خلال كشف نسقيتها مع تفرعات النظام الكوني الشمولي ورؤيته، نتائج القبول والتسليم مرتبطة بما بفرزه العقل ويتوصل إليه بمنطقية أحترافية من أن الفكرة أو الموضوع المتناقش عليه يعارض أو يتعارض مع مسلمات وقواعد وأسس الرؤية الكونية العامة.
هذا الموقف يعني بأختصار شديد بأن المعتزلة يؤمنون بشيئين مهمين أولها أن الفكرة أو النص أو الموضوع المعروض لليقينية لا بد أن ينجح في أختبار التوافق السابق ذكره، وثانيا أن تكون نتائجه أيضا تخضع لذات التوافق، أي أن الفكرة أو الموضوع في النص يجب أن لا يتوقف في حدود الزمان أولا ، وأن لا يضيق به المكان ثانيا، هذا يصل بنا إلى أن فكر المعتزلة ليس فقط فكر أممي إنساني بل يصل إلى حقيقة أنهم عمليون وعليمون يؤمنون بوحدة الزمن والمكان وفعل الإنسان في منحى دوراني لا يتوقف، كل شيء يتوقف يعني عندهم نهاية وهلاك ولا يصلح للتأسيس عليه ولا يمكن حتى إحياءه برغم السيرورة الكونية وأحكامها على ذلك.
السؤال الذي أسمعه دائما عن نتيجة صراع العقل والنقل وهو هل أن حقائق الواقع تفرض قوة النقل من حيث هو وما هو على العقل؟ الجواب سيكون مستندا إلى سببين، الأول أن النقل واحد ثابت وهذا يعطيه القدرة على الاستقرار والتوازن على العكس والثاني يعود تعليله من كونية العقل الذي يتميز بالتنوع والأختلاف والحركة، وهذا ما يجعله معرضا للاهتزاز وعدم الركون إلى قواعد ثابته، وبالتالي فانهيار الفكر المعتزلي كان حتميا طالما أنهم يؤمنون ببقاء الأصلح المتماهي مع قوانين الطبيعة الثابتة، صحيح أن الواقع يقول أن الفكر المعتزلي خف بريقه وتضاءل أثره في بناء الفكر المعرفي الإسلامي وإن كان يبدو للبعض كذلك، والحقيقية التي يخفيها المؤرخون وحتى المعرفيون أن دور الفكر المعتزلي ما زال قويا ومحركا ومؤثرا برغم غياب رجالاته وأشخاصه، والدليل أن المجتمعات الدينية ومنها الإسلامية تتعامل مع العلم وإن كانت مجبرة، وتتعامل مع المعرفة والتعليم وتتحرك ولو بطيئا مع الزمن، لم تنتصر المدرسية النقلية أبدا ولم تبقى ظاهرة وتمارس تبشيرها لولا قوة وعنف السلطة الحاكمة ومصالح الكهنوت وتخادمه مع السلطة.
هذه النتيجة التي يظن البعض منا أنها حقيقية ولو بواقعتيها المبسطة ما هي إلا مجرد مخادعة وتضليل يراد منها تجذير فكرة سخافة العقل ومحدودية دوره، العقل الإنساني كائن جبار وفاعل متمرد مت ما منح الحرية والقدرة على اقتحام مناطق التضليل والزوايا المتخفية خلف القداسة وعدم المشروعية، فهو يعمل وفق ما يمنح وما يسمح له لا على أساس أفتراضي فقط بأنه قادر على فعل الشيء، الفكر الديني عامة هو فكر محاط بالأسوار والتابوه المصنم، لا يقبل بتدخل العقل في فك وتفكيك الإشكالية التعارضية حين تظهر عمليا في تجربة الإنسان مع الواقع، الجواب دوما يأت أن النتائج الخاطئة والغير موفقة ليس سببا النص بل عدم إيماننا المطلق به وأن من أفسد هذا الإيمان هو اللجوء للعقل، فالعقل عندهم مدان حتى قبل أن يتدخل وقبل أن تظهر الإشكاليات العملية، هذا الواقع يدجن الإنسان وعقله ويطيح بما يجب أن يكون عليه الفكر الديني من حيوية طالما أنه يزعم أنه جاء لإصلاح حال البشر وإمكانية نقلهم إلى درجات أعلى في الكمال الإنساني.
الملخص من فكر المعتزلة والذي أجزم به من قول أن كل الأفكار العلمية والعقلانية وما ظهر من نظريات وروى تستند في قوتها لمنطق العقل وفاعلية التفكر والتدبر سواء في واقع المسلمين الثقافي والفكري أو حتى على مستوى الفكر الحضاري العالمي مدين لهم، ولشجاعة ما أبدوه من جرأة وقوة في الدليل والحجة ومقاومة حالة الاستلاب والعبودية، مما أكسب هذا الفكر احتراما وحضورا دائما في العقل الإنساني وحتى في اللا شعور الفكري حين يذكر أو نتذكر بمرارة تاريخنا الفكري والنتائج التي نحن عليها اليوم من سيادة للفكر السلفي والتاريخية الروائية وحتى في مظاهر التدين والإيمان بالعقيدة، لولا المعتزلة وحركتهم التنويرية ولولا مقدماتهم التي ساهم بها الخلص من قادة الفكر الإسلامي قبل أن تلفه عباءة السلطان هم الحماة الحقيقيون للدين وللحياة والوجود، إنهم الإنسانيون الذين حافظوا على الإيمان الطبيعي بأن الكون والوجود هو حركة لا تتوقف ولا تتراجع ولا يمكن السيطرة على أي شيء دون فاعلية عقلية تناقش وتتدبر وتفكك وتقيم نظامها على قواعد وأسس ديناميكية تساير حركة الزمن ولا تلتفت للوراء إلا لقياس المسافة المقطوعة.






#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)       Abbas_Ali_Al_Ali#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العراق على خارطة التيه والضياع. رسالة الى العراق والعراقيين
- د. خزعل الماجدي ووهم الأديان... حالة توهم أم قطع يقيني
- يا مدنييّ العراق أتحدوا.....
- كلنا عبيد قريش وليس فينا من يعبد الله
- رسالة إلى امرأة فاتنة
- عندما تكون الدولة لعبة.... ح1
- المنقذ التاريخي وإشكالية البيئة الحاضنة له وأسئلة أخرى. ح2
- المنقذ التاريخي وإشكالية البيئة الحاضنة له وأسئلة أخرى. ح1
- تفكيكية دريدا بين الفرادة في الإبداع وطبيعية المعرفة الإنسان ...
- تفكيكية دريدا بين الفرادة في الإبداع وطبيعية المعرفة الإنسان ...
- نقابة المحامين العراقيين بين قانون السلطة وخيار التنظيم
- الفكرة الخفية....
- قصصي لا تنتهي....
- الى صديقي ...أخي علاء المشذوب
- تخلية المأجور في القانون العراقي.. إرادة القانون أم إرادة من ...
- أمنيات مجنون عاقل
- يوما ما ..... كنت مع الرب
- الممكن والضروري
- قتلى وصرعى على أرض البرتقال
- في الهم المدني عراقيا


المزيد.....




- 1 من كل 5 شبان فرنسيين يودون لو يغادر اليهود فرنسا
- أول رد من الإمارات على اختفاء رجل دين يهودي على أراضيها
- غزة.. مستعمرون يقتحمون المقبرة الاسلامية والبلدة القديمة في ...
- بيان للخارجية الإماراتية بشأن الحاخام اليهودي المختفي
- بيان إماراتي بشأن اختفاء الحاخام اليهودي
- قائد الثورة الاسلامية آية الله‌خامنئي يصدر منشورا بالعبرية ع ...
- اختفاء حاخام يهودي في الإمارات.. وإسرائيل تتحرك بعد معلومة ع ...
- إعلام العدو: اختفاء رجل دين اسرائيلي في الامارات والموساد يش ...
- مستوطنون يقتحمون مقبرة إسلامية في الضفة الغربية
- سفير إسرائيل ببرلين: اليهود لا يشعرون بالأمان في ألمانيا


المزيد.....

- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عباس علي العلي - المعتزلة ودورهم في بناء واقع الإنسان الكوني