|
حال المدن العربية البائسة كإنعكاس للوضع العربي المتردي
أحمد الناصري
الحوار المتمدن-العدد: 1534 - 2006 / 4 / 28 - 12:33
المحور:
الطبيعة, التلوث , وحماية البيئة ونشاط حركات الخضر
من بغداد المحتلة لكن المحتسبة ، الى دمشق المهددة بالمخاطر الكثيرة والمتعانقة بالداخل والخارج ، الى القاهرة الجائعة لكن الضاحكة على المرارة وعلى نفسها وعلى الحاكم ، والقدس المقدسة لكن الغريبة والتائهة ، ورام الله وغزة المريضة من دون دواء ، والمحاصرة بالاحتلال والمنتهكة به ، والاسكندرية المدينة العالمية القديمة التي يخرج فيها أصولي ضائع معادي لله وللناس والبحر ، يقتل عباد الله بإسم الدين وبإسم الله لكن في بيته ، وبيروت الذي أختل فيها الجمال والشعر والتجديد والبحر والعمران لصالح الطائفية الضيقة والتافهة والخارج المنافق والمعادي ، ودهب الصغيرة المذبوحة على أبواب موسم رزقها السياحي البسيط في شم النسيم ، والجزائر التي تلاحقها كمائن البغاة ( الطيارة ) ، ودارفور التي لاتتذكرها إلا نشرات الأخبار المتخصصة في التخريب ، ومدن الفقر والذل والصفيح والحشيش والأمية في المغرب العربي الجميل .. مدننا مدن المراثي والكبت الاجتماعي والاقتصادي والنفسي والجنسي والثقافي .. مدن القهر والاستلاب والتحريم الغبي وغير المبرر لكل الأشياء الجميلة والبسيطة ، مدن الكسل والضياع ... هكذا تدور مدننا في فراغ الوجود والتاريخ ، ويدور الموت فيها ، يقودها أشباح اللوثات المتكررة الى الفجعية المتواصلة والى الفراغ التاريخي والمستقبلي ، أو ما يسمى بإستمرار ( الحلقة المفرغة ) ، لالشئ سوى إنها لم تنتج وعيها الخاص ، ولم تؤسس نفسها على الطريقة الصحيحة ، ولم تدرك ذاتها ، ولم تخيط ثوبها البهي الملائم ، ولم تلبس فساتينها الباذخة ، ولم تعرف مكياجها المناسب ، ولم تؤكد أسمها المدني الصحيح الأخير . مدن لاتمتلك وعياً مدنياً ولا مدينياً ، ولا وعياً سياحياً أو ثقافياً أو عمرانياً . مدن غير سياسية وغير إجتماعية وغير ثقافية ، مدن أمنية قاسية وغليظة ، مدن المتاريس والحواجز الطيارة البغية ، هذه المحصلة لخطط السلطات العربية ، سلطات التخلف والفساد والاهمال والتبعية ، قامت بتكوين عشوائيات بشرية متناثرة ، تفتقر للتخطيط والخدمات وتقطع علاقتها بالمستقبل ، لتتحجر في الماضي التليد . هل شاهدتم صور المدن العراقية المنكوبة بزلزال الفاشية والحصار والإحتلال والإرهاب ؟؟ هل تابعتم صور مدن غزة والضفة الغربية المحاصرة ، وما فعله الاحتلال الصهيوني بها ؟؟ هل أطلعتم على ( خرائط ) المدن والأحياء العشوائية ؟؟ هل شاهدتم الشوارع والساحات والحواري ؟؟ هل هذه مدن تعيش وتليق بالقرن الواحد والعشرين ؟؟ أم إنها مدن من مرحلة ماقبل المدينة والمدنية ؟؟ هل دخلتم الى مستشفيات المدن العربية وأسواقها وشوارعها ؟؟ لماذا تفتقر مدننا الى الخدمات الصحية والتعليمية ، والكهرباء والماء والهواء غير الملوث ووسائط النقل من مترو وترام ومطارات وباصات أنيقة ؟؟ أين هي المدارس والجامعات والمراكز التقافية والترفيهية والنوادي العامة ؟؟ أين هي حضانات ورياض الأطفال وحدائقهم ؟؟ أين هي دور رعاية العجزة والمسنيين والمهتوكين والهامشيين ؟؟ كم عدد المراكز الأمنية والفروع القمعية الحصينة مقابل المراكز الثقافية والترفيهية ؟؟ لماذا هذه الحالة من التردي والتفكك والإندثار الذي وصل اليها كل شئ عندنا ؟؟ أين هذه المرافق الضرورية والبسيطة ؟؟ ألم تعد هذه جرائم تدمير وإبادة جماعية مقصودة ومدبرة ومدانة بالشرع الاجتماعي والحياتي والقانوني ؟؟ إن حال المدن العربية وشكلها الكالح والغير طبيعي ، هو التعبير المباشر عن الأزمة البنيوية التاريخية التي يعاني منها المجتمع العربي ، وهو تعبير صادم للعين والوعي الفردي والجماعي للكتلة البشرية التي تندمج أو تغرق في نسيج تلك المدن المعذبة ، بينما تعيش النخب السياسية والإقتصادية والمالية والدينية ، خاصة الفاسدة والطفيلية ، في معازل خاصة ومحصنة ، تشبة الى حد بعيد القلاع الإقطاعية في العصور الوسطى ، وتمتلك حياتها السرية والعلنية الخاصة ، ولها القدرة على السفر والإنتقال المؤقت أو الدائمي الى المدن العالمية حيثما كانت ، وممارسة الفساد والبغاء العلني ، وحيثما تشاء وتريد ، لإنها محمية ومستورة ، يساندها الإعلام المسيّر والمؤسسات الدعائية التافهة والقابضة للأموال . إن فشل المشروع النهضوي في منطقتنا ، والذي لم يكتمل أصلاً من الناحية النظرية او الكمية التراكمية المطلوبة ، ولم تكتمل أسسة البسيطة والعامة ، إنما كان محاولات جادة وجرئية لكنها فردية ومتباعدة ومتقطعة في العموم ، لم تندمج بالمجتمع لتحركة وترفعه من ركوده وجموده وإنحطاطه . ومن ثم توقفت تلك المحاولات في منتصف أو ربع الطريق ، إن هذا التوقف هو المسؤول عما آلت إليه حالتنا العربية في جميع المجالات . إن توقف المشروع النهضوي المدني وتراجعه وإستبداله بتطبيقات سلطوية مشوهة وبدائية ، جمعت وإشتغلت على الإستبداد وصناعة التخليف وعدم الإهتمام أو الإعتراف بالواقع المر والمرير ، والإعتماد على الخارج في تثبيت وإستمرار السلطة . سلطات خلطت وجمعت بين السلطة والدولة والدين المشوة ، تحت راية ورأي المؤسسة الرئاسية القمعية وفروعها الأمنية وميزانياتها المفتوحة ، بينما أصبحت الصناعة والتجارة والثقافة والزراعة وتخطيط المدن والتنمية وتحسين وتطوير حياة الناس ، هموم ثانوية أو ( ثالثية أو ... ) في عرف الحكام ومكاتبهم ومستشاريهم . وهذا هو التحدي والاختلاف والصراع بين الناس والسلطات ، والذي يتخذ أشكال متفاوتة وغامضة وبطئية لحد الآن ، بمعنى إنها لم تحسم أمور الصراع ولم تقررها أو تدفعها الى الحل المطلوب ، وربما إنتصرت السلطات في بقاءها وإستمرارها ، إذا كان ذلك يعد إنتصاراً من الناحية الموضوعية الدقيقة أو اللغوية أو التاريخية العامة ، أم من الناحية الشكلية التسلطية والإستمرار في القبض على السلطة فقط . الآن من يدرك هذه المهام التي تخص حياة الخلق والمدن ، ويقدر متطلباتها البسيطة والمعقدة ، الإجتماعية والعلمية والحياتية العامة ، بتفاصيلها المتشعبة والإختصاصية النادرة ، التي تحتاج الى تدقيق وتخصيص دائم . كيف ننقذ مدننا من محتنها وتشوهها وقذاراتها وذبابها ومستنقاعاتها وصفيحها وغبارها وغبائها وخرابها الرسمي المخجل والعلني ، كيف ننقذ مدننا من الحالة الكارثية المزرية التي ترزح تحتها ؟؟ . إنها دعوة للنظر من جديد في واقع قد أستوطن وتجسد وبدا طبيعياً بل أخاذاً في بعض الأحيان ، واقع يجافي ويعارض الفطرة والجمال واليسر والطبيعة ، ويفرض كل ماهو مريض وشاذ ومؤذي للعين والخيال ويتعارض مع التطلع والطبيعة . واقع قاسي ومؤلم ومشوة ومفروض على الناس وعلى الطبيعة ذاتها . الطبيعة أم الجميع والمصدر الخلاق اللامنتناهي في إنتاج وتوفير مصادر الإستمرار للجميع . علينا أن ندق أصوات الإنذار العالية والصاخبة حول ما يجري لمدننا المخربة والمهددة بالفناء والزوال الحقيقي والعشوائية الخطيرة . مدن محتلة كما القدس المقاومة وبغداد المحتسبة ورام الله الجميلة ، ومدن أخرى كالقاهرة العجائبية والشام الوردية وبيروت البحرية ، ومقاطعات ومساحات كثيرة منسية أخرى ، ومدن مخربة ومتخلفة ومقموعة ، كما كل المدن العربية السارية في أقنوم التكوين المؤسف ، مدن ينبغي ان لاتستمر في حالها الدوراني الراهن ، او تعلن إنتحارها وموتها التخطيطي والفيزيائي المباشر ، بإعتبارها ليست مدن ، كطريقة للإحتجاج البشري الجماعي على كارثة مستمرة منذ قرون ، كارثة الإستمرار غير المخطط ، المعادي للإنسان والمعارض للطبيعة . إذا خربت الثقافة والسياسة خرب العمران ، وسقط كابوس الإندثار على المدن ، وتحولت الى أكداس من رماد ومزابل ، عندها يخرب الذوق العام وتخرب الأخلاق والنفوس ، وهذا مايجري في مدننا العراقية بشكل خاص التي فقدت ملامحها الأصلية ، وأصبحت شئ آخر لايشبه المدن . أحمد الناصري
#أحمد_الناصري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تهنئة وتحية وسلام الى محسن الخفاجي
-
رسالة جوابية الى الأخ والصديق حسقيل قوجمان .. الستالينية باع
...
-
دفاعاً عن حياة وحرية الدكتور أحمد الموسوي
-
في ذكرى تأسيس الحركة الشيوعية العراقية .. بعض التجارب والدرو
...
-
خففوا ولا تحضروا ، لعنة الشعوب والحياة والتاريخ عليكم .
-
ما تحت الرماد أشد إشتعالاً !!
-
.منتصر في ذكراه الخالدة ، بين جريمة القتل وجريمة الصمت
-
كلمة : أهمية كشف ملفات وإتصالات وعلاقات الجميع
-
عزة تحترق ......... بغداد تحترق .
-
رسالة من بعيد الى شهيد جميل آخر
-
كلمة : الأربعاء الدامي ، ما قيمة الكلمات والحبر أمام الدم ال
...
-
تعليقات سريعة حول بعض الأحداث الجارية اليوم
-
الدستور بإعتباره عملية إجتماعية قانونية سياسية وطنية ، والول
...
-
ماذا تبقى لنا ؟؟ قراءة للمشهد العراقي ولبعض التغيرات الدراما
...
-
تعليق : بوش الثاني وتخريجاته الهزيلة عن العراق
-
قراءة سريعة للوضع العام في ضوء النتائج والتطورات الأخيرة
-
كلمة : جورج حاوي بين الشهداء والصديقين ، وفي موضع القديسين
-
كربلاء جديدة في الكرابلة ، وتصريحات خرقاء لجورج بوش الثاني .
-
حول المبادرة الثقافية للشاعر سعدي يوسف
-
رسالة أطالب بإيصالها الى صديقي القاص المبدع محسن الخفاجي
المزيد.....
-
الحزب الحاكم في كوريا الجنوبية: إعلان الأحكام العرفية وحالة
...
-
عقوبات أميركية على 35 كيانا لمساعدة إيران في نقل -النفط غير
...
-
كيف أدت الحروب في المنطقة العربية إلى زيادة أعداد ذوي الإعاق
...
-
لماذا تمثل سيطرة المعارضة على حلب -نكسة كبيرة- للأسد وإيران؟
...
-
مام شليمون رابما (قائد المئة)
-
مؤتمــر، وحفـل، عراقيان، في العاصمة التشيكية
-
مصادر ميدانية: استقرار الوضع في دير الزور بعد اشتباكات عنيفة
...
-
إعلام: الولايات المتحدة وألمانيا تخشيان دعوة أوكرانيا إلى -ا
...
-
نتنياهو: نحن في وقف لاطلاق النار وليس وقف للحرب في لبنان ونن
...
-
وزير لبناني يحدد هدف إسرائيل من خروقاتها لاتفاق وقف النار وي
...
المزيد.....
-
-;-وقود الهيدروجين: لا تساعدك مجموعة تعزيز وقود الهيدر
...
/ هيثم الفقى
-
la cigogne blanche de la ville des marguerites
/ جدو جبريل
-
قبل فوات الأوان - النداء الأخير قبل دخول الكارثة البيئية الك
...
/ مصعب قاسم عزاوي
-
نحن والطاقة النووية - 1
/ محمد منير مجاهد
-
ظاهرةالاحتباس الحراري و-الحق في الماء
/ حسن العمراوي
-
التغيرات المناخية العالمية وتأثيراتها على السكان في مصر
/ خالد السيد حسن
-
انذار بالكارثة ما العمل في مواجهة التدمير الارادي لوحدة الان
...
/ عبد السلام أديب
-
الجغرافية العامة لمصر
/ محمد عادل زكى
-
تقييم عقود التراخيص ومدى تأثيرها على المجتمعات المحلية
/ حمزة الجواهري
-
الملامح المميزة لمشاكل البيئة في عالمنا المعاصر مع نظرة على
...
/ هاشم نعمة
المزيد.....
|