أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - زيدان الدين محمد - -الوطن- الكذبة التي تَليقُ ب إبريل .















المزيد.....

-الوطن- الكذبة التي تَليقُ ب إبريل .


زيدان الدين محمد

الحوار المتمدن-العدد: 6189 - 2019 / 4 / 2 - 00:19
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


‏"مُنذ آخر مرَّة أصدر الثعلب فيها صوتًا
أرنب يُدعى " وطن " سَقط فِي مصرف
سَقط ولَم يخرج حتَّى الآن."
- ندئ عادل.


يُلاحظ في الموطن جهة الإستقرار والإقامة والتهيّؤ. و يُلاحظ فِي معنى الوطن "الأمان". و مِن هُنا أين بإمكاننا نَجد إتساق هذا المعنى مع ما يسمونه اليوم بـ "الوطن" ؟.
لذا، مِن جهتي فإني أرى "الوطن" أنسب كذبة يُمكن أن نتداولها في يوم "كذبة إبريل" بل و باقي الأشهر . و هُناك الكثير ما يدعم مصداقية هذهِ الكذبة التي آضت علينا جحيمًا في كَلب الزّمان هذا.

يقولُ البابا شنودة - رحمة الله على روحه - :
"الوطنُ يعيش فينا ولا نعيش فيه" ، لَكن أي أمكنةٍ هذه بإمكاننا أن نسميها أوطانًا و الهوة مابين الفقير والغني تتسع، و أحقّيتك في تلقي العلاج يعتمد على الطبقية، و برامج التّدريس مختلفة و تعتمد على دخلك المادي و مستواك المعيشي أو حتى جنسيتك، أي أوطانٍ هي هذه التي تفتقد للعدالة الإجتماعية في مستوياتها؟ و كيف تعيش فينا ؟ بل كيف السبيل لِلعيشِ فيها؟.
يُقال أنكَ لا تفهم مالذي يعنيه الوطن، إلا عِندما تتغرّب، و هذا عين الحقيقة، فنحنُ لولا غُربتنا داخل ما يسمونه وطننا لَما شعرنا بالوطن أصلًا.
وطنٌ بالجِراح أُثخننا، علّق علينا فواتير فساد قديمة ندفع اليوم نحنُ بسببها الثمن غاليًا ، وطنٌ اليوم يشبه بضع تراب عفن ، أمات فينا أحقية المواطنة و العيش ، و التّطلع قُدمًا و بناء مستقبلنا ، وطنٌ لم يحترم دماءنا و لا صلوات جداتنا وأمهاتنا و لا بكاء أطفالنا و إنكسار شبابنا، كيف لنا أن لا نشعر فيه بالغُربة؟ و كيف نكون مِن المُصطفين كأي إنسان له حق الحياة في هذهِ الأمكنة ؟ أو كما يقول حسين الجفال :
"وطنٌ تكتبه الممحاة كيف نقتفي أثره ؟".

مازلتُ أذكر ما حدّثتني به أحد الآنسات المغربيات، كانت تعمل في أحد مُنظمات الهجرة في إيطاليا،في أواسط غياهب الحديث ، عن موقفٍ تعرّضت له قائلةً:
"‏‎أعداد هائلة جدًا مِن المُهاجرين بعضهم ضحايا الحروب وهم قليلون والأغلب لا! مرّة سألني مسؤول فِي العمل، إذا هؤلاء الشباب يهربون إلينا بدعوى الحرب مَن سيبني أوطانهم؟ العجزة والنساء؟!!.
من خلال تعاملي مع قضايا كثيرة في مجال الهجرة، روح المواطنة مفقودة..".
ولستُ أُبالغ أنه حينها دثرني خجلًا غاشم مِن هذا القول الذي يجب أن يطرح أمامنا مسائل كثيرة خاصة بالوطن والمواطنين.
مالذي يدفع أبنائنا للهجرة - و أنا صراحةً أحد الطامحين للتمرغ والإنسلاخ من الوطن الذي أعيش فيه الآن - و لماذا غالبية السُكان في معظم الأوطان العربية يبنون أحلامهم و يطمحون بالحصول على حقوقهم في دول الغرب؟. حقيقةٌ مالذي جعل هذه الأمكنة أن تنسلخ من مفهوم الوطن و ينسلخ من أفئدة أبنائها مفهوم المواطنة؟.من يجيبنا مالذي يجعل هذه الأراضي غير قابلة للحياة و الأحلام فيها؟.
مِن العدلِ والحياد، فهذه الأوطان الآن لم تكن قطّ هي ومواطنيها كالماضي و لا يجب علينا أن نسقط على الماضي فساد ومعمعة الحاضر قسرًا، فلَم نكن نرى حالات هجرة و لجوء كما هي اليوم التي تصوّر لنا كمية جحيم هذه الأراضي المُحترقة.

كَيف لا نُهاجر من هذهِ الأوطان التي خضبناها بفداء دمائنا و في المُقابل لم نجد سوى القمع و الصفع على قارعة الطريق؟.
كيف لا يُهاجر العراقي والعِراق بعد أن طاله تلوث الإصابة بالتقسيم الطائفي الذي يصعب التخلص منه، أصبح مُجرد حُفنة من حُزنٍ سقيم و سُمّ يفتك بالصغير قبل الكبير؟.
و كيف لا يُهاجر السُّوري بعد أن أضحت سورية كقطعة جريدة كُمشت بين قبضتي رجُلٍ مِن عرمرمٍ ؟.
و كيف لا يُهاجر اليمني و الجوع و الحرب تنهش أراضيه؟.
و كيف لا يُهاجر المغربي و هو يزحف أسى من البطالة المستهيمة في بلاده؟.
و كيف لا يُهاجر الخليجي و أعصية السُّلطات و القمع تُطارد حُريته؟.

يتضح لقارئ خراب هذهِ الأماكن التي يسمونها وطنًا، أنها كعكة وطنية تتقاسمها جماعات هوية مسيّسة و أجندات فاسدة ،و جماعات هوية طائفية لا تنتهج التنافس والحوار، بل صراع النفوذ أو توافق من نوع المُحاصصة ،جماعات لا تُمثل مواقف وطنية في موضوعٍ مُعين كي تتنافس فيما بينها للبناء، بل تُمثِّل هويات جزئية مُختلفة تريد كُلًا منها السيطرة.. فكيف للوطن أن يتشكّل في خضم هكذا إشكاليات تطيح بمعنى أساسيات البناء و القومية و الديمقراطية و الوطنية؟.

إن مُجتمعات متجرّدة مِن الدولة ، لا تنتج مُجتمعًا مدنيًا ولا مواطنة و لا ديمقراطية، بل كُل ما تفلح في إنتاجه "حرب الكُل ضد الكُل".
و في ظلِّ إنعدام الديمقراطية فِي أوطاننا فإنهُ يسهل خَلق مُقدّمة تبريرات لِلخصخصة و جَعل من عملية الإصلاح تلبيس نهب المال العام، و تحويل القِطاع العام رأسمالية دولة بيروقراطية نتنة الفساد.
كَيف لا تتزعزع الوطنية فينا و كيف لا نهرب و مُحمد الماغوط ذَرف حسرةً حين خاطب الوطن البتول الجارف كالطوفان في قصيدته النثرية "الوطن مشرف على التحقيق" بهذا القول الصَّحيف:
"أنا لا أنكر أني نمت في أحضانك
وركبت على ظهرك وجدرانك في طفولتي
واحتميت بجدرانك في شيخوختي
ولكن أن تركب على ظهري طوال العمر مُقابل ذلك
ومشترطاً أن يلامس جبيني سطح الأرض فلن أقبل:
فوقه بقليل ممكن
فأنا أيضاً عندي كرامة.".
كيف لا نفزع و نهرب فارِّين بما تبقى لدينا مِن بضع رفات الأحلام بعد منجنيق أحمد مطر في قوله واصفًا العرب:
"يكذبون بمنتهى الصِّدق ويغشون بمنتهى الضمير، ينصبون بمنتهى الأمانة ويخونون بمنتهى الإخلاص، يدعمون أعداءهم بكل سخاء ويدمرون بلدانهم بكل وطنية، يقتلون إخوانهم بكل إنسانية، عندهم مناعة ورفض في تطوير الذات والتقدم والبحث العلمي وتبلد ذهني للغاية.".
لقد تورطنا مع الوطن و تورط الوطن مع حُكامٍ تورطوا بشكلٍ حرج في براثن خطابات شعبوية رومانسية لم ينتج منها سوى شعوبٍ مُدقعة بالفقر و الحُطام. الأحذية في أفواه الشِّعوب و الدِّعة والرخاء في بطون حُكامنا.
يصرخ أحد المطربين العرب في بلد من بلاد العروبة القلقة ذات يوم:
"خذوا المناصب...
والمغانم... بس سيبولي الوطن" .
و إني أتسائل تُرى مالذي سيبقيه لنا لصوص الوطن؟ مُجرد بقعة تطلّ على السَّماء بها بضع هواء لا يخلو من التَّلوث!.

على ذلك، هل نمتلك برنامجًا يُمكّننا مِن طرح الفِكرة العربية الوطنية بشكلٍ يلتقي مع مصالح النَّاس؟ بشكلٍ يشكّل قاعدة لحلِّ همومهم؟.
و هل نمتلك دليلًا نشرح به بوضوحٍ جلي و بلا إستصعاب أنه كيف مِن المُمكن أن يُؤثر إيجابيًا في حياة الناس إلغاء التأشيرات بين الدول العربية؟ و كما يقول الدكتور عزمي بشارة هل يصعب علينا شَرح ماذا يمكن أن يعني تنسيق سياسات الطَّاقة و البيئة و الكهرباء عند أُمة عظيمة من هذا النوع؟.
هل يصعب شرح ماذا يعني تَنسيق السياسات الزراعية والغذاء؟ و تنسيق برامج التّدريس و شروط القبول للجامعات؟.
هل يُمكننا إمتلاك برنامجًا يُمكننا لشرح ما أسلفناه، و الحديث عن الوحدة و البناء؟.
يذكُر فِي كتابه "أن تكون عروبيًا في أيامنا" د.عزمي بشارة:
"الإنسان فقط هو الذي أهلّته الطبيعة أو العناية الإلهية أن يمشي مُنتصبًا مُحرّر اليدين، و أن يفكِّر بحُرية. الحُرية والواقعية النقدية خياران متلازمان شرطهما الإنسانية الواقعة بين السّماء والأرض.
وهذا ما تشترطه عروبتنا الإنسانية في أيامنا".
لكن يا تُرى أنّا يتسنّى لنا هذا التقدير و النهوض و من أحد الأسباب المُهمة التي أفشلت بناء أُمة وطنية هو إقصاء الهوية العربية من جهة و تحويلها إلى أيديولوجية من جهة أخرى؟.

لا وطنٌ حيث انتحر السَّلام، لا وطنٌ هُنا، و لا حتى صوت جارة القمر "فيروز" الذي يشبه ترامي أشعّة الشمس على الزرع النديّ في الصباحات الباكرة يُمكنه أن يعيد لنا روح الوطن و تعميره في شذا صوتها:
"بيظلّ فيها أتنين
عيون حلوة وإيد
يعمروا من جديد
ضيعتي الخضرا ع مدّ العين".

سيبقى الوطن كَذبة تليقُ بـ إبريل و باقي الأشهر و الفصول ، و ويلٌ لِحُكّامٍ أبادوا معنى الوطن،و تحوّلوا إلى أثرياء بإستغلال الموقع السياسي والجُغرافي وبيع القضايا،وخلّفوا شعوبًا فقيرة مناجلها مكسورة، حُكّام ساد فيهم حُكم الأقارب والعائلة "نيبوتيزم" .

خِتامًا لا خِتام له في واقعنا:
رُغم شاعرية الموقف والإنتماء فِي "بلاد العرب أوطاني" و رُغم صدح عبير فيروز في قصائد سعيد عقل الوطنية ، ورُغم انسياب عواطفنا المقهورة داخل النشيد الفلسطيني "موطني" ، إلّا أننا سنظلّ نتذكّر مرارة ماغنّاه عبد الحليم حافظ:
"ما تغيب الشمس العربية طول ما أنا عايش فوق الدنيا"، و نَستطعم إنكسار القمر البُني في قلوبنا و تفشّي الأسى في مآقي أعيننا، مِن جسارة مصداقية كذبة "الوطن" التي تُحتّم علينا العمل بِفرض الماغوط خيبةً "سأخون وطني".



#زيدان_الدين_محمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ضِفَّة الطُغاة و قمّة الرِّمم العربية.
- إلى مَتى سَنبقى نُحارب طواحين الهواء؟.
- لماذا لا تصدر كِتابًا؟.
- حادث نيوزلندا و تواطئ منهجية التَّطرف مع سلوك الإرهاب.
- حتَّى طرزان مُسلمًا حنيفًا.
- مِن التصديق الصبياني إلى الإعتقاد النَّاضج.
- التَّهادر الزوجي و سلبيته على الأبناء.
- ضَحايا تجارب إلهية.
- كاسيت رواية ١٩٨٤ من إنتاج الجماعة ال ...
- بُنٌ بِرائحة امرأة.
- القدِّيس الزِّنديق.
- بَين ثُنائية التُّراث و المُعاصرة..فجوة التهمت ثقافتنا.


المزيد.....




- تحقيق CNN يكشف ما وجد داخل صواريخ روسية استهدفت أوكرانيا
- ثعبان سافر مئات الأميال يُفاجئ عمال متجر في هاواي.. شاهد ما ...
- الصحة اللبنانية تكشف عدد قتلى الغارات الإسرائيلية على وسط بي ...
- غارة إسرائيلية -ضخمة- وسط بيروت، ووسائل إعلام تشير إلى أن ال ...
- مصادر لبنانية: غارات إسرائيلية جديدة استهدفت وسط وجنوب بيروت ...
- بالفيديو.. الغارة الإسرائيلية على البسطة الفوقا خلفت حفرة بع ...
- مشاهد جديدة توثق الدمار الهائل الذي لحق بمنطقة البسطة الفوقا ...
- كندا.. مظاهرات حاشدة تزامنا مع انعقاد الدروة الـ70 للجمعية ا ...
- مراسلتنا: اشتباكات عنيفة بين -حزب الله- والجيش الإسرائيلي في ...
- مصر.. ضبط شبكة دولية للاختراق الإلكتروني والاحتيال


المزيد.....

- المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية / ياسين الحاج صالح
- قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي / رائد قاسم
- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - زيدان الدين محمد - -الوطن- الكذبة التي تَليقُ ب إبريل .