|
وهم الإعجاز العلمى فى القرآن (الكريم)
محمد سيد
(Mohamed Sayed)
الحوار المتمدن-العدد: 6186 - 2019 / 3 / 29 - 23:49
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
هناك رواية عن العالم الكبير أبو بكر الرازى (الربوبى و الغير مسلم) تقول إنه أثناء زيارته لإحدى المدن خرج أهل هذه المدينة عن بكرة أبيهم لإستقباله ومصافحته، فكانت هناك سيدة فقيرة ترى تهافت الناس عليه ولم تكن تعلم من هو فعندما سألت أحدهم أجابها إنه العالم أبو بكر الرازى الذى وضع 1000 دليل على وجود الله، فتعجبت هذه السيدة وقالت والله لولا ان قلبه ملئ ب 1000 شك لما بحث عن 1000 دليل على وجود الله.
بغض النظر عن مدى مصداقية وحقيقة هذه القصة من عدمها كغيرها من القصص التى يزخر بها التراث الإسلامى والتى غالبا ما تكون أكثر غرابة وأبعد ما يكون عن تصور المنطق والعقل البشرى مثل قصة إن هناك سيدة كانت حياتها كلها ذنوب ومعاصى ولكنها دخلت الجنة لمجرد أن سقت قطة (هره) شربة ماء، وغيرها من القصص بهذا الشكل والمضمون، لكن ما يهمنا فى هذه القصة هو المعنى والمغزى من وراءها والطرح الذى يريد أن يؤكده لنا راويها ومن نقلها ولا يزال ينقلها من بعده بوجود علاقة طردية بين الشك والبحث عن الأدلة للوصول الى اليقين، فكلما زادت درجة الشك عند أحدهم كلما بحث على أدلة أكتر لإثبات صحة ما يؤمن به ودرء الشك الذى بداخله.
هذا ما يمكن أن يتطابق حرفيا مع أصحاب الإدعاء "الوهمى" و "المكذوب" و "المفضوح" بوجود إعجاز علمى فى القرآن (الكريم)، بل إنه كلما زادت درجة هذا الكذب والتلفيق وكمية المغالطات "الفجة" فى هذه الإدعاءات كلما أستطعت وبسهولة أن تعرف حجم الشك "الوجدانى" و "الغير معلن" داخل كل شخص منهم يبحث عن دليل لصحة القرآن (الكريم) وإثبات إنه بالفعل كلام الله.
وأول ما يبادر إلى ذهنى كلما وجدت واحدة من هذه الإدعاءات على مواقعهم أوعندما يأتى بها أحدهم ليناظرنى ويواجهنى بها كدليل على معجزة القرآن (الكريم)، عدة تساؤلات منا بينها هو كيف لكتاب يقولون عنه "حمال أوجه" أن يكون منهجا أو مرجعا أو دليلا أو حتى إستدلالا لحقيقة أو نظرية أو حتى فرضية علمية ؟!!
الكتابة العلمية تختلف تماما عن أى كتابة أخرى سواء أدبية أو خبرية أو غيرها، ففى الكتابة الأدبية على سبيل المثال يمكن أن تكتب كلمات بل وجمل كاملة لها أكثر من معنى وأكثر من مدلول وذلك بإستخدام التشبيهات والصور البلاغية المختلفة بل أنه فى بعض الأحيان وبعض الحالات والمواقف كلما زادت درجة التخيل وحرية التصور عند القارئ كلما كان النص الأدبى أكثر تميزا، وبنفس السياق فإن الكتابة الخبرية فى أبجديات اللغة الإعلامية يجب أن تكون واقعية ومجردة بغض النظر عن صحتها وصدقها من عدمه (صحة مغزاها وأهدافها وليس صحة وقوعها) فهناك ما يسمى بالمصطلحات المجردة فى العمل الإعلامى وهى المصطلحات التى قد تعطى أكثر من معنى بإختلاف المكان والزمان مثل "الحرية" "الديمقراطية" وغيرها، فيجب عند صياغة خبر ما الى قطاع عريض من الجماهير فى عدة دول مختلفة مراعاة البعد الثقافي والمعرفى والخبرات التاريخية التى تختلف من دولة إلى أخرى حتى يصل أقرب معنى صحيح إلى الجمهور ككل، لذلك ظهرت فى السنوات الأخيرة جملة "على حد وصفهم" و "على حد زعمهم" إذا أضطر ناقل الخبر إلى إستخدام أى من هذه المصطلحات المجردة.
أما الكتابة العلمية فلا يمكن أن تُكتب أو تُقرأ كلمة واحدة منها تحمل أكثر من معنى ولا يمكن أن تتم صياغتها بشكل خاطئ أو به تشكيك وتبنى عليها نظرية علمية لمجرد أن نقلها شخص أخر تحت مسمى على حد وصفه أو على حد زعمه، فكل كلمة لها معنى وحيد ومدلول أوحد وقيمة معروفة ومحددة سابقا، فمثلا عندما تتحدث عن قاعدة تكوين العناصر الفلزية فنقول
"تميل ذرات العناصر الفلزية إلى فقد إلكترونيات للوصول إلى أقرب غاز خامل"
عند تناول الجملة السابقة ومحاولة فهمها لابد أن نعلم معنى كل كلمة بها بل لا يمكن أن نكمل قراءة باقى الجملة قبل فهم المعنى الحقيقى والأوحد لكل كلمة بها، لابد أن نعلم ما هى الذرات ؟ ومم تتكون ؟ وظروف نشأتها ؟، كذلك لابد أن نعلم جيدا ما هى الفلزات ؟ وما هى خصائصها ؟ وما يميزها ؟ وكل هذا بشكل واضح وصحيح ودقيق لا يمكن أن يحمل أكثر من معنى ولا مجال للتصوير البلاغى والتخيل حينها، حتى عندما نتحدث عن العناصر شبه الفلزية فهى أيضا لها خصائص محددة وشروط واضحة ولها موضع محدد فى الجدول الدورى للعناصر لكى نطلق عليها عناصر شبه فلزية، ونفس الأمر بالنسبة لمعنى ومفهوم وطبيعة الإلكترونيات، وطبيعة وخصائص الغاز الخامل، وكل هذا حتى تفهم الجملة السابقة كليا بشكل صحيح لا يحتمل أكثر من معنى.
أما فى القرآن (الكريم) هناك كلمات تحمل أكثر من معنى حتى فى المواضيع التى يدعون "زورا" ان بها إعجازا علميا، لك أن تعلم أن كلمة السماء على سبيل المثال لها اكثر من عشر معانى فى القرآن، فهى تعنى السحاب والمطر والسقف العالى والمجموعة الشمسية والبناء والرزق وفوق كل هذا يستخدموها "زورا" عند تفسير "إن السماوات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما" بأنها تعنى الكون كله لإثبات "زورا" إنها إعجازا علميا عن الإنفجار العظيم، وأمثلة أخرى فى مواضع كثيرة من القرآن (الكريم) لكلمات لها أكثر من معنى ومدلول لا يتسع المجال لذكرها الان.
ويتضح لك حجم المأساة عند أصحاب هذه الإدعاءات وبعضهم ممن يحملون درجات علمية ويسبق أسمهم لقب دكتور وهو يعلم ما هى أساسيات وقواعد البحث العلمى المتعارف عليها للحكم على موضوع ما كونه علميا وتنطبق عليه هذه القواعد والشروط أم لا، عندما تجده هو من يروج لمثل هذه الأكاذيب خائنا للأمانة العلمية التى درسها فى الطرح الذى يقدمه فقط من أجل الإنتصار لدينه وعقيدته "بالكذب" فيكفى لك حينها وبمنتهى السهولة أن تعلم المستوى الأخلاقى لأصحاب هذه الإدعاءات و الأكاذيب، ومدى مصداقيتهم فيما يقدموه على حد سواء.
#محمد_سيد (هاشتاغ)
Mohamed_Sayed#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الإعجاز العددى فى سورة الكوثر والوهم المقدس
-
وحدة الوجود عند سبينوزا، ومعضلة الشر لإبيقور
-
الإنسانية وحدها لا تكفى .. حادث نيوزيلندا خير دليل
-
مصر الفرعونية خير وأبقى من مصر الإسلامية
-
الإنسانية فى مواجهة الأديان
-
مرتضى منصور والقرآن لكريم
المزيد.....
-
82 قتيلاً خلال 3 أيام من أعمال العنف الطائفي في باكستان
-
82 قتيلا خلال 3 أيام من أعمال العنف الطائفي في باكستان
-
1 من كل 5 شبان فرنسيين يودون لو يغادر اليهود فرنسا
-
أول رد من الإمارات على اختفاء رجل دين يهودي على أراضيها
-
غزة.. مستعمرون يقتحمون المقبرة الاسلامية والبلدة القديمة في
...
-
بيان للخارجية الإماراتية بشأن الحاخام اليهودي المختفي
-
بيان إماراتي بشأن اختفاء الحاخام اليهودي
-
قائد الثورة الاسلامية آية اللهخامنئي يصدر منشورا بالعبرية ع
...
-
اختفاء حاخام يهودي في الإمارات.. وإسرائيل تتحرك بعد معلومة ع
...
-
إعلام العدو: اختفاء رجل دين اسرائيلي في الامارات والموساد يش
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|