|
وهم العقل الإسلامي
راغب الركابي
الحوار المتمدن-العدد: 6186 - 2019 / 3 / 29 - 22:25
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
وهم العقل الإسلامي
سأسلط الضوء هذه المرة على جزئية من تصورات - العقل الإسلامي - ، وأوهامه وأحكامه التي تعتمد التضليل والمُكابرة والتقليد ومجارات الغير ، يظهر هذا في أدب المتكلمين وأهل المنطق ومقولات الفلاسفة ، وفي التاريخ وإسقاطاته الشيء الكثير من النماذج وهاكم على سبيل المثال - أكذوبة المعراج - وتهافت قضية - الإسراء - في المفهوم والمصداق ، ودعونا نُركب الحكاية كما هي ، وكما وردت في القرآن الكريم حيث النص القائل : - ( سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى .. ) – الإسراء 1 ، يقول أهل اللغة : إن معنى - أسرى - هو المشي ليلاً أو السير ليلاً ، لكن النص لم يكتف بالمعنى اللغوي فجاء بالمفعول - ليلاً - زيادة في التوكيد ، مع إن هذه الزيادة لا مبرر لها كما يقول أهل اللغة ، فلا هي تفيد البيان ولا تزيد في صحة السير الليلي توكيداً ، ومع ذلك نحن نُسلم بما هو ولا نضفي على النص مزيداً من الشكوك ، وكلمة - سبحان - تفيد الإستغراق في الوصف تارةً وفي الثناء أخرى ، والمفيد إنها وردت شارحةً لما بعدها ، والجملة خبرية ومضمونها يدل على الماضي البعيد ..
من هنا أقول : إن هذه الحكاية تثير لدينا الكثير من القلق والإبهام والكثير من الغموض ، والكثير من الوهم والخيال ، وهذا كله ناشئ بفعل عدم الدقة الوثائقية التي يمكن الرجوع إليها ، أو الإهتداء إليها في إثبات أصل الحكاية أو عدمها ، سيما وإن الحكاية وردت هكذا من غير تحديد وتميز في الكتاب المجيد ، وهذا ما زاد في مساحة الوهم والخيال والقيل والقال لدى الكثيرين ، والأخبار والروايات التي تحدثت عنها ينقصها الكثير من التحقيق والصحة ، وقد شارك في نسجها أناس لايعتدُ برأيهم ولا يُقاس عليهم من أمثال معاوية وعائشة التي لم تكن حاضرة الوقعة ، وحسب الميثولوجيا الدينية كانت صغيرة وقتها ولم تكن في عصمة النبي بعد ولم تدر ماحدث في حينه . وللتوكيد هنا نقول : إننا لاننكر أصل الحكاية كما وردت في الكتاب المجيد وفي شكلها العام ( الإسراء ) ، ولكننا ننكر جملة الروايات والأخبار التي تحدثت عنها ، لأن مجمل تلك الروايات قد زادت في غموضهاً غموضاً وتعقيداً ، ومايسميه اليوم المسلمين ذكرى - الإسراء والمعراج - ، فهو قول لا دليل عليه وهو ليس سوى إجماع فقهاء ووعاظ سلاطين من الفئة الرديئة ، ولا علاقة للحكاية بمفهوم الإجماع المنصوص عليه في كتب الأصول ، ومن هنا فلايمكننا الإعتماد عليه أو التصديق به من غير دليل .
وحين نقول : - إننا لا ننكر أصل الحكاية فهذا القول منا نابعا من إيماننا بصحة نصوص وقصص الكتاب المجيد - ، ولكننا ننكر أن يكون ( يوم أو ليلة 27 من شهر رجب هي تلك الليلة التي يزعمون إنها بها وفيها حدث الإسراء وحدث المعراج ) !!!!! ، والحق إن الإسراء شيء .
والمعراج شيئاً أخرا مختلفا في الشكل وفي المضمون ، وإذا كنا لاننكر الإسراء كقصة ورد ذكرها في الكتاب المجيد ، لكننا بكل تأكيد ننكر - المعراج - في الجملة وفي التفصيل ، فإنتقال النبي وركوبه دابة يسمونها ( البراق ) كما يزعمون هو مجرد هذيان وكلام فاسد لايمكننا الركون إليه والإيمان بصحته ، ولأن هذا القول : - يخالف أصول الإعتقاد فالله وأنبياءه وملائكته وسماواته ، ليست محلاً مادياً يمكن للنبي التجوال والتنقل ، وفي الحكاية التاريخية توحي للقارئ ويكأن كل واحد من الأنبياء قد أحتل ركنا وأعتكف به في أحدى السموات السبع .
كما لا يصح الإعتقاد على صحة نبوة محمد بهذا الإستدلال الخرافي الوهمي ، كما لا يصح الركون إلى هذا الخلط بين أصل الإيمان وهذه الميثيولوجيا الزائفة ، ومن يقرأ قصة - المعراج - يُخيل إليه ويكأنه يقرأ فيلماً كارتونياً مُعداً للأطفال ، فالنبي ونبوته قد تخلصت مع القرآن من ثقل الماضي بكل تجاربه ومعجزاته ودخلت عالم المعرفة والتجريد والعلم ، وتخلصت من الوهم والخرافة وسطوة التجربة ووسائل الإيضاح البدائية في الثبوت والإثبات . ولهذا نرفض حكاية المعراج إنطلاقاً من إيماننا بان القرآن إنما يخاطب العقل الإنساني ، بعيداً عن التسويف وعن الخرافة وعن حكايات الإعجاز التي يميل إليها في الغالب قليلي الحيلة ، ومن ذوي المدارك والعقول البسيطة .
أضف إلى هذا وذاك فإن الربط بين قضية الإسراء وقضية المعراج ، تم بفعل العامل السياسي والجبر التاريخي والعقيدي ، إذ إن قضية الإسراء : ( هي حكاية نبوية وقصة تاريخية خالصة ) جاء بها النبي محمد كدليل على صحة نبوته لأنها تتحدث عن الماضي عن ذلك العبد ، وهي لا تتحدث عن النبي محمد لا في لسان الحال ولا في لسان المقال ، وليس لفظ - عبده - الوارد في سورة الإسراء يعنيه أو يدل عليه ، لأن النص إنما يتحدث بشكل مطلق عن العبد الذي جرت حوله هذه الحكاية ، كحكاية العبد الصالح في قصة موسى ، وكقصة أهل الكهف ، وكقصة أصحاب الأخدود وغيرها ، هي قصة نبوية لا غير ، والذي يؤكد ذلك الرأي ما قاله الزمخشري : فيما رواه عن أنس وعن الحسن في : - [ إن الإسراء قد وقع قبل البعثة النبوية ] - ، أي قبل إن يكون النبي محمد نبياً - ، إذن هي حكاية قديمة ، تحدث عنها النبي محمد عندما صار نبياً ، كما تحدث عن غيرها من القصص الموجودة في الكتاب المجيد . كما إن المسجد الحرام عندنا : لايعني خصوص الكعبة المشرفة بل هو عنوان عام لكل ما يكون محلاً ومكاناً للسجود والعبادة ، والكعبة المشرفة هي واحدة من هذه المصاديق الدالة على معنى المسجد الحرام ، بدليل إن أهل التراث أنفسهم قد أختلفوا في معنى المسجد الحرام ،
فمنهم من قال : - إن المسجد الحرام هو كل مسجد يُعبد فيه الله - ، والحرمة المضافة فيه تعود على العبادة وذكر الله ، فهو محرم أو حرام من هذه الجهة .
ومنهم من قال : - إن المسجد هنا يعني بيت النبي - .
ومنهم من قال : - إنه يعني شعب إبي طالب - .
وإلى ماهنالك من الأقوال وهي كثيرة ، ثم إن الرواة قد أختلفوا ا في زمن حدوث الإسراء ، كما أختلفوا في زمن حدوث المعراج ، فمنهم من قال : - إن الإسراء تم قبل الهجرة بسنة - .
ومنهم من قال : - إن الإسراء تم قبل الهجرة بسنة ونصف - ،.
ومنهم من قال : - إنه حدث في رجب - .
ومنهم من قال : - إنه حدث في ربيع الأول - .
ومنهم من قال : - إنه حدث في ربيع الأخر - .
والأقوال فيه كذلك متعددة وكثيرة ومضطربة ، ومن أجل هذا الإضطراب وهذا التفاوت ، أختلفوا وقالوا : بان ليلة الإسراء هي غير ليلة المعراج . ويجب التنويه بان المسجد الأقصى الذي ورد ذكره في الكتاب المجيد لا يعني - بيت المقدس - ، ذلك لأن لفظ ( الأقصى ) في اللسان العربي إنما يدل على المكان الأبعد من جهة القياس من المكان الذي أنت فيه ، فيكون معنى المسجد الأقصى هو المسجد الأبعد وليس بيت المقدس ، وهذا القياس بلحاظ مفهوم المسجد الحرام ومن جهته ، وليس كما يدعي أو يقول أهل الإعلام والسياسة المحدثين ، وكلامنا هذا ينطلق من كون هذا اللفظ قد ورد في سياق بيان كثرة البيوت التي كان يعبد الله فيها ، وليس في سياق المفاضلة أو التحديد لمسجد بعينه كما يذهب إليه أهل السياسة اليوم ، والتحديد كما نعلم مذهب يعتمد التشويه والخلط والتعميه .
وهذا كما ترون تشويه لمقاصد الكتاب المجيد ومايدعوا له وما يريد بيانه ، ومن هنا نقول : - إن الإسراء حدث نبوي وقصة تحدث عنها كتاب الله المجيد وهي لا تدل على أن المُراد بها خصوص النبي محمد ولا تعنيه ، بل هو حكاية من الحكايا وقصة من القصص التي يجب ان نؤمن بها ، كما آمنا بكل القصص التي ذكرها الكتاب المجيد .
لكن - المعراج - وهم و خرافة وخيال ، والإيمان به خلاف العقيدة الصحيحة ومذهب النبي محمد ودين الإسلام ، أقول قولي هذا وأنا أرى زيف المدجلين من وعاظ ومرشدين ومحرفين للكلم ومعناه ، بما لا ينسجم ولا يستقيم مع العقل السليم ، أقول هذا مشيراً ومبيناً إن العقل الإسلامي في كثير من مفاهيمه وتصوراته ، يعيش الوهم والخرافة والتقليد مما جعله في كثير من الأشياء متخلفا عن أقرانه ..
راغب الركابي
#راغب_الركابي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عيد النوروز
-
صحيح البخاري
-
بمناسبة الحكم الصادر على قتلة الشهيد حسن شحاته
-
الزواج المدني
-
رسالة مفتوحة إلى الأخ الرئيس برهم صالح رئيس الجمهورية
-
داعش تعود من جديد
-
أمُنيات 2019
-
الدولة الفاسدة
-
تظاهرات في فرنسا
-
لإحتفال الدولي بنهاية الحرب العالمية الأولى
-
العلاقة بين الفكر والسلطة
-
القوي الأمين
-
القانون المخروم
-
زمن التوافه
-
مقابر المسلمين
-
الحكومة العتيدة
-
رسالة مفتوحة منا للأخ السيد مقتدى الصدر
-
أوهام الإنتخابات
-
دفاعاً عن الدكتور خالد منتصر
-
الإستفتاء في كردستان
المزيد.....
-
سيناريوهات حاسمة تنتظر -الإخوان- بالأردن بعد كشف خلية الفوضى
...
-
محمود عباس: نؤكد دعمنا للجهود المبذولة للحفاظ على الوجود الف
...
-
كيشيناو تمنع رئيس الأساقفة من السفر إلى القدس مجددا
-
استجواب جماعي لرجال الدين الأرثوذكس في مولدوفا
-
رئيس البعثة الكنسية الروسية في القدس: سلطات كيشيناو تتدخل بش
...
-
الكنيسة الروسية تعلق على تعطيل كيشيناو رحلة أسقف المطرانية ا
...
-
إصابات إثر اعتداء للمستعمرين في سلفيت
-
المسيحيون في القدس يحيون يوم الجمعة العظيمة وسط أجواء مثقلة
...
-
البابا فرانسيس يزور سجنا في روما ويغيب عن قداس عيد الفصح
-
فرح الصغار وضحكهم: تردد قناة طيور الجنة الجديد 2025 على نايل
...
المزيد.....
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
المزيد.....
|