أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - أيمن عبد الخالق - صراع العقل واللاهوت 3















المزيد.....

صراع العقل واللاهوت 3


أيمن عبد الخالق

الحوار المتمدن-العدد: 6186 - 2019 / 3 / 29 - 20:29
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


" الفكر قائم على قداسة المنطق وليس منطق القداسة " .....ابن رشد
بعد أن تكلمت في المقالة السابقة عن اضطهاد العقل والفلاسفة من قبل رجال الدين اليهودي، من خلال بيان مآساة الفيلسوف العقلي الكبير "اسبينوزا"، نشرع في هذه المقالة لبيان الموقف السلبي المتشدد الذي اتخذه رجال الدين المسيحى ضد العقل والفلسفة والفلاسفة، بعد أن وجهوا إليهم كل تهم الكفر والهرطقة والزندقة
وقد بدأ الصراع مبكرا على يد بولس الرسول، والذي يُعد المؤسس الحقيقي للمسيحية في منتصف القرن الأول الميلادي، وقد تجلى ذلك في رسائله إلى أهل كولوسي، والتي يحذرهم فيها من الوقوع في شباك الفلسفة، بقوله((اُنْظُرُوا أَنْ لاَ يَكُونَ أَحَدٌ يَسْبِيكُمْ بِالْفَلْسَفَةِ وَبِغُرُورٍ بَاطِل))
وقد استمر بولس في تشنيعه على العقل والفلسفة، ونفي الحكمة البشرية، واستبدالها بالحكمة الدينية، حيث نراه يقول((إنما عن الحكمة نتكلم فعلا، لكن لا عن حكمة فلاسفة هذا العالم المكتوب عليهم الدثور، فنحن إنما نعظ بحكمة الله الخفية الباقية، الحكمة التي أعدها الله قبل قرون وقرون لمجدنا، والتي ما عرفها قط أحد من فلاسفة هذا العالم...))
وفي أعقاب القديس بولس ظهر القديس ترتليانس المتشدد، المولود في قرطاجة عام ۱۵۰م، وكان يدعوا إلى التعبد بظواهر نصوص الكتاب المقدس دون أي تعقل، وكان يؤكد على أنّ المسيحيّ لا يختار الحقيقة التي تحلو له، بل يتقبّل الحقيقة التي نقلها إليه الرسل
وقد سعى للتشنيع على أثينا وفلاسفتها بقوله((أي قاسم مشترك بين أثينا والقدس؟ بين الأكاديمية الأفلاطونية والكنيسة؟ بين الهراطقة والنصارى؟ إن مذهبنا آت من رواق سليمان الذي كان هو نفسه علم بوجوب البحث عن الله بكل بساطة القلب، ترحي لأولئك الذين ابتكروا مسيحية رواقية، أفلاطونية، جدلية))
وقد شاع في القرن الثالث الميلادي وسم الفلسفة بالحكمة الوثنية، في قبال الحكمة الإلهية للدين المسيحي، وفي هذا السياق هجا القديس غريغوريوس النزيانزي ( ۳۳۰ ۳۹۰) مدينة أثينا نفسها، التي كان تلقى العلم في جامعتها، ووصفها أنهاعاصمة الفلسفة الوثنية ، وأنها لمشؤومة
ويقول الأستاذ جورج الطرابيشي في كتابه القيّم"مصائرالفلسفة بين المسيحية والإسلام " مشيرا إلى التباين المعرفي الكبير بين العقل واللاهوت عند النصارى في القرون الوسطى:
((وكما هو واضح من الشاهد الأخير فإنّ الصدام ما بين المسيحية الأولى والثقافة اليونانية قد امتد أيضا إلى الجانب الأبستمولوجي، إن جاز التعبير، فالبرهان هو لغة العقل الفلسفي، أما النبوة فخطاب من الوجدان إلى الوجدان، وجميع المنافحين عن المسيحية في القرون الأولى كان لهم هم مشترك واحد، هو توكيد تفوق الأنبياء على الفلاسفة، وحقيقة الأنبياء على حقيقة الفلاسفة ، ولغة الأنبياء على لغة الفلاسفة، فحجة الإيمان غير حجة العقل وفوق حجة العقل. والإيمان مقره قلوب البسطاء لا عقول الحكماء، ومن هنا اعتماد الكنيسة الأولى في تبشيرها لغة المعجزة ولغة الشهادة ولغة العمل الصالح ولغة القدوة والمثل، دون لغة الاستدلال العقلي التي هي لغة نخبة مثقفة مقطوع الرجاء في هديها))
وقد استشهد بقول القديس يوستينس: «منذ سحيق الأزمنة، وفي عهود أقدم من عهود أولئك الفلاسفة المزعومين، وجد بشر سعداء قویمون أعزاء عند الله، تكلموا بلغة الروح القدس وحكوا عن المستقبل تكهنات هي اليوم قید تحقق، وهؤلاء هم من يسمون بالأنبياء ... ما بالبرهان تكلموا، بل فوق كل برهان كانوا شهداء موقرين على الحقيقة، والأحداث الماضية والحاضرة ترغمنا على تصدیق کلمتهم»
وهذا يعكس لنا بقوة التقابل الكبير الذي أوجده رجال الدين المسيحي بين العقل واللاهوت، فأحدثوا شرخًا كبيرا في الكيان الإنساني، بحيث جعلوا من المستحيل الجمع بينهما
والسبب الرئيس الذي يكمن وراء محاربة رجال الدين المسيحي للعقل والفلسفة، هو خوفهم الشديد من النقد المنطقي لنصوص الكتاب المقدس، وتمرد الناس عليه، الأمر يمكن أن يزعزع سلطانهم على عامة المؤمنين، حيث كانوا حريصين دائما على حفظ هالة القدسية حولهم، والتي من خلالها يسوقون عامة الناس في الاتجاه الذي رسموه لهم من الطاعة والانقياد المطلق
والذي زاد الطينة بلّة في هذا الصراع، هو تدخل رجال السياسة في الشؤون الدينية، ومحاولتهم استقطاب رجال الدين، وتحويلهم إلى مؤسسة رسمية خاضعة لهم، يكتسبون عن طريقها المشروعية الإلهية، ويسيطرون من خلالها على الشعوب المستضعفة
وقد تجلى ذلك في منتصف القرن الرابع على يد الامبراطور الوثني المتنصر حديثا "قسطنطين" ، والذي اعتنق المسيحية، وسعى كأي حاكم سياسي مستبد إلى توحيد الآراء، وقمع المعارضة السياسية والفكرية، فقام بجمع جميع الأساقفة الموالين له في مجمع"نيقيا"، ليعلن العقيدة ألأصولية القويمة، كعقيدة رسمية للامبراطورية، والتي لايجوز الخروج عليها بأي من الأحوال، وكان البيان الصادر منها كالتالي:
((إننا نؤمن بإله واحد، أب كلي القدرة، خالق الأشياء طرة، ما يرى منها وما لا يري؛ وبرب واحد، يسوع المسيح، ابن الله، المولود من بذرة الأب الواحدة، أي من ماهية الأب، إله من إله، نور من نور، إله حق من إله حق؛ مولود غير مخلوق، مشارك للأب في الجوهر، منه خلق كل شيء، ما في السماء وما على الأرض؛ ولأجلنا ولأجل خلاصنا نحن البشر نزل وتجسد وصار إنسانا، وتعذب، وبعث في اليوم الثالث، وصعد إلى السماء، وسيعود لمحاكمة الأحياء والأموات؛ وبالروح القدس، أما أولئك الذين يقولون: كان زمن وما كان موجود؛ و قبل أن يولد ما كان موجودا، وقد خلق مما لم يكن موجودة أو من أقنوم أو جوهر آخر؛ أو إن ابن الله مخلوق متغیر متحول فإن الكنيسة الكاثوليكية تنزل بهم الحزم))
وقد دعي الأساقفة وكان عددهم أكثر من ثلاثمائة أسقف إلى المصادقة على هذا البيان الديني السياسي، وكل من رفض من الكهنة والقساوسة التوقيع على البيان تم سجنه أو نفيه خارج البلاد.
ومن هذا اليوم الرهيب تحول أكثر رجال الدين المسيحي من التبليغ الفردي للقيم الأخلاقية المسيحية الالهية التي بشر بها السيد المسيح، إلى مؤسسة دينية رسمية هرمية (اكليروس) تحارب العقل والفلاسفة، وتوالي أباطرة السياسة
ثم توالت بعدها المجامع الدينية العقائدية التي تحمل المدونات الدينية المغلقة، كمجمع "أفسوس"، ومجمع "خلقيدونية"والتي تم صياغتها في مطابخ السياسة، لفرضها بالقوة على الشعوب بعد ذلك، وقمع كل من يخالفها، لتدخل أوروبا بعد ذلك في النفق المظلم للقرون الوسطى المحكوم بالاستبداد الديني والسياسي، والذي تم تحريم واعتقال العقل والعلم فيه وراء القضبان لأكثر من ألف سنة



#أيمن_عبد_الخالق (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- صراع العقل واللاهوت - 2
- 1. صراع العقل واللاهوت
- مواجهة السياسة الرأسمالية للقضاء على الضمير الإنساني
- المواجهة العقلية لسياسة التهديد الرأسمالية
- سبل مواجهة سياسة التعقيد والتشكيك الفكري للرأسمالية
- سبل مواجهة سياسة الإلهاء الرأسمالي - 2
- سبل مواجهة سياسة الإلهاء الرأسمالي 1
- لماذا تحارب الرأسمالية العقل الإنساني- 3
- لماذا تحارب الرأسمالية العقل الإنساني 2
- لماذا تحارب الرأسمالية العقل الإنساني 1
- عقلنة النظام الاقتصادي
- إصلاح نظام التعليم الديني
- إصلاح النظام التعليمي الأكاديمي
- مشكلات النظام التعليمي الأكاديمي
- معركة -هوليوود- مع العقل الإنساني
- الحرب الإعلامية على العقل الإنساني-5
- الحرب الإعلامية على العقل الإنساني -4
- الحرب الإعلامية على العقل الإنساني - 3
- الحرب الإعلامية على العقل الإنساني - 2
- الحرب الإعلامية على العقل الإنساني -1


المزيد.....




- الحكومة الإسرائيلية تقر بالإجماع فرض عقوبات على صحيفة -هآرتس ...
- الإمارات تكشف هوية المتورطين في مقتل الحاخام الإسرائيلي-المو ...
- غوتيريش يدين استخدام الألغام المضادة للأفراد في نزاع أوكراني ...
- انتظرته والدته لعام وشهرين ووصل إليها جثة هامدة
- خمسة معتقدات خاطئة عن كسور العظام
- عشرات الآلاف من أنصار عمران خان يقتربون من إسلام أباد التي أ ...
- روسيا تضرب تجمعات أوكرانية وتدمر معدات عسكرية في 141 موقعًا ...
- عاصفة -بيرت- تخلّف قتلى ودمارا في بريطانيا (فيديو)
- مصر.. أرملة ملحن مشهور تتحدث بعد مشاجرة أثناء دفنه واتهامات ...
- السجن لشاب كوري تعمّد زيادة وزنه ليتهرب من الخدمة العسكرية! ...


المزيد.....

- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام
- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - أيمن عبد الخالق - صراع العقل واللاهوت 3