|
روسيا قوضت السيادة العسكرية العالمية لاميركا
جورج حداد
الحوار المتمدن-العدد: 6186 - 2019 / 3 / 29 - 11:16
المحور:
السياسة والعلاقات الدولية
إعداد: جورج حداد*
نتيجة التفويضات الدولية التي حصلت عليها اميركا بموجب "اتفاقية بريتون وودز" المالية، و"اتفاقية يالطا" الستراتيجية، و"الاتفاق النفطي" الاميركي ـ السعودي، فرضت الولايات المتحدة الاميركية سيادتها الدولية على الكوكب الارضي بمجمله، اما مباشرة كما في اميركا اللاتينية، والدول العربية ذات الانظمة العميلة كالسعودية ودول الخليج النفطية، واليابان وتايوان وكوريا الجنوبية، او بواسطة "وكلائها": ستالين والستالينية في المنظومة السوفياتية السابقة، والناتو والاتحاد الاوروبي في اوروبا ومناطق نفوذ الدول الاستعمارية القديمة في اسيا وافريقيا. ولم تشذ عن السيادة الاميركية في حينه سوى الصين التي تابعت ثورتها المظفرة برغم المعارضة الشديدة من قبل ستالين وعصابته بناء على توجيهات اسياده من الاميركيين ومن ارباب الطغمة المالية اليهودية العالمية. وقد تأسست جمهورية الصين الشعبية رغما عن اميركا وستالين، ثم اصطدمت مع اميركا في الحرب الكورية (1950ـ1953). ولكن اميركا عادت فاستفادت من النزاع الايديولوجي السوفياتي – الصيني الذي بدأ فى 1959 وبلغ ذروته في الصدام المسلح الحدودي في 1969، وعملت ـ اي اميركا - على استمالة الصين ونجحت الى حد كبير في ذلك الى ان تغيرت الاوضاع كليا بعد انهيار المنظومة السوفياتية والاتحاد السوفياتي ووصول التيار القومي الروسي – الاورثوذوكسي الى السلطة في روسيا في نهاية 1999. ونجحت اميركا بعد الحرب في تحقيق "انجازين" كبيرين هما: ـ1ـ استصدار قرار تقسيم فلسطين وانشاء الدولة اليهودية في تشرين الثاني 1947، وذلك بمساعدة العميل لليهودية العالمية ستالين الذي ساق الاتحاد السوفياتي لدعم القرار. مما أسس لاحقا لحرب المائة عام المستمرة بين جماهير الامة العربية وبين اليهودية العالمية واميركا واتباعها العرب مما سيكون له تأثير مصيري على المنطقة والعالم. ـ2ـ تأسيس حلف الناتو (شمال الاطلسي) العسكري سنة 1949 الذي يضم الان 29 دولة اوروبية بزعامة اميركا، بالاضافة الى تركيا الاسلامية التي تحاذي روسيا من جهة والبلدان العربية وايران من جهة ثانية. وبالنسبة لاسرائيل تم تحويلها بسرعة الى دولة عسكرية قادرة على مواجهة جيوش الدول العربية مجتمعة، ومسلحة بالاسلحة النووية التي تهدد لا البلدان العربية فقط بل وايضا روسيا والصين وايران. وبعد ان وقع الرئيس الاميركي الاسبق هاري ترومان على حلف الناتو في نيسان 1949، بدأت اميركا تنشر قواتها المسلحة البرية والجوية والبحرية، النووية والصاروخية والرادارية في جميع اصقاع وبحار الارض، من اجل ارهاب وارعاب جميع شعوب العالم؛ وبدأت التدخل في الشؤون الداخلية، حتى اصغرها، لجميع بلدان العالم، بحجة الحفاظ على "الامن القومي الاميركي" و"المصالح الاميركية". وتقدر الاحصاءات المعلنة بأن الميزانية العسكرية للولايات المتحدة الاميركية حاليا تفوق حجم الميزانيات العسكرية لجميع دول العالم مجتمعة بما فيها روسيا والصين. وقد رفضت اميركا اخضاع عسكرييها لمحكمة العدل الدولية في حال ارتكابهم لاي جريمة، او جريمة حرب او جريمة ضد الانسانية. ومؤخرا هدد ترامب باخضاع محكمة العدل الدولية للعقوبات في حال التعرض لاي من العسكريين الاميركيين المجرمين. وعن طريق هذا الفجور العسكري فرضت اميركا سيادتها الجيوستراتيجية والسياسية والمالية ـ الاقتصادية (بما فيها النفطية والدولارية) على العالم اجمع، منذ نهاية الحرب العالمية الثانية حتى نهاية سنة 1999. اي تاريخ وصول بوتين الى السلطة في روسيا. ومع وصول التيار القومي الروسي ـ الاورثوذوكسي الى الكرملين، بدأت اولا خطة انقاذ روسيا ذاتها. فأمسكت الكا غي بي بقرون فحول تيوس المافيا الروسية ووضعتهم امام الخيار المصيري: اما العمل بأمرة المخابرات الروسية، واما ان قبورهم جاهزة. وفي المرحلة الاولى من ولاية فلاديمير بوتين بدأت عملية تحرير روسيا من اخطبوط الاحتكارات الدولية الكبرى واليهودية العالمية، بتقطيع اذرع ذلك الاخطبوط. وكان امام اعضاء ذلك الاخطبوط ثلاثة احتمالات: القبر، او السجن، او الفرار واللجوء الى الغرب او اسرائيل. وفي السنوات الاولى من القرن الواحد والعشرين راجت في روسيا موضة لطيفة وهي ان الكثير من المليارديرية وكبار مدراء البنوك والمؤسسات الصناعية والتجارية وملوك الاعلام بدأوا يوصون وكالات دفن الموتى لانشاء قبور فائقة الفخامة كي تكون مخصصة لهم بعد الوفاة. ولدى الانتهاء من انشاء القبر كان "صاحبه" يدعو اقرباءه واصدقاءه الى احتفال خاص بمناسبة جهوزية قبره. واخذ هؤلاء الخونة يتباهون فيما بينهم من قبره أفخم وأجمل من القبور الاخرى. وفي المرحلة الثانية من ولاية بوتين بدأ التحضير للمواجهة الحربية الشاملة مع اميركا واتباعها. وكانت نقطة الانطلاق في هذه الستراتيجية (وحسب عبارات بوتين ذاته) هي: اننا لن نسمح بتكرار خطيئة الحرب العالمية الثانية، وهي انتظار ان تتلقى روسيا الضربة الاولى قبل ان تبدأ بالرد. ان مشاهد المدن والقرى الروسية المحروقة، وتجميع ملايين المواطنين الروس الاسرى في الساحات العامة وحصدهم بالرشاشات او المدفعية او حرقهم بقاذفات اللهب او سوقهم عبيدا للعمل حتى الموت في معسكرات الاعتقال النازية، هذه المشاهد لن تتكرر ابدا. وانطلاقا من هذا المفهوم الوطني الذي يجمع عليه الشعب الروسي صيغت العقيدة العسكرية الجديدة للجيش الروسي ومفادها: لن نكون معتدين، ولكننا لن ننتظر ان نتلقى الضربة الاولى! نحن الذين سنضرب الضربة الاولى! وهي ستكون الضربة الاولى والاخيرة لانها ستكون حتما ضربة نووية ساحقة ماحقة لكل معتد على الامن القومي لروسيا! وطرحت على الجسم العلمائي لروسيا، ووزارة الدفاع، والمجمع الصناعي الحربي ان يحلوا "المعادلة المتناقضة" في المظهر وهي: ان لا تكون روسيا معتدية، وفي الوقت نفسه ان تكون الضربة الاولى (والاخيرة) لها. وتمكنت روسيا، بقدراتها العلمية والصناعية والستراتيجية والاقتصادية ان تحل هذه المعادلة عن طريق: ـ1ـ تطبيق رقابة الكترونية ـ رادارية ـ مسحية اشعاعية، ارضية ـ جوية ـ فضائية، موحدة، لكل حالة او وحدة عسكرية او مشبوهة موجودة او تتحرك على الارض وفي البحار وفي الجو وفي الفضاء المحيط بالارض، وفك شيفرة حركة الهدف لحظويا، ومعرفة وجهته وهدفه وقدرته، واذا اكتشف انه سلاح معاد متوجه ضد روسيا، ان توجه اليه والى مصدره ودولته او دوله الاسلحة الروسية النووية المناسبة والتي ستكون اسرع من الصوت بعدة اضعاف، وبالتالي ان يجري تدمير الهدف المعادي ودولته او دوله وهو لا يزال "في منطقته" اي قبل ان يصل الى روسيا. ووضعت امام جميع اسلحة القوات الروسية: الصاروخية ـ البرية، والجوية، والبحرية، والفضائية، مهمة ان يستطيع كل سلاح بمفرده ان يحقق مهمة الابادة الكاملة للعدو قبل ان تصل اي ضربة لروسيا. وبناء على هذا المفهوم الستراتيجي طرحت السلطة الروسية برنامج تطوير وتحديث وعصرنة جميع قوات واسلحة الجيش الوطني الروسي، وان يضاف اليها جيش محترف قليل العدد نسبيا، مؤلل ـ الكتروني ـ اشعاعوي ـ نووي بالكامل؛ وهو ما تنطبق عليه صفة "جيش حرب النجوم" الذي سبق للاميركيين ان تحدثوا عنه منذ رئاسة ريغان (ولكن الاميركيين تحدثوا، اما الروس فطبقوا). وكل ذلك اصبح ممكنا علميا وتكنولوجيا وصناعيا وميدانيا واقتصاديا لان كل الاقتصاد الروسي وكل امكانيات الدولة الروسية تصب في المجمع الصناعي الحربي لروسيا؛ لدرجة يمكن معها القول ان روسيا هي مصنع حربي هائل في قالب دولة؛ وكل نواحي "الحياة السلمية" في روسيا هي متوأمة ومدمجة في مخطط حربي دفاعي ـ هجومي شامل. ويمكن القول ان هذه هي المرحلة الثانية التي طبقتها روسيا وتتابع تطبيقها بعد انجاز مرحلة تقطيع اذرع الاخطبوط الاميركي ـ الغربي ـ اليهودي العالمي داخل روسيا ذاتها. واميركا اليوم هي "محشورة في الزاوية". وجميع العلماء وكبار العسكريين والستراتيجيين الاميركيين يعرفون هذه الوقائع ويعرفون ان اي يد تمتد للعدوان على روسيا ستقطع من الرأس. وقد خسرت اميركا نهائيا سباق التسلح مع روسيا، لانها - اي اميركا - اعتمدت على الكمية والضخامة من اجل جني الارباح؛ في حين ان روسيا اعتمدت النوعية والفعالية، وانتجت اسلحة نوعية لا يوجد لها مثيل في اميركا. كما ان "وحدة الارادة والقيادة" في الدولة الروسية مكنتها من انشاء نظام رقابة وقيادة وفعالية عسكرية موحدة، من قائد القوات المسلحة ـ رئيس الجمهورية حتى اصغر جندي في غواصة تسبح على عمق 4 كلم قرب المياه الاقليمية الاميركية. وبهذا الانجاز التاريخي العظيم حررت روسيا نهائيا جميع شعوب العالم من عقدة الخوف من اميركا. واصبح ترامب يحتار كيف سيتملق الزعيم الكوري الشمالي الشاب ويحصل على رضاه. واصبج الكلب الاميركي نتنياهو يحتار كيف سيرضي اصغر مقاوم في غزة او القدس او الضفة الغربية. وبعد ان فقدت اميركا نهائيا هيبتها العسكرية، اخذت تندفع اكثر نحو تطبيق ستراتيجية الضغط السياسي والحصار والتضييق الاقتصادي على روسيا وحلفائها. وهذه هي الارضية الاساسية للمرحلة الثالثة للمواجهة التي تدخل فيها روسيا اليوم، وهي مرحلة الفكفكة التدريجية للنفوذ السياسي والاقتصادي والمالي لاميركا، عقدة عقدة، من لبنان وسوريا الى اليمن الى فينزويلا؛ ومن استخراج النفط والغاز في شرقي المتوسط الى مد انابيب الغاز الروسية الى قلب القارة الاوروبية. ـــــــــــــــــــــــــــــــ *كاتب لبناني مستقل
#جورج_حداد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
-صراع البقاء- بين روسيا واميركا
-
-اسرار- الهيمنة العالمية للدولار
-
اميركا تغرق في دوامة الدين العام والعجز المالي
-
بعد فشل النظام العالمي الجديد لاميركا... اورروبا الى أين؟
-
الادارة الترامباوية تأخذ الاقتصاد الاميركي الى الانتحار
-
خطوة تصعيدية اميركية وروسيا ترد بالمثل وأكثر
-
تفاقم الازمة الاقتصادية السياسية الاميركية
-
على نفسها تجني براقش الاميركية
-
خطوة الى الامام أم خطوتان الى الوراء؟
-
اليونان ستتحول الى مرتكز اقتصادي عالمي لروسيا
-
البحر الاسود... بحيرة داخلية روسية!
-
اوروبا تدخل في دورة للزلازل الاجتماعية
-
التنظيم والممارسة الثورية
-
روسيا تشدد قبضتها حول اوكرانيا
-
ما العمل؟
-
اميركا تغامر بأمن البلدان الاوروبية
-
من ارسل فرج الله الحلو للموت؟ ومن قتله؟ ولماذا؟
-
الاقتصاد العالمي يتراجع بسبب الحرب التجارية
-
الحكومة الاوكرانية تغامر باستفزاز روسيا
-
صربيا وكوسوفو: النار تحت الرماد
المزيد.....
-
الأنشطة الموازية للخطة التعليمية.. أي مهارات يكتسبها التلامي
...
-
-من سيناديني ماما الآن؟-.. أم فلسطينية تودّع أطفالها الثلاثة
...
-
اختبار سمع عن بُعد للمقيمين في الأراضي الفلسطينية
-
تجدد الغارات على الضاحية الجنوبية لبيروت، ومقتل إسرائيلي بعد
...
-
صواريخ بعيدة المدى.. تصعيد جديد في الحرب الروسية الأوكرانية
...
-
الدفاع المدني بغزة: 412 من عناصرنا بين قتيل ومصاب ومعتقل وتد
...
-
هجوم إسرائيلي على مصر بسبب الحوثيين
-
الدفاع الصينية: على واشنطن الإسراع في تصحيح أخطائها
-
إدارة بايدن -تشطب- ديونا مستحقة على كييف.. وترسل لها ألغاما
...
-
كيف تعرف ما إذا كنت مراقبًا من خلال كاميرا هاتفك؟
المزيد.....
-
افتتاحية مؤتمر المشترك الثقافي بين مصر والعراق: الذات الحضار
...
/ حاتم الجوهرى
-
الجغرافيا السياسية لإدارة بايدن
/ مرزوق الحلالي
-
أزمة الطاقة العالمية والحرب الأوكرانية.. دراسة في سياق الصرا
...
/ مجدى عبد الهادى
-
الاداة الاقتصادية للولايات الامتحدة تجاه افريقيا في القرن ال
...
/ ياسر سعد السلوم
-
التّعاون وضبط النفس من أجلِ سياسةٍ أمنيّة ألمانيّة أوروبيّة
...
/ حامد فضل الله
-
إثيوبيا انطلاقة جديدة: سيناريوات التنمية والمصالح الأجنبية
/ حامد فضل الله
-
دور الاتحاد الأوروبي في تحقيق التعاون الدولي والإقليمي في ظل
...
/ بشار سلوت
-
أثر العولمة على الاقتصاد في دول العالم الثالث
/ الاء ناصر باكير
-
اطروحة جدلية التدخل والسيادة في عصر الامن المعولم
/ علاء هادي الحطاب
-
اطروحة التقاطع والالتقاء بين الواقعية البنيوية والهجومية الد
...
/ علاء هادي الحطاب
المزيد.....
|