هشام الطوخى
الحوار المتمدن-العدد: 1533 - 2006 / 4 / 27 - 10:35
المحور:
الصحافة والاعلام
وسقط المصريون قتلى .. وسيسقطون فى عيد الموت القادم !
23 قتيل ، و 85 مصاب ، معظمهم من المصريين الشبان ، أنهى الواحد منهم تعليمه الجامعى أو المتوسط ليتشرد على ضفاف النيل ، والترع ، والمصارف ، وفوق أرصفة الشوارع فى محافظات الغربية والدقهلية والبحيرة وكفر الشيخ والمنيا وأسيوط وسوهاج ، وحين هدَّه التعب وهزمه اليأس رتبت له أسرته جنيهين فى صباح كل يوم ، يدفعهما ثمناً لكوبين من الشاى ، يجلس على المقهى الرخيص يتجرعهما فى مرارة ، فى صحبة أصدقاء - هم مثله - رفقاء رحلة استمرت لسنوات طويلة ، أنهكت أجسادهم وعقولهم فى مدارس وجامعات كانت ولازالت غير قادرة الا على انتاج المعاناة و الجهل و التخلف العقلى ، يفرقون أوراق الدومينو ، ويلقون زهر الطاولة استجلاباً لحظ تافه فى غير مكانه ، يوزعون النكات ، يضحكون ويسخرون من غبائهم الذى قادهم الى ما هم فيهم من مهانة ، يلعنون الظروف التى جعلتهم يولدون فى أسر " غير لائقة اجتماعياً " من غير أصحاب الحظ السعيد الذين يحتكرون السلطة والثروة فى مصر .
حمل بعضهم خمسين جنيهاً ، وقميصاً ، وبنطلونا ، و" غيارا " داخلياً ، واتجه الى " طابا" و" شرم الشيخ " و " دهب " و" نويبع " و " الغردقة " ، رضى أن يعمل بائعاً فى " بازار " لبيع الملابس والأنتيكات ، وخادماً بين غرف الفنادق التى تستقبل السائحين الأجانب و المصطافين من المصريين اللائقين اجتماعياً أصحاب الحظ السعيد .
هؤلاء هم الذين قتلوا فى " دهب" فى عيد " شم النسيم " 24/4/2006 ، وهم الذين قتلوا فى شرم الشيخ فى 23 يوليو 2005 ، وهم الذين قتلوا فى طابا فى 6 أكتوبر 2004 ، وهم الذين سيقتلون فى نويبع أو فى الغردقة فى عيد الارهاب القادم ، فسيناء أرض طاهرة لا يجب ان تتنجس بفسق سياحة المنتجعات ، ولا كفر الأجانب الآتين من دار الحرب ليرتدوا المايوهات فى دار المسلمين .
حين يقتل المصريون فمن الطبيعى أن تدين الدولة المصرية قاتليهم ، واذا كان الاعلام المصرى هو اعلام الدولة المصرية فمن الطبيعى أن يدين هذا الاعلام القتلة !
اذا لم يقم الاعلام المصرى بالادانة أو حاول تضليل الرأى العام بصنع اتجاه يشتت أنظار المصريين بعيداً عن قتلة المصريين ويبرئهم ، فهل نتوقع - فى هذه الحالة - وجود احتمال غير واحد من اثنين ؟ :
الاحتمال الأول :
أن هذا الاعلام فى غيبوبة أو اختلال ناتج عن الجهل أو الجبن أو النفاق ، و فى هذه الحالة هو قد قصر فى أداء الواجب الذى يستحق عنه الرواتب التى يتلقاها من الضرائب التى تجمع من عرق المصريين وكدهم ، ......، هذا التقصير يعد - فى أهون الأحوال - اما خطأ أو اهمال أو عدم أهلية !
الاحتمال الثانى :
أنه اعلام قد تم اختراقه فكرياً أو مادياً من قبل " جماعات الاسلام السياسى" فى مصر ، أو من قبل " جماعات الوهابيين " السلفية خارج مصر ، وأنه قد تحول الى شريك لهم .. يتبناهم و يدافع عنهم و يحميهم ويتستر عليهم ، وهو مالا يمكن تسميته بغير " الخيانة الوطنية " ... خيانة الشعب وخيانة الوطن .
أهم وسائل الاعلام المصرى هو التليفزيون المصرى .
1- تعامل التليفزيون المصرى سريعاً مع الحدث فعرض تسجيلات من مدينة " دهب " تظهر الدمار الذى أحدثته التفجيرات ، وأجرى لقاءات مع العاملين فى الفنادق والبازرات والكافيتيرات الموجودة بالمدينة ، ولقاءات مع المسؤولين الذين وفدوا الى موقع الموت .
2- فى التغطية الاخبارية ، والبرامج الحوارية المفتوحة التى جرت على الهواء استضاف المذيعون صحفيين وكتاب و خبراء أمنيين وفنانين ، أدان جميعهم العملية الارهابية التى جرت ، لكنهم جميعاً حاولوا التهوين من خطورتها وأكدوا على أنها - كالعادة - حادث طارئ ... لن يؤثر فى استقرار مصر ولا فى سمعة مصر ولا فى اقبال السياحة الأجنبية على مصر .
3- استخدم بعضهم لفظ " الضربات الثلاثة " للتعبير عن " التفجيرات الثلاثة " التى حدثت على التوالى فى توقيت متقارب .
4- ركز معظمهم على حصر أسباب العملية الجبانة فى " قصور الاجراءات الأمنية " وعجزها عن تأمين المناطق السياحية فى سيناء رغم أنها - على حد تعبيرهم - من " المناطق المستهدفة " ، ولم يشر أحد الى قيام أجهزة الأمن المصرية وحدها بأعباء مواجهة الارهاب فى مصر ، ونجاحها فى هزيمة الجماعات الدينية المسلحة التى خاضت حرباً ضد مصر فى تسعينات القرن الماضى .
3- ركز معظمهم على فكرة المؤامرة الخارجية ، فتبنوا تحليلات ونظريات تشير ضمناً الى اتهام أغلب دول العالم بأنها وراء عمليات قتل المصريين لأسباب مختلفة ، من هذه الدول المتهمة على سبيل المثال : اسرائيل ، الولايات المتحدة ، ايران ، العراق ، فلسطين ، تنظيم القاعدة ، أنظمة حكم عربية ، .........، بينما خلت القائمة - ولله الحمد - من الفاتيكان وموناكو وهونج كونج وسورينام وجزر تونجا وترينيداد وتوباجو .
4- حرصت الأسئلة الموجهة للضيوف على توجيه المناقشات الدائرة نحو ادانة الحادث وتعزية الضحايا و مناقشة الشق الأمنى والسياحى ، ونظرية عالمية الارهاب ، والتذكير بدعوة الرئيس مبارك الى مؤتمر دولى لمكافحة الارهاب .
5- فى أحد الحوارات التى أجريت عبر الهاتف ، حاول اللواء فؤاد علام - نائب مدير مباحث أمن الدولة السابق وخبير مكافحة التطرف و الارهاب - الاشارة الى الدور الذى يجب أن تقوم به المؤسسات الاعلامية والثقافية والدينية والاجتماعية - بالتوازى مع الدور الأمنى - فى معالجة قضية التطرف الفكرى الدينى ( الاسلام السياسى والسلفى ) لتجفيف المنبع الأول للارهاب ، فلم يسمح الوقت المتاح - المعطى له من قبل البرنامج - الا بقصر حديثه على المواجهات الأمنية مع جماعات التطرف المسلحة فى الثمانينات و التسعينات .
مسك الختام :
عرض التليفزيون المصرى فيلماً فى فترة السهرة بعنوان " الارهاب " ، من انتاج محمد مختار ، مأخوذ عن قصة للمؤلفة " حُسن شاة "
يبدأ الفيلم بعرض مَشاهد لمحاولة اغتيال يتعرض لها وزير على يد مجموعة ارهابية ، وتظهر " عصمت " بطلة الفيلم ( نادية الجندى ) ... وهى صحفية مجتهدة تعمل رئيساً لقسم الحوادث فى جريدة " الأخبار " ، وعلى ما يبدو - من الفيلم - فهى " ليبرالية " ، و تهتم بجمالها وأناقتها و تستمتع - بعد ساعات العمل الرسمية - بمشاهدة الأفلام الرومانسية الأجنبية التى تعرضها شاشة التليفزيون ، وهى تقدس عملها للدرجة التى تجعلها ترفض عرضاً من صحفى زميل يعمل فى جريدة الأهرام ( أحمد بدير ) بترك العمل وهذه " البهدلة والمجهود اللى مالوش لازمة " وتتزوج منه ، "و تكِن فى البيت وترتاح بقى " ، و لأنها ليبرالية و " عبيطة ومش فاهمة حاجة " يغرر بها " عمر " قائد الارهابين ؛ فيقنعها ببراءته واضطهاده من قبل أحد ضباط الامن ، ... و عمر ( فاروق الفيشاوى ) فنان تشكيلى أنيق ووسيم ، يصفف شعره ب" الجيل " ، ويستمتع برسم البورتريهات الزيتية .
يفاجأنا الفيلم بالحقائق المذهلة !
نكتشف أن هذا الفنان التشكيلى يقود مجموعة من الارهابيين القتلة تتكون من :
1- " فتحى " .. شاب رقيق الهيئة ، لطيف المظهر ، يقوم برعاية طفلة البطل المريضة بالقلب فى نفس الوقت الذى يقوم فيه بواجبه فى العمليات الارهابية ... ويقوم عمر باغتياله قبل أن يكشف للشرطة عن أسماء أفراد التنظيم.
2- " مُسعد " .. وهو أيضاً شاب رقيق الهيئة ولطيف المظهر وكوميدى الشخصية ....، أصلع ويرتدى نظارة طبية ، وهو المنفذ الأول لعملية محاولة اغتيال السيد الوزير .
3- "زعيم التنظيم " ... وهو الممول المحلى للعمليات بالتنسيق مع الجهات الخارجية الأجنبية ، و هوأجمل هيئة وألطف مظهراً وأرق شخصية ، و عاطفى .. متأثر بوظيفته كطبيب أطفال .
4- " مسيو زكى " .. مُعد الأوراق المزورة الخاصة بالمجموعة الارهابية ، وهو وسيم وذو شعر أصفر ويتحدث بأسلوب " نسائى " ، و - فيما يبدو - يوحى لنا الفيلم بأنه مصرى كاثوليكى ذو أصول أرمينية أو لبنانية ، ويعمل مُثمِّناً وبائعاً للتحف والأنتيكات فى خان الخليلى .
5- رشاد .. المسئول عن اعداد السلاح وتوريد القنابل والمتفجرات ... شعره خنافس .
6- تختبئ المجموعة فى نهاية الفيلم فى مسكن أحد الأشخاص ، لديه لدغة فى حرف " الراء" ، فينادى المجموعة " وغايا يا جماعة " .
- انتهى الفيلم - بحمد الله - باغتيال عمر ، لكنه تركنا فى حيرة قاتلة ، اذا لم يكشف لنا هوية باقى أعضاء التنظيم الارهابى ، وشخصية المخطط الحقيقى للعمليات ، والجهة الأجنبية التى تقف وراء المجموعة ، وهم - فيما يبدو - على التوالى :
أعضاء المجموعة :
1- نيللى كريم .... ممثلة سينمائية وراقصة باليه سابقة .
2- كريمة بدير ... عضوة بفرقة الرقص المسرحى المصرى الحديث.
3- ليليان محمد ... مطربة بفرقة أوبرا الاسكندرية للموسيقى والغناء العربى .
4- سالى سعيد ... عازفة الهارب بفرقة أوركسترا القاهرة السيمفونى .
5- ريهام عبد الحكيم ... مطربة بالفرقة القومية العربية للموسيقي .
6- الدكتور / عبد المنعم كامل ... مصمم رقصات بفرقة باليه أوبرا القاهرة
أما مخطط العمليات فهو - على ما يبدو - :
المايسترو سليم سحاب
أما الجهة الأجنبية التى تحرك المجموعة من الخارج فهى :
دار أوبرا " سكالا " فى ميلانو بالاشتراك مع مسرح " البولشوى " الروسى .
اسمحوا لنا أن نتقدم بخالص الشكر للتليفزيون المصرى على جهوده المخلصة فى مكافحة التطرف والارهاب ، وأن ننتهز هذه الفرصة الطيبة لتقديم تعازينا لأسر الشباب المصريين الذين سيقتلون فى نويبع أو الغردقة فى عيد الموت القادم !!!!
ولك الله يا مصر .
#هشام_الطوخى (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟