|
-ارح مارقه-*... والترميم الثوري (1)
عفيف إسماعيل
الحوار المتمدن-العدد: 6185 - 2019 / 3 / 28 - 21:05
المحور:
الادب والفن
لعبت اغنية الوسط دوراً فاعلاً في توحيد الوجدان السوداني في جهاته الشاسعة متعددة المزاج متنوعة الايقاعات والاصوات، كما لعبت دورها الثوري المحفز على النصر في كافة المنعرجات السياسية الحادة التي عبر بها الوطن عبر أجيال من الفنانات والفنانين والفرق والجماعات الفنية. تداول الشعب السوداني الأغنيات الثورية في ازمان الدكتاتوريات وسند بها توقه للخلاص والحرية، و كانت الاغنية الثورية تعادل المنشور السياسي اذا ضبطتها الأجهزة الأمنية بحوزة مواطنة او مواطن إبان دكتاتورية الامام المخلوع جعفر نميري 1969-1985م.. وايضاً في بدايات عهد حكومة الاخوان المسلمين الذي جاء بانقلاب عسكري في يونيو 1989م. يعد العداء للفنون ملمحاً متأصلاً في فكر الاخوان المسلمين ومشروعهم اللاحضاري الاسلاموي، لذلك حاولت آلته القمعية تكبيل مارد الإبداع السوداني بتشريد واعتقال وتعذيب صناع الجمال في بلادي، لكن هيهات.. هيهات لقد هزمتهم الفنون جميعها وتحدت مشروعهم اللاحضاري منذ رنة موسيقى المارش الأول، وخاصة فن الغناء والشعر، وبرغم محاولاتهم البائسة لتحجيم دور الفنون في المجتمع السوداني بامتلاكهم لكل وسائل الاعلام المريئة والمسموعة، وبثهم لثقافة طفيلية تقتات من فتات الماضي وليس له قدرة مخاطبة الوجدان السوداني في حاضره المشرئب والمفتوح على كل قنوات العالم، والشبكات العنكبوتية التي ان دققت البحث فيها قد تجد حتى "لبن الطير"، لذلك نجد في سنواتهم الكالحة تفشى الغناء الاستهلاكي ذي المدلولات الهابطة والذي يركن للسهولة والتكرار في النظم واللحن والاداء او الذي يدعو للتجييش والموت، أو إلى إغراق المحيط الاجتماعي بتفاهات المنتج الغث الذي يمثل هذه الشريحة الاجتماعية الطفيلية ذات الثراء الفاحش المسروق من خيرات الوطن، ذات الذوق المكبوت الذي تحركه الشهوات والنهم المرضي مثنى وثلاث ورباع. بالمقابل كان هناك صناع الجمال ينسجون الاشعار والاغنيات النابضة لتفعل فعلها الثوري في وجدان الأمة، تغنوا باشعار محجوب شريف، وحميد، وعاطف خيري، والقدال، وازهري محمد علي ومحمد المكي إبراهيم و الفيتوري وهاشم صديق، والصادق الرضي ود. بشرى الفاضل ومحمد محي الدين والكتيابي والمكاشفي وعثمان بشرى، وخالد عباس، وخطاب حسن احمد ويحيى فضل الله وقاسم أبو زيد، ومحمد مدني، ونجاة عثمان ونجلاء عثمان التوم وجمال عبد الرحيم، وفيصل محمد صالح، وعادل سعد ود. وجدي كامل ود. طلال دفع الله واخريات وآخرين.. لتتحول هذه النصوص العظيمة إلى أغنيات للمقاومة عندما تجد طريقها الى أوتار وحناجر الفنانات والفنانين وردي وعركي ومصطفى سيد أحمد والموصلي وآمال النور، عقد الجلاد ومحمود عبد العزيز ومحمد النصري وخوجلي هاشم وصديق أحمد ومحمد جبارة وساورا، و نانسي عجاج وحمزه سليمان عبد اللطيف عبد الغني وطارق ابوعبيدة وعاطف انيس ووليد عبد الحميد وربيع عبد الماجد، وسيف عثمان ومجموعة بغني لشعبي، وأخريات وآخرين. مثلما هناك غناء للمقاومة، يمتد من "عازه في هواك"* و"سوداني الجوة وجداني "*، و"بتريد اللطام"*، و"صه يا كنار"*، و"يا غريب يلا لبلدك"* أنا سوداني أنا*، ومروراً بـ" لن احيد" و"اليوم نرفع راية استقلالنا" و"بناديها"* و"الساقية"* حتى "سلم مفاتيح البلد"*"تعالوا نغني"* ، و"عم عبد الرحيم"*"الخلاص" والجالوص*" "لى وين وكيف لى متين"*"شبه النجيمه الحايره"* "مشرع الحلم الفسيح"* " عفارم .. عفارم يا شعباً مسالم "*، و"بين أمونه والخليفة"* "نبض الشارع"*،"غناء العزلة* "متخبيه" " الزمن الفلاني"**بطاقة شخصية* "الراكوبة"* و"شأن الحاجات تبقى كويسة" "علم الدين"* " نشيدي"* وما كملت القصه* وجع الرحيل* " البندقة"، "صحي عمال البلد"* " زخة رصاص"*. هناك أغنيات الابتهاج بالنصر مثل "اصبح الصبح"* ، و"مرحباً أكتوبر"*، و"شهر عشرة حبابو عشرة"*، و"أكتوبر الأخضر"* و"يا شعباً لهبك ثوريتك*" بلا وانجلى"*، ليس في الامر عجب* ، و"عرس السودان"*، و"لاهماك وعيد"* و"طبل العز"* وغيرها... تنقسم أغنيات الابتهاج بالنصر الي قسمين الأول يمجد عظمة الشعب السودان صانع المعجزات، مثل "أكتوبر الأخضر"*، وأخرى تلتفت بلطف بعد سنوات من النصر لتصف مشهد الحدث الثوري بالزمان والمكان وحشوده التي قهرت اعتى الدكتاتوريات وابرز مثال على ذلك النشيد الخالد "قصة ثورة أو الملحمة"* التي كتبها هاشم صديق ولحنها محمد الأمين ووزعها موسيقياً موسى محمد ابراهيم وشارك في الأداء كل من خليل إسماعيل وام بلينه السنوسي وعثمان مصطفي وبهاء أبو عبد الرحمن أبو شلة وفيصل عبد الرحمن بجانب كورال من المغنيات والمغنين من مدرسة المليك للبنات، ومدرسة المؤتمر الثانوية بأم درمان والخرطوم الأهلية الثانوية، تم تقديم " قصة ثورة أو الملحمة" لأول مرة في العيد الرابع لثورة أكتوبر المجيدة، فأصبحت منذ ذاك اليوم بلا منازع ايقونة الاغنيات الثورية السودانية التي تنتج بعد سنوات من النصر، التي عَرّفت أجيال ما بعد أكتوبر 1964 م كيف انتصر الشعب على الطاغوت. هل هناك اغنية ثالثة تخاطب تَخَلُق الثورة والشعب على مرمى همسات من النصر؟ بعد الحراك الثوري الذي عم قرى ومدن السودان في 19 ديسمبر 2019 م بدأت تَتَخلق أغنيات كثيرة تفاعلاً وانفعالاً مع التوق العظيم للتغيير والتخلص من عصابة الاخوان المسلمين، لكن اغلب هذه الأغنيات استلهمت من تاريخ الاغنية النضالي كلمات حماسية للمقاومة التعبويئة التي تمهد وتشحذ للانفجار الثوري العظيم، وأخرى بشكل خجول غازلت هتافات الشارع التي صنعتها العبقرية السودانية من منجم تاريخها في صنع الشعار السياسي المختصر المعبر في الوقت المناسب وفي اللحظة المناسبة، لذلك نجد اغنيات كثيرة تم انتاجها تردد الترنيمات والشعارات مثل "تسقط بس، او حرية سلام وعدالة، سلميه..سلميه..ضد الحراميه، او أي كوز ندوسو دوس، أو غيرها من الشعارات العديدة التي خلقها الحراك الثوري منذ 19 ديسمبر 2019 م. أغنيات أخرى قفزة للمرحلة الأخرى لأغنية ما بعد النصر التي تصف الحدث بدقة تاريخية لأمكنة تجمع المواكب وازمان انطلاقتها ووصف شوارع مسيرها أسماء المدن والقرى والاحياء وما واجهها من عسف منظم من قبل كتائب الظل النهمة للبطش. غاب عن هؤلاء الشعراء والملحنين والمغنين/ات أن السقف الشعاري في الشارع الثوري اصبح اعلى من الأغنيات التي تتوسله وتقتات بخجل من شعارته الثورية المبتكرة كأن الأمر اشبه بـ " عَلُوق الشَدّة" اللاهث لملاحقة الحدث الثوري المتصاعد والتعبير عنه، لان من يرددون هذه الشعارات الوثابة بتنغيمها الشعبي البسيط مازالوا يرددونها بثبات مدهش وسط البمبان ورصاص القناصة، وسياط كلاب الامن ، وهذا اعلى بسنوات ضوئية من الدفقات الشعورية اللحنية لمن حاولوا ان يموسقوها ويردوها الى اصلها النابض في قلب المعركة . لدى مبدعي شعبنا العظيم عبر الازمان حاسة زرقاء اليمامة في الاستبشار والاستبصار واستشراف الآتي بكل وضوح في لحظات فارقة من تاريخ الغناء الثوري الذي يعبر عن شعبه في كل حالته، هناك نوع من الغناء خاطب اللحظة الثورية وشرارتها في مخاضها الأخير، ولديه قدرة التناسل في المستقبل أيضا، حيث أن الأحداث العظيمة في تاريخ البشرية تأخذ عظماءها كفداء للآتي والميلاد الجديد، وتضحياتهم دائماً لتكون بداية صفحة جديدة في كتاب التاريخ. عندما تكالب جحافل الظلام متمثلة في الاخوان المسلمين والامام المشير الدكتاتور المخلوع جعفر نميري وارتكبوا جريمة من ابشع الجرائم في سجل تاريخ نظام مايو الغارق في دماء بنات وأبناء شعبنا، عندما اغتالت تلك الطغمة الفاسدة الأستاذ محمود محمد طه، في يوم 18يناير 1985م فكانت روحه الطاهرة هي مهر انتفاضة مارس- ابريل المجيدة. في ذاك اليومي الغارق في الآسي والاسف والحزن والغضب تجلت عبقرية فنان الشعب محمد وردي المتواجد قسرياً خارج السودان في ذلك اليوم، لكنه كان ملتصق بترابه وهموم وأهله، وكان لابد له من مخاطبة امته في ذاك الوقت العصيب من عمرها العمل الثوري الذي كان واضحاً بان دكتاتورية نميرى لم يتبق لها عمر طويل وهذا يشبه الحالة السودانية الراهنة من عمر دكتاتورية الاخوان المسلمين، فانتخب فنان الشعب محمد وردي نصاً من نصوص شاعر الشعب محجوب شريف فولدت معبرة عن لحظتها وتاريخها أغنية " يا شعباً تسامى"* تلك الايقونة الخالدة خلود الشهيد الأستاذ محمود محمد طه ومحمد وردي ومحجوب شريف. تلك الاغنية التي راهنت على قدرة وقوة شعبنا الذي قال عنه الشهيد الأستاذ محمود محمد طه" السودان شعب عظيم يتقدمه اقزام". فمازالت هذه الاغنية تتعملق بينما ذهب الاقزام الى مزبلة التاريخ. أيضا هناك اغنية أخرى تخلقت في ذات اليوم، صرخ بها في وجه الطاغية فنان الوطن الاستاذ أبوعركي البخيت الذي لم يستكن لذلك الحزن القاتل الذي أصاب الوطن بمقتل الأستاذ محمود محمد طه، لقد تسامى على نزيفه الحارق وأمسك عوده و انتخب من حديقة الشاعر الكبير محمد مفتاح الفيتوري الناضرة بالكلمات التي تعادل الرصاص فولدت اغنية "وقع قدمين"* التي مازالت تسير بين الناس: وفجأة دب على الطريق وقع قدمين طريدتين تجريان ... تجريان .. تجريان .. تجريان ثم اختفى صداهما ... ثم اختفى صداهما ثم أطل خيال جندي مدجج السلاح حدق في الظلام برهة ثم اضمحل وهبط السكون كالجبل وعاد يعبر الطريق فوق قدميه الموت في طريقه يا ليته لا يقترب الموت والعدو بالمرصاد يا ليته يعود فالموت في بنادق الجنود والضعف ليس يقتل الغضب والحب ليس يصرع الأحقاد وهو يداه لا يحمل في يديه سيفاً ولا قنبلة وأن يكن يحمل في جانبيه ما يحمل الموت له روحي فداه فغيمت سحابة فغطت القمر وبلت الشجر واختلط الرصاص بالمطر والصمت بالكآبة على طريق الفجر مشت العيون تقبل الثرى الغارق بالدماء وترمق السحابة في السماء فخلف كل غيمة سماء وخلف ظلمة ضياء وخلف كل صرخة مدوية يسكتها الطغاة يولد طفل التضحية كأنه أله في ثورة في أغنية تنمو على الشفاه في كلمة يا بلادي في حفنة من رماد في لحظة استشهاد ممتدة بالحياة.
ومازالت هذه الاغنية الشامخة تسير بقدمين ثابتين على الأرض وتتنفس مثل النسور بين الغيوم البيضاء وتخاطب الحاضر كأن تلحينها قد تم قبل يومين.
كما أن البصيرة الشاهقة التي يحكمها الأمل بين جدران سجن كوبر بروحها الجماعية الكورالية للمبدعين الشيوعيين والديمقراطيين التي كانت تضم عبد الرحمن عبد الله وعم مصطفى عثمان، ود. الشفيع خضر، والهادي جمعة جابر عبد الله على الفكي وعباس سباعي وسعودي دراج وميرغني عطا المنان وكمال كرار وحسن حسين وطه سيد أحمد واخرين انتجت لحناً لأوبريت " عشرة مقاطع للحياة.. أو غطى الجبال الليل "* ما بعد اعلان قوانين سبتمبر في العام 1983م واستمر تجويد اللحن ما يقارب العام لحين تقديمها كأوبريت داخل سجن كوبر في أواخر عام 1984م من إخراج د. الشفيع خضر قبل شهور من سقوط دكتاتورية نميري. ثم تغنى بها بعد الانتفاضة كورال الحزب الشيوعي، وأيضا كان يغنيها الأستاذ مصطفى سيد احمد في جلسات الاستماع، تلك الفكرة الابتداعية التي طاف قرى ومدن السودان برفقة عوده الذي ترن أوتاره بحب شعبه، وصوته الممطر بروقاً و تمنى، كانت جلسات الاستماع منبر متجول للتثوير والتثقف، ومعبراً لجيل من شعراء الشعر الطازج كي يدقوا معه أبواب بيوت السودان باباً بعد باب، ثم عبدت منحدر الطريق ما قبل الهاوية للحساسية الجديدة في الاغنية السودانية كي تصعد ارخبيلاً "ما بنطلع" إلا للطيور السماوية والنجميات العاشقة. إن ما تفعله هذه الأغنيات النابضة بالشروق بالوجدان الجمعي السوداني فور سماعها حالة اشبه الترميم الثوري فهي تسند اوجاع الاحزان المتنامية من جراء سنوات العسف والقهر الطويلة وترتق الجروح النازفة بين معركة ومعركة ما بين التصاعد والهبوط والتأرجح و ما قبل الطلق الثوري، وتضبط إيقاع التراكم العفوي وتدوزنه، وتغذي الروح والبدن بعافية النشيد الاعتداد بشعبنا العظيم، وتشحذ القدرة بطاقة عملية تتفجر اعتى من اي بركان. تخلقت وتنفست هذه الاغنيات في اللحظات المناسبة كي تربي الامل، وتستدع مخزون وراثي للصلابة، وتخلق حالة من العناد الثوري لمجابهة المستحيل حتى النصر. طوبى لصُناع الحساسية الجديدة تجاه الابداع والمبدعين قبل عقود طويلة لأيديهم اللاحقه بالبذار والاخضرار ، طوبى لهذا الشوف التلسكوبي الخرافي الذي كأنه كان يرى الآتون على الناصية القريبة وليس على بعد سنوات تعبر من قرن لآخر، هم بين مجامر شدة أيام الاختفاء، وعوسج التأسيس في ظرف حاذق لا يعلو فيه غير صوت راهن المعركة. طوبي لهم وهم يسامرون البعيد تماما مثل نسجت بصيرة شاعر الشعب محجوب شريف:
طريق الشعب اوسع من زحام الضيق وقلب الشعب ارحب من رحاب الضو ونبض الشعب كلو حلم بداه بيتم وتطلع من شقوق الارض آلاف المدن قامات ويطلع حتى من قلب الحجر والصى شجر متشابك الهامات وجيلا" جاى حلو الشهد صبايا وفتية يمرحوا فى صباح الغد عيونهم برقهن لماح سؤالهم رد خفاف ولطاف وثابين أوان الجد دفاعا عن حياض السلم والافصاح سلموا لى عليهم جملة حتى اللسه قبل الخلق والتكوين.
في وسط الحراك الثوري السوداني الذي اندلعت شرارة تراكمه في يوم 19 ديسمبر 2019 م والذي تقوده على مستوى الشارع طليعة شبابية تنامت معارفها السياسية من العمل الثقافي المبدع الملتزم بقضايا شعبه، وواضح بشكل لا ريب فيه أثر الشعر والاغنيات في تشكيل النبض العام للمزاج الثوري الذي يتزايد يوماً بعد يوم على امتداد الوطن ، فهذا الجيل الطليعي لم يترب على المنشور السياسي أو دوريات التوعية السياسية، أو الندوات المقفولة او البرامج الحوارية والمقالات المطولة التي تحلل الوضع السياسي الراهن، لكن انبهر بسحر الفنون وتراكمها النوعي في مخاطبة الذات والعقل والوجدان أحيانا كثيرة تكون الذات المخاطبة والمعنية بالرسالة الجمالية المبدعة غير منتبه بشكل كامل لهذا التغلغل البطيء لما تفعله الأغنيات واشعارها في ذات الذات من تسريب وعي ثوري ترفضه على مستوي العمل السياسي المباشر في شكله التنظيمي الذي لعب دوره المنشود والمشهود من خلال تراكم النضالي اليومي من الصمود في السجون والمعتقلات وبيوت الاشباح واعتصامات المدن. الهتافات الخالدة التي انتجتها عبقرية الشعب السوداني في مناهضة المستعمر وفي ثورة أكتوبر وانتفاضة مارس - ابريل مثل "عاش نضال الشعب السوداني، مليون شهيد لعهد جديد، الشعب يقوم إلى الخرطوم يا خرطوم ثوري ثوري ضد الحكم الدكتاتوري، و داون داون يو آس آيه، وداون داون سي آي ايه، والشعب يدين تجار الدين" تناقلتها أجيال صناع الاستقلال حتى انتفاضة مارس - ابريل المجيدة ١٩٨٥ وتواصلت هذه الشعارات الهاتفية المعبرة بذاك الحبل السري من العمل السياسي المنظم الذي قامت به الأحزاب والنقابات ومنظمات المجمع المدني الأخرى. الجيل الطليعي يزار الأن في الشوارع ميلاد اغلبه بعد انقلاب الإخوان المسلمين المشؤم في يونيو 1989م او قبله بقليل، هم بنات وأبناء شرعيين للنداءات الثورية الـ (Calling) لأركان النقاش للتنظيمات السياسية في الجامعات والمخاطبات السياسة في الأسواق والشوارع التي في اغلبها كانت تصل أي طالبة وطالبة في محيط الجامعة أو الشارع بتخليص مختصر ومبتكر لما سيقول الكادر الخطابي بعد قليل، لان هذه النداءات كانت تتم بأشعار محجوب شريف وحميد وعاطف خيري والقدال وازهري محمد علي والصادق الرضي وهاشم صديق وعثمان بشرى ود. ابكر آدم إسماعيل وغيرهم، وتحولت اغلب هذه النداءات الشعرية من بعد إلى أغنيات او نبهت هذا الجيل لنوع جديد من اشعار الاغنية المنتجة في وسط السودان، واغلب هذه المجاميع سكنتها أصداء ترداد هذا الاشعار الثورية وخاطبت توقها الفطري للانعتاق وأصبحت جزء من مزاجها النفسي وتكوينها الفكري المستقل عن العمل السياسي المنظم لكنه غير مستقل عن قضايا الوطن وهمومه. لذلك نرى طرائق جديدة و مبتكرة للهتاف في الحراك الثوري الراهن وهو نص شعري طويل تتم تلاوته بشكل ايقاعي حماسي ينسجم معه هتاف المتظاهرين بعد كل شطرة واخري مرددين "ثورة.. ثورة، او تسقط بس". اغنية " ارح مارقة" للشاعر الكبير مدني النخلي من الحان وغناء الفنان يسري صلاح، هي إحدى الأغنيات الفارعة التي تنتمي لهذا الحراك الثوري الذي لا محال مفضي إلا نصر شعبنا ومحاسبة عصابة القتلة اللصوص والعداء للفنون. امتازت هذه الاغنية بمستهل شعري تلخيصي خلاب المعني حيث تلاعب الشاعر بالجملة الذكورية الفظة التي يستخدمها اغلب رجال السودان مع الزوجات والاخوات والبنات في مشاويرهم الحياتية اليومية عندما تتأخر المرأة وهي تضع لمساتها الأخيرة لتفاصيل البهاء لحظة الخروج ، فيتعجل الرجل الفظ هو ويحملها مسؤولية التأخير فيصرخ بصوت نفاد الصبر وملئ بالتأفف والغضب "ارح مارقة : أخرتينا ياخ"!! فصارت عند النخلي "ارح مارقة" دعوة للخروج للميادين والشوارع كتفاً بكتف وهتافاً بهتاف، واعقبها بـ" موت وحياة بقت متساوية ما فارقة" والمعني هنا يتراوح متصاعداً حد العدمية المفضية لحالة ثورية حيث عشق الحياة والموت يصبحان كجناحي نسر في سيمتريه تماثله، ويصبح للفداء معنى شهي وللوطن دين في الدم والروح وقد نادا المنادى فحي على الشوارع والهتاف.، وارح مارقة.. المغني يسري صلاح يمتلك صوت طروب وله عذوبة تخصه خاطب بذكاء من خلال اغنيته "ارح مارقة" جيل الذهنية الشابة في الشوارع التي ساهم في تربية ذائقتها الفنية صناع الحساسية الجديدة في الاغنية السودانية التي يمثلها أبو عركي البخيت ومصطفى سيد أحمد والموصلي وآمال النور والهادي الجبل وعقد الجلاد ومحمود عبد العزيز وساورا وحمزه سليمان خوجلي هاشم وطارق ابوعبيدة وعاطف انيس ووليد عبد الحميد ، وربيع عبد الماجد وسيف عثمان وأخريات وأخرين. وتغنت هذه الكوكبة المبدعة بنصوص شعريه لها قامتها كشعر قبل ان تصبح أغنيات عظيمة كتبها كل من محجوب شريف، وحميد، وعاطف خيري، والقدال، وازهري محمد علي ومحمد المكي إبراهيم و الفيتوري وهاشم صديق، الصادق الرضي والكتيابي والمكاشفي وعثمان بشرى، وخالد عباس ، وخطاب حسن احمد ويحيى فضل الله وقاسم أبو زيد، محمد مدني، نجاة عثمان ونجلاء عثمان التوم وجمال عبد الرحيم، وفيصل محمد صالح، عادل سعد ود وجدي كامل ود. طلال دفع الله ومجاهد عيسى واخريات وآخرين. ذكاء المبدع يسري صلاح الفني ان يكون استمرار لما قبله في استلهام روح نص شعري طازج يخاطب الراهن. ايضاً الابعاد التطريبية في أداءه الصوتي واللحني واضح تماماً انها هضمت تجربة محمود عبد العزيز والهادي الجبل وعامر الجوهري واحمد شاويش وتركت الأثر المحبب بها وليس المقتفي والمقلد بوقع النبرة على النبرة، فالذاكرة السودانية الجمعية لديها عشق خفي مع المألوفات ثم بعد ذلك تتنبه للتفرد. جملة المرجع الأساسي المتكرره هي "ارح مارقة" التي يستعيدها بعد كل استرسال مثل ما فعلت اغنية الخمسينيات والستينيات، صارت هذه الجملة اللحنية بالغة العذوبة تشغل الذهن ويتعلق بها ويردها من يسمعها لا شعورياً بنشوى وأيضا تتعلق بقلبه فيرددها بعد انتهاء الاغنية بلا توقف. "ارح مارقة" نموذج للأغنيات عابر الازمان التي تواكب هذه المواكب التي تهدر في الشوارع عموم السودان، ولن تتراجع حتى النصر، هذه الاغنية الفارعة فعلت فعلها في الترميم الثوري لجيلها الذي احبها وتداولها بكثافة من خلال وسائط التواصل الاجتماعي وصارت جزء من ملصقاته الاعلانية للدعوة للخروج للمظاهرات على أرض الواقع. مثل هذه الاغنية الفارعة "ارح مارقة" تسند تعب الثائرات والثوار عندما يعودون في أخر المساء معطرين بالبمبان والهتاف، وبقليل من الرهق، فيستمعون لهذه الاغنية التي تطلق أحلامهم وآمالهم ايمانهم بالإنسان كأعلى قيمة في هذا الوجود، ويتضح لهم في ميزانهم تساوي الميارم والكنداكات والثوار في الجرأة والاقدام وعشق هذا الوطن، ويجدد طاقاتهم للمظاهرة القادمة في صباح الغد. وما تحمله هذه الاغنية الفارعة من مضامين إيجابية ورمز بسيط مستنطق ولحن خلاب يجعلها تعيش بين هتاف وهتاف، موكب وموكب ايضاً ستصعد بهدوء إلى سلالم المستقبل.
https://www.youtube.com/watch?v=LhQtyusaF_g
هوامش الاغنيات:
• ارح مارقة، كلمات مدني النخلي، الحان وغناء يسري صلاح • عازه في هواك كلمات والحان وغناء خليل فرح. • سوداني الجوه وجداني، كلمات عبد القادر إبراهيم تلودي والحان وغناء فضل المولى زنقار • بتريد اللطام كلمات والحان وغناء رقية محمد إمام إدريس • صه يا كناري ، كلمات محمود أبو بكر ، الحان وغناء إسماعيل عبد المعين • يا غريب يالله لبلدك كلمات يوسف مصطفى التني وغناء والحان حسن خليفة العطبراوي • انا سوداني انا، كلمات محمد عثمان عبد الرحيم الحان وغناء حسن خليفة العطبراوي • لن احيد، محي الدين فارس، الحان وغناء حسن خليفة العطبراوي • اليوم نرفع راية استقلالنا، كلمات د. عبد الواحد عبد الله الحان وغناء محمد وردي • "بناديها. كلمات عمر الطيب الدوش ، الحان وغناء محمد وردي • الساقية، كلمات عمر الطيب الدوش ، الحان ناجي القدسي ، غناء حمد الريح • سلم مفاتيح البلد، كلمات محمد المكي إبراهيم ، الحان وغناء محمد وردي • تعالوا نغني، كلمات والحان وغناء أبو عركي البخيت • عم عبد الرحيم، كلمات محمد الحسن سالم حميد، الحان وغناء مصطفى سيد أحمد • الخلاص، كلمات محمد الحسن سالم حميد، الحان وغناء صديق أحمد • الجالوص، كلمات عاطف خيري، الحان وغناء مصطفى سيد احمد • بين امونة والخليفة ، كلمات محمد طه القدال، الحان عثمان النو، غناء مجموعة عقد الجلاد • نبض الشارع، كلمات عز الدين هلالي، الحان انس العاقب ، غناء يوسف الموصلي • غناء العزلة، كلمات الصادق الرضي، الحان وغناء مصطفى سيد احمد • متخبيه، كلمات د. بشرى الفاضل، الحان وغناء مصطفى سيد احمد • الزمن الفلاني، كلمات نجاة محمد عثمان، الحان وغناء مصطفى سيد احمد • لى وين وكيف لى متين، كلمات يحيى فضل الله، الحان حمزة سليمان، غناء عقد الجلاد • شبه النجيمة الحايرة، كلمات عاطف خيري، الحان وغناء محمد النصري • مشرع الحلم الفسيح، كلمات ازهري محمد علي الحان وغناء مصطفى سيد احمد • عفارم .. عفارم يا شعباً مسالم، كلمات محمد الحسن سالم "حميد" والحان وغناء محمد جبارة • شأن الحاجات تبقى كويسة، كلمات فيصل محمد صالح، الحان وغناء طارق أبو عبيدة • بطاقة شخصية، كلمات محجوب شريف والحان وغناء عبد اللطيف عبد الغني • الراكوبة، كلمات قاسم ابوزيد الحان وغناء خوجلي هاشم • علم الدين/ كلمات يجيى فضل الله، والحان وغناء وليد عبد الحميد • نشيدي، كلمات عصام عيسى رجب، الحان وغناء هشام كمال • ما كملت القصه، كلمات عثمان بشرى، الحان وغناء عاطف انيس • وجع الرحيل، كلمات مجاهد عيسى الحان وغناء ربيع عبد الماجد • البندقه، كلمات مجاهد عيسى الحان ربيع عبد الماجد، غناء مجموعة ساورا الغنائية • صحى نضال عمال البلد، كلمات محمد الحسن سالم "حميد" الحان وغناء سيف عثمان • زخة رصاص، كلمات أزهري محمد علي، الحان نازك عثمان، غناء مجموعة بغني لشعبي • اصبح الصبح، كلمات محمد مفتاح الفيتوري والحان وغناء محمد وردي • مرحباً بأكتوبر، شعر محي الدين فارس والحان وغناء زيدان إبراهيم • شهر عشرة حبابو عشرة، كلمات فضل الله محمد الحان وغناء محمد الأمين • أكتوبر الاخضر، كلمات شعر محمد المكي إبراهيم ، الحان وغناء محمد وردي • يا شعباً لهبك ثوريتك، كلمات محجوب شريف، الحان وغناء محمد وردي • بلا وانجلى، كلمات محجوب شريف، الحان وغناء محمد وردي • ليس في الامر عجب، كلمات والحان وغناء عبد الكريم الكابلي • عرس السودان، كلمات محمد مفتاح الفيتوري والحان وغناء محمد وردي • لاهماك وعيد، كلمات عثمان خالد الحان أنس العاقب وغناء محمد ميرغني • طبل العز، كلمات سيد أحمد الحاردلو الحان وغناء سيف الجامعة. • قصة ثورة أو الملحمة، كلمات هاشم صديق الحان وغناء محمد الأمين • يا شعباً تسامى، كلمات محجوب شريف، الحان وغناء محمد وردي • وقع قدمين ، كلمات محمد مفتاح الفيتوري، الحان وغناء أبو عركي البخيت • عشرة مقاطع للحياة، كلمات مجوب شريف تلحين جماعي وأداء كورال الحزب الشيوعي السوداني
مارس 2019م – بيرث غرب استراليا
#عفيف_إسماعيل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
*الأستاذ محمود.. ولعبة الموناليزا..
-
اسامة الفَراح عوان الحِله
-
وتَبقَى طفلةُ العصافير الموسميّة*
-
وداعا النقابي الجسور وسيم الروح فاروق احمد -جدو-
-
من وصايا الشهداء
-
تَشبَهي العيد في بَلَدْنا
-
صور شعبيّة.. وقسم السّيد أدفريني*
-
وداعا ..زوربا السوداني(2-2)
-
مُسامرة من وراء المحيط..محمود.. أرق المهووسين
-
وداعاً زوربا السوداني1
-
لوحة2
-
مُسامرة حوارية مع الفنانة المغنية د. ياسمين إبراهيم
-
رنين الحنين على أجنحة نوارس عائدة أو نغم أخضر
-
مسامرة حوارية- جريدة الحصاحيصا
-
زهور ذابلة
-
إندماج أم إقصاء؟!
-
مبادرة -برانا- الثقافية
-
نورس حط على القلب
-
المتشظي
-
عازف البيانو الأعمي في ميدان فورست او ظل بلا اثر
المزيد.....
-
الموصل تحتضن مهرجان بابلون للأفلام الوثائقية للمرة الثانية
-
متى وكيف يبدأ تعليم أطفالك فنون الطهي؟
-
فنان أمريكي شهير يكشف عن مثليته الجنسية
-
موسكو.. انطلاق أيام الثقافة البحرينية
-
مسلسل الطائر الرفراف الحلقة 84 مترجمة بجودة عالية قصة عشق
-
إبراهيم نصر الله: عمر الرجال أطول من الإمبراطوريات
-
الفلسطينية لينا خلف تفاحة تفوز بجائزة الكتاب الوطني للشعر
-
يفوز بيرسيفال إيفرت بجائزة الكتاب الوطني للرواية
-
معروف الدواليبي.. الشيخ الأحمر الذي لا يحب العسكر ولا يحبه ا
...
-
نائب أوكراني يكشف مسرحية زيلينسكي الفاشلة أمام البرلمان بعد
...
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|