|
صراع -المركزيات- بين الثقافة والسياسة(3/3)
علي ثويني
الحوار المتمدن-العدد: 6185 - 2019 / 3 / 28 - 14:13
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
صراع "المركزيات" بين الثقافة والسياسة (3-3) د. علي ثويني حدث بعد إستقلال الجزائر أن ألقى أحد كبار المستشرقين محاضرة في مدريد عنوانها(لماذا كنا نحاول البقاء في الجزائر؟)، وأجاب على هذا السؤال بشرح مستفيض ملخصه: إننا لم نكن نسخر النصف مليون جندي من أجل نبيذ الجزائر أو صحاريها أو زيتونها. إننا كنا نعد أنفسنا سور أوروبا الذي يقف في وجه زحف إسلامي محتمل يقوم به الجزائريون وإخوانهم من المسلمين، عبر المتوسط ليستعيدوا الأندلس التي فقدوها، وليدخلوا معنا في قلب فرنسا بمعركة بواتيه جديدة (يقصد بلاط الشهداء)، حيث ينتصرون فيها ويكتسحون أوروبا الواهنة ويكملون ما كانوا قد عزموا عليه أثناء حلم سابق بتحويل المتوسط إلى بحيرة إسلامية خالصة (). وتسنى للمركزية الغربية النضوج في الأزمنة الحديثة وذلك منذ قرنين ونيف، حيث تعلمت من تجاربها أن دراسة الآخر وبث المفاهيم المحرفة في ثنايا ثقافته ضمانة لتبعيته اللاحقة. وهكذا فإن حركة الإستشراق عندهم والإستغراب عندنا سياقات لهذا التوجه المضلل، والساعي إلى تكريس المركزية الغربية التي صحى عليها الشرق الإسلامي وقابلها بالمثل أو كاد منذ الرعيل (التنويري) كما وصفوهم، مثل جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده وعبدالرحمن الكواكبي وحزب الجامعة الإسلامية في الهند الذي تحول إلى حركة الأخوان المسلمين في مصر. ولتضخيم المركزيات الدينية والعرقية والطائفية بوصفها أشكالا صيانية للمركزيات عموماً، والتي تتمحور حول الذات النقية، والسلف الصالح والفرقة الناجية، مقابل اتهام الآخر بالإنحراف والنأي عن صلب العقيدة. وقد شاركت طبيعة المجتمعات المخاتلة حتى الأوربية منها (ولمستها حتى عند السويديين مثلا) أو المتبعة لمبدأ (التقية) اي إظهار ما ليس يظمر. كل ذلك تداعى إلى يقينات محرضة، وكان سبب في إنتفاء الحاجة للحوار والنقد الثقافي، وأسهم في تعويم معرفة الآخر لنزع فتيل العدوانية، وفي التقريب بين مصالح المركزيات بشكل واع. ولم يخلى الغرب من التفتت الداخلي، فقد عانت الفرق الدينية والأقليات العرقية من التهميش والإزدراء حتى اليوم قبل أن يحل المهاجرون المسلمون بينهم. وربما كان هذا سبب مباشر في ظهور مبدأ (الكيتو) وفحواه أن حارة اليهود في مدينة البندقية الإيطالية عام 1516م، وضعوا بابا توصد بعد الغروب وتفتح في الصباح، وتجعلهم بمأمن من الآخر المخالف بالدين وتضمن لهم الإختلاء إلى بعضهم لتاسيس فكر الجماعة المصغرة المناقض والمناهض أحيانا للجماعة الأكبر الحاوية. وإذا كان الغرب قد تلاعب في ورقة الأقليات عندنا، فقد فشل العالم الإسلامي في تأجيج وضع الأقليات المضطهدة، أو الدولة الهامشية داخل كيانه. وتعاني المركزية الغربية اليوم من الوهن وضعف الحجة، وذلك من جراء عدم إيصال البشرية إلى حالة من الرفاهية الموعودة، وتخبطت في حمى المادة وتهافتت على أسواق المال، حتى لنجد أن طرح المركزية الغربية كبديل وقدوة اليوم أقل من ذي قبل. لقد أنتظرت أفريقيا والهند قرنين أو ثلاث لترتقي بعد أن تقمصت روح غربية، لكنها لن تطأ مصاف المثل الغربي الأعلى. نلاحظ في تصاعد الفتنة خلال السنين الأخيرة صعود تيارات مادعوه الغربيين (الإرهاب الإسلامي) للإيغال في عدوانيتهم، رغم أنهم من صنعوه ومرروه بلعبة الأمم فنجد مثلا أن جماعات إسلاموية في مصر تتمادى في سلوكها الإرهابي وقتل الأبرياء وهدم الدولة وليس السلطة، استناداً إلى فهم يقوم على القياس الخاطئ والتأويل المنحرف للآيات القرآنية، كما عبّر عن ذلك أحد قادتهم واسمه الدكتور فضل في كتابه (العمدة في إعداد العدة)، أنه بعد البعثة المحمدية، يحق للمسلم أن يقتل من لم يدخل طواعية للإسلام، سواء كان في الداخل أم الخارج. وهذا إستهتار حقيقي بحق النص القرآني غير القابل للتأويل بأن (لا إكراه في الدين) وأن النبي جاء منذر وليس مسيطر، كما عليه مشايخ ومراجع اليوم. وحري ذكر احد المركزيات التي ظهرت في القرن العشرين، ألا وهي الماركسية التي ادعت في تطبيقها (للإشتراكية العلمية) أنها تمتلك الحقيقة المطلقة، انطلاقاً من الشعور بتضخم الذات(التقدمية) والعداء للآخر(الرجعي) متمثلاً في العالم الرأسمالي والإمبريالية. وقد قاموا بالمتاجرة بالشعوب الضعيفة والطبقات المسحوقة والمغرر بها من النخب في حالة من (الحرب بالنيابة)، وذلك تحاشيا للمصادمة بين الغرب والدول الشيوعية. ومن المفيد ذكره أن سوسة النخر كانت قد أكلت السلطات الشيوعية من الداخل، وقد عشتها شخصيا في رومانيا و، وذلك من خلال التعسف والشمولية. ومن الطريف أن الشيوعية أنتقدت ظاهرة الأديان التي عدتها (أفيون)، لكنها أستثنت اليهودية ، مجاراة ومداراة ومحاباة، لكون جل القيادات الشيوعية في العالم كان من اليهود، وفي العراق فإن الرعيل الأول من الشيوعيين كان جلهم من اليهود، وأتمر بين أول خلية أسست عام 1922 على يد السفارة البريطانية في بغداد، حتى ترحيلهم عام 1950، فسلموها للأكراد الذين حولوها من الأممية إلى القومية العرقية(). تعد (المركزية الغربية) أهم مركزية نعاني من سطوتها اليوم، بعدما أدعت إمتلاكها الحقيقة المطلقة، كونها الإيديولوجية السياسية النموذجية التي ستحقق السعادة للبشر. وحدث أن زادت ثقتها بنفسها بعد سقوط الشيوعية 1992، بحجة أنها كانت محقة في مناصبتها العداء لحقبة 45عام ، رغم المشتركات الكثيرة بينهما، ولاسيما مناصبة العداء للشرق عموماً وثقافاته وأديانه. وأنتفخ الغرب إختيالا، وأنبرى الكل شامتا مثل فوكوياما، الذي كتب عن (نهاية التاريخ) احتفالاً بالانتصار. ولكن يشاء القدر أن تقوم أزمة اقتصادية كبرى في الولايات المتحدة الأميركية في العام 2008 مثلت انهياراً كاملاً للنموذج الرأسمالي الذي أجبر إدارة الرئيس أوباما على ضخ تريليونات الدولارات لإنقاذ الدولة الأميركية من إعلان إفلاسها. وأكد انهيار النظام الرأسمالي الاقتصادي الفرنسي توماس بيكتي في كتابه (رأس المال)، والذي تنبأ فيه بسقوط الرأسمالية كنظام اقتصادي، ونهاية الديموقراطية كنظام سياسي. وهذا معاكس لما اشاعته المركزية الغربية بأنها باقية سرمدية، رغم الداء والأعداء!. مكثت المركزية الغربية تتبنى نظرة استعلائية في زعمها أن الغرب هو المعيارية في الفرز بين التقدم والتخلف، ومركز العالم، والمنتج الأوحد للقيم الإنسانية، والمرجع الأوحد في تسجيل انتقال شعب أو ثقافة من "البربرية" إلى "المدنية". وأمسى الغرب المشرّع الأخلاقي العالمي، ليغطي على تنظيمه للعلاقات العالمية من خلال المنظمات التي تبدوا نزيهة من خلال تسميتها المنمقة الحيادية، لكنها تنصاع وتسير من قبلهم كما الأمم المتحدة ومجلس الأمن والمنظمات الملحقة بها، والنظام المصرفي العالمي. إن المركزية الأوروبية، قامت على مجموعة من الأساطير صبت في قالب مفاهيمي يقيني، ومنها مثلاً أن الشعوب رحلت من الشمال إلى الجنوب، وهذا مخالف لسنن الطبيعة حينما نشأ الإنسان في المناطق الدافئة في وسط الأرض، أفريقيا بالذات، وهاجر نحو الشمال بعد أن دب به الدفئ كما هو حال إنتقال الأكديون إلى شمال العراق حوالي 2400 ق. م وبداية بناء الحضارة الآشورية. حيث أن تلك المركزية رامت أن تجعل كل الشعوب قد سكنت أوربا قبل رحيلها للشرق والجنوب. وتشير الحقائق أن أوربا هي من آخر الأراضي التي سكنها البشر، ومازال شمالها فارغ من السكان، بحالة من تزوير الحقائق وتدوير الوقائع. أكتشفنا بالصدفة أن اللغة التي يتكلمها شعب الباسك في شمال إسبانيا وجنوب فرنسا هي لغة بربرية قديمة اي تحاكي لغة سكان شمال أفريقيا القدماء، وهذا يؤكد أنهم قدموا من الجنوب لأنقطاع نسلهم ومكوثهم كأقلية على عكس شمال أفريقيا. وغيرها أن الغربيون لم يعلنوا عن لغة الأتروسكيين، الشعب الذي رحل من سواحل شمال الشام إلى إيطاليا ليؤسس لجذور الحضارة في أوربا حوالي 1000 ق. م. ومكث الأمر مجهول ردحاً، رغم فك رموز تلك اللغة، حتى أعلن قبل سنوات قليلة أنهم تكلموا لغة سومرية متأخرة، أي قدموا من الجنوب ليسكنوا (توسكانيا)ويؤسسوا للمشروع الحضاري في تلك الأرض، التي غزاها الشماليون مراراً بحثا عن الدفئ والشمس والعيش الرغد، وهدموها كل مرة، ولم ينشأوا بها حضارة، مثل شعوب اللومبارد والقوط والوندال والنورمان والجيرمان. وثمة الكثير من التأثيرات الشرقية القديمة أو حتى العربية تتعدى المسكوت عنه رغم إفتضاحه في جنوب أوربا، بل في شرقها، غير المسكوت عنه في بريطانيا نفسها. إذ نجد في روسيا كثير من التسميات، ربما تعود لأثر آشوري، أو حتى لحقبة دولة قازان التترية التي سحقها إيفان الرهيب(1530-1584)، عام 1552م، مثلما سبق وأن قضى السلاجقة والروس على مملكة الخزر اليهودية، التي كان سبب في هجرات تركمانية وتترية يهودية ووثنية بإتجاه الغرب، ووجدوا الملاذ في شعاب الجبال شحيحة بالسكان وكونها ملاذ أمن من هجومات الدول. لذا نجد نسبة اليهود في وسط أوربا أكبر ولاسيما جنوب بولنده (كراكوف مثلا)، والجيك والسلوفاك والنمسا وهنغاريا وتمددوا لاحقا نحو ألمانيا والغرب، وهم غير اليهود الذي وصلوا أنكلترا وإيطاليا وسويسرا وهولندا من هجرات أندلسية أو من جنوب البحر المتوسط. وهنا نلمس إيحاءات بتسميات في شرق ووسط أوربا أصلها شرقي محض، مثلا مملكة جنوب رومانيا كانت تسمى (فلاحياValahia ) التي حرفها الأتراك إلى (الأفلاق)()، وهي منطقة فلاحية فعلا، وسكنتها شعوب آرامية، وثمة إنتماء ثقافي للشرق يدركه من يتعايش مع القوم، بغض النظر عن ألسنتهم، التي لاتعني عقليتهم الشرقية(). ربما يكون لانهيار الأخلاق اللاهوتية بعيد النهضة في أوربا، ثم مرحلة نقد الموروث الإغريقي الذي قام به: روجر بيكون، وغاليلو، وبيكن، ثم لوك، وهيوم، وباركلي، وصولاً إلى ديكارت، وسبينوزا، وعمانوئيل كانط، وهيغل، وماركس، قد أعطى دفق من الغرور لتلك المركزية، رغم أن أفكارهم توحي بالعقلانية، لكنها كانت تحمل في طياتها خيلاء العالم الذي ينتفخ غروراً. وفي العقود المتأخرة ورد نقد للمركزية من المدرسة الفرنسية أكثر من غيرها، مثل جاك دريدا(1930-2004)، ، الناقد للتمركزات الخطابية في الثقافة الغربية منذ افلاطون إلى دوسوسير، والآخر الألماني يورغن هابرماس(ت:1929) نقد ممارسات مادعي "الواقعية" الغربية، بما في ذلك تصنيف العقل أداة مجردة خالية من النزعة الانسانية، ودعا الى العقل التواصلي من خلال مفاهيم ماركسية. وكان قد سبقهم بول فاليري الذي قال :كل الحضارات ذائقة الموت، وان الحضارة الغربية دقت بداية نهايتها، وهذا ما تبناه الفيلسوف الفرنسي "اليساري" ميشال أونفري. وبات يتحسر على مصير حضارة يهودية-مسيحية تعيش أعمق أزماتها الاقتصادية والأخلاقية والنفسية، وبثها في كتابه (الانهيار، من يسوع إلى إبن لادن، حياة الغرب وموته). ويعدد أونفري المؤشرات على الإنهيار ذاكرا: تحويل مباني الكنائس إلى أغراض أخرى غير روحية، وانعدام أيّ رغبة لدى الشبان في الغرب للالتحاق بمهنة الكهانة، نقض وضعف الإيمان والتملص والتحرر إزاء العقائد الدينية من قبل المؤمنين أنفسهم، والتعامل مع الدين كما يحلو للمؤمن دليل على تفكك الأساس، حتى تصدّعت جدران الكنائس وانهارت أقسام منها. ويشهد على الانهيار: اضمحلال القيم وظهور مفهوم ما بعد الحقيقة الذي يعني انتشار النسبية على نطاق واسع، والعجز عن تكوين مجتمع حيث يسود الانشطار، بمعنى هيمنة الفرد الواحد المنفرد، الأناني، المتبجح، المُطالب. وكذلك موت الواجبات التي لم يعد يستسيغها أحد بينما تعطى الإمكانية كلها للحقوق التي يطالب بها الجميع لنفسه وجماعته، وانتشار الأمية حتى بين الذين يفترض فيهم حمل وامتلاك المعرفة. الابتذال أصبح يعلق كقلادة ويحتفى به كجمالية عندما يقترفه لاعبو كرة القدم والممثلون والرياضيون بصفة عامة والمغنون ذوو الشهرة والنجاح ومقدمو البرامج في التلفزيون. أما المال القذر فأصبح المتحكم في كل شيء كعلامة على قيمة الذات، ورفض البلوغ والوصول إلى الرشد والأطفلة جعل الراشد يعيش نكوصا كالصغار، وهيمنة دين الاستهلاكية الذي يقيس قيمة الذات بما تملكه، ناهيك عن الفساد المستشري لرجال السياسة على نطاق واسع وحصانتهم، والاستهتار الذي أمسى يمارس في العلن، يواكبه اختفاء الشجاعة، وقبول العبودية الطوعية برحابة صدر وسرور(). لقد ركز كل هؤلاء الفلاسفة على أكثر الأساطير والدعاوى الغربية خيلاء ودجل بأنها سليلة الحضارة اليونانية ثم الرومانية، ومكثت عذراء ولم تؤثر عليها ثقافات أخرى، وأنتفوا قطعاً تأثرهم بالحضارة الإسلامية من معابرها في إسبانيا وجنوب أوربا وصقليه ثم بالبلقان. ولم يعترفوا بأن طرز عمائرهم مثل القوطي والباروك أتى من تأثيرات ثقافة المسلمين المعمارية، لا بل أن الرومان واليونان أخذوا كل معطيات ثقافتهم من الشرق القديم، ومنه اللغة والكتابة والأديان والعمارة والفنون. وهكذا تداورت الكذبة لقرينين، لكن جلائها جاء على يد مارتن برنال في كتابه (أثينا السوداء) حينما كذب الأسطورة الغربية، وأثبت ورود الحضارة اليونانية من تأثيرات مصرية وشامية وعراقية محضة. ثم ذهب نفس المذهب الأمريكي (جورج جيمس) في كتابه الهام (التراث المسروق)، حيث إتهم اليونانيين بسرقة الفلسفة والعلوم من الشرق القديم ونسبتها إلى رموزهم وعلماءهم كـسقراط وأرسطو وفيثاغورث وغيرهم. وقد شارك في نقد المركزية الأوروبية رهط من الغربيين غير برنال مثل روجيه جارودي وكلود ليفي شتراوس وغيرهم. إن فشل الدولة الحديثة في احتواء التنوع الثقافي والهوياتي، وتأجيجها صراعات إفتعالي بغرض تكريس سلطتها، جعلها في مرمى النقد بعدما عبرت على ظهرها المركزيات بأنواعها (الأنا المنتفخة) أو(عقدة الخواجه) أو (عقلية الكيتو)وكلها تؤدي نفس الوظيفة البائسة في بناء ثقافة تصاعدية. وهنا نشعر بحاجة إلى تفكيك هذه المركزيات، والى إعادة النظر بأنماط خطابها القائم على وهم القوة وعدوانية الآخر، وتشويش التصورات الثقافية والدينية/ الطائفية التي تسندها، وهذا يتطلب بالضرورة تغذية وجود أفكار أكثر واقعية وعلمية ووسطية في مواجهة هذه التصورات، ودحض كل عناصر الخوف التاريخي من الآخر التي شرعنتها التشرذمات، بعدما فرضت أوهاما لاتمثل هوية رغم أنها تدور في (أنا والآخر). ومن سمات نكوصها أنها شجعت على (الجهل المقدس) ليكون المعيار لكل علاقة في العقد الإجتماعي غير المبرم. وقد كشفت الايام أن السلطات القومية السابقة، والمتبرقعة بالورع الديني اللاحقة محض ثلل جاءت مع المحتل بغرض سرقة المال العام، واضطرتها غاياتها ووهن حجتها في ممارسة القمع بأشكاله الشمولي أو الترهيبي أو التصفية الجسدية. مازلنا نشعر بأن العلة تكمن بنا، وحري ان نفرز نخب بعيدة عن الإنتهازية والإرتزاق والوصولية والنفاق والشلليه والتصفيق للأقوى والدفاع عن الظالم. لقد حل المثقف المتفذلك اليوم محل الواعظ المساند للسلطان بالأمس القريب، لتكرس حالة هبوط نوعي للإنسان.
رباط الكلام Conclusion يحتدم اليوم الصراع بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران، على الأقل "ظاهريا"، وقد أستقطب الأهواء وحمس الآراء، وألتبس فيه ماهو ثقافي –إجتماعي أو سياسي-حربي، مصلحي أم مبداي. مع من نقف وأين تكمن مصلحتنا كعرب، هل نتضامن ضد "عدو مسلم" ونؤازر "صديق كافر". سجالات عقيمة بين دهماء تخضع لوعي متدن، ونخب مشتته، تسبق الأدلجة على الحمية الوطنية، والأمر يحتاج إلى سبر وعمق معرفي يتلمس الجذور المؤسسة، ليؤسس لموقف واقعي وحكيم. إذا تسنى لنا تفكيك مفاصل هذه الفوضى، فإننا سنكتشف أن المتناطحين يحملان أجندات "مركزية"، فبين (الغربية) و(الفارسية) تجاذبات من التمازج والتحاجج. المركزيتان يدعوان إلى سطوة وتفاضل (آري)، كما يبدوا للوهلى الأولى، على حساب عرب (ساميين). لكن من الغريب أن إسرائيل (المنتشية بساميتها) تقف مع "آريي" أمريكا، وأن بعض العرب المسلمين (المصنفين ساميين) يقفون مع أمريكا"، رغم عداء بعضهم الظاهري مع اليهود، وتحفظهم في الولاء لأمريكا التي تشيح عن وجهها "المسيحي" بين الفينة والأخرى. نتذكر حينماأعلن (جورج بوش) إبان إحتلال العراق، بأنه تلقى (نداء الرب) وأن حربه (صليبية)!. لكن تبين لاحقاً أنه نداء الجيب السابق لنداء الرب!، بعدما استحوذ الأمريكان على نفط العراق وتناصفوه مع إيران، التي توحي العلاقة بينهما سياق سابق لأتفاق "جنتلماني" مبطن ضمن لعبة الأمم، ولم يأت من فراغ وعبثية وصدفة، والدليل في سكوت إيران على إحتلال العراق 2003. وهذا ما يزيد الأمور التباس وضبابية. قبل أن ننحاز إلى هذا أو ذاك من المتناطحين. لابد من قراءة المركزيات بتأني وموضوعية قبل الإنحياز للأمريكان أو الإيرانيين. وأن نلتمس أين تكمن مصلحتنا كشعوب وثقافة عربية. إن تواتر الأحداث يوحي بما حصل إبان شفق الرسالة المحمدية، حينما ترك المسلمون الروم(الأمريكان) والفرس (إيران) يتطاحنون بحروب الإستحواذ، حتى خارت قواهما الأثنين، فأجهز المسلمون البسطاء، على دولتين عظميين وأراحونا من غطرستهما لـ1400 من تأريخنا المضطرب، الذي يحتاج إلى قراءة واقعية وعقلانية، بعد إخضاعه لمرشح نظريات أزمنتنا في الإجتماع والنفس والسياسة والإقتصاد، لنقترب من الحكم الصائب الذي نسعى له، متمنين أن تكون خسائرنا الأقل، وربحنا الأوفر، وهذا يحتاج إلى سلطان الضمير والعقل.
#علي_ثويني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
صراع -المركزيات- بين الثقافة والسياسة(2/3)
-
صراع -المركزيات- بين الثقافة والسياسة(1/3)
-
يوما ما سأطير..للأديبة بلقيس الملحم
-
كركوك الإنكليزيه ولورنس العربي وبرزاني الكردي
-
حينما -بصقنا- على الإنتخابات
-
المنشار الأمريكي والنشارة العراقية في مشروع -الديمقراطية الت
...
-
في الحنين إلى الوطن العراقي.. إحتفاءاً بمئوية المعمار الدكتو
...
-
الحقيقة التي أعرفها واشهد بها على المدعوا محمد علي الشهرستان
...
-
العراق وأحداث كركوك بين محاباة القوميين الأكراد ومحاربة الإر
...
-
كيف أصبحت جزيرة زنجيار في شرق أفريقيا كردية ؟
-
الإسترزاق وحروب الاضرحة غير المعلنة
-
النائبة مها الدوري وملاحظتها حول (نجمة داود) في ضريح الإمام
...
-
هل تستحق بغداد أن تتوج عاصمة للثقافة العربية ؟
-
اللّغة والعًمارة 44
-
اللّغة والعمارة 3/4
-
اللّغة والعمارة 2-4
-
اللغة والعمارة 14
-
اللغة السومرية وعراقية اليوم والدعاوى القومية
-
مازن لطيف.. واعد الثقافة العراقية
-
أزمة الأغريق بين التصديق والتلفيق
المزيد.....
-
وفاة الملحن المصري محمد رحيم عن عمر يناهز 45 عامًا
-
مراسلتنا في الأردن: تواجد أمني كثيف في محيط السفارة الإسرائي
...
-
ماذا وراء الغارات الإسرائيلية العنيفة بالضاحية الجنوبية؟
-
-تدمير دبابات واشتباكات وإيقاع قتلى وجرحى-.. حزب الله ينفذ 3
...
-
ميركل: سيتعين على أوكرانيا والغرب التحاور مع روسيا
-
السودان.. الجهود الدولية متعثرة ولا أفق لوقف الحرب
-
واشنطن -تشعر بقلق عميق- من تشغيل إيران أجهزة طرد مركزي
-
انهيار أرضي يودي بحياة 9 أشخاص في الكونغو بينهم 7 أطفال
-
العاصفة -بيرت- تتسبب في انقطاع الكهرباء وتعطل السفر في الممل
...
-
300 مليار دولار سنويًا: هل تُنقذ خطة كوب29 العالم من أزمة ال
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|