أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - كاظم الموسوي - بغداد يا بغداد*















المزيد.....

بغداد يا بغداد*


كاظم الموسوي

الحوار المتمدن-العدد: 6184 - 2019 / 3 / 26 - 00:20
المحور: سيرة ذاتية
    


بغداد يا بغداد.. كيف ترضين أن يخدعك الغازي الأمريكي في هذا العصر؟!، من الذي غرّك به؟، ولماذا فرشت له فراشك وعطرت له ديوانك واسلمت له قيادك؟!. بغداد يا بغداد، لن يغفر لك ابناؤك ولن يسامحك التاريخ، هل تتصوري كم الغيظ والغضب في قلوب وعيون عشاقك؟... انها ليست محنة وتزول وحسب، كما كانت جداتنا تحكي لنا، ولكنها كارثة وانكسار وسقوط تاريخي. سجله التاريخ عنك وعليك، كما سجل في العشرين من آذار/ مارس2003 لا ليل في بغداد، صواريخ التوماهوك والطائرات الأمريكية والبريطانية والإسبانية والفرنسبة والإسترالية والألمانية وتوابعها تدك معمارك، وجسورك، وعمارات اداراتك ودور سكانك.. النيران تضيء الطرقات، وتغلق الممرات.. وفي التاسع من نيسان/ ابريل 2003 عبرت دبابات ابرامز ومصفحات الهمر جسورك الى قلبك، الى ساحات التحرير والطيران والأندلس والجندي المجهول والميدان وباب المعظم.. أسقطوا تمثال الديكتاتور وفتحوا ابواب متحفك للسراق والنهب والتخريب.. قال المجرم دونالد رامسفيلد انه ثمن الحرية. أية حرية يتحدث عنها هذا القاتل؟!.
احتلت بغداد، سقطت العاصمة، هكذا كتبوا في صدر اعلامهم.. وبدأ يا بغداد عصر "تتار" اخر، اين انت يا بغداد؟!. من تركك بلا حراس؟، واين ادعياء أمانك؟، كيف تبقين عزلاء يدوس ارضك الغرباء عنك،؟!. اين الذين تباهوا بقصورهم وسجونهم ومنع ابنائك من حمل السلاح والدفاع عنك؟!. اين جنرالات الحرب وقادة الفرق وحاملو النياشين التي تملأ صدورهم عن الذود عنك؟! من اين جاءتهم الرتب والمداليات المذهبة والصولجانات ؟!.
اين يا بغداد ليلي وصباباتي وجلاسي وكاسي... اينا؟!
كنا ندور في شوارعك المضاءة وقلوبنا معطرة برحيق حنيننا، وحسرات ودموع أشواقنا. شارعا.. شارعا.. حيا.. حيا.. ونجلس في مقاهي الرشيد الشهيرة باسمائها او بدونها. من البرازيلية الى حسن عجمي او الرصافي او الزهاوي او ام كلثوم او الشاهبندر، نشرب الشاي ونقرا الصحف ونعقد اجتماعات حزبية ومواعيد سياسية أو غرامية او نقضي احر الساعات على كراسيّها الخشبية او البلاستيكية. ونراقب الوان وجديد محلات بيع الشربت والعصير وكعك السيد، او باراتك ومطاعمك التي تمتد من الرشيد عبورا على امتداد النهر، وشارعه المختال باسمه، ابي نواس. وعنده وتمثال شهريار وشهرزاد وشاطيء دجلة ومقاهيه والبارات ومطاعم السمك المسقوف وحدائقه المطرزة بالاشجار والاوراد، والمؤسسات الثقافية، المركز الثقافي الروسي، وبعده الفرنسي، والمشافي القريبة منه، ومبنى وكالة الانباء العراقية، واع، ومجلتي مجلتي والمزمار التي تشترك مع الوكالة في المبنى. ونادي الإعلام في حدائق الوكالة. وعيادات الأطباء ومكاتب المحامين، وغرف الايجار او الشقق المطلة عليه. واذا عبرنا لشارع السعدون المشترك مع اشقائه في مكوناته، المطاعم والمكاتب والمقاهي، بإضافة دور السينما، سينما النصر، والخيام، والأندلس ومحل خياطة الخياط توفيق، ومقر جريدة طريق الشعب، لينتهي عند جامع الشهداء والبنايات التي حولت الى فنادق كبرى، ونادي العلوية. اما بداياته، فالمكتبات المطلة على ساحة التحرير، الرابط بين هذه الشوارع والطرقات. حديقة الأمة ونصب الحرية، مكتبة المثنى، ومقابلها اليقظة والتحرير والدار المصرية للكتاب، ومطعم نزار ومقهى المعقدين. او مقهى ابراهيم، مقرنا المعلوم وعنوان لقاءاتنا الاولى وصراعاتنا الاولى وصرعاتنا الاولى، تعرف فيها اخر مطبوعات صدرت وآخر صيحات اشتهرت وآخر موديلات وتسريحات شعر نزلت. شاي ابراهيم والحامض والدارسين والناركيلة ولمن يحب التنشيق والتخدير والخبط على الطاولة بعد جهد وتعب وفقدان القدرة على العودة للبيت او الغرف المؤجرة في أزقة البتاوين او الميدان.
ساحة النصر يفتتحها تمثال عبد المحسن السعدون، الحاكم المنتحر، وتغطي جوانبها مقاه ومطاعم ومحلات بيع وعرض الصناعات الجديدة، الطابعات والفاكسات والتلفونات بأنواعها واشكالها، والاستنساخ الاسود والابيض، وفوقها او عند أبواب منها لوحات مكاتب المحامين والأطباء وباعة الساعات والأحذية والملابس المستعملة على الأرصفة في دوار الساحة والصيدليات ومواقف الحافلات. ويختمها تمثال علي بابا والاربعين حرامي ونافورة الجرات، الكهرمانة، امتدادا منه إلى الكرادات والعلوية والمسبح ومطاعم الكص والكباب والدجاج المشوي، وهمبرغر يونان. والظريف هنا أن مطعم همبرغر يونان اصبح امتيازا معروفا، ترى الصفوف تنتظر دورها في الشراء منه، بينما المطاعم المشابهة له والتي فتحت أبوابها بالقرب منه لا ترى فيها مثلما تراه عنده، من الزوار والمشترين، الجائعين او غيرهم، المتجولين والخارجين تسلية من بيوتهم وحواريهم، بعوائلهم مع صرخات والعاب أطفالهم او خجل عشيقاتهم..
هذا وسط بغداد القديم، ولم اذكر بعد دجلة العظيم الذي يجمع بين الرصافة والكرخ وعيون المها التي تجول وتعبر على جسوره العديدة، وكذلك لم اتطرق إلى مراقد الائمة والاولياء الصالحين، ولا لمدن المستضعفين والفقراء وأحياء الحرمان والمهمشين، الذين يشكلون القاعدة والأساس للقوى العاملة في العاصمة ومتعبيها الدائمين وجامعة بغداد، والمستنصرية والكليات الاهلية..اسماء شوارعها الخالدة، الرشيد، الكفاح، النضال، فلسطين..و.. كل هذا لم نذكره يا بغداد.. اجول وحدي او مع الاصدقاء، او... في شوارعها او مجالسها او مطاعمها، طبعت اقدامي ارصفتها واتعتبتها ركلاتنا الشابة وحماسنا الطفولي. آخ يا بغداد..هل نسيت تظاهراتنا، دموعنا، احزاننا، هروبنا من الشرطة والعسس واختفاءنا في الأزقة والدرابين المحيطة بشوارعك.. اتذكر مرة كنت اسكن غرفة في البتاوين وخرجت من مجلة الثقافة الجديدة، التي كان مقرها قريبا من ساحة التحرير، لاحقني رجل أمن مدني، قدرت أنه كذلك من خلال نظراته ومتابعته منذ دخولي الى البناية وصعودي المصعد الى الطابق الرابع، الذي كان المقر ومكتب محام يشغله. وأخذ يسابقني مشيا امامي وانا اتوقف واعود الى راس الشارع وألف بالازقة الاخرى، بعيدا عن العنوان، ولما شعرت بالتعب ولم اره في الشارع دلفت بسرعة إلى البيت وأغلقت الباب، واذا به امامي يتحدث مع العجوز صاحبة البيت ويسألها عني. لما راتني امتقع وجهها وكادت تقع على الارض، فماذا تقول الان وانا امامهما؟، قدرت انها كانت تنفي معرفتي من سكنة البيت. وقفت أنا الاخر افكر بالمناسب في هذه اللحظة، او اية معالجة للحرج المفضوح. سلمت وسألت عن شخص بلا تعيين، وارتاحت العجوز وقالت إنه ترك الغرفة ورحل قبل اسبوع، شكرتها وخرجت. وبعد قليل شاهدته يخرج ويتجه بعكس المكان الذي وقفت فيه، وعدت مسرعا الى البيت، وعرفت القصة كما توقعت. دقت الإشارة هذه الجرس ولابد من الحذر وتغيير المكان والانتقال إلى مكان آخر ابعد، ربما من هذا العنوان. وصار ذلك بعد اسبوع كامل، مشتركا في شقة في محلة سلطان ملا علي، على طرف من فروع شارع الرشيد، او بينه وشارع النضال. ولم تطل الأيام فلابد من الحيطة والحذر من رجس الديكتاتورية وبغض اذنابها. موازين القوى لا تحتمل التفريط بما تملك أو بما تختزن لما يأتي من المنعطفات..
تسارعت الأيام في التضييق على النشطاء والحزب واعدام عسكريين ومنع الجريدة من التوزيع وتوالت اخبار القطيعة وانتشرت علامات التصفيات الجسدية والاعتقالات ولابد من خطة جديدة وعمل رصين وهذه ليست المرة الأولى.
بغداد يا دار السلام.. يا بلد الرشيد، كيف اصبحت بلد بول بريمر، واتباعه، اين اسوار ابي جعفر المنصور وبواباته المحيطة بك وأبراج الرقابة والحراسة والحماية لابنائك ونداماك.. هل صحيح نامت النواطير وبشمت الثعالب، وفنيت العناقيد، وضاع الميزان؟!.
قال صاحبي، اكمل ما قاله المتنبي، او اقرا هذه الابيات، فهي لسان الحال:
لَم يَترُكِ الدَهرُ مِن قَلبي وَلا كَبدي *** شَيئًا تُتَيِّمُهُ عَينٌ وَلا جِيدُ
يا ساقِيَيَّ أَخَمرٌ في كُؤوسِكُما *** أم في كُؤوسِكُما هَمٌّ وَتَسهيدُ
أَصَخرَةٌ أَنا مالي لا تُحَرِّكُني *** هَذي المُدامُ وَلا هَذي الأَغاريدُ
إِذا أَرَدتُ كُمَيتَ اللَونِ صافِيَةً *** وجَدتُها وَحَبيبُ النَفسِ مَفقودُ
ماذا لَقيتُ مِنَ الدُنيا وَأَعجَبُهُا *** أَنّي بِما أَنا باكٍ مِنهُ مَحسودُ
أَمسَيتُ أَروَحَ مُثرٍ خازِنًا وَيَدًا *** أَنا الغَنِيُّ وَأَموالي المَواعيدُ

* من كلمات من دفتر الاحوال...(25)، ويمكن قراءة الكلمات الأخرى التي نشرت في مدونتي:
http://www.kadhimmousawi.blogspot.com



#كاظم_الموسوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فاجعة الموصل الجديدة
- صدمة نيوزيلندا وسياسة التطرف
- معارض الكتب وأزمة القراءة
- عن المثقفين المزيفين وتصنيع الإعلام لهم (2-2)
- عن المثقفين المزيفين وتصنيع الإعلام لهم (2-1 )
- مشاكل الواتس آب
- جولة مقصودة وتحد صارخ
- ترامب يتسلل الى العراق
- اليمن وكارثة إنسانية كبرى
- دم في الشوارع العربية
- ما بعد انتصار العراق على -داعش-!
- الشيخ الخالصي والزعيم لينين
- العراق: حكومة محاصصة وتوافق خارجي
- وداعاً أم سعد
- في وداع سلامة كيله
- الخرف الالكتروني
- تغريبة الفلسطيني الجديدة
- إن تزور بيروت هذه الأيام...(3)
- إن تزور بيروت هذه الأيام (2)
- في الذكرى الستين للثورة... الحركة العمالية عشية ثورة 14 تموز ...


المزيد.....




- -لقاء يرمز لالتزام إسبانيا تجاه فلسطين-.. أول اجتماع حكومي د ...
- كيف أصبحت موزة فناً يُباع بالملايين
- بيسكوف: لم نبلغ واشنطن مسبقا بإطلاق صاروخ أوريشنيك لكن كان ه ...
- هل ينجو نتنياهو وغالانت من الاعتقال؟
- أوليانوف يدعو الوكالة الدولية للطاقة الذرية للتحقق من امتثال ...
- السيسي يجتمع بقيادات الجيش المصري ويوجه عدة رسائل: لا تغتروا ...
- -يوم عنيف-.. 47 قتيلا و22 جريحا جراء الغارات إلإسرائيلية على ...
- نتنياهو: لن أعترف بقرار محكمة لاهاي ضدي
- مساعدة بايدن: الرعب يدب في أمريكا!
- نتانياهو: كيف سينجو من العدالة؟


المزيد.....

- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي
- تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - كاظم الموسوي - بغداد يا بغداد*