|
فلسفة الأمر البسيط
عبد الرحمن جاسم
الحوار المتمدن-العدد: 1532 - 2006 / 4 / 26 - 10:46
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
لطالما شغلني هذا السؤال المهم: لماذا الفلسفة؟ ما فائدة وجودها؟ هل هي مهمةٌ فعلاً؟ وإذا ما كانت مهمةً فعلاً، فأين تبرز أهميتها؟ يا أحبتي، أخذ مني الأمر كثيراً، واستهلك جزءاً كبيراً من طاقتي في البحث عن اجاباتٍ كثيرة، لسؤال واحدٍ، ما هي أهمية الفلسفة بالنسبة لجائع؟ ما أهميتها بالنسبة لفقير معدم؟ لأستاذ مدرسة؟ لضابط شرطة؟ لتلميذ؟ لربة منزل؟ لرجل عادي يعبر الشارع أمامنا كل يوم ولا نلتفت له! وكالعادة يكون الجواب أمام ناظرنا، ولا ننتبه له، الأمر الوحيد الذي يلفت نظرنا هو نتائج الأشياء، فسبينوزا يقول: "نتائج الأشياء هي الحاصل الذي تمسكه عيوننا وعقولنا"، و يليه كيركغارد: "الناتج أو النتيجة هو ما نريد كلنا أن نتابعه"، باختصار إن الفلاسفة أفردوا للناتج ما يملأ المجلدات، ولكن أنا ماذا أقصد بالناتج/النتيجة؟ أعطيكم مثلاً: قد يكون المرء جائعاً ولكن لأنه لا يريد أن يذل نفسه لأحد يبقى جائعاً ولفترة تزيد بكثير عن فترات احتماله، وبطبيعة الحال في النهاية لن يبقى جائعاً، إما يستسلم ويدخل في اللعبة، أو يموت! أما إذا افترضنا أنه لا سبب لديه للصمود، أي لا ذل في الأمر، فإنه سرعان ما يهرع طالباً اخماد جوعه وبسرعه، وحتى ولو افترضنا أنه هناك ذل في الأمر، ولكن ليس هناك من دافعٍ للصمود، فإن الإنكسار سرعان ما يحصل. ولكن ما دخل الفلسفة بكل هذا؟ قد يتساءل البعض؟ أجيبكم، إن الفلسفة هي لب الأمر. فالتفلسف هو "إيجاد أسبابٍ منطقية لأمر نقوم به في المعتاد". هكذا أستطيع تفسير الأمر، فنحن ومن خلال المثل السابق أمامنا، نستطيع أن نرى أنفسنا أيضاً داخل اللعبة أو خارجها، فمثلاً لأن واحدنا لا يريد أن يمالئ (يجامل) رئيسه في العمل فإنه يتعرض للخصم من المرتب(الراتب)، ولأنه يرفض مجاراة أحد جيرانه في أمرٍ ما، فإنه يكسب عداوته للأبد. فلسفة الأمر في الحالتين، أن هناك سبباً يختفي خلف كل ذلك، ولكن السبب لا يعنينا، ما يهمنا هو ما خلف السبب، واقع الأمر، العقل المنطقي الذي خلق هذا السبب ومنطقه – أي جعله منطقاً مقبولاً للسير عليه-. يا أحبتي، لنفترض أن واحدنا لا يأكل الكمثري (الإجاص)، ويكره مجرد رؤيتها حتى، وقد قدمت له الكمثري كنوعٍ من الضيافة في احدى زياراته المهمة، يا ترى ماذا سيكون التصرف المنطقي هنا؟ بطبيعة الأحوال تتعدد الاختيارات، البعض سيقول، سيعتذر بلباقة، وآخرون سيقولون، سيأكل حبة كمثرى، فلن تقتله، والبعض الآخر، سيذهب إلى حد أنه سيأخذ واحدة ويقطعها ويأكل قطعة صغيرة، وتتعدد الاجابات وكل واحد توحي بالمنطق الذي يسير عليه أصحابه، أي فلسفة الحياة التي يحاول كل واحد منا تطبيقها حوله، وعليه. هكذا، أحبتي، نتفق أن هناك نوعٌ من الفلسفة البسيطة للحياة، نطبقها يومياً حتى ولو افترضنا عكس ذلك. فكثيراً ما نسمع التعبير الأشهر في المجتمعات العادية: "لا تتفلسف علينا" أو "إنه يتفلسف"، وهي تعابير صار اطلاقها موحياً بأن هذا الشخص يقوم بشرح/تكرار/إعادة توصيف لأمر واضحٍ لا يحتاج لشرح، أو أنه يحاول أن يشرح أسبابه عن موضوعٍ يريد/لا يريد القيام به. والجدير بالذكر ههنا، أن الآخرين يلومونه وهم يقومون بما قام به هو من قليل، إنهم يتفلسفون عليه!! ببساطة! فهم يطبقون منطقهم البسيط، أي فلسفتهم البسيطة،(أو ما يسميه البعض "فلسفة حياة") ضد منطقه البسيط وفلسفته البسيطة، أي فلسفتهم ضد فلسفته، وهنا تدور الرحى! نقطةٌ أخرى في نفس السياق، تروج الاعلانات والفيديو كليب و التلفزيونات/الفضائيات بشكلٍ عام لجو معين، لبيئة معينة، لطبقة معينة من الناس، الرجال بالبزات، النساء بثياب فخمة، في شقق فخمة، سياراتٍ فارهة، حتى الإعلانات البسيطة تخفي دائماً في طياتها بعداً منطقياً/واقعياً عن الإنسان العادي/المعاش، أي الإنسان الذي نراه كل لحظة وفي أي مكان، دونما أن نلتفت إليه، لأنه وبتأثير من "فلسفة" الإعلانات/المجتمع/الحضارة الحالية لا قيمة له، ومرفوضٌ بالمطلق. فالكل يفترض بأن يركض وبأقصى ما يستطيع لكي يقترب من هذه الصورة، مبتعداً عن الشخص المعتاد/العادي الذي لا يريد أحدٌ أن يكونه. فأنا حينما أرتدي البدلة "السموكنغ" أختلف عن أنا حينما أكون في ثيابي العادية، وأنا حينما أكون في السيارة الفارهة أختلف عن أنا راجلاً(أي على قدمي). إذا دخل منطق جديد على الأمور، إنها فلسفة الأمور البسيطة المستحدثة، فالإنسان العادي ذو المنطق العادي، يجب أن يستحث (يدفع) منطقه بإتجاه مكان يصبح فيه مناسباً لمنطق الجماعة التي يرغب الإعلام ككل بالتوجه إليها. فالفتاة ومنذ حداثتها وتبعاً لعلم النفس كما يرى فرويد، تبحث عن مثالٍ مشابه لوالدها، ولكن الأمر/الحال يتغير تماماً بتأثير التلفاز، فنرى أن علاقات أغلب الفتيات في مجتمعاتنا، وبالتحديد الشرقية/العربية، معقدة مع آبائهن، ففلسفة الأمور البسيطة عند كليهما (الأب × الإبنة) مختلفةٌ تماماً، هو لا يزال يحتفظ بقيم وقوانين وفلسفة عالمٍ آخر، اضمحل أمام الفتاة الصغيرة –طبعاً هذا بافتراض أن هناك على الأقل أكثر من 20 سنة بين الإثنين- وهي تأخذ بما هو متوافر أمامها، وبكثرة، فلسفة الإعلام السهلة الممتنعة، فالإعلام يصور لها رجلاً حليقاً، يرتدي بذلة، ويركب أحدث السيارات، والرجل القابع في البيت –أمامها- لا يشبه هذا الشخص بشيء، هنا يحدث الانكسار، يحدث الخلل المنطقي المخيف، وتتعقد فلسفة الأمر، لا بد أن يكون فارس الفتاة الوسيم، لا يشبه أباها بشيء. وهذا أمرٌ آخر، ولكن أظن أن النقطة أحبتي قد اتضحت. فلسفة الأشياء العادية، أحبتي، هي شيءٌ نمارسه يومياً، دونما ادراك أو حتى تواطءٍ مع أي أحد ضد أي أحد، إنها أمرٌ نحتاجه لكي نفهم الأشياء، ولكن نكون نحن، متميزين عن غيرنا، فلا يصير كلنا يشبه كلنا ونقع في فخ الأكف المتشابهة. وقد أسئل ههنا، لم "أفلسف" الأمر أنا، أو أشرحه، فلنراقب حولنا، لقد أضحى المنطق العام هو المعرفة، وكل شيء حولنا صار مُرَكَّبَاً غير بسيط، فلماذا لا نفهم ما حولنا كله، فتصير حياتنا أسهل إذا ما تصالحنا مع المفاهيم، وأدركنا بأن ما حولنا ليس عدونا، وبأن العلم صديقٌ وحليف أبدي. بقيت نقطة واحدة، أشير إليها، أحبتي، وأختم. ليس من المهم أن نتبنى فلسفات أخرى، أو حتى مفاهيم جديدة، أو أن نقرأ كثيراً، ونشعب معارفنا. المهم هو أن تكون فلسفتنا تجاه الأشياء منطقية، ولأن المنطق هو "علمٌ يعصم الذهن عن الخطأ في الفكر" علينا دائماً أن ندرك بأن منطقنا عليه أن يكون "منطقياً"، "منهجياً"، و"مرتباً" بعناية، حتى ولو كانت كل حياتنا يسكنها الخراب، علينا أن نكون كما يقول المثل العامي: "اقعد أعوج، واحكي جالس". ففي النهاية لن يحق إلا الحق الحق!
#عبد_الرحمن_جاسم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
نرى ما نريد!
-
القسر لا يدوم - 2-
-
في بلادنا...
-
عارياً
-
القسر لا يدوم! -1-
-
رقص
-
أنا وسحر وسحر
-
الإرادة الأخيرة: نيتشه ونحن!
-
حدثتني نهلة
-
لنا عد الرحمن في عملها الجديد: -الموتى لا يكذبون-، عالم جديد
...
-
كم يحتاج واحدنا إلى -غالا-
-
لا تخاف أحداً؟ معذرةً؛ أنت كاذب
-
لا تنزعج فأنت لا قيمة لك!
-
حوار مع الفنانة العراقية سحر طه
-
كم أتمنى أن أموت
-
يومٌ عادي
-
رحلة!
-
كن صريحاً
-
حب
-
عن الأصدقاء والقداسة
المزيد.....
-
الخارجية الروسية: ألمانيا تحاول كتابة التاريخ لصالح الرايخ ا
...
-
مفاجآت روسيا للناتو.. ماذا بعد أوريشنيك؟
-
-نحن على خط النهاية- لكن -الاتفاق لم يكتمل-.. هل تتوصل إسرائ
...
-
روسيا وأوكرانيا: فاينانشيال تايمز.. روسيا تجند يمنيين للقتال
...
-
17 مفقودا في غرق مركب سياحي قبالة سواحل مرسى علم شمالي مصر
-
الاختصارات في الرسائل النصية تثير الشك في صدقها.. فما السبب؟
...
-
إنقاذ 28 فردا والبحث عن 17 مفقودا بعد غرق مركب سياحي مصري
-
الإمارات تعتقل 3 متهمين باغتيال كوغان
-
خامنئي: واشنطن تسعى للسيطرة على المنطقة
-
القاهرة.. معارض فنية في أيام موسكو
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|