أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - إعادة تنشيط التمركز الأمني للسياسة السورية















المزيد.....

إعادة تنشيط التمركز الأمني للسياسة السورية


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 1532 - 2006 / 4 / 26 - 11:13
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


يبدو أن ما شهدته سوريا في الأسابيع الأخيرة من أشكال متعددة من التضييق على النشاط العام المعارض والمستقل يتخذ موقعه ضمن إعادة هيكلة السياسة العامة، بما يمنح الأولوية للأمن في المرحلة الراهنة. هذا، على أية حال، ما يستدل عليه من حديث أدلى به الرئيس بشار الأسد إلى قناة PBS الأميركية يوم 28 آذار الماضي: "كانت الأولوية الأولى بالنسبة لنا هي الاقتصاد ومن ثم السياسة"، قال الرئيس، أما اليوم فهي للأمن ثم "للاقتصاد وبعد ذلك المجالات الأخرى". وينسب الرئيس السوري تحول الأولويات إلى سياق عام: ما بعد 11 أيلول، وإلى سياق أشد تخصيصا: "بدأنا نشهد خلال السنيتين الماضيتين المزيد من الإرهاب بعد مضي عقدين من الزمن لم نشهد خلالهما أي أعمال إرهابية". أما انخفاض مرتبة الإصلاح السياسي فيجد شرحه في حقيقة أن الإرهاب يستند إلى التطرف، ولما كان "المتطرفون والإرهابيون لا يقبلون بالآخر"، فإنه لن "تكون هناك ديمقراطية" عندما "يكون هناك تطرف وإرهاب".
يتعلق الأمر، كما هو واضح، برؤية مكتملة العناصر، تشمل تشخيصا لأدواء الواقع الراهن (إرهاب)، وتحديدا للعلاج المناسب (أولوية الأمن)، ومنح التفويض الضروري لنجاح المعالجة، وهو ما تمثل في اعتقالات وفيرة نسبيا ومنع للتجمعات الاحتجاجية بالقوة ورقابة متشددة تجاه بعض النشطاء والسياسيين. ويتأسس هذا كله على "نظرية" تقيم تنافيا بين مقاومة الإرهاب والديمقراطية. وإذا احتاج الأمر إلى مذهب متكامل فإنه يؤشر على أن أولوية الأمني لن تكون ظرفية أو عابرة. وهو ما ينسجم على كل حال مع "طبائع" الأمني: يأتي ليبقى. والأرجح أن ذلك سيعني عمليا مزيدا من الإجراءات الهادفة إلى تطويق وتفكيك حركة المعارضة، مزيدا من القسوة والكراهية، وبالطبع مزيدا من المآسي الإنسانية.
ويعطي عبد الله الدردري، نائب رئيس الوزراء السوري للشؤون الاقتصادية، إطلالة مفيدة عن سياق بروز الأولوية الأمنية. ينسب إليه مايكل سلاكمان من "نيويورك تايمز" قوله: "لست مدافعا عن اعتقالات تجري في الفجر، لكن هذا النظام كان مهددا في بقائه". ويوضح الدردري: "كان بقاء النظام واستقرار البلد مهددين جهارا نهارا. وكان ثمة دعوات لأن تغزوه جيوش أجنبية". ودون أن يحدد الدردري من الذين دعوا جيوشا أجنبية إلى غزو البلد، يرتب على مقدماته الآنفة أنه "يمكنك أن تتوقع رد فعل مفرط أحيانا [من قبل السلطات] حيال شيء يجري فعلا" (نيويورك تايمز، 5/4/2006). يعزز كلام الدردري، وهو رجل اقتصاد أصلا، لا يتوقع المرء منه كلاما في السياسة ولا بالخصوص في "الأمن"، ما أشرنا إليه من أن الضغوط الأمنية المتعددة التي تتعرض لها المعارضة الداخلية تندرج ضمن توجه عام أوسع، جوهره إعادة بناء النظام الأمني ومحورة السياسة الداخلية حول أمن النظام.
يعود الأمني لأن "عودة السياسي" إلى سوريا خلال بضع السنوات الأخيرة كانت خُلّبية، لم تتمأسس ولم تبلغ نقطة اللاانعكاس. لم تكن السنوات المنقضية من عمر العهد الحالي سياسية، لكنها لم تكن أمنية بالمعنى الذي عرفته سوريا في ثمانينات القرن العشرين وتسعيناته، والذي حفر في ذاكرة السوريين ووعيهم معيار النظام الأمني. كان هناك تعايش بين سلطة متمركزة تمركزا غير نشط حول الأمن، وبين أنشطة عامة أمكن لها أن تستحوذ على مواقع مهمة في المجال العام: التجمع العلني والتعبير عن الرأي، ما وضع سوريا عند مستوى خط الفقر السياسي. لقد حظر التجمع العلني على مراحل ودرجات من حظر المنتديات عام 2001 إلى إغلاق منتدى الأتاسي في أيار الماضي، إلى اعتبار الاعتصامات الاحتجاجية خطاً أحمر، وفقا لتسريبات إعلامية في شهر آذار الماضي. وفي هذه الأجواء، أخذت تنمو الرقابة الذاتية مجددا، وتتدهور أجواء التعبير الحر والعلني عن الرأي، وينتشر شعور عام بالتشاؤم وعدم الثقة واللاجدوى. إن النتيجة العامة لإعادة مركزة السياسة الداخلية حول الأمن هي منع تشكل وتعضي أية قوى اجتماعية فعالة، وإبقاء المجتمع السوري في حالة سيولة وانحلال شديدين. وبالمجمل، تغطس البلاد مجددا في حمأة فقر سياسي مدقع.
ولعل ما يعطي فكرة صحيحة عن الفرق بين التمركز غير النشط والتمركز النشط، الحالي، حول الوظيفة الأمنية هو واقع أن المسؤولين السوريين لم يكونوا يذكرون حالة الطوارئ، حتى وقت قريب، إلا في سياق الكلام على الحد منها وتقييدها بالقضايا التي تمس الأمن الوطني. اليوم بالعكس يجري الكلام على أن قانون الطوارئ يبيح إجراءات أقسى من تلك التي تتخذ بحق النشطاء والمعارضين. ويتم توسيع ما يعتبر مساسا بالأمن الوطني بصورة استنسابية ليشمل أي شيء وكل شيء.
يأتي تنشيط التمركز حول الأمن في ظرف خاص. مضت أوقات خلال العام الماضي بدا النظام فيها مهددا جديا في بقائه. كان الانسحاب من لبنان، والتحقيق الدولي في اغتيال الحريري، وجملة الضغوط الدولية التي تقاطعت معه وتوسلته.. قد ولدت لدى السلطات السورية شعورا حادا بالحصار والاستهداف. وكانت تفاعلات الموت العنيف لغازي كنعان، وانشقاق عبد الحليم خدام وتصريحاته النارية، ومبادرة "إعلان دمشق"، قد بثت أجواء نفسية وسياسية غير مسبوقة، توحي أن تداعي النظام أمر محتمل أو حتى وشيك. لكن عند مطلع العام الحالي تفاعلت مجموعة متغيرات مختلفة، جددت ثقة النظام بنفسه وأشعرته بالاسترخاء: انتخاب أحمدي نجاد في إيران ومضي حكومته في برنامجها النووي، فوز حركة حماس في فلسطين، سير الأحوال العراقية نحو مزيد من الفوضى ومن تورط الأميركيين، تحول الرأي العام الأميركي ضد غزو العراق وضد إدارة بوش، استقالة رئيس لجنة التحقيق الدولية دتليف ميليس وقدوم بديل أقل صدامية ودرامية منه على رأس اللجنة، تكون شبكة حماية عربية للنظام مؤلفة من السعودية ومصر، وبالتأكيد خشية سوريين كثيرين من مصير عراقي لسوريا. وبفضل تضافر هذا المتغيرات تحول مزاج النظام من التشاؤم إلى الأمل، ومن الخوف وفقدان الأمن إلى درجة من الطمأنينة ورباطة الجأش.
حال النظام اليوم حال مريض خضع لجراحة قلبية خطرة، ولما نجا منها قطع على نفسه عهدا بان يراعي صحته بحرص أكبر: يمنح الأولوية للأمن، ويعني بوقاية نفسه من التعرض لمخاطر وإصابات تهدد حياته. وبعد أن رأى الموت بعينه، من المحتمل أن يمحور حياته كلها حول البقاء على قيد الحياة. والشيء المقلق هو أن يعتبر البقاء هدفا أسمى وانتصارا عظيما، على غرار ما جرى عام 1967 وفي مطلع ثمانينات القرن الماضي. مقلق لأنه ينسجم مع ضرب كل أشكال النشاط الداخلي المستقل، ومقلق لأنه يصادر مقدرات البلد وموارده لمصلحة سياسة البقاء المحض على قيد السلطة.
إذا كان هذا التقدير قريبا من الواقع، فإنه يؤشر على أن العهد الحالي يلج اليوم طورا جديدا، مختلفا نوعيا عما سبقه من سنوات، وأقرب شبها إلى العهد السابق بعد عام 1976.
وإنما ضمن هذا السياق جاء تسخين الأجواء الأمنية في وجه الحراك الداخلي. والغرض المباشر لهذا التسخين هو شل المعارضة الداخلية، وقطع الطريق على أية احتمالات للتواصل أو التنسيق مع "جبهة الخلاص الوطني"، وهي تحالف يهدف إلى "الخلاص من الوضع الراهن"، أعلن أواسط آذار الماضي بين الإخوان المسلمين ونائب الرئيس السابق عبد الحليم خدام. لكن من المحتمل أن التسخين يتطلع إلى ما هو أبعد من ذلك: استنفار النفس لمواجهة المضاعفات السياسية للتحقيق الدولي في اغتيال الحريري، وما قد يواكبه من موجة جديدة من الضغوط على النظام.
يبقى أن التجربة التاريخية السورية تفيد بأن الأولوية الأمنية كانت لاغية بصورة منهجية للسياسة. تفيد أيضا أنها كانت لاغية منهجيا للاقتصاد. وللمجتمع كذلك. فهي أولوية لا تألف شريكا ولا تقبل ندا.



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل يمكن للمقاومة الانتحارية أن تكون شرعية؟
- مقاربتان حولاوان في التفكير السياسي العربي
- العدو ذات تنقذ نفسها، ونحن ينقذنا التاريخ، لكن بأن نغدو موضو ...
- ماذا يفعل السلاح في الشارع؟
- التلفزيون والسجن: صندوقا السلطة
- لماذا يخسر الديمقراطيون العرب لعبتهم الديمقراطية، دائما؟
- عيد الكراهية الوطني الثالث والأربعون
- القوميون الجدد وسياسة الهوية
- -إعلانُ دمشق- واكتشاف سوريّا!
- طاقة الرمزي والعقلانية الرثة
- الطغيان والواقعية النفسانية
- حداثتنا الفكرية: قومية ألمانية، علمانية فرنسية، اشتراكية روس ...
- إلى المثقفين اللبنانيين: تعالوا زوروا سوريا!
- الأقليات غير موجودة في سوريا، لكن إحصاء الطوائف ممكن!
- حوار حول السياسة والثقافة في سوريا
- تقويم نقاش أزور: من صراع القيم إلى نقد السياق المؤسسي
- ضد التكريس
- فلسطين وإسرائيل: اختيار شراكة مفروضة!
- صورتان لمفهوم الأمن الوطني السوري: مقاربة نقدية
- سوريا ولبنان: تاريخ هويتين أم هوية تاريخين؟


المزيد.....




- فيديو يكشف ما عُثر عليه بداخل صاروخ روسي جديد استهدف أوكراني ...
- إلى ما يُشير اشتداد الصراع بين حزب الله وإسرائيل؟ شاهد ما كش ...
- تركيا.. عاصفة قوية تضرب ولايات هاطاي وكهرمان مرعش ومرسين وأن ...
- الجيش الاسرائيلي: الفرقة 36 داهمت أكثر من 150 هدفا في جنوب ل ...
- تحطم طائرة شحن تابعة لشركة DHL في ليتوانيا (فيديو+صورة)
- بـ99 دولارا.. ترامب يطرح للبيع رؤيته لإنقاذ أمريكا
- تفاصيل اقتحام شاب سوري معسكرا اسرائيليا في -ليلة الطائرات ال ...
- -التايمز-: مرسوم مرتقب من ترامب يتعلق بمصير الجنود المتحولين ...
- مباشر - لبنان: تعليق الدراسة الحضورية في بيروت وضواحيها بسبب ...
- كاتس.. -بوق- نتنياهو وأداته الحادة


المزيد.....

- المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية / ياسين الحاج صالح
- قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي / رائد قاسم
- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - إعادة تنشيط التمركز الأمني للسياسة السورية