|
الأزمة و المأزوم
أمجد المصرى
الحوار المتمدن-العدد: 6172 - 2019 / 3 / 14 - 17:25
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
تعريف الأزمـــة ( تعريف عام ) : هى خلل مفاجئ نتيجة لوضع غير مستقر بفعل الزمن و البيئة المحيطة و المستجدات يترتب عليه تطور إلى الأسوأ يتفاقم بسرعة نتيجة عدم القدرة على الإحتواء و عجز عن التعامل الإيجابى فى الوقت المناسب . تعريفها الطبى : هى نقطة تحول تستلزم قرارا حاسما، و هى تحد وسباق للزمن.
تعريف المأزوم ( لغويا ) : جَدَبَ الشخص وأفلس فكرياً، فنقص وعيه بالمشكلة، و عجز عن حلها للدرجة التي يستفحل أمرها و يشتد خطرها .. فصار مأزوما
و بذلك نستطيع القول بأن الشخص أو الكيان المأزوم هو المفلس فكريا العاجز عن إدراك أسباب و أبعاد مشكلته و عن إيجاد حلول فعّالة لها فى الزمان و المكان المناسبين، يتركها تتفاقم ضاغطة عليه و مهددة لكيانه و فرص نموه و تطوره أو وجوده و بقائه
في القاعِ الذي سقطت فيه مجتمعاتنا الشرق أوسطية تعلو نبرة خطاب الأزمة ، وفى خطاب الأزمة ينظر المأزوم من زاويته الضيّقة التي يحاصره فيها العالم ، ينظر متطلعا للهروب من أزمته.. يتأمّل الموقف يمينا ويسارا فلا يجد الكثير من الخيارات فهو فاقد للوعي اللازم لفهم الحالة و عاجز كذلك عن وضع الأهداف لتصحيح المسار.. لا يجد المأزوم خيارا سوى الارتداد بخطابه الى الوراء أكثر فأكثر ولا يدرك أنّه في النهاية لن يجد خلفهُ إِلَّا حافة الهاوية .. فمن عمق الأزمة ينبثق خطاب الارتداد الى الهويّات السابقة كقدرٍ لا مفرّ منه.. هنا تأخذ الهوّية شكلاً متطرفاً وإقصائيّاً إلى أبعد الحدود ، ثم تتفرّع الهويّات وتنشطر بوتيرة متلاحقة وتضيق على نفسها ، و يصطبغ كل ذلك بصبغات أسطورية تتخذ تارة شكلا ذكوريا بدائيا ينبثق عنه تلقائيا إضطهاد المرأة و إهدار لحقوقها و التضييق عليها ، و تتخذ تارة أخرى صبغة الزهد فى المكتسبات الحضارية للآخرين و التظاهر بالتعالى عليها ، لا غرابة فقد توهم المأزوم - و أوهم مريديه - بامتلاك الحقيقة و القبض على اليقين. هكذا تختار الشعوب المأزومة أن تكسرَ طوقَ خذلانها بحلولٍ متوّهمة.. فلا نرى في النتيجة أكثر من خطابٍ طائفيٍّ وعنصريٍّ يحاول أن يجمع أو يفرّق حسبما تقتضيه محدّدات الهويّة و ما يصاحبها من هذيان ناجم عن حصار الأزمة لأصحابها. يمارس خطاب الهوية المأزومة عمليات الجذب و الاستبعاد ، فينتج عن هذه العمليات أصدقاء و أعداء جدد، ثم صراعات جديدة .. و لذلك عوامل عدة نرصد منها الآتى:-
أوّلاً: توجّيه الخطاب الى الذات لا لنقدها أو بيان نقاط ضعفها ، بل لتجنب تحمل المسئولية عن حدوث الأزمة التي استدعت العودة إلى المربع الأول ، و ذلك بطرح مسألة الهوية ، فنرى المأزوم يقوم بفرز نخبة أو جماعة ينعتها بالمثالية و يصفها بالفرقة المؤهلة لقيادة الدفة فى تلك المرحلة ، و ينعت ما عداها بالجهل أو الضعف أو عدم الصلاحية أيا كانت الذرائع المسوقة . ينتج عن تلك الممارسة تقسيم للمجتمع الواحد إلى فرق و مذاهب شتى تعتبر كل منها أنها الصالحة محتكرة الفهم الصحيح ، و الآخرين ليس عليهم سوى السمع و الطاعة و الانصياع ، و ذلك مع عدم إغفال كيل الاتهامات للآخر المنتمي لنفس الشعب و الأرض، لكنه لاينتمى لنفس الفريق، مثل التقسيمات الطائفيّة التي تفضى تلقائيا إلى إقصاء و تهميش يقابله احتقان قد ينجرف إلى أحداث عنف و عنف مضاد
ثانياً: الهروب من المعارك التي يعجز عن كسبها أمام الآخر المتفوّق فكراً علما وأخلاقاً وقوة ، والبحث عن هدفٍ ممكن ومعركةٍ يسيرة ضد خصمٍ في المتناول. نقرأ في هذا النسق التنكيل بالأقلّيات الدينيّة والطائفيّة والقوميّة فى المجتمعات المأزومة
ثالثاً: الربط غير المنطقي بين مكوّنات بعينها في الداخل و بين العدوّ الخارجي بذريعة اشتراكها معه بالدين أو بالطائفة.. فيكون توجيه السلاح الى المواطن الأعزل إنتقاما من ( العدو). وهذا واضح في استهداف الأقلّيات الدينية من مسيحيين ويهود والأقلّيات الطائفيّة مثل الشيعة والدروز و الأكراد و غيرهم
رابعاً: تنزيه الهوّية الأصليّة المفترضة من أيّ نقص وربطها بالمقدّس وإرجاع الفشل إلى مؤامرة كونيّة شريرة تستخدم أدواتٍ من الداخل .. وهذا ظاهر في الإيمان الجمعيّ بنظرية المؤامرة.
خامساً: توهُّم عدوٍّ داخلي خفيِ أشدّ وطأةً من عدوّ الخارج المجاهر كون الأوّل يهدم من الداخل مستفيداً من مزايا الهويّة واختلاطه بالمجموع ومن هذا بعض التهم الجاهزة بالعمالة والجاسوسيّة والخيانة التي تطال كل فكر إصلاحي أو عقل نقدي أو أدب حرّ. و كما أسلفنا ، لا يجد المأزوم خيارا فيرتد الى الوراء أكثر فأكثر ولا يدرك أنّه في النهاية لن يجد خلفهُ إِلَّا حافة الهاوية .
#أمجد_المصرى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قراءة فى كتاب القوة الناعمة
-
البخارى تحت المجهر
-
فى مثل تلك الأيام منذ ثمانى سنوات
-
العبودية باقية !
-
تاريخنا الذى نباهى به الأمم
-
( الإنسانيون )
-
فى المسألة الانتخابية
-
الحالة المصرية : مخاوف مشروعة
-
حزب مصر الحضارة
-
على هامش غزوة العمرانية - 1
-
نحو دولة مدنية تسمح بالزواج المدنى
-
أين الدولة المدنية ؟
-
مرة أخرى
-
فى سكة زمان راجعين
-
جئتم للحوار و لا تطيقون حوارا
-
مغامرات كهيعص (روايه) الجزء 17
-
قراءة فى كتاب : حارة النصارى
-
بدايات الدعوة - كهيعص 16
-
هل كان أبو بكر الصديق فاسقاً ؟
-
بدايات الدعوة - كهيعص 15
المزيد.....
-
غزة.. مستعمرون يقتحمون المقبرة الاسلامية والبلدة القديمة في
...
-
بيان للخارجية الإماراتية بشأن الحاخام اليهودي المختفي
-
بيان إماراتي بشأن اختفاء الحاخام اليهودي
-
قائد الثورة الاسلامية آية اللهخامنئي يصدر منشورا بالعبرية ع
...
-
اختفاء حاخام يهودي في الإمارات.. وإسرائيل تتحرك بعد معلومة ع
...
-
إعلام العدو: اختفاء رجل دين اسرائيلي في الامارات والموساد يش
...
-
مستوطنون يقتحمون مقبرة إسلامية في الضفة الغربية
-
سفير إسرائيل ببرلين: اليهود لا يشعرون بالأمان في ألمانيا
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف مستوطنة -أفيفيم- بصلية صا
...
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف مستوطنة -ديشون- بصلية صار
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|