|
حتَّى طرزان مُسلمًا حنيفًا.
زيدان الدين محمد
الحوار المتمدن-العدد: 6170 - 2019 / 3 / 12 - 18:03
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
"ضِفدعة حُبلى على غُصنٍ يابس عكّرت صفو الماء". - ندئ عادل.
لتفهم إسلام طرزان (و طرزان إشارة للإنسان المولود على الفطرة في محور حديثنا هُنا) ، عليك أولًا أن تتذكر قول فيلسوف الفطرة ابن طفيل كَي لا تنازعني عَجلًا بلا بيّنة في قولي: "فأصغ الآن بِسمع قلبك وحدِّق ببصر عقلك إلى ما أشير بهِ إليه لعلّك أن تجد منه هديًا يلقيك على جادّة الطريق وَ شرطي عليكَ أن لا تُطالب منِّي في هذا الوقت مزيد بَيان بِالمشافهة على ما أودعه هذه الأوراق، فإن المَجال ضيِّق والتَّحكُّم بالألفاظ على أمر ليس مِن شأنه أن يلفظ به خطر".
بين تِلك الأدغال، بزغت ضحكته دون أن تتمّ أدلجته عَلى كيف يجب أن يضحك.. في ذلك اليوم، وُلد طرزان و وُلد مَعه منطق "المعرفة، لا بد أن تكون مُكتسبة، لا مخلوقة مع الإنسان". ١حين بدأ ينمو طرزان، بدأ يُلاحظ الأشياء و يتأملها،أكانت في شَرج السماء أم فرج الأرض. ذات ليلة اتكأ على شجرة، فغزاه سهمًا فِكري تساؤلي، و من الذي أوجد الشَّجرة؟ غزته سِهام التساؤلات حتى أردته للوسنِ ، في اليوم التَّالي و لا زال يُعاني من جراح التساؤلات حتى صادف في طريقه بقرة تضع وليدها ، فداهمته الإجابة مستلخصةً مِن حاسة النَّظر حين وضعت البقرة مولودها، فعرف أن لولا البقرة لَن يكون هناك عِجل ،و بهذا نجح في معرفة السببية و أن لكل سبب مُسبب و لكل موجود واجد ، تيقّن حينها أن ما يعيشه و يراه في هذا الوجود سببه قدرة أعظم ، "فأطلق على هذه القدرة اسم القوة و ارتضاها له ملاذًا و سببًا للوجود". ٢و في أحد الأيام و هو في أعالي قمم الشجر يلتقط الثَّمر و يلقيها على الأرض إلى حين نزوله فيجمعها لاحقًا ، مرّ صياد و التقط سرقةً دون وجه حق ما تعب من أجله طرزان في تحصيل الثِّمار، فأدرك طرزان حينها أن ما ارتكبه هَذا الصّياد هو عملًا خاطئًا و مُضر، و مِن حينها فَخبرة طرزان مع مرور الوقت جعلته يُفرّق ما بين العمل الصَّالح و العمل الخَاطئ ، و كُل منهما لهُ مسلك فالعمل الصّالح ما يوافق القِيم الفطرية و فيه الخدمة الإنسانية، و العمل الطّالح ما يرفضه النفس و يستفز القِيم الإنسانوية. ٣على مرِّ حياة طرزان، فَإنهُ يُلاحظ الطبيعة تموت والحيوانات تكبر و تموت، و كذلك النباتات، ثُمّ أفراد قبيلته و بالتالي سَيستنتج فطريًا بأنهُ سيأتي يوم سيزول كُل هذا و بهذه الطريقة فإنه سيُؤمن بِوجود يوم آخر وستنتهي الحياة.
إلى هُنا ينتهي السرد القصصي لِلتوضيح على أن طرزان هو مُسلمًا لتوفّر فيه الثلاثة الأركان المُهمة و الفطرية للإسلام ،ألا و هي: ١الإيمان بالله. ٢العمل الصالح. ٣الإيمان باليوم الآخر.
و قولنا أن أركان الإسلام ثَلاثة لا خمسة كَما أدخلوا ذلك علينا في تعاليمنا و مفاهيمنا، هو إنطلاقًا مِن هذهِ الآية الكَريمة: "فَأقِم وجهك للدين حَنيفًا فِطرةَ اللّٰه التي فَطَرَ الناس عليها لا تبديل لِخلقِ الله ذَلك الدِّين القيِّم و لكنَّ أكثر الناسِ لا يعلمون". -الروم | ٣٠ .
و مِن المُلاحظ في هذه الآية أن الإسلام هو دين الفطرة ،أي أتى مُتسقًا مُتماشيًا بشكلٍ طبيعي مع ميولنا الخلقية ، و الفطرة التي توحي للنمل أن يدخل مساكنه كي لا يُداس، هي الفطرة ذاتها التي توحي للإنسان بالإله الواحد . و هذا تمامًا يتضح لنا من خلال قصة طرزان أعلاه، فطرزان مُسلمًا ؛ لأن كُل مَن سلّم لله و عمل صالحًا و آمن باليوم الآخر ،فهو مُسلمًا مهما كَانت ملته، سواء يهودي أو مسيحي أو أي ملة أُخرى. و حَصر أركان الإسلام في تلك الخمسة التي وضعوها لنا، يعد ضَربًا من تحوير مفاهيم الإسلام و احتكاره ، و هُنا نتساءل كَيف مِن الفطرة أن يُصلي الإنسان و يزكي و يصوم و يحج..؟. إن ما وضعوه بما سموه أركان الإسلام الخمسة، هي شعائر خاصة لملة المُؤمنين التابعة لمُحمد عليه السّلام و رسالته، و لا يجب جعل الشعائر هي من تحدد مفهوم الإسلام الشامل الذي أوضحه الله في عديد من الآيات، و كذلك تساؤل آخر يطرح نفسه، إذا كان حقًّا ما يدعونه من تلك الأركان الموضوعة، كيف يتسق معنى إسلام نوح في الآية : "و اتل عليهم نبأ نوح إذ قال لقومه....و أمرت أن أكون مِن المُسلمين". و كيف يصلح إسلام موسى في الآية: "و ما تنقمُ منّا إلَّا إن آمنا بآيات ربنا لمَّا جاءتنا ربنا أفرغ علينا صبرًا و تولّنا مُسلمين". و كيف يصح إسلام فرعون في الآية: "و جاوزنا ببني إسرائيل البحر فأتّبعهم فرعون و جُنوده بغيًا و عدوًا حتى إذا أدركه الغرق قال آمنت أنهُ لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل و أنا مِن المُسلمين". و الكثير من الآيات توضّح لنا معنى الإسلام قبل ظهور رسالة النبي محمد عليه السلام، إذن كيف كان كُل أولئك مُسلمين و هم لم يكونوا يصلون مثلنا و لا يصومون مثلنا و لا يحجون مثلنا و يزكون ؟ أم أن إسلامهم نُسخة قديمة تختلف عن معنى الإسلام المُحدَّث الذي بلغه مُحمّد عليه السلام؟.
إن صفة الإسلام ليست قومية خصّها الله بأتباع النبي مُحمد عليه السلام، بل جعلها صفة تُطلق على من قبلهم من الرُسل ،وكُل من آمن بالله و اليوم الآخر و و عمل صالحًا: "إن الذين آمنوا و الذين هادُوا و النَّصارى و الصابئين مَن آمن بالله و اليوم الآخر و عمل صالحًا فلهم أجرهم عِند ربّهم و لا خوف عليهم و لا هُم يحزنون". - البقرة | ٦٢. و لستُ أدري كيف يتعامى غالبية الإسلاميون عن هذهِ الآية ،و كيف تنتفخ أوداج بعضهم إذا قلنا لهم : اليهودي مُسلمًا ،و اللاديني ما دام يتخلق بالإنسانية و الفضائل فهو مُسلم، و مِن المُلاحظ في هذهِ النقطة أن هؤلاء لا تهمهم المبادئ الدِّينية بل القومية الدينية المُفرطة، حيث الإسلام عندهم لا يُعتنق إلا بـ "افتح يا سمسم" و هذهِ الـ "افتح يا سمسم" شروطها كثيرة. و علينا في هذا الحيز أن نقف عند قوله جل و علا: " و مَن يبتغ غير الإسلام دينًا فلن يُقبل منه و هو في الآخرة من الخاسرين"، حيث أن هذه الآية في العقول و النفوس الغير سوية جعلت الإسلامويين ينتفخون تعصبًا و غرورًا أمام أهل الديانات الأخرى فجعلوهم من الخاسرين ، بالرُغم من أن الإسلاموي هذا ورث دينه كما ورث أهالي الديانات الأخرى دينهم، فهل من المعقول رب العزة الرحمن الرحيم يُعذب الآخرين لأنهم ورثوا ديانة مُختلفة؟ هُنا تتأكد أن الإسلام الذي يعنيه ربنا ،إسلام مثالي في الفهم و المعنى القيم ، لا إسلام خاصة بأتباع مُحمد عليه السلام فحسب.
إن الإسلام عقيدة إنسانوية و ليس عقيدة لاهوتية كَما يتبختر بنفخها الآخرين في مناهجنا و مفاهيمنا و التي كما يتضح لنا أنها مُتعالية، باتت غالبية أنماطها لا تمت للإسلام القيّم بأي علاقة، بَل أنها أصبحت مفاهيم تُعكّر صفو مفهوم الإسلام. صوتُ العقل من الواجب أن يعلو و يُحلّق دائمًا على صوت الجهل؛ لأنه بالحُجة القاطعة و المنطق السليم يُسكته.
و مِن المُهم في هذا الميدان استذكار العمل العظيم الذي طرحه فيسلوف الفطرة ابن طُفيل في قصة "حي بن يقظان" حيث أن ابن يقظان مثالًا على الإنسان المُسلم بالفطرة، بلا رسولٍ أو كتاب.
و ختامًا أستذكرُ مهتديًا قول الأديب اللبناني جُبران خليل جُبران: "أنت أخي وأنا أحبك، سواءً كنت راكعاً في مسجدك أو مصلياً في كنيستك أو جالساً أمام صنمك، أنت أخي وأحبك لأنك إنسان".
#زيدان_الدين_محمد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مِن التصديق الصبياني إلى الإعتقاد النَّاضج.
-
التَّهادر الزوجي و سلبيته على الأبناء.
-
ضَحايا تجارب إلهية.
-
كاسيت رواية ١٩٨٤ من إنتاج الجماعة ال
...
-
بُنٌ بِرائحة امرأة.
-
القدِّيس الزِّنديق.
-
بَين ثُنائية التُّراث و المُعاصرة..فجوة التهمت ثقافتنا.
المزيد.....
-
وجهتكم الأولى للترفيه والتعليم للأطفال.. استقبلوا قناة طيور
...
-
بابا الفاتيكان: تعرضت لمحاولة اغتيال في العراق
-
” فرح واغاني طول اليوم ” تردد قناة طيور الجنة الجديد 2025 اس
...
-
قائد الثورة الإسلامية: توهم العدو بانتهاء المقاومة خطأ كامل
...
-
نائب امين عام حركة الجهاد الاسلامي محمد الهندي: هناك تفاؤل ب
...
-
اتصالات أوروبية مع -حكام سوريا الإسلاميين- وقسد تحذر من -هجو
...
-
الرئيس التركي ينعى صاحب -روح الروح- (فيديوهات)
-
صدمة بمواقع التواصل بعد استشهاد صاحب مقولة -روح الروح-
-
بابا الفاتيكان يكشف: تعرضت لمحاولة اغتيال في العراق عام 2021
...
-
كاتدرائية نوتردام في باريس: هل تستعيد زخم السياح بعد انتهاء
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|