|
الديموقراطية دفعة واحدة أم على مراحل تنموية متدرجة!؟(2)
سليم نصر الرقعي
مدون ليبي من اقليم برقة
(Salim Ragi)
الحوار المتمدن-العدد: 6169 - 2019 / 3 / 11 - 22:34
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
(الجزء الثاني) (تابع سلسلة حواراتي عن الديموقراطية فكرًا وتطبيقًا!) ************ يعتقد البعض سواء في العالم العربي أو العالم الغربي أننا نحن شعوب هذه المنطقة المسماة بالدول العربية – عربًا وغير عرب ومسلمين وغير مسلمين – شعوبٌ لا تستحق الديموقراطية ولا تصلح لها غير الديكتاتورية خشنة أو ناعمة!.. وأن محاولة فرض النظم الديموقراطية في هذه المنطقة نتيجتها إما الفوضى العارمة أو صعود التيارات الأصولية المتشددة للسلطة عبر سلم الانتخابات العامة ثم إقامة نظم شمولية مستبدة وعدوانية كما حصل في ألمانيا النازية!!.... إلا أن البعض الآخر من العرب وغيرهم يعتقدون أن الديموقراطية الليبرالية (العلمانية) نظام انساني رشيد يصلح لكل شعب ويستحقها كل شعب وبالتالي لابد من السماح لهذه الشعوب بممارسة الديموقراطية على الفور والتعلم من خلال آلية التجربة والخطأ! ... وبين هؤلاء وهؤلاء تقف طائفة من المثقفين والمفكرين (الإصلاحيين) – الذين ينتمي إليهم كاتب هذه السطور - ممن يعتقدون من حيث المبدأ أن الديموقراطية الليبرالية نظام كريم ورشيد يصلح لكل شعب ويستحقه كل شعب من شعوب الأرض إلا أنهم يرفضون أولًا النزعة الاستنساخية للديموقراطية الغربية بشكل حرفي وبطريقة (نسخ/لصق) في مجتمعاتنا العربية والمسلمة دون مراعاة فوارق الخصوصيات الاجتماعية بين مجتمعاتنا ومجتمعاتهم ودون مراعاة الفروق في التوقيت الحضاري والسياسي بيننا وبينهم!، كما يرفض هؤلاء الليبراليون الاصلاحيون كذلك النزعة الطوباوية (المثالية) (النموذجية) و(الشكلانية) في فهم الديموقراطية الليبرالية من جهة ومن جهة ثالثة يرفضون النزعة الراديكالية (الجذرية) و(الحرفية) في منهج تطبيقها، وهي ثلاث نزعات - للأسف الشديد - تسيطر على عقول غالب نخبنا العربية وغير العربية في منطقتنا!!..أما الديموقراطيون الليبراليون (الإصلاحيون) فهم يؤمنون بأن الديموقراطية الليبرالية كطريقة سياسية ونظام اجتماعي تتسم بمرونة عالية لتتكيف من حيث التطبيق مع خصوصيات وظروف كل شعب فينشأ عن اختلاف الخصوصيات والمشكلات الوطنية المحلية والاجتماعية لكل شعب أنظمة ديموقراطية ليبرالية متنوعة ومختلفة، تتفق في المبادئ العامة والأصول الأساسية مع كل النظم الديموقراطية والليبرالية وتختلف معها في الفروع والتطبيقات الواقعية... وهذا ما نؤمن به نحن كديموقراطيين وليبراليين عرب ومسلمين.... وحول هذا الموضوع الذي تناولته في مقالتي التي دعوت فيها إلى التدرج في التطبيق الديموقراطي بحيث يتواكب تحقيق الحريات السياسية مع تحقيق الأمن والاستقرار العام فلا يكون مطلب الديموقراطية على حساب الأمن والاستقرار ولا العكس علّق بعض الأصدقاء في صفحتي في (فيسبوك) كما يلي: قال ذلك الصديق – وهو صاحب توجه إسلامي متعاطف مع الاخوان المسلمين في مصر وناقم على الانقلاب الذي نفذه الجيش مستثمرًا نزول معارضي حكم الاخوان للشوارع بالملايين - ، فقال: "انا مع الخيار الديمقراطي ولسنا اوصياء على الشعوب ولا توجد أمة ولدت ديمقراطية لكن تعلم الديمقراطية بالممارسة وحدها، أما معاملة الشعوب معاملة القاصرين فهذا استبداد له عواقبه الوخيمة". * * * فكان ردي على تعليقه ذاك كما يلي: "لا ليس المقصود هنا أن نعامل (الشعب؟) معاملة القاصرين (القُصَّر) إنما مراعاة فقه الواقع من جهة ومراعاة سنة التدرج والتعلم من جهة ثانية، ومن جهة ثالثة مراعاة الاستقرار والتوازن العام الذي بدونه تصبح الديموقراطية فوضى عارمة وصراعات مدمرة، تنتهي للقضاء على الديموقراطية ذاتها!، فأغلب الدول الغربية الديموقراطية لم تصل للديموقراطية بين عشية وضحاها ولا هبطت عليها الليبرالية ثم الديموقراطية من السماء كشرائع كاملة جاهزة للتطبيق الفوري!، بل هذه المجتمعات (تلبرلت) ثم (تدمقرطت) على مُكثٍ بشكل تدريجي وفق سنن النمو والتطور عبر قرون عديدة حتى وصلت للشكل الحالي من الديموقراطية الليبرالية التي تعاني حاليًا من تحديات خطيرة تتمثل في ضعف إيمان الناس بها وبالنخب السياسية الحاكمة والمعارضة (اليسارية والليبرالية والوسطية) وبالتالي عودة التوجهات العنصرية والشعبوية والشمولية من جديد.... هذه المجتمعات الليبرالية الديموقراطية الغربية لم تستقر عندها الديموقراطية إلا من خلال موازنات سياسية واتفاقات اجتماعية بين المواطنين الاحرار العقلاء الذين يفقهون ما هي الديموقراطية؟ وكيف يمكن تمكينها في ظل الاستقرار العام؟ وما هي الخصوصيات الوطنية المحلية الواجب مراعاتها عند التطبيق العملي للقيم الديموقراطية؟.. وهذا ما يجب علينا – نحن سكان هذه المنطقة – مراعاته من أجل الفوز بأنظمة ديموقراطية ليبرالية مستقرة تحقق حرية شعوبنا السياسية وحريات الافراد الشخصية، فهذا لا يتحقق إلا عن طريق التدرج في تطبيق الديموقراطية مع اقرارها من حيث المبدأ في الدستور، وإيجاد (ميثاق سياسي مكتوب) يمثل عقدًا سياسيًا بين القوى السياسية حول تمكين الديموقراطية في كل بلد عربي عبر اتفاقات وتفاهمات سياسية واجتماعية تحقق الاستقرار وتوفر بيئة آمنة لنمو وارتقاء الحياة الديموقراطية ثم التعود شيئًا فشيئًا على ممارسة الديموقراطية في واقع التطبيق العملي بالطرق والاجراءات والخطوات السليمة – كما في نصوص الدستور ونص الميثاق السياسي الوطني – فيكون حال الشعب وأيضًا النُخب كحال من يدخل لمعهد ليتعلم ويتدرب على علم من العلوم وفن من الفنون!.. فالشعوب كالأفراد تحتاج لأن تتعلم وتتدرب على الأنظمة الجديدة، خطوة خطوة، وترتقي سلم الترقي السياسي درجةً، درجةً، خصوصًا تلك الانظمة السياسية العامة التي لم تنمو عندها بشكل طبيعي!.. أما محاولة النهوض بطريقة (نط الحبل!) و(القفزات الثورية الجبارة غير المسبوقة!!؟؟) فقد جربناها من قبل ألف مرة وخصوصًا على يد القوميين العرب الاشتراكيين!، فماذا كانت نتيجة تلك القفزات التاريخية الثورية الهائلة وغير المسبوقة!!؟؟.. الجواب موجود أمامكم في واقع العراق وسوريا وليبيا ومصر واليمن والسودان وغيرها!!... بريطانيا ذاتها - أم الديموقراطية والليبرالية - لم تصبح ليبرالية وديموقراطية بين يوم وليلة بجرة قلم، بل انتزعت الشعوب البريطانية حرياتها وحقوقها السياسية من خلال مجاهدة وخطوات استمرت قرون!! ، ربنا خالق هذا الكون الواسع المتسع الذي يقول للشيء (كن) فيكون!، اقتضت حكمته أن يخلق الكون في ستة أيام وكان في وسعه أن يخلقه في يوم لو أراد أو في ثانية!!... الخمر في الإسلام حرمه الله على 3 مراحل زمنية مراعاة لسنة التدرج والتعود ولطبيعة الكائن البشري! ... الشجرة تحتاج للنمو الطبيعي من البذرة حتى تزهر وتثمر عبر الأعوام!... وهكذا حال الديموقراطية الليبرالية كنظام اجتماعي سياسي وإداري فهي تحتاج أولًا إلى وعي وفهم عميق ودقيق لمعنى ووظيفة الديموقراطية خصوصًا من النخب السياسية والمثقفة المؤثرة في عموم الناس، فشعوبنا تجهل حقيقة الديموقراطية وطبيعتها وايجابياتها وسلبياتها، بل وتجهل ضرورتها وخطورتها!، فبعضنا ينظر للديموقراطية كما لو أنها وصفة سحرية ما إن نقرها في الدستور حتى - حسب خيالهم الرومانسي - تشفينا من (الحكم الجبري) - بجرة قلم - وبمجرد انتخابات عامة نزيهة نضع من خلالها أوراق التصويت في الصناديق!!.. وبعضنا يعتقد أن الديموقراطية خدعة رأسمالية (خبيثة وماكرة) وغطاء حريري يرتديه الأثرياء وأرباب المال ليحكموا الشعب باسم الشعب حسب زعمهم وبالتالي لا يمكن تحقيق ديموقراطية حقيقية إلا باجتثاث الرأسمالية وإقامة الاشتراكية أو حتى الشيوعية حتى تتحقق الديموقراطية الشعبية الحقيقية والكاملة!!، وبعضنا يعتقد أن الديموقراطية كفر وبدعة غربية مخالفة للدين وللنظام السياسي الاسلامي (الشامل) المقرر بالنص في شريعتنا حسب زعمهم!.... وهكذا فهناك غموض واضطراب في فهم الديموقراطية الليبرالية سواء من حيث الفكر أو من حيث التطبيق!، لهذا لابد من نشر الوعي السليم و(الواقعي) بالديموقراطية أولًا واعلام وتعليم الشعب بطبيعتها ووظيفتها وماهي ضرورتها لهم ولبلادهم وأولادهم؟ بل وبيان ما هي خطورتها وتداعياتها ومضاعفاتها السلبية أحيانًا !!؟.. وكيف أن الديموقراطية بعكس الديكتاتورية قد تكون قراراتها ومخرجاتها بل واجراءاتها وانجازاتها المادية بطيئة، فالديكتاتورية قد تتسم بوحدانية وسرعة القرارات وسرعة الإنجازات كما نلاحظ في بعض الأنظمة الديكتاتورية قديمًا وحديثًا ولكن هذا الأمر قد يكون على حساب كرامة الشعوب بحيث يظل الشعب من الناحية السياسية كما لو أنه في حكم قاصر!..... للأسف وجدت حتى بعض من ينتسبون للنخب العلمانية من لا يفهم الديموقراطية ولا الليبرالية بشكل صحيح وعميق ودقيق فيخلطون بين الديموقراطية والليبرالية والعلمانية والعدالة الاجتماعية والاشتراكية والرأسمالية كما لو أنها شيء واحد لا يتجزأ!!.. لهذا نقول (العلم قبل العمل) و(الفهم قبل الحكم) فلابد أن تفهم الناس ما هي الديموقراطية بشكل صحيح وواضح وواقعي بعيدًا عن التصورات الخيالية والطوباوية والقاصرة والخاطئة للديموقراطية، ثم وثانيًا تحتاج الديموقراطية كي تعمل بشكل صحيح ومفيد ورشيد إلى تعلم وتدريب خطوة خطوة ... نعم لابد من الممارسة لكن ممارسة هادئة وبطريقة خطوة خطوة، كمن يريد أن يتعلم قيادة السيارات أو السفن والقطارات أو الطائرات فهو يحتاج أولًا إلى تكوين فكرة نظرية ومعلومات عامة عن هذه المركبات كأجهزة وآلات نقل وسير؟ وكيف تعمل؟ ويحتاج إلى تكوين فكرة عن طريقة قيادتها والسير بها أو الطيران بها بشكل آمن وسليم؟ وأن يفهم قبل هذا مدى ضرورتها ومدى خطورتها في الوقت ذاته!، فالسيارة مثلًا إذا لم يتم استعمالها بالشكل السليم والآمن قد تكون جهاز قاتل ومدمر للذات وللغير وللممتلكات!، وكذلك الحال بالنسبة للديموقراطية كجهاز سياسي واداري يستعمله البشر في تسيير مجتمعاتهم وإدارة السلطة وصناعة وتنفيذ القرارات العامة!.... فلابد أولًا من التعريف والتثقيف من خلال نشر الفكر الديموقراطي والليبرالي (الواقعي العقلاني) السليم بين النخب والشعب بحيث يفهم الجميع الديموقراطية فهمًا واقعيًا متوازنًا متناغمًا مع خصوصياتهم وثوابت هويتهم بعيدًا عن الشطحات الخيالية والمثالية والاحلام الرومانسية التي تصور الديموقراطية للناس كما لو أنها (جنة) حلوة خضراء تغص بأشجار الموز والرمان!!.. وهو ما يحصل في التعريف بفن سياقة السيارة لابد أن تكون المعلومات سليمة وواضحة ومتوازنة وواقعية عن فن إدارة هذه السيارة لدى هذا الشخص الراغب في امتلاكها وسياقتها وعن طريقة تشغيلها وقيادتها بشكل سليم وفق التعليمات، ثم مع هذه الفكرة النظرية العامة يحتاج بعد ذلك للمران العملي وممارسة السياقة خطوة خطوة وبسرعة بطيئة وبالتدرج حتى يتعلم مع التجريب الهادئ والمتدرج فن قيادة السيارة بشكل صحيح وآمن في ظل الالتزام بقواعد المرور، ثم مع مرور الوقت يكتسب الخبرة، هكذا يتم التعلم، لا أن يأتي شخص مراهق أو حتى غير مراهق ولا يعرف قواعد المرور ولا يعلم أن القيادة فن وذوق وأخلاق ولا شيء من هذا !!... ثم فقط لأنه يشتهي القيادة وامتلاك سيارة (كيف العالم والناس!) نجده ينطلق يقود السيارة بطريقة خبط عشواء على هواه وهو يردد: (أنا حر!.. أنا سيد قراري!) ... هذا جنون وسفاهة وانتحار!!.. كذلك الحال بالنسبة للديموقراطية فهي جهاز سياسي واداري خطير جدًا قد يدمر الاقتصاد والبلاد إذا لم يُحسن الشعب فهمه واستعماله وإدارته وقيادته بشكل عقلاني سليم وآمن أو لم يتعلم كيف يديره ويتعود على استعماله حتى يصبح – مع مرور الزمن - جزءًا من عاداته وتقاليده الاجتماعية السائدة بل ويصير جزءًا من ثقافته الاجتماعية والوطنية العامة ومن ممارساته اليومية العادية التي يتعلمها ويتشربها الأطفال من بيئتهم الاجتماعية منذ نعومة أظفارهم كما حصل في أوروبا عبر القرون ... هكذا يقول كل عقلاء العالم!. * * * هذا أولًا أما ثانيًا فإن الديموقراطية ليست مجرد انتخابات عامة، ومن يفوز فيها يحكم والسلام و(اللي مش عاجبه يخبط راسه في الحيط والا يعمل انقلاب إن استطاع إليه سبيلًا)!!... لا ، ليس هكذا الديموقراطية، هذه نظرة عاميّة وشكلية وسطحية وطوباوية بل وخادعة للديموقراطية، فالديموقراطية فضلًا عن كونها مجموعة من المبادئ والاجراءات والمؤسسات المتعلقة بمسألة تداول وإدارة السلطة بشكل رشيد يقوم على الرضا الشعبي من جهة ومن جهة على العقلانية والتأني في اصدار القرارات وتنفيذها وفق إجراءات قانونية منضبطة، فهي أيضًا تقوم على عملية معقدة من (المعادلات والموازنات الواقعية والتوافقات الاجتماعية والسياسية) لتحقيق ((ديموقراطية آمنة ورشيدة ومستقرة)) قابلة للبقاء والارتقاء ، ديموقراطية مفيدة ونافعة للأمة والشعب والدولة الوطنية، وليست ديموقراطية ضارة!!.. ليست ديموقراطية شكلانية نزقة وهشة (شوارعجية!) وسهلة الانزلاق نحو الفوضى أو نحو الحكم الشمولي والمستبد المتسربل بالأغلبية الشعبية وحكم الجمهور.... الديموقراطية حكم عقلاني رشيد وليست عملية مزعزعة للاستقرار ومعطلة للازدهار ومدمرة للبلاد بسبب صراعات (سياسية أو أيديولوجية أو اجتماعية أو طائفية أو مناطقية...) جنونية أو صبيانية أو حزبية أنانية لا تقوم على ضوابط وموازنات بحسب ظروف كل شعب وكل بلد حسب عمره الحضاري والسياسي وحسب مشكلاته وخصوصياته الواقعية وثوابت هويته وأخلاقياته العامة، لاحظ مثلًا أنهم في لبنان والعراق راعوا التركيبة الاجتماعية الطائفية والعرقية والدينية في توزيع السلطة على أساس من المحاصصة والموازنة طلبًا للاستقرار لأنهم يعلمون أن الديموقراطية بالاعتماد على الانتخابات والكثرة العددية فقط وغلبة الأصوات دون التوافق الاجتماعي والتوازن السياسي الذي يحقق الاستقرار من خلال آلية المحاصصة ومراعاة الواقع الاجتماعي على الأرض قد تنقلب إلى فوضى عارمة وحروب أهلية، كذلك حدث مثل هذا في (بلجيكا) بل وقرر العقلاء هناك دعم الديموقراطية كي تستقر بالفيدرالية عام 1993.. وهو ما حصل في سويسرا فيما يتعلق بالتوافق على المحاصصة الحزبية بين الأحزاب الرئيسية التاريخية فيما يتعلق بتشكيلة رئاسة الدولة!!.. وهو ما حصل أيضًا في بريطانيا بين أنصار الحكم الملكي وأنصار الحكم البرلماني الجمهوري الشعبي (العموم) حيث تم – عبر قرون من الصراعات - إيجاد صيغة ذهبية راشدة ومستقرة من التوافق بينهما بحيث يظل النظام الملكي (الشكلي) كإطار عام للدولة بينما يكون الحكم الفعلي للشعب ممثلًا في نوابه المنتخبين من خلال الحكم البرلماني!.... فمثل هذه الأمور تقع ضمن (الموازنات الواقعية الرشيدة والاتفاقات العقلانية المفيدة) التي يعقدها عقلاء وقادة الأمة من أجل ضمان الاستقرار العام للدولة وللنظام الديموقراطي وبالتالي ضمان نموّه وحمايته في ظروف معينة تقتضي هذه الموازنات والتوافقات والمحاصصات على أمل أن تتبدل الظروف الاجتماعية العامة مستقبًلا، فترتقي الديموقراطية أكثر فأكثر من (المحاصصة الاجتماعية والسياسية والجهوية) ومراعاة الواقع الاجتماعي والثقافي نحو (المثال الديموقراطي النموذجي) النظري المنشود كما في خيال فلاسفة الديموقراطية!! .. أي نحو نموذج اجتماعي انساني كامل يقوم على (إنسانية وفردانية الانسان) فقط كإنسان فرد وحسب بغض النظر عن العرق والقوم والدين والمذهب الديني أو المذهب السياسي.. إلخ... ونحو نموذج سياسي كامل يقوم على أساس مفهوم (المواطنة) وحسب دون النظر إلى خلفيته الاجتماعية أو الثقافية والقومية والعرقية والدينية أو حتى الناحية الجنسية (ذكر/انثى)!، انسان وحسب ومواطن وحسب!... وهو أمر مثالي بل وربما مطلب طوباوي لم يتحقق في واقع المجتمعات حتى اليوم ولازالت تعتريني الشكوك الكبيرة في إمكانية تحقيقه خلال كل القرون القادمة على الأقل تمامًا كما تعتريني الشكوك حول إمكانية تحقيق حلم الشيوعيين أو الفوضويين خلال كل الزمن المنظور القادم!.... فالعالم يتقلب ولم يتغير بعد!.. ويعتريني شكوك حول إمكانية حدوث تغيير جذري للإنسان الحالي أو لهذا العالم الحالي حتى مع فرضية استلام الآلات القوية والذكية لزمام إدارة اقتصاديات العالم وتحقق حلم مجتمع الكفاية والرفاهية والمساواة الاقتصادية بشكل تام بعد عدة قرون قادمة إذا لم تنتكس الحضارة بسبب حروب مدمرة أو كارثة كونية طبيعية مفاجئة أو نضوب شديد في مصادر الطاقة!!......وهكذا لابد مع مراعاة (سنة التدرج والتعلم) في التطبيق الديموقراطي خصوصًا عند شعوب حديثة العهد بالديموقراطية مثلنا التي تجهل الطريقة الرشيدة في إدارة واستعمال الجهاز الديموقراطي (الخطير) بشكل آمن لا يهدد الاستقرار، لابد أيضًا من مراعاة (تحقيق الاستقرار) من خلال عقد موازنات (ذكية) بين القوى الاجتماعية والسياسية تتسم بالواقعية والعقلانية بعيدًا عن المثاليات والاحلام الطوباوية والرومانسة لبعض النخب السياسية والمثقفة ذات الطابع الراديكالي!.. وإلا ستنقلب الديموقراطية الانتخابية المعتمدة على الغلبة العددية وثقل الجمهور أما لفوضى عارمة أو شلل عام للدولة بل وربما تنزلق في لحظة حماس أو تبرم شعبي لتصبح في قبضة قائد سياسي (متنمر) ذي خطاب قومي أو وطني أو ديني أو أيديولوجي، فاز بالأغلبية، فتتحول إلى ديموقراطية شعبوية بروح قومية أو دينية أو حتى وطنية أو أيديولوجية ثم تدريجيًا تنتهي نحو الحكم الفردي والشمولي الرهيب بحيث تكون الديموقراطية مجرد شكل انتخابي بلا مضمون حقيقي للحرية السياسية للأفراد والأمة ككل!، تغدو هذه الديموقراطية (الانتخابية) شكلًا من أشكال (المبايعة) الشعبية التي تتم تحت سطوة العواطف العارمة أو المخاوف العامة!، أي كما حصل في ألمانيا وايطاليا في عهد هتلر وموسوليني وكما يحدث الآن بصورة تدريجية في عهد بوتين و اوردغان في روسيا وتركيا وبعض دول أوروبا الشرقية حيث تعود الأحزاب الشعبوية ذات النزعة الشمولية للحكم من بوابة الديموقراطية الانتخابية مما يهدد بانقلاب هذه النظم الديموقراطية بسبب الشعبوية إلى أنظمة حكم شمولية ترتدي جلباب الديموقراطية والحكم الشعبي!". * * * قال صديقي: "هل تقصد أنك تخاف على الديموقراطية من طغيان الغوغاء"؟
فقلتُ: "نعم !، أخشى على الديموقراطية من الطغيان أي من التطرف وغياب الاتزان، سواء طغيان القوى الأصولية (الدينية أو القومية أو الوطنية) المحافظة أو من طغيان القوى العلمانية الليبرالية التي لا تراعي خصوصيات المجتمعات العربية والمسلمة وتعمل على الاصطدام بثوابت ومقدسات هذه المجتمعات بشعار (الحداثة) وعلمنة المجتمع والدولة، ولو من خلال المرور بحكم ديكتاتوري تقوده النخب العلمانية من أجل علمنة ولبرلة مجتمعاتنا واستئصال القوى الأصولية الدينية ثم لنعيش بعدها - كما يتصورون - وكما قال لي أحدهم - في سبات ونبات ولنخلف أجناسًا وأجيالًا جديدة حرة لا هم بالأولاد ولا هم بالبنات بحيث يختار كل مواطن حر جنسه بنفسه (!!) فنتمكن عندها - وعندها فقط - من امتلاك زمام العلم والتقنية وبالتالي الوصول للقمر!!... أخاف على الديموقراطية من تطرف ونزق وطغيان النخب وطغيان الغوغاء على السواء، فهذا وارد وذاك وارد .. خصوصًا في ظل غياب الإيمان العميق والفهم الدقيق بالديموقراطية كطريقة سياسية راشدة تمنع الاستبداد الفردي والجماعي من جهة ومن جهة تسمح بالتداول السلمي على السلطة والتغيير السياسي السلمي من جهة ثانية.. وعدم إدراك هؤلاء أن الديموقراطية كي تستقر في كل المجتمعات وخصوصًا في المجتمعات حديثة العهد بها - مثل مجتمعاتنا – تحتاج بشكل ضروري وأساسي إلى معادلة من التوازنات والاتفاقات الاجتماعية والسياسية من جهة ومن جهة إلى مراعاة خصوصيات وثقافة كل مجتمع وعدم استفزاز قواه المحافظة المتعلقة بحراسة الهوية الدينية أو القومية أو الوطنية!.... صدقني ما لم يكن هناك ايمان وثيق وفهم عميق ودقيق وكافٍ لدى النخب السياسية والمثقفة للفكر الديموقراطي والليبرالي من جهة وللواقع الاجتماعي المراد ضخ جرعات كبيرة من الليبرالية والديموقراطية فيه أولًا، وربطهم ثانيًا بين مطلب الحرية السياسية ومطلب الاستقرار العام.. ما لم يفهم الجميع هذا ويؤمن بهذا فإن تطبيق واستقرار الديموقراطية في بلداننا يظل أمرًا متعذرًا.. وتظل المحاولات العمياء لتطبيق الديموقراطية بفهم طوباوي وسطحي وحرفي تزيد من كفر ونفور شعوبنا من هذه الديموقراطية والليبرالية مما يعزز موقع القوى المحافظة في مجتمعاتنا العربية والمسلمة من جهة ومن جهة يعزز من قوة السلطات الحاكمة والأنظمة القائمة ولسان حال شعوبنا يقول: (ليس في الإمكان أفضل مما كان) و(شيطان تعرفه خير من ملاك تجهله)!!... تحياتي" *************** سليم نصر الرقعي 2018 (*) يتبع في الجزء الثالث
#سليم_نصر_الرقعي (هاشتاغ)
Salim_Ragi#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الديموقراطية دفعة واحدة أم على مراحل تنموية متدرجة (1)!؟
-
الفرق بين الاسلاميين العرب والاسلاميين الاتراك!؟
-
السِّجْنُ باقٍ!؟(خاطرة شعرية)
-
القذافي والغرب و(الجرذان) !!؟؟
-
العداءُ للصهيونية ليس عداءً لليهود والسامية!؟
-
العقلانية والواقعية السياسية لا العلمانية ولا الأصولية الدين
...
-
بو تفليقه تابوت سياسي بعجلات!؟
-
من هو عباس العقاد؟ وماذا يعني لي!؟
-
الإصلاح الهادئ العميق لا الثورات المُدمِّرة !؟
-
أنظمة الملكيات الدستورية هي الخيار الأفضل للعرب!؟
-
دقَّ الربيعُ على باب داري! (خاطرة شعرية)
-
الشبح الحزين!! (خاطرة شعرية)
-
المسلمون والمسيحيون العرب واليهود العرب!؟
-
عن الفرق الجوهري بين الليبرالية والاباحية!؟
-
هل هناك أمل في دمقرطة العرب؟ أم (مافيش فايده)!؟
-
التوجه الليبرالي الديموقراطي غير العلماني في الدول المسلمة!؟
-
فكرة (الفوضى الخلاقة) بين الفلسفة والسياسة!؟
-
تُرى هل أعيشُ عامًا جديدًا؟! (محاولة شعرية)
-
الثريد الغالي؟..محاولة شعرية!
-
التسامح هو الحل!؟
المزيد.....
-
شاهد..برازيلية تخوض تجربة قفز مثيرة من جسر شاهق بأمريكا
-
فيديو يوثق مواجهة مضيفة طيران لراكبة متسللة بعد رحلة من نيوي
...
-
سوريا.. خريطة تحركات وسيطرة فصائل المعارضة ووضع بشار الأسد..
...
-
-رويترز- : أوكرانيا مستعدة لتقديم تنازلات عن أراضيها وفقا لخ
...
-
الجيش السوري يشن -هجوماً معاكساً- ويستعيد مناطق من المعارضة
...
-
في غزة.. مأساة مستمرة وأثمان باهظة في حرب بلا نهاية وتل أبيب
...
-
ألمانيا.. عدة ولايات تطالب الحكومتين الحالية والمقبلة بتشديد
...
-
مدفيديف يتوقع نهاية حتمية لزيلينسكي ويوجه رسائل إلى عدد من ق
...
-
معركة القسطل.. يوم قال الحسيني للجامعة العربية -أنتم مجرمون-
...
-
تشكيل مجلس شراكة سعودي فرنسي خلال زيارة ماكرون للرياض
المزيد.....
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
المزيد.....
|