محي الدين محمد يونس
(Mohiadin Mohammad Yonis)
الحوار المتمدن-العدد: 6167 - 2019 / 3 / 8 - 01:09
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
بعد ظهر يوم الخميس المصادف 6 آذار 1975, أعلن الرئيس الجزائري (هواري بومدين ) في نهاية اجتماعات قمة الدول المصدرة للنفط ( الأوبك) أن العراق وإيران قد توصلا إلى اتفاق بشأن حل الخلاقات التي كانت قائمة بينهما وإنهاء النزاع الحدودي وعرضت شاشات التلفزيون شاه إيران ( محمد رضا بهلوي) ونائب الرئيس العراقي ( صدام حسين) وهما يتعانقان احتفاء بهذه المناسبة التي أولتها وسائل الإعلام العالمية اهتماما منقطع النظير باعتباره الحدث الاهم عند اعلانها وتوقيعها في 13 حزيران 1975 من قبل (سعدون حمادي) وزير خارجية العراق و ( عباس علي خلعتبري ) وزير خارجية إيران و( عبد العزيز بوتفليقة) وزير خارجية الجزائر باعتباره شاهدا على الاتفاق وسميت باتفاقية الجزائر وتضمنت النقاط الرئيسية التالية :-
أولاً: اجراء تخطيط نهائي لحدودهما البرية بناء على برتوكول القسطنيطينية لعام 1913 ومحاضر لجنة تحديد الحدود لسنة 1914
ثانياً : تحديد الحدود النهرية حسب خط التالوك
ثالثاً : قيام الطرفين بإعادة الأمن والثقة المتبادلة على طول حدودهما المشتركة والالتزام بإجراء رقابة مشددة وفعالة على هذه الحدود من أجل وضع حد نهائي لكل التسللات ذات الطابع التخريبي من حيث أتت.
ظاهر حال المعاهدة كان يخفي في طياته المرامي الاساسية من الاتفاق عليه لعدم تطرقه إلى القضية الكردية لا من قريب ولا من بعيد وتبدو كمعاهدة اعتيادية أبرمت لتنظيم العلاقات بين دولتين جارتين , في حين أنها أبرمت على حساب القضية الكردية ومن أجل القضاء عليها , والتي استعصى حلها على الحكومات العراقية المتعاقبة منذ عام 1961 .
وتنفيذاً للعهد الذي قطعه نائب الرئيس العراقي ( صدام حسين) على نفسه للوفد الكردي برئاسة ( إدريس البارزاني) والذي زار بغداد واجتمع به بتاريخ 8 آذار 1974 مطالباً الثورة الكردية بقبول الصيغة التي تقررت لقانون الحكم الذاتي ومحذراً من أنه إذا نشب القتال ولم يتمكن الجيش العراقي من حسمه فإن نظامه سوف يلجأ إلى الاتفاق مع شاه إيران ( محمد رضا بهلوي) كما وأكد على الرسالة التي كان قد بعثها إلى القيادة الكردية في عام 1973 وفحواها ((استعداد النظام لتقديم التنازلات لإيران في شط العرب وبعض المناطق الحدودية العراقية الأخرى مقابل قطع مساعداتها عن الثورة الكردية , وبأن خسارة هذه الأجزاء من العراق خير من خسارة كل العراق)).
عاد الوفد الكردي إلى أربيل ومن ثم إلى المناطق التي كانت تحت سيطرة الثورة الكردية بتاريخ 11 آذار 1974 دون التوصل لأي اتفاق بين الطرفين مع رفض الطرف الحكومي لمقترح الطرف الأخر بتأجيل تطبيق الحكم الذاتي سنة أخرى , حيث أصرت الحكومة العراقية على تطبيقه في موعده المقرر بموجب القانون في 11 آذار 1974 وبذلك وصلت الأمور بين الطرفين إلى طريق مسدود وأصبحت الاستعدادات للحرب هي السمة الغالبة للنشاط السياسي والعسكري والأمني والاقتصادي لكلا الطرفين , وخاصة الطرف الحكومي الذي كان قد طرح من حساباته قبول أي صيغة اتفاق لا تتماشى مع ما كان قد عقد العزم عليه وبكل الوسائل في الوصول إلى الهدف الاستراتيجي الذي كانت السلطة قد خططت له في انهاء الثورة الكردية وعلى ضوء الاستحضارات التي قامت بها في المجالات العسكرية والأمنية والسياسية في فترة السلام الممتدة من 11 آذار 1970 ولغاية 11 آذار 1974 , ووفق خطة مدروسة بدقة لهذا الغرض بعد أن ايقنت السلطة بأن ميزان القوى أصبح لصالحها من كافة الوجوه وأصبحت المجابهة العسكرية أمر لا مفر منه.
تميزت الفترة المتبقية من شهر آذار 1974 بالاستعداد لتنفيذ ما خطط له الطرفين في مجال المواجهة العسكرية والتي بدأت فعلا مع بداية شهر نيسان 1974 وهنا أجد من الضروري أن أشير إلى التعليمات التي أصدرتها السلطات المركزية في بغداد إلى جميع مؤسساتها العسكرية والأمنية والادارية في كردستان للسماح لجميع الأفراد والعوائل الراغبين بالالتحاق بالحركة الكردية ولغاية 31 آذار 1974 دون اعتراض من القوى العسكرية والأمنية وكان الهدف من ذلك هو زيادة اعباء الثورة الكردية في تحميلها مسؤولية هذا العدد الهائل من البيشمركة وعوائلهم والمواطنين الذين التحقوا بالثورة في آذار 1974 , والذين بلغ عددهم ما يربو عن مئتي ألف شخص بالإضافة إلى المواطنين ساكني المناطق التي تحت سيطرة الحركة بالإضافة لما تقدم قامت السلطات الحكومية بإجراء أخر وهو تسفير عوائل الأشخاص الملتحقين بالثورة من كافة المناطق بعد تجدد القتال إلى المناطق التي كانت تحت سيطرة الحركة الكردية , وكان لهذه الاجراءات بالإضافة إلى تشجيع الحركة الكردية لمواطنيها بالالتحاق بصفوفها أو عدم معارضتها ذلك الأثر السلبي على ديمومة استمرار الثورة بعد إبرام الاتفاقية.
توصلت قيادة السلطة في العراق ( الحزب والحكومة) إلى قناعة من خلال إبرام هذا الاتفاق بأنها قد قضت على الثورة الكردية بشكل تام ودون رجعة وبثمن زهيد هو نصف شط العرب ومساحات من الأراضي العراقية المتاخمة للحدود الإيرانية , كانت قرأتها للوضع السياسي المحلي والإقليمي والدولي يتسم بالسطحية والنظرة القاصرة للمتغيرات والمصالح السياسية المتعارضة وقد فطن نائب الرئيس العراقي ( صدام حسين) في حينه إلى هذه الحقيقة عندما ذكر في إحدى الاجتماعات في عام 1976 بقوله (( إذا بقي مخرب واحد في الجبل يقدر يخلقنا المشاكل )), ودون أن يقترن كلامه هذا بالوسائل والسبل التي من شأنها أن ينال الشعب الكردي في العراق حقوقه وتطلعاته المشروعة لتحقيق العدالة والمساواة والمشاركة في السلطة بعيداً عن الاقصاء والتهميش , وبذلك يمتنع المواطن بالتفكير بالجبل كوسيلة لنيل حقوقه .
لم تكد تمضي إلا أشهر قليلة على ابرام الاتفاقية إلا وبانت بوادر تشكيل الأحزاب والحركات السياسية الكردية المناوئة للحكومة العراقية وفق نظم وبرامج مختلفة من قيادات وكوادر الحزب الديمقراطي الكردستاني المنحل كنتيجة لاتفاق الدولتين ( العراق – إيران) والأحزاب التي تم تشكيلها وبدأت بنشاطها السياسي والعسكري أهمها هي:-
1- القيادة المؤقتة ( الحزب الديمقراطي الكردستاني) أيلول 1975
2- الاتحاد الوطني الكردستاني 1 حزيران 1975
3- الحزب الاشتراكي الكردستاني الموحد 8 آب 1979
4- الحزب الاشتراكي الكردي ( الباسوك)
5- حزب الشعب الديمقراطي الكردستاني
6- الحزب الشيوعي العراقي
7- حزب كادحي كردستان 14 كانون الأول 1985
8- الاتحاد الاسلامي الكردستاني
9- الحركة الإسلامية في كردستان
بالإضافة لوجود عدد أخر من الأحزاب والحركات السياسية على الساحة الكردستانية نعتذر عن ذكرها جميعاً.
مع بداية النشاط السياسي والعسكري الجديد لمقاتلي الأحزاب والحركات السياسية الكردية ( البيشمركة ) انشغلت الدوائر الأمنية العراقية ( الأمن – الاستخبارات – المخابرات ) في المركز والمحافظات ( أربيل – السليمانية – دهوك – كركوك – الموصل ) بأخبار هذه التحركات والنشاطات من حيث أعدادهم وسلاحهم وأماكن تواجدهم وجهات انتمائهم وكانت هذه الدوائر تختم البرقيات والمخابرات الرسمية التي تعممها على الدوائر الأمنية الأخرى وفيما بينها على الأغلب بالعبارات التالية (( اتخاذ تدابير الحيطة والحذر ورصد تحركات المخربين وضربهم بشدة وتفويت الفرصة عليهم )) واستمرت هذه المخابرات على هذا المنوال لغاية الانتفاضة الشعبية في آذار 1991 , والهجرة المليونية الى دول الجوار ( إيران – تركيا ) وتدخل المجتمع الدولي وفرض مناطق الحظر الجوي وانسحاب الإدارة العراقية من المحافظات ( أربيل – السايمانية – دهوك)
كانت نتائج وتداعيات هذه الاتفاقية على أطرافها ( العراق – إيران – الحركة الكردية) كما يلي:-
أولاً: العراق:
1- لقد خابت توقعات القيادة العراقية كما ذكرنا وعادت النشاطات السياسية والعسكرية للأحزاب والحركات الكردية الجديدة بعد انهيار الحركة الكردية بقيادة الحزب الديمقراطي الكردستاني في عام 1975 نتيجة ابرام اتفاقية الجزائر والتي تبين بأنها كانت قراراً وخطوة فاشلة لم تحقق للحكومة العراقية ما كانت تصبوا إليه , فهي بالإضافة إلى ما تقدم خسرت مساحات من أراضيها في المناطق الحدودية مع إيران ونصف مساحة شط العرب من الجهة المحاددة للسواحل الإيرانية , وبذلك أصبح المثل العراقي الشعبي (( لاحظت برجيلها ولا خذت سيد علي )) ينطبق على الحكومة العراقية.
لقد دفع هذا الواقع الجديد الذي تورطت فيه الحكومة العراقية وفداحة الخسارة إلى إعلان الرئيس العراقي ( صدام حسين) إلغاء الاتفاقية في 17 أيلول 1980 ودخول الدولتين في حرب ضروس دامت ثمانية سنوات من 4 أيلول 1980 ولغاية 8 آب 1988 , كلفت العراق بالإضافة إلى الخسائر المادية الفادحة مائة وخمسون ألف قتيل وسبعمائة ألف جريح وخمسة وثمانون ألف أسير ومفقود , في حين كان الأولى بالحكومة العراقية بدلاً من تنازلها للحكومة الإيرانية أن تسلك طريق الحوار والتفاهم مع ممثلي شعبها الكردي وخلق القناعة بمصداقيتها وابتعادها عن سياسة القمع والتسلط وإنكار الحقوق المشروعة للشعب الكردي, والتي كانت سبباً في اشعال الحرب الداخلية واستمرارها.
2- كان بإمكان السلطة في العراق استغلال فرصة أخرى سنحت لها عندما بعث المكتب السياسي للحرب الديمقراطي الكردستاني برقية إلى الحكومة العراقية بعد ابرام اتفاقية الجزائر أظهرت استعداد الثورة للتفاهم مع الحكومة وإرسال مندوب إلى بغداد لهذا الغرض عند الضرورة , فجاء الجواب سريعاً من إذاعة بغداد برفض هذا العرض والتي وصفتها بالحصان الخاسر , وحذرت في الوقت نفسه من انه ليس هناك مجال أمام الحركة الكردية المسلحة سوى الاستفادة من قرار العفو العام والعودة إلى ما اسمته بـ ( الصف الوطني ) , وكان رد الحكومة العراقية هذا نابع من نشوة الانتصار الواهم المقترن بالغرور والتشفي .
3- استغلت السلطة في العراق حالة الانكسار النفسي لدى الشعب الكردي بعد انهيار الحركة وعودة ألاف العوائل الكردية من إيران والمناطق الجبلية بشكل يؤكد استمرارها على نفس النهج السابق في الظلم والتهميش والاقصاء , فبدلاً من وضع برنامج شامل لمعالجة الحالة بعد الوضع الجديد وانتهاء الحركة , بغية استقطاب جماهير الشعب الكردي ومحاولة تغيير نظرتها السلبية للحكومة – نعم فبدلا من ذلك تصرفت بأسلوب بعيد عن كل معاني الوفاء والصدق والعطف على أبناء شعبها الكردي , كما كانت تدعي قيادة السلطة في العراق , حيث قامت بتهجير العوائل العائدة إلى المدن في جنوب وغرب العراق وإسكانهم في الأكواخ والصرائف وفي اماكن وأجواء لا يتحملها المواطن الكردي والذي شعر بالذل والهوان وبكونه كان على حق عندما ناصب السلطة العراقية العداء بعد ترسخ القناعة لديه بعدم مصداقيتها وأنها ماضية في الإيغال في سياساتها السابقة على نحو عمدت فيه إلى ترك كل الاعتبارات المتعلقة بخصوصية هذا الشعب والتي كانت تراعيها في بعض الأحيان سابقاً و وكان ذلك بفعل الغطرسة والغرور الناتج عن الحالة بعد انتهاء الحركة الكردية .
ثانياً: إيران
شهدت مراحل العلاقات العراقية – الإيرانية ومنذ فترات تاريخية تمتد من العهد العثماني بالتوتر والعداء حيث كان العراق تحت سيطرة الدولة العثمانية وكان للعامل المذهبي دور كبير في تأجيج روح العداء بين الدولتين وبذلك اصبحت الاتفاقيات والمعاهدات المعقودة بين الطرفين تستهدف تحقيق مكاسب سياسية دون تمكنها من حل المشاكل واستمرار حالة التشنج والخلاف وكان حال اتفاقية الجزائر حال مثيلاتها السابقات حيث قامت السلطات العراقية بإلغاء اتفاقية الجزائر وإعلان ذلك شخصيا من قبل الرئيس العراقي ( صدام حسين ) في 17 أيلول 1980, وبذلك فإن حجم الخسائر المادية التي منيت بها إيران من جراء الحرب التي استمرت ثماني سنوات في بنيتها التحتية كانت خسائر فادحة , اما خسائرها البشرية فقد تجاوزت ثلاثمائة ألف شخص قتلوا في الحرب وإصابة أكثر من خمسمائة ألف شخص.
إن هذه الحرب والتي كانت نتيجة تداعيات الاتفاقية المذكورة والتي اعتبرت أطول نزاع عسكري في القرن العشرين والتي سميت في العراق بـ ( قادسية صدام) وفي إيران بـ ( الدفاع المقدس) والتي توقفت بعد أن انهكت الحرب اقتصاد البلدين وبعد أن تكبد الطرفان خسائر مادية وبشرية جسيمة ما يزال البلدان يعانيان من أثارها حتى يومنا هذا, بالإضافة إلى عودتهما إلى نقطة الصفر وبقاء المشاكل دون حلول.
ثالثاً: الثورة الكردية
انتهت ثورة أيلول والتي اندلعت عام 1961 بقيادة ( الملا مصطفى البارزاني) بعد 14 عاما على اندلاعها حيث تكبد الشعب العراقي بأسره أفدح الخسائر في الأرواح والأموال حيث بلغت خسائر القوات المسلحة العراقية خلال الفترة أعلاه أكثر من أربعون ألف قتيل وجريح , في حين بلغت خسائر القوات المسلحة العراقية بعد تجدد القتال في آذار 1974 ولغاية آذار 1975 ستة عشر ألف قتيل وستين ألف جريح , في حين بلغت خسائر البيشمركة والمواطنين الأكراد خمسون ألف قتيل ومائة ألف جريح , بالإضافة إلى هجرة المواطنين الأكراد إلى ( إيران والدول الأخرى) وإبعاد المواطنين الأكراد الذين عادوا إلى الوطن إلى المناطق الجنوبية والغربية من العراق وفرض الإقامة الجبرية عليهم , وتجويعهم وتعرضهم للتعذيب النفسي والجسدي.
إلا أن الخطأ القاتل الذي ارتكبه الرئيس العراقي ( صدام حسين) في احتلاله لدولة الكويت في 2/8/1990 وإخراجه منها من قبل قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية بعد الهزيمة المرة للجيش العراقي في هذه المعركة غير المتكافئة في القدرات البشرية والفتية والإمكانيات العسكرية في مختلف أنواع الأسلحة المتطورة , وحسناً قال الشاعر العراقي الشعبي (عباس جيجان) عندما قال (( ما تكلي شبيك يا ثور القوي تروح تناطحه)).
وكان من تداعيات هذه الحرب في الجنوب وكردستان والتي جوبهت بالحديد والنار وهجرة المواطنين الأكراد إلى الدول المجاورة وفرض الحظر الجوي على الطيران , وتدخل المجتمع الدولي وصدور قرارات من مجلس الأمن الدولي في فرض الحظر الجوي وتحديد خط العرض 32 لتواجد القوات العراقية بعده وبهذا القرار عاد المواطنون الأكراد إلى مدنهم وتم إجراء انتخابات في إقليم كردستان وتشكيل برلمان وحكومة تدير شؤون الإقليم منذ عام 1991 وبسقوط النظام العراقي في 9/4/2003 استقرت الأوضاع في إقليم كردستان العراق بعد سن الدستور العراقي والاعتراف بشمول الإقليم بالنظام الفيدرالي.
#محي_الدين_محمد_يونس (هاشتاغ)
Mohiadin_Mohammad_Yonis#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟