|
ثورة برمهات1919 بين الشعب والزعماء
طلعت رضوان
الحوار المتمدن-العدد: 6166 - 2019 / 3 / 7 - 16:02
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
ثورة برمهات1919بين الشعب والزعماء طلعت رضوان دأب المؤرخون على وصف ما حدث فى شهربرمهات/ مارس1919بأنه ثورة قام بها سعد زغلول وزملاؤه، بينما الحقيقة أنّ شعبنا المصرى هوالذى فجـّـرأحداث الثورة..وبالرجوع إلى بداية الأحداث- كما ذكرالمؤرخ عبدالرحمن الرافعى وغيره- تتبيـّـن الحقيقة واضحة ساطعة سطوع شمس بؤونة..حيث أنّ المُـفجـّـرالحقيقى للثورة بدأ بعد رفض طلبات الوفد الذى سافرإلى لندن، برئاسة سعد زغلول وعبد العزيزفهمى وعلى شعراوى وآخرين..وذلك للمطالبة بالجلاء عن مصركما وعد الإنجليزلوأنّ مصروقفتْ مع بريطانيا فى حربها ضد ألمانيا فى الحرب العالمية الأولى. تراجع الإنجليزعن وعدهم..وتحجـّـجوا بأنّ الوفد (برئاسة سعد) لايـُـمثــّـل الشعب المصرى..ومن هنا بذختْ (فكرة التوكيلات) التى رحـّـبتْ بها جميع فئات الشعب (فى المدن والأقاليم- من فلاحين وعمال وموظفين وأعيان ومثقفين) ولكن الإنجليزلم يقتنعوا بتلك التوكيلات..ولم يكتفوا بذلك..وإنما نفوا سعد وزملائه إلى جزيرة مالطة فى8مارس1919، فكان هذا النفى هوالذى دفع شعبنا للخروج إلى شوارع وميادين القرى والأحياء والمدن، فى كل محافظات مصر..ولم يقتصر خروج الجماهيرعلى الهتافات المُـنـدّدة بالاحتلال البريطانى..والمطالبة بجلاء جيش الاحتلال من مصر..وإنما شمل دورالجماهيراقتحام معسكرات الإنجليزوالاستيلاء على الأسلحة..وكذلك نزع قضبان السكة الحديد..وبصفة خاصة فى الخطوط التى يستخدمها الإنجليزفى نقل أسلحتهم ومعداتهم..إلخ، بل إنّ الأمروصل لدرجة إقامة (جمهورية مستقلة) كما حدث فى إقليم زفته بمحافظة الغربية..حيث تـمّ إعلان (جمهورية زفته المستقله) وكان وراء تلك الفكرة الماركسى (يوسف الجندى) المحامى وشقيقه (عوض الجندى) إلى آخرتلك الأحداث المذكورة فى الكتب التى أرّختْ تلك الفترة من تاريخ مصر. 000 فى ضوء ما تقـدّم يتبيـّـن أنّ شعبنا المصرى هومُـفجـّـرثورة برمهات/ مارس1919 وليس سعد زغلول..ولاباقى أعضاء الوفد..ولعلّ أدق تأكيد على ذلك أنّ الحزب الذى تكوّن وعـُـرف باسم (حزب الوفد) كان بسبب الوفد الذى ذهب إلى لندن ونفى زعمائه..وما تلى ذلك من خروج الجماهير..وبدء أحداث الثورة. 000 الملحوظة الثانية أنّ ثورة برمهات كانت (ثورة وطنية علمانية) وقد يندهش البعض من هذا التعبير..ولكن تأمل مجمل أحداث الثورة وتطورها، يؤكد ما أذهب إليه وأعتقد بصحته..ومن بين أدلة ذلك 1- المظاهرات شملتْ شعبنا (كله) بغض النظرعن ديانة المتظاهرين..حيث تظاهرالمسيحيون بجانب المسلمين 2- إنّ خروج شعبنا- بهذا الشكل العفوى والحضارى- معناه أنّ مبعثه الانتماء الأول والأصيل يكون على أرضية (الولاء للوطن) وأنّ (الولاء للدين) يأتى فى المرتبة الثانية 3- وقد عبـّـربديع خيرى عن ذلك المعنى فى الأغنية التى غناها سيد درويش..والشعب يـُـردّد وراءه: اللى تجمعهم أوطانهم..عمرالأديان ما تفرّقهم. 000 ولعلّ ما حدث فى 1919يعود بجذوره إلى تسع سنوات حيث أنه فى عام1910 حدث اغتيال بطرس باشا غالى (رئيس النظار) وكان القاتل شاب متطرف دينيـًـا (إبراهيم الوردانى) فتظاهرأمثاله من المتطرفين وردّدوا شعارًا دينيـًـا ((تسلم يمن الوردانى اللى قتل بطرس النصرانى)) ولكن لأنّ شعبنا (بالرغم من أنّ الحركة الثقافية لم تكن بالنضج الكافى لتــُـرسّـخ فيه معنى التعددية) ومع ذلك خرجت مظاهرة عفوية قال فيها أصحابها ((تسلم إيد الوردانى اللى قتل بطرس البريطانى)) أى أنّ الاغتيال كان لأسباب (وطنية) وليست (دينية) كما زعم الإسلاميون. كان هذا الدرس فى وجدان وعقل الحركة الوطنية لثواربرمهات/ مارس1919، ولذلك لم ينزلقوا إلى أية شعارات أونزعات (دينية) فعندما تقرّراغتيال يوسف باشا وهبى، الذى وافق على التعاون مع الإنجليز(بأنْ يتولى منصب رئيس الوزاء، بعد أنْ رفض معظم الساسة المصريين التعاون مع الإنجليزبعد ثورة1919) لذلك تولى مهمة محاولة الاغتيال الشاب (عريان يوسف سعد) الطالب بكلية الطب..وبذلك يكون الفاعل (مسيحى) والمُـستهدف (مسيحى مثله) وبالتالى يكون قد تـمّ سد الباب أمام الإنجليزفلا يستغلون الحادث على أنه (نزاع دينى بين المسلمين والمسيحيين) ووفق صياغة لويس عوض الثاقبة، فإنّ يوسف باشا وهبه الذى عيـّـنه الإنجليزعام1883 ليكون سكرتيرلجنة التحقيق مع العرابيين، اختاروه عام1919 ليقضى على ثوارتلك الثورة الشعبية العظيمة (أوراق العمر- مكتبة مدبولى- عام1989- ص122، 123) وذكرأنّ والده قال له إنّ الإنجليزحاولوا تطبيق (سياستهم الشهيرة: فرّق تسد التى طبـّـقوها مع أصحاب النزعات الدينية الإسلامية فى الهند..ونجحوا فى تقسيم الهند بولادة دولة مُـشوّهة أطلقوا عليها: باكستان) ولكنهم فشلوا فى مصر. وعن ثورة برمهات العظيمة ذكرعبدالرحمن الرافعى دورالفلاحين الذى كان أحد أسباب نجاح الثورة..ووفق نص كلامه كتب ((لم يكن أحد يتوقــّـع أنْ يهب الفلاح المصرى (الموصوف بالسذاجة والبعيد بفطرته الطبيعة عن غمارالسياسة وعواصفها) أنْ يهب..ويكون فى الصفوف الأولى..وتصل وطنيته لدرجة خلع قضبان السكة الحديد..وقطع المواصلات..وبذل روح الفداء من أجل الوطن)) وذكرأنه من بين مظاهرالثورة، اشتراك المرأة المصرية- سواء بالكتابة فى الصحف أوببذل الروح والدماء والمال)) (عبدالرحمن الرافعى- فى كتابه: مصرالمجاهدة فى العصرالحديث- دارالهلال- ط3- عام1990- ص132، 133) ولعلّ ما حدث فى برمهات/ مارس1919هوالذى فجـّـرطاقات الموهبة الإبداعية الكامنة، داخل وجدان وعقل المُـبدع الموهوب (سيد درويش) فأبدع الأغانى التى لازال شعبنا يـُـردّدها بالرغم من مرور100سنة على تأليفها وتلحينها..وقد حالفه الحظ بصحبة الشعراء الوطنيين..وأصحاب الموهبة، أمثال (بديع خيرى) الذى كتب له معظم أغانيه الوطنية (بلادى بلادى لكى حبى وفؤادى- نموذجـًـا) والشعبية/ التراثية (الحلوه دى قامت تعجن فى الفجريه- نموذجـًـا) والعاطفية (زورونى كل سنه مره- نموذجـًـا) فى ضوء ما تقـدّم تتأكد حقيقة دورشعبنا فى ثورة برمهات/ مارس1919، وليس دورالزعماء..ولعلّ ذلك ما يـُـفسّـردوربريطانيا فى تكوين ودعم جامعة إسلامية والتبرع بمبلغ500جنيه (بسعرعام1928) لتكون فى مصر(جماعة الإخوان المسلمين) لوأد أية حركة شعبية..وضد أية (ثورة جماهيرية) وبناءً على ذلك قرّرالإنجليزأنه لايجوزتكرارما حدث فى برمهات/مارس1919..وذلك بمراعاة ما ردّده شعبنا وراء سيد درويش (وآمن به): ((اللى تجمعهم أوطانهم..عمرالأديان ما تفرّقهم)) ***
#طلعت_رضوان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هل يتحقق الانجازالعلمى فى مجتمع تحكمه الخرافة؟
-
العداء العربى/ العربى ومرض (وهم العروبة)
-
الفلسفة والعداء للمعرفة
-
رامى مالك والأوسكار وتزويرالانتماء الوطنى
-
الوباء المُهدد لتقدم الشعوب
-
الشعب الجزائرى ينتفض ضد تأبيد الحكم
-
الصراع بين اللغات القومية واللغة العربية
-
الحضارة المصرية مازالت تبهرالمتحضرين
-
الصحافة الإسرائيلية : هل تتمتع بالحرية
-
أيهما يحقق العدالة الاجتماعية: النظام البرلمانى أم الرئاسى؟
-
حماية الدستور بين الشعب والجيش
-
تحذيرالمثقفين المصريين من الخطرالصهيونى
-
دلالة الاعتداء على رئيس مجلس الدولة
-
ماكرون يذكرأردوغان بالمذابح ضد الأرمن
-
قراءة فى بعض كتب العقاد
-
آثارالتعصب الدينى والمذهبى
-
إلى متى يستمرمخطط القضاء على الشعغب اليمنى؟
-
أليس سيد درويش الامتداد الطبيعى لثورة برمهات/مارس1919؟
-
دار الإفتاء ومياه المجارى
-
هل سيقضى الفلسطينيون على قضيتهم؟
المزيد.....
-
قائد الثورة الاسلامية يستقبل حشدا من التعبويين اليوم الاثنين
...
-
144 مستعمرا يقتحمون المسجد الأقصى
-
المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية: مذكرة اعتقال نتنياهو بارقة
...
-
ثبتها الآن.. تردد قناة طيور الجنة الجديد 2025 علي كافة الأقم
...
-
عبد الإله بنكيران: الحركة الإسلامية تطلب مُلْكَ أبيها!
-
المقاومة الإسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الأراضي
...
-
المقاومة الإسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الاراضي
...
-
المقاومة الاسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الاراضي
...
-
ماذا نعرف عن الحاخام اليهودي الذي عُثر على جثته في الإمارات
...
-
الاتحاد المسيحي الديمقراطي: لن نؤيد القرار حول تقديم صواريخ
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|