فاتح جاموس
نحن في حزب العمل الشيوعي في سورية ، و كل حالة تقارب أو تشبه حالتنا ... أو أي مجموعة صغيرة أو حالة فردية مهتمة بموضوع اليسار في العالم و سورية بشكل خاص أو مهتمة بموضوع النضال الديمقراطي و الوطني و الاجتماعي، هل نتجاوز الضرورات الوجودية و التاريخية كما النضالية عندما نطرح على أنفسنا قضية البحث في مسألة الحركة السياسية أو الحزب الذي نريده و يريده الواقع السوري بالاستجابة لحاجاته السياسية الشاملة ذلك بعد التطورات المذهلة على الصعيد العالمي كما العربي و بعد عقود من القمع الديكتاتوري العاري العنيف الذي مارسته السلطة ضدنا و ضد عدة أطراف سياسية يسارية معارضة ، و الاثار التدميرية التي ترتبت في كل ناحية من المجتع بحيث قطعت علينا الطريق من الزاوية الرئيسية و منعتنا في الكثير من الاحيان من إجراء التطورات الضرورية ، و لم نتمكن من إجراء مراجعة نقدية شاملة أو تطوير شامل مواكب للعصر و الضرورات ، مع الاخذ بعين الاعتبار مسؤوليتنا الذاتية الكبيرة في ذلك و التي وصلت أحياناً أو تجاوزت قيمة العامل الخارجي ،.. ذلك في نفس الوقت الذي كنا ندعي فيه بل نصر على معرفتنا و إدراكنا لمستوى القمع الذي سيقع علينا لمعرفتنا لطابع السلطة الديكتاتورية ... نصر على معرفتنا للشروط الواقعية التي نعمل بها ...بينما تتكشف بنيتنا عن عيوب ، و منطقنا عن قصور و تقادم بحيث نراجع وعينا الكيفي ... و تهددت اداتنا النضالية بالدمار التنظيمي الهيكلي ... و هل نتجنى على ، أو نخون تاريخنا النضالي عندما نطرح على أنفسنا أسئلة صعبة تتعلق بمفهوماتنا الاستراتيجية و البرنامجية أو تتعلق بمراجعات أيديولوجية ، أو تمس بجدية عالية مفاهيمنا و علاقاتنا في المحتوى و الشكل مع ما يسمى باليسار العالمي و ازمته - أو مع مجمل فصائل اليسار السوري في صف المعارضة او صف السلطة ؟
هل نخاف في حزب العمل الشيوعي في سورية تتعلق حتى بقضايا موت و حياة الحزب ، موت و حياة اليسار العالمي أو السوري ، هل نخشى الدخول في عملية بحث شاملة لمستوىالتدميرالذي وقع في حزبنا ... عوامل الموت ... أو عوامل الحياة الكامنة ... أو تلك الدينامية الحية و الواقعية . و سبل الارتقاء و ا لتجاوز و إستنهاض تجربة لها درجة من الرسوخ في الواقع ...أعطاها و لا يزال يعطيها الواقع المعني في إطار تطو راته و ضروراته ... هل نخشى أن نبحث مرة و مرة السمات العميقة للواقع الاجتماعي و الاقتصادي و السياس ي السوري ، أو مستوى وجود و إمكانات تطور القوى السياسية الوطنية و الديمقراطية المناضلة ... أو مستوى تطو ر الحركة الديمقراطية العامة...هل يعتبر عملنا على ذلك الاساس عملا تبشيرياً من البدايات... من الصفر ...أم يقوم على إرتكازات لها درجة من العمق الكافي للنهوض و المراجعة الشاملة و التطوير؟ هل لا تزا ل الفرصة سانحة و مناسبة حتى الان... أو تأخرنا؟ هل تجاوزتنا الشروط...أو الماركسية و الشكوك المثار ة حولها ...و اليسار العالمي المحلي و الازمة المتعلقة بكل ذلك على درجة من الاستفحال تصعب فيها العقدة ملئ فراغ ذلك الموقع نضالنا؟ هل تمكن القمع من قتل نضالاتنا و دفنها في إطار تلك الازمة العامة على ا لرغم من الثمن الباهظ الذي دفعناه في مرحلة عصيبة من تاريخ الوطن... هل نحن قوة أو قوى لم يعد أحد يسمع بها؟و لماذانفعل كل ذلك على هذا المستوى من العلنية و الحضور المتنوع و المختلف للتساؤلات و الاراء و الحوارات و التداول بالامر...هل نحن بصدد الطلاق مع تلك الصيغ التنظيمية من العمل السري المؤطر؟
بالتداول مع كل تلك الاسئلة و أخرى غيرها... سنحدد أية حركة سياسية أو حزب نحن عليه، و كيف سنصير حركة عصرية...و ديمقراطية بعمق، مستجيبة لضرورات الواقع...في إطار التجادل العضوي مع قوى اليسار الاخرى لبناء حركة سياسية واحدة متجاوزة للماضي... كما بالتجادل الشامل مع و في قلب معركة التطورات الجارية في وطننا لنلعب الدور الريادي و الاكثر جرأة و نضجاً... و وعيا و مسؤولية وطنية.
أولاً: ماذا نعني باليسار السوري:
لا شك أن الامر ملتبس بدرجة غير بسيطة ذلك بسبب الاختلاطات و التقاطعات في ميادين الايديولوجيا و الفكر، و مصطلحات الوطنية و الديمقراطية، ثم النضال السياسي البرنامجي. كأن نقول شيوعية أو ماركسية... أو إشتراكية علمية أوإشتراكية و القوى المنسوبة إليها . أو عندما يتعلق الآمر بقوى دون أن نجرؤ على شطب صفة الوطنية أو الديمقراطية عنها في حين أنها ليست موجودة في صف المعارضة للديكتاتورية بالمعنى المنهجي أو البرنامجي السياسي ... بل سوغت القمع بموافقتها على أنظمة الجبهة الوطنية التقدمية و ميثاقها دون سعي جدي منها لفتح حوار مع القوى المعارضة اليسارية ...أو بدون سعي جدي لتطوير مواقفها السياسية...
هكذا هي إذن واسعة مروحة اليسار لكنها تنقسم اساساً من زاوية النضال السياسي إلى صفين: صف في خندق المعارضة ضد القمع و الديكتاتورية و الاضطهاد الرأسمالي الطبقي...وصف في خندق السلطة مع كامل التشويش فيما يتعلق بنضال تلك القوى في الميدان الديمقراطي بشكل خاص...و النضال الاجتماعي الطبقي بصورة عامة...مع التأكيد أن صف المعارضة يمثل القوى الراديكالية في النضال الاجتماعي و الوطني و الاجتماعي بتفاوت سوياته بينها...صف قوى اليسار الاخرى يمثل الطابع الاصلاحي و الانتهازي في ذلك النضال...بتحديد أكثر دقة ...إن قوى اليسار في المعارضة هي القوى الاساسية للتجمع الوطني الديمقراطي...بالإضافة إلى حزبنا، حزب العمل الشيوعي و بعض قوى اليسار الكرديـة
(دون الخوض في تحديد قوى اليسار الكردي، يحتاج لبحث ميداني أكثر شمولاً و دقة، كما يحتاج الحركة السياسية، أو الموقف السياسي لليسار فيما يتعلق بالقضية الكردية إلى وجهة نظر تأخذ بعين الإعتبار خصوصية المسالة).
مثل الديمقراطي الكردي و حزب الوحدة، أما قوى اليسار خارج المعارضة فنعني بها تحديداً الحزبين الشيوعيين في الجبهة الوطنية التقدمية...
للمزيد من الوضوح أضيف أن منطلقي الفكري في الإنتماء أو المنهج الذي تقوم على أساسه الدراسة هي الماركسية أو الشيوعية ذلك في كل ما يتعلق ببحث أزمة اليسار العالمي أو المحلي...كذلك قضايا حزبنا مع قناعة جديدة و عميقة(كما سيتضح في ثنايا الدراسة)بضرورة المرونة الأيديولوجية و ذلك بالاستعداد للقبول بوجود تلوينات أيديولوجية مختلفة(دون تناقض جوهري بينها) حول أيديولوجيا أساسية، في إطار حركة سياسية واحدة أو حزب سياسي و نحن نناضل بصورة جدية لتحقيق جدل بناء مثل تلك الحركة أو الحزب في وسط اليسار السوري المتبلور على أية صورة تنظيمية أو سياسية...أو يمكن أن يتبلور عليها مستقبلاً.
ثانيا: ملامح عامة في التاريخ الموضوعي و الذاتي لليسار السوري
...
لكن هل هناك فراغ نضالي في موقع اليسار؟ و ماذا نقصد بالفراغ...نقصد أساساً غياب القدرة الذاتية أو الثأثير الفعلي من زاوية التلبية الموضوعية لضرورات سياسية و أجتماعية... لتشكل تمثيلا جدياً لبرنامج و نضالات القوى الاجتماعية ـ الطبقية ( الشعبية ) على رأسها الطبقة العاملة...من موقع نضالي مضاد للرأسمالية كطبقة...كتشكيلة إجتماعية، كنمط للإنتاج يقوم أساساً على الاستغلال... و كمنطلق شامل يحكم مصالح الرأسمالية على مختلف الصعد القومية و الوطنية و الاجتماعية و الثقافية... إن قصة الفراغ في الموقع النضالي ...السياسي و الاجتماعي و الايديولوجي لليسار السوري هو شئ قديم رافق الحياة السياسية للحزب الشيوعي السوري منذ نشأته... و تجلى ذلك واضحاً في مرحلتين و في ميادين عدة... مرة بسبب العجز عن إستيعاب متطلبات النضال القومي و بمنعكسه الوطني في سورية حيث سمح ذلك و أدى موضوعياً لظهور أحزاب أخرى
لها طموحات أخرى في ملء الفراغ ... مثل حزب البعث ... و حركة القوميين العرب... و مرة في الميدان الديمقراطي و الاجتماعي... عندما دخل الحزب عملية تحالف مع السلطة و سوغ ذلك بمقولات نظرية طرحت في إطار الحركة الشيوعية العالمية في حينه...مما أدى إلى بدء تاريخ سياسي غير مستقل من منظور البرنامج الطبقي و الشعبي و طبع نشاط الحزب بالاصلاحية و الانتهازية العميقة في الميدانين الديمقراطي و الاجتماعي.
إن ذلك المسار في تاريخ الحزب الشيوعي السوري لم يؤدي إلى ظهور قوى سياسية ذات مشاريع طموحة من خارجه في الاربعينات و حتى الستينات فحسب ...بل وصلت الازمة إلى صفوفه و أدت إلى إنشقاق واسع عميق و ظهور مشروع آخر طموح لملء موقع الفراغ المعني ذلك كما وجدنا في الحزب الشيوعي السوري (المكتب السياسي)...ان مشاريع ملء الفراغ لم تقتصر على ذلك ... بل مع تراجع و دمار لمشروعي البعث و القوميين العرب... و تاخر التطورات في صفوف الحزب الشيوعي السوري...ثم تاخر حالة البلورة السياسية و النضالية و البرنامجية في صفوف الانشقاق داخل الحزب...و الاستمرار بحالة التأثر بالماضي التنظيمي و البرنامجي... و إندفاع آثار هزيمة حزيران... كل ذلك خلق ظاهرة الحلقات الماركسية لترتقي في مشروع يساري آخر طموح... هكذا إذن ظهر مشروعان سياسيان طموحان على أساس الفكر و الايديولوجيا الشيوعية ( الحزب الشيوعي السوري- المكتب السياسي و حزب العمل الشيوعي) و اريع أخرى عدة تباطأت في بلورة موقفها من مسألة المنهج المادي التاريخي... و الاشتراكية العلمية ...منسجمة بذلك و مشدودة إلى خلفياتها و تاريخها مثل مشروع البعث الديمقراطي ... و الاتحاد الاشتراكي العربي و حزب العمال الثوري ... تلك هي المشاريع التي حاولت التنافس لملء الفراغ النضالي في جبهة اليسار.
ثم دخلت سورية مرحلة صراع سياسي خطير... إستخدمت فيه وسائل العنف العاري و الارهاب أستخدمت فيه العصبيات الاكثر تخلفاً للنسيج الوطني...خلاله تطورات كل شروط الطابع الديكتاتوري للسلطة...كل شروط القمع لتترسخ أكثر فأكثر... طارحة حل ازمة الصراع مع الاتجاه الاسلامي بصورة متفردة و لتندار في نفس الوقت ضد كل قوى اليسار على إختلاف مواقفها من الصراع... لتمارس ضد بعضها... ضد تلك المشاريع الاكثر جدية و تنظيماً... الاكثر تبلوراً و راديكالية... أشد أنواع القمع السافر ذلك ضد حزبنا ( حزب العمل الشيوعي ...و المكتب السياسي و البعث الديمقراطي)...مع ممارسات قمعية أخرى أخف بكثير تجاه الاتحاد الاشتراكي و حزب العمال و مع إنهيار الاتحاد السوفياتي و طرح كل شيء على الانتقاد و المراجعة... و في ظل ذلك القمع و المحاولات المتواصلة للسلطة كي تدمر تلك التنظيمات و مع التراجع الشديد في مستوى الحراك السياسي في وطننا... حتى وصل حدود التوقف... بتأثير تلك الشروط و العجز عن إلتقاط الانفاس و خلق دفاعات تكيفية مناسبة ... بالاضافة إلى المنطق الذي حكم الطواقم القيادية لتلك التنظيمات... بذلك كان التأثير النضالي يتراجع... و الحالة التنظمية تصاب بالدمار المتصاعد... ليعود الفراغ النضالي مجدداً... بعد تطورات هامة في نفوذ ذلك اليسار...كل على حدة أو بمجموعه... ليتعزز عمق الفراغ في موقف اليسار السوري بجملته... بقي الامر على حاله و لا يزال حتى الان على الرغم من محاولات استمرار العمل التنظيمي و السياسي... على الرغم من وجود بعض الاطارات و الوسائل و الصيغ الرسمية... على الرغم من بدء محاولات للمراجعة الشاملة...
لكن يجب الاعتراف أننا لا نزال جميعا تحت تأثير تلك الشروط...و أننا لم نتمكن بعد من إجراء مراجعات نقدية شاملة... لم نتمكن من تجاوز آثار القمع و الجمود... و التقادم في منطق إدارتنا للفعل السياسي... لم نتمكن من تجاوز آثار التطورات السلبية في صف الثورة على الصعيد العالمي... بل ربما لم يستطع بعضنا إعادة العجلة التنظيمية الى صفوفه كما يجب... و لا تزال إطاراتنا القديمة مدمرة أو شبه مدمرة و قوانا البشرية واقعة تحت تأثير يببي السلطوية القمعية.... لا تزال وجلة و خائفة... غير واثقة من التطورات القائمة بحدودها... و الامكانات التي تسمح بها... بل بقسمها الكاسح واقعة تحت ضغط الدمار المعيشي... إذن يبدو الامر و كأنه مراوحة في المكان بعد زمن طويل على نشوء قوى اليسار تلك... و بعد تطورات هائلة نوعية في كل الميادين... بل يبدو تراجعاً فعلياً كبيراً ... يبدو و نحن نحاول المراجعة و إعادة إنتاج حالاتنا كأنه عمل تبشيري يحمل كل الجدة... هكذا يبدو الامر... هكذا ينظر إليه البعض أيضاً... بل يدفع البعض وجهه بعيداً إذ يقول:
لماذا تعذبون أنفسكم بإطارات مدمرة بحركات و أحزاب سياسية لم تستطع أن تراجع مفاهيمها و برامجها ... لم تستطع أن ترد على مقتضيات التطور... لم تستطع أن تتجلى بالمرونة الكافية لتطور نفسها ... لم تستطع الصمود و الاستجابة لمقتضيات الواقع...لم تستطع أن تقطع الطريق على الخسائر التي وقعت في صفوفها بسبب الق مع الشديد... قوى تراجع نفوذها حتى تبدو شبه ميتة... قوى تراكمت مهامها إلى درجة تنؤ تحت ثقلها و ي صعب عليها النهوض... حركات و أحزاب ميتة بالمعنى الفعلي حتى لو كانت لها مسميات و إطارات و وسائل نش اط و تاريخ خاص... قوى دمرها القمع و دمرها منطقها في التفكير و الممارسة...بينما يطرح الواقع الان ض رورات.... و يفتح آفاقاً أمام آمكانات و إحتمالات آخرى... تعالوا نبحث عنها... الواقع و الضرورات الشاملة فيما يخص العملية الثورية و قضايا العصر... تطرح ضرورة نشوء حركات و قوى سياسية مختلفة في الجوهر و الشكل ... و هكذا هو الامر عندنا في سورية خلال المرحلة الانتقالية التي نمر بها... إنها حبلى بضرورات مختلف ة و إمكانات مغايرة للماضي... هنا يجب بذل الجهود بصورة رئيسية... و ما ينطبق على مجموع القوى من منظور أصحا ب تلك الاراء ينطبق علينا في حزب العمل الشيوعي... مهما كلن مشروعنا طموحاً... و على الرغم من الث من الباهظ الذي دفعناه من أجل الحرية...أو الموضوعات الاخرى لبرنامجنا السياسي ... هكذا يقولون... ماذا نقول؟.
بداية : من المفيد التذكير أن التاريخ قد قدم لنا أمثلة عديدة عن موت و حياة... عن تطور و إرتقاء الحركات السياسية و الاحزاب... مؤكداً أن ليست هناك قوانين صارمة... أو حتى قوانين عامة محددة... مطلقة,,, و في أفضل حالاتنا لا نستطيع سوى رصد إتجاهات عامة مقاربة ... إذ اندثرت مثلا أحزاب يسارية طموحة تحت ضغط القمع... بل حتى لم تتمكن نهائياً من إعادة النظر بتجربتها... إندثرت بقوة القمع و التدمير على مدى زمن طويل ... أو بضربات عنيفة وحشية من الارهاب القاتل السريع... و هكذا افتقدت لأي لحمة... افتقدت الحد الادنى من العوامل الكامنة أو المباشرة التي تسمح لها بالحياة مجدداً... أمام شروط مغايرة جديدة... كما أعطانا التاريخ أمثلة اخرى كثيرة تفيد بعجز القمع و الاستبداد و الديكتاتورية عن تصفية حركات سياسية و أحزاب اخرى على الرغم من الدمار التنظيمي الذي أصابها في هياكلها... و في مؤسساتها في طواقمها القيادية, على الرغم من الانقطاعات الطويلة و عدم إجراء المراجعات النقدية الضرورية أمام تطورات الواقع... لقد سمحت بعض العوامل الكامنة أحياناً في إعادة إحيائها و في ملئها للفراغ النضالي... بل في بعض الاحيان سمح عامل واحد بعينه بصورة رئيسية في كل ذلك... كأن يكون مرة الثمن النضالي الباهظ الذي دفع في شروط خاصة يمر بها الوطن و تطلبت مثل ذلك الثمن... أو يكون مجموعة كوادر و درجة من الجرأة... الجرأة المتنوعة على صعيد النقد و التحليل و التطوير و مواجهة ظروف القمع... أو يكون أحياناً خطاً نظرياً و سياسياً...برنامجاً سياسياً صائباً و مجموعة بشرية مقتنعة بضرورة الانطلاق مجدداً...لكن في كل الاحوال سيبقى خط الحركات السياسية و الاحزاب التي لا تقوم على أساس من حاجات الواقع الموضوعي... التي لا تستطيع أن تطرح خطاً نظرياً سياسياً متميزاً فعلياً... أي لا تستطيع تبرير وجودها... سيبقى حظها من الحياة ضعيفاً... على الاخص عند مواجهة قمع شديد... ستكون ظواهر فقاعية...
بل غالباً ما تموت بعد زمن قصير من محاولتها الوجود في خصم الصراع ...
على الرغم من كل ذلك هناك إمكانية لوجود واستمرار حركات سياسية يسارية لا مبرر موضوعي فعلي لها لا حاجة بها في إطار ضرورات الواقع ...
بل تستمر بحكم وجود عصبية ما قادرة على جمع عدد من البشر والمحافظة على إطارهم أو تطويرهم بصورة جزئية ..
إن مسألة دور العصبيات في الوجود ..
أو الاستمرار الضعيف أو القوي .. هي مسألة معقدة وقادرة حتى على اختراق الاتجاهات العامة ذات الطابع القانوني..
كيف هو الحال عندنا في وطننا السوري ؟ ...
كما ذكرنا إذن : لم يستطع الحزب الشيوعي السوري أن يعبر عن ضرورات وحاجات الواقع النضالية في برنامجه وممارساته خاصة في دوره الناقص والضعيف ..
وغير الثوري في مواجهة الفرنسيين.
وبصورة أخص جملة مواقفه ( على صعيد المفاهيم والممارسات ) تجاه العديد من تحديات المسألة القومية إثر العدوان الصهيوني الاستيطاني..
مما خلق أزمة في علاقته مع الجماهير وطرح ضرورات البديل من خارجه أولا ..
فقامت تلك المشاريع الطموحة سياسيا محاولة الاستجابة لتلك الضرورات وتجاوز الحزب الشيوعي ..
وهكذا تمكنت من تحقيق انتصارات ذات قيمة كبيرة في مراحل معينة ..
تحديدا حزب البعث وحركة القوميين العرب ..
لكن الحزب الشيوعي نفسه لم يدمر لم يمت بل بقي فعليا يعبر عن درجة مهمة من الحاجات النضالية الشعبية على صعيد النضال السياسي الديمقراطي والاجتماعي في حينه .
بقى حزبا على درجة من النفوذ تقاسمه الأحزاب الجديدة ميادين نشاطه ونفوذه وتتفاعل في داخله أزمة عميقة..
ثم جاءت حرب الخامس من حزيران ( الهزيمة ) لتضع كل قوة في موقعها وقيمتها الفعلية..
لتكشف برامج القوى السياسية وممارساتها ..
لتخلف أزمات فيها جميعها .. فتشكلت ضاهرة الحلقات الماركسية وتطورت بينما تفاقمت الأزمة داخل الحزب الشيوعي لتأكله وصولاً إلى الانقسام الشهير وبروز مشروع ( المكتب السياسي ) وهكذا وجدت وتعايشت عدة تنظيمات يسارية مع بعضها خاصة بعد متابعة الاتحاد الاشتراكي نشاطه معتمدا على الإرث الناصري في أرقى حالاته وطموحاته وبعد متابعة اتجاه 23 شباط نضاله على هيئة تنظيم ( البعث الديمقراطي ) معتمدا إرث البعث أيضا في أرقى حالاته العقائدية والنضالية ..
أريد القول من كل ذلك أن الحزب الشيوعي السوري لم يستطع أن يبقى الحزب اليساري الوحيد القادر ببرنامجه ونضاله من التعبير عن الكتلة الرئيسية في قوى وطبقات الشعب خاصة الطبقة العاملة ..
لم يستطع تحقيق نفوذ وانتصارات جدية ..
بعجزه ذلك ربما " سمح " للواقع الموضوعي ( الطبقي الاجتماعي ) السوري أن يأخذ مداه في خلق تعبيرات كثيرة ..
حركات وأحزاب سياسية متنوعة ..
" ربما " سمح للواقع الموضوعي أن ينتقم لنفسه محاولا خلق تعبيرات عديدة وكأنها تمثل حقيقة ذلك الواقع الطبقي ـ الاجتماعي ..
أو واقع الفئات البينية أو الوسطى ، أو بحر البرجوازية الصغيرة الهائل ...
وكم هو شهير واقعنا السوري بشدة انتشار تلك الفئات وقوة تأثيرها ..
وتعدد تلويناتها .. لقد عجز الحزب الشيوعي من أن يركب ظهر ذلك البحر أو الحصان ..
( الواقع ) ليسوسه ويقوده ..
ليعبر بطروحاته وبرنامجه وممارساته عن المصالح والطموحات الشاملة لفئات المجتمع الشعبية الرئيسية ..
عجز عن تحقيق المعادلة الرئيسية في كل ذلك ..
تلك التي تمنع الانشقاقات الكبيرة في صفوف الحزب ..
أو تمنع نشوء قوى يسارية أخرى عن يسار ذلك الحزب ...
بذلك يبدو الأمر وكأن القانون الطبيعي ( الموضوعي ) قد عاد لممارسة قوته .. عاد للتعبير عن حالة الضعف في الاستقطاب الطبقي .. ليعبر عن وضع الفئات البينية .. ليجعل الأمر وكأنه أمر تعددية في التعبير ..
وفي الحالتين الموضوعية والذاتية ..
وعندما كانت الأحزاب والمشاريع الأولى الطموحة التي حاولت تجاوز الحزب الشيوعي السوري ( حزب البعث وحركة القوميين العرب ) تحمل معها إشكالاتها ..
فإنها عجزت عن تحقيق حالة التمثيل النضالي المتجاوز .. لكنها لم تمت .. بل تمفصلت على موضوعات نظرية وسياسية واجتماعية سمحت لها أن تبقى على هيئة قوى سياسية في موقع اليسار .. كحالة الاتحاد الاشتراكي .. وحزب العمال .. ولاحقا حركة 23 شباط ..
هكذا أعطى الواقع امتدادات لمشاريع قديمة ..أعطى تنظيمات استطاعت أن تمثل شيئاً ولو جزئياً في موقع اليسار النضالي ..
كذلك أيضاً بدا الأمر عموماً حتى بالنسبة للمشروعين الأكثر طموحاً وأهمية في محاولة تجاوز الحزب الشيوعي السوري .. أعني مشروع ( المكتب السياسي ) ومشروعنا في ( حزب العمل الشيوعي ) ..أقول هذا على الرغم من مؤشرات التطور والنفوذ والتأثير الذي حققه كل مشروع منها ..
لقد انطلق مشروع الرفاق في المكتب السياسي من داخل إطار وبنية وتاريخ الحزب الشيوعي السوري وحمل معه بعض ما هو مهم من ذلك الإرث بقيمته غير الراديكالية .. بحيث أثر على وتائر تطور الحزب ..
أثر على أهم محطات تطور برنامجه وطروحاته وممارساته .. هكذا بدأت في داخله سلسلة انقسامات أضعفت نفوذه كثيرا ..
وإذا أضفنا إلىكل ذلك منطق خاص في الفهم والممارسة تجاه عدد من الظواهر السياسية .. مثل الصراع الذي نشب في سوريا ..أو الموقف من ظاهرة الحلقات و حزب العمل الشيوعي لاحقا ..
موقف اتسم بالترفع والخصومة وإدارة الظهر .. إلى حد اسماه البعض بعداوة الكار ..
كذلك الفهم والشروط التي تحددت عليه وصبغت طابع التجمع الوطني الديمقراطي في نظامه الداخلي ونشاطه السياسي ..
لو أخذنا كل ذلك بعين الاعتبار لعرفنا بدقة أعلى مستوى تطور مشروع المكتب السياسي..
واصطفافه إلى جانب أحزاب اليسار الأخرى ليعبر كغيره أو ليمثل قسطاً من ضرورات الواقع .
بالنسبة لنا في حزب العمل الشيوعي .. وعبر أهم محطات مسارنا بينما نرتقي بمشروعنا ..
كنا نطور إدراكنا ووعينا لطبيعة الواقع الطبقي البيني ..
الشديد الاتساع والتلون في وطننا كما كنا نطور إدراكنا ووعينا لواقع الأحزاب اليسارية
السورية والعلاقة الموضوعية والتاريخية التي قامت بين ذلك الواقع الطبقي الاجتماعي وتلك المشاريع ..
ثم حددنا موقع ظاهرة الحلقات وتنظيمنا بعدها بدقة معقولة ..
وحددنا دورنا أيضاً ...
طرحنا طموحاتنا في ذلك الدور ..
على ذلك الأساس لم نعتبر أنفسنا الطرف الثوري الشيوعي الوحيد في إطار الحركة الشيوعية المحلية بكل أطرافها ..
ذلك كما فعل رفاق المكتب السياسي.. بل حتى وجدنا أن هناك قوى ديمقراطية ثورية غير شيوعية .. لها تأثيرها في الواقع ولها دور في بناء ذلك الحزب البديل ..
وكان طموحنا أن نلعب دوراً رئيسياً في بناء ذلك الحزب .. ذلك بتصور نظري وتاريخي تعبنا عليه أسميناه ( جدل بناء الحزب الشيوعي الثوري في الساحة السورية )..
كان جدلاً خاصاً مركباً من اللحظة التي عجز فيها الحزب الشيوعي السوري عن أن يلعب دوراً مركزياً ووحيداً كحزب ثوري قادر على تمثيل طموحات وبرنامج القوى الشعبية على رأسها الطبقة العاملة ..
كان جدلاً خاصاً انفلت في ذلك الواقع الاجتماعي الطبقي البيني ..
ثم واقع نشوء واستمرار وجود أطراف سياسية متنوعة ذات قدرات تأثيرية مختلفة ..
لكل منها دور خاص في بناء ذلك الحزب أو تلك الحركة ..
يتأتى ذلك الدور من القدرات الثورية التي يختزنها كل حزب أو قوة في ميدان خاص بها أكثر من غيرها ..
أو تشترك به مع غيرها بدرجة مختلفة من التأثير ..
وقبلنا على ضوء ذلك الفهم وتلك الرؤية للواقع الموضوعي والتاريخي ..
أن نكون قوة إلى جانب تلك القوى .
مع طموح كبير في أن نلعب دوراً أساسياً ..
ماذا بقي من تلك القناعة ..
وتلك اللوحة بوجهيها ، بجانبيها ، الموضوعي والذاتي الآن وبعد مرور زمن طويل على وجود تلك الأطراف ..
كما بعد التطورات العميقة والشاملة على صعيد العالم والمنطقة ..
لا شك أن أشياء كثيرة هامة وعميقة قد جرت ..
لكن هنالك عدد من السمات الرئيسية والملامح الفعالة التي لا تزال تحدد القناعة تلك كما اللوحة بوجهيها ..
أهمها :
- على الرغم من كل شيئ بقيت تلك القوى موجودة بصورة أو بأخرى أي أنها لم تمت ولم تندثر كما لم تنشأ قوى أخرى إلى جانبها أو بديلة عنها ..
- على الرغم من مستوى التدمير التنظيمي فيها ..
والخوف والرهابات التي اخترقت أجسامها البشرية ..
إلا أنها احتفظت بحدود من الجرأة وحدود من الإمكانات التي سمحت لها بالاستمرار ـ مع كل علله ـ
ـ لا شك أنها تعاني بقوة من مسألة النفوذ السياسي : لقد تراجع ذلك إلى حدود مخيفة تحت ضغط القمع وضغط العوامل الذاتية .. لكنها لا تزال تحتفظ بالكثير من المنتمين إلى إطاراتها الواسعة .. وتجمعهم العديد من العوامل وتفرقهم أخرى .. فإذا أخذنا بعين الاعتبار خبرتها السابقة .. الثمن الباهظ الذي دفعته متفاوتاً بين قوة وأخرى .. نستطيع أن نقدر بأن حظها في تجاوز ذلك نحو الأرقى هو أكثر قوة من احتمالات تطور نفوذ قوى غير منظورة بعد في سياق الحركة الديمقراطية العامة .. والتي ستحمل معها كل السمات التاريخية للحركة السياسية السورية .. إنها في الحد الأدنى تمتلك خطاً مشابهاً إن لم نقل قدرات مشابهة على الارتقاء و تطوير النفوذ.
ـ هناك حجم هائل من الأعمال المطلوب إنجازها .. إن كان اتجاه الحركة الديمقراطية العامة .. أو المراجعات النقدية والتطوير النظري والسياسي والبرنامجي .. وتمتلك تلك القوى الكثير من الإمكانات من أجل ذلك.
من الواضح أن الأمر ليس سهلاً أو بسيطاً .. لكنه ليس شيئاً مستحيلاً .. هناك فرص جدية متاحة أمام قوى اليسار في هذه الشروط الانتقالية كي تدخل تلك العملية، عملية النهوض والتطوير الذاتي .. والتفاعل فيما بينها .. لا شك أن التطورات المعاصرة وضرورات المرحلة تتطلب ارتقاء جدياً في المفاهيم والبرنامج .. ومن لن يستطيع ذلك سيتراجع تأثيره أكثر فأكثر وسيصبح مهدداً بصورة جدية بالأفلاس .. في ذلك الإطار كي ننظر إلى حالتنا .. ماهو التصور المناسب لاستنهاض ذاتنا و تطوير مشروعنا والتقاط دورنا المناسب في النضال السياسي كحزب عمل شيوعي.
ثالثاً. عوامل الموت في تجربتنا.
إن مسحاً شاملاً في البنية الداخلية في التاريخ النضالي... في مجمل النتاج النظري ـ السياسي و البرنامجي مع التركيز على تجربة التنقل... كل ذلك بصورة عضوية مع الواقع الموضوعي... و أهم تطورات العملية الثورية العالمية... بدون انتقائية ... بدون توجيه قصوى باستغراق الحالة في أهم قضايا وجودها ... سيسمح لنا بكشف واقع تجربتنا و آفاقها.
1 ـ إن القمع السلطوي العنيف المتواصل... و العقوبات اللاعقلانية التي واجهتنا السلطة و اجهزتها بها على مدى زمني طويل بشكل خاص قرارات المحكمة و آثارها الجانبية و محاولات فرض شروط تتعلق بكتابة تصاريح بعدم العودة الى التنظيم او العمل السياسي أو الندم و النقد التجريحي للحزب مع كل ما يعني ذلك من اهانة للكبرياء الشخصي و السياسي ... و مس للضمير و القيم الاخلاقية النضالية التي حاولنا ترسيخ منهج جديد فيها. ثم التدمير المعيشي الذي اصاب الاهل و الرفاق... كل ذلك على مدى طويل و عبر محطات خاصة كلن القمع يصل فيها حدوداً استثنائية... كالتعذيب الوحشي حتى لأصدقاء الحزب... أو احد الرهائن... أو اعتقال أعداد كبيرة من الوسط... لعب دوراً اساسيا في تدمير الهياكل التنظيمية خارج المعتقل... عبر النزيف المتواصل الى السجون و ادى ذلك الى حالة من عدم القدرة على التقاط الانفاس بصورة منتظمة او في محطات ضرورية فحصلت تقطعات تنظيمية... ثم حصل انقطاع طويل نسبيا بينما الكادرات الرئسية في المعتقل... و الامر في الخارج ذو طابع كوموني... و لم تتبقى سوى صيغ و هياكل تنظيمية اولية انما غير فاعلة في الساحة و كل المحاولات التي جرت لممارسة العمل التنظيمي فشلت... فقط أو بصورة رئيسية بقيت صيغة عمل ذا طابع رسمي خارج الوطن... اقتصر نشاطها على قضايا حقوق الانسان بصورة فاعلة و على بعض النشاطات السياسية التنظيمية البسيطة و الموسمية.
ذلك كله خلق حالات من الارهاب هنا و هناك نشر خوفاً و حذراً و ترقباً... كما ادت آثار المحكمة الجانبية الى انشغال صعب بالوضع المعيشي... هكذا تحول العمل الحزبي في الكثير من الميادين الى طابع كوموني... منطو على ذاته مع تفاعل تدميري للاثار السلبية بسبب الانقطاع التنظيمي الهيكلي.
2 ـ من يعتقد ان القمع بحد ذاته فحسب او الطابع الشمولي للانظمة و تدخلها في كل صغيرة و كبيرة ... و ممارسة العنف الفعّال ... هو الذي يتحمل كامل المسؤلبة فيما حصل فإن اعتقاده خاطئ كلياً ... لا بدّ انّ لتركيبتنا و بنيتنا و ممارستنا و نمط تفكير الطواقم القيادية بصورة رئيسية دور مهم جداً في ذلك و هكذا نتحمل مسؤولية عالية في دورنا الذاتي... من المفترض ان الوعي ليس شيئاً محايدا خاصة وعي الحركات السياسية الحزبية، بل هو وعي فعال مسؤول و تصبح مسؤولية اعلى بإدعائه انه يعرف الواقع الذي يتعاطى معه... و هكذا فإن بنيتنا الشابة... و ضعف الخبرة التي لم نستطع تكوينها بسبب القمع المتواصل و عدم القدرة و المعرفة على التقاط الانفاس ... و الحماس العالي ... و الاستعداد حتى للتضحية بالاداة)الحزب( من اجل اهداف البرنامج السياسية... و الاقتصار على معالجات تقنية لا تشكل شيئاً في ميزان القوى بمواجهة القمع... وصل الامر حد النبالة في العمل السياسي ان صح التعبير... و كله يندرج في إطار الوعي اليساري الطفولي الذي حاولنا الخروج منه مرات عدة خاصة في محطة المؤتمر الاول 1981 الذي ترافق و مرحلة الصراع الدموي بين السلطة و الاخوان المسلمين... لكن القمع السلطوي تمكن من محاصرة الطواقم القيادية في طريقة معالجتها للامور و ضيق الخيارات أمامها في اطار تلك التركيبة و البنية و الحماس و الوعي الطفولي... وقعت خسائر كبيرة بدون مبرر و لم نتمكن من خلق الدفاعات التكيفية المناسبة في الميادين الاساسية للعمل الحزبي.. اشكال و وسائل النضال... الكومون السياسي... المراجعات النقدية... المؤتمرات... الكوادر الاحتياطية في مواقع العمل التنظيمي لمنع الانقطاعات... الخ.
3 ـ هكذا تحت ضغط القمع و انماط تفاعلنا مع الضرورات كذات... كبنية... كطريقة تفكير... لم نستطع ان نقوم باجراء مراجعة شاملة على الخط النظري ـ السياسي... كذلك على البرنامج... كانت التغيرات تضرب العالم و المنطقة، تضرب صف القوى الثورية العالمية مع كل تأثيراتهاعلينا دون ان نتمكن من هضم و استيعاب كل ذلك خارج المعتقل في اطار العمل الحيوي الفكري و السياسي و التنظيمي المعروف عن حزبنا... فتحولت المراجعات و الانتقادات الى المعتقلات مع كل ما يعنيه ذلك من غياب للتفاعل مع الحركة السياسية الحية في الواقع في شروط المعتقل بجوانبها السلبية بغياب المؤتمرات المركزية الشاملة التي تصهر العمل بالتطورات و تعيد .... مع المجتمع.
4 ـ و على الرغم من كل القيمة النضالية لتجربة المعتقل كما جرى لاحقاً الاّ انها تركت بصمات تدميرية سلبية... اذ من المفهوم اساساً ان العدو السياسي الطبقي ـ السلطة السورية هنا تستخدم الاعتقال و السجون و الفترات العقابية المديدة بغاية التدمير الشامل... ليس الهيكلي التنظيمي الاطاري من خلال نقل القسم الرئيسي من الكوادر و جسد التنظيمى إلى السجن ) لو تمكنت( و ارهاب البقية الباقية في الخارج... فحسب بل اساساً التدمير السياسي بخلق الشكوك العميقة في اطروحات الحزب داخل انصاره و اطاراته.. بل حتى الجسدي الشخصي المرضي... بغاية الاحباط و فقدان الامل بأهداف المشروع السياسي الذي اعتقل المرء من اجله حتى حدود الكفر به لو امكنها ذلك... بدون شك اصابنا شيئ من كل ذلك... عند نسبة رفاقية صغيرة عموماً... لكن هناك جوانب اخرى سلبية في ذلك العالم الجحيمي... عالم الصغائر في احد وجوهه... في ذلك العالم تضافرت اشياء كثيرة و خلقت بعض الحواجز النفسية بين رفاق الامس... حيث تمفصلت القضايا الكبرى النظرية و السياسية و التنظيمية و القيمية على القضايا الصغيرة و ساهمت احياناً و لو بصورة مؤقتة في خلق تلك الحواجز و الهوات... ان الحياة اليومية التفصيلية المتكررة في السجن هي مدعاة لتضخيم كل السلبيات الشخصية و النفسية... في ذلك المكان الجحيمي يصبح الهم الرئيسي خلق الدفاعات... ابتكارها...خلق افضل الحالات التكيفية لتخفيف التدمير الذي سيحصل في اكثر من ميدان هنا تصبح الحساسية النفسية مرهفة في ذلك الاطار عرفنا ايضاً بعض حالات نادرة نفخت في الصغائر و مفصلتها على القضايا الكبرى و ربطت شرطياً وجودها في التجربة حتى لاحقاً بنفي الوجود الشخصي لأحد ما.
5 ـ بشكل خاص كأن للتطورات المذهلة في صف قةى الثورة العالمية... اي لذلك الزلزال الذي وقع في المعسكر الاشتراكي الرسمي... لتلك الهزيمة التي وقعت في صف الثورة... بل حتى على الماركسية نفسها بالتغاضي الان عن مسؤولية كل طرف في تلك الهزيمة... ان كان المعسكر الرسمي... او مفاهيم الماركسية بحد ذاتها... و انضجت تلك الهزيمة من مستوى الانتصار الرأسمالي بالمقابل و المفاهيم المضادة التي انشرت و خلقت تشويشاً فظيعاً في الصف الشيوعي و الاشتراكي... تلك الواقعة القيامية بالنسبة لنا و نحن في السجن ادت الى ردود فعل عميقة متنوعة... مراجعات نقدية شاملة... بعضها رد فعل تدميري سلبي متسرع و اغلبها صحيح و ضروري.. اننا و بعد عملية انتشاء سياسي و روحي...نظري و فكري و تنظيمي خارج المعتقل و داخله... رافق التطورات السوفيتية بدءاً من مؤتمر شباط1985 ذلك الانتشاء الذي برز على اثر اتجاهات التطور هناك و الحدود الكبيرة التي تقاطعت فيه مع ملاحظاتنا النقدية السابقة على المعسكر الاشتراكي الرسمي... بعد عملية الانتشاء تلك جاءت التطورات المضادة هناك و حصل الانهيار الشامل... لتنطلق عندنا ردود الفعل التي وصلت حدود الشك بالشيوعية و الماركسية عند البعض... بل حتى حدود الانقلاب النقيض عند الندرة الصغيرة باتجاه قلب الخيارات النظرية و السياسية... كما انتشر الاحباط لفترة مؤقتة و على نطاق واسع... كذلك عدم الثقة بالمستقبل... ثم الانكفاء عند البعض و بحكم الحيوية التي نتحلى بها في صفوف حزبنا... بحكم التربية الراسخة... بخصوص العقل النقدي و الاستعداد للانقلاب الذهني و خارج كل شئ... في ذلك الاطار و الاجواء انطلقت الحوارات من كل جهة انما بعيداً عن عالم الحياة بكل غناء... بعيداً عن وجود ممارسة سياسية فعّالة... بالاضافة الى استمرار القمع الشرس و الخسائر التراكمية... في ذلك الجو برزت ميول عديدة و وجهات نظر كثيرة... برزت رؤى من زوايا لا تحصى... صحيح ان تلك يشكل انعكاساً ايجابياً لمنطق و عقل و سمات ايجابية عديدة... في مسائل الحيوية و الروح الشابة و الخيال المفتوح و الجرأة في طرح اي سؤال و الروح النقدية الشاملة... لكنه ايضاً بالترافق او في اطار هزيمة صف الثورة و الاجواء الاخرى المحيطة... مثل القمع و النزيف الدائم الى المعتقل و غياب اي حراك سياسي ذي مغزى في الوطن...اعطى وجوهاً سلبية تدميرية ذكرنا بعضها...كما دفع باتجاهات...في غياب المؤتمرات و الاطر التنظيمية.... ليخلد كل شئ الى الحالة الكومونية بانتظار شروط جديدة.
6 ـ ظهر على نطاق واسع في كوادر الحزب داخل المعتقل موقف نقديّ جرئ بإتجاه الطواقم القيادية فإتهمت ـ خاصة العناصر التأسيسية القديمة ـ بالارتباك و التقصير و عدم الجرأة... بل حتى عدم تحمل المسوؤلية في مواجهة عدد من الازمات ـ على رأسها النزيف الكادري الى المعتقل و اجتماع الكم الكاسح من الرفاق القياديين الاكثر وعياً و خبرة ... كذلك مسألة قيادة العمل بين الداخل و الخارج و المسوؤليات المتربة... ثم مواجهة المحكمة و العجز عن اتخاذ موقف تكتيكي واحد... او مواقف عدة منسقة و متفق عليها لخدمة التجربة اقول هذا على الرغم من الطابع النضالي الحاسم في قضية المحكمة و القيام بخطوات جديدة في ساحتنا تركت اثاراً ايجابية جداً) هناك تراكم كبير و هام من الوثائق التي واجهتنا بها المحكمة...كان شيئاً جديداً في ساحتنا..انه يستحق النشر ...و لقد حان الوقت ( لكن حقيقة لم يتمكن الطاقم القيادي من الاتفاق على وضع خطة محددة... ليس هذا فحسب... بل حصل تأخر شديد في بعض الشروط بتقديم قيادة الخارج لمعالجة مناسبة لبعض القضايا الاشكالية ... كما ان الطواقم القيادية برمتها في المعتقل انتظرت الاطار الحزبي و الطاقم القيادي في الخارج اعطته كامل الحق و المسؤولة( كما هو التقليد ... كما هي التربية( في اجراء المراجعات النقدية الشاملة و معالجة كل المشاكل بقرارات مركزية... (دون ان تدرك بقسمها الرئسي مستوى العجز القيادي في الخارج... ذلك كله جعل انتقادات الرفاق بكتلتهم الرئيسية و المواجهة نحو الطواقم القيادبة... جعل منها شيئاً صحيحاً على العموم.
7 ـ يعتبر البعض ان وجود قراءات مختلفة لطابع و امكانات المرحلة الانتقالية التي يمر بها وطننا السوري... و وجود اولويات و خيارات محتملة مختلفة بدورها في صفوفنا الان هو شيئ سلبي... بينما العمل التنظيمي معاق او ضعيف... ليس هذا فحسب بل يفترض ذلك البعض ان خلافات العناصر القيادية القديمة حول ذلك... و تأخرها عن العمل المنسق المنسجم و السريع... العمل المتوافق يداً بيد... يفترض ان ذلك شيئاً سيئاً و سيجلب بدوره آثاراً تدميرية سلبية... و سيبرز ذلك بوضوح اكبر كلما تعلق بالعناصر القيادية المؤسسة التي تركت بصماتها على التجربة في مراحل مختلفة.
8 ـ و هناك من يشير الى اشكالات تركيبتنا و بنيتنا من زاوية علاقتها بالتمثيل الوطني ـ الجغرافي ـ البشري .. مذكراً ان ذلك يمثل قانوناً عاماً قدرياً بالنسبة لقوى اليسار الشيوعية بشكل خاص ... كما لكل القوى العلمانية بشكل عام... اي ضعف الانتشار، ضعف النفوذ في الكتلة الرئيسية من السكلن بالمعنى الطائفي ... ( الاتجاه السني) و زيادته النسبية في وسط الاقليات من كل صنف... قومية او طائفية و كأن المعادلة مقلوبة... مما يعني استمرار بعض سمات اليسار الشيوعي القديمة و استمرار النشاط السياسي الجماهيري محكومة جزئياً او بصورة مؤثرة بهذا المؤشر.
9 ـ و يشير البعض بحق ان ما نعاني منه او ازمتنا الفعلية كطرف شيوعي يساري ليس شيئاً ذاتيا صرفاً... ليست شيئاً محصوراً في حدود اطرنا و تاريخنا... فكرنا و منهجنا اطروحاتنا الاستراتيجية او برنامجنا... بل ازمة يسار عالمي... و من الصعب الفصل بحكم الهزيمة التي وقعت في صف قوى الثورة او الماركسية كمنظومة مفاهيم... كما انها ازمة يسار في سورية...بل هي ازمة مجتمع و واقع مرّ بشروط خاصة خلال اكثر من عشرين عاماً... ذلك المستوى من التعقيد هو عامل سلبي تدميري بفرض نفسه علينا كما على بقية قوى اليسار.
10 ـ اخيراً... كيف سنواجه ذلك الحجم الهائل من العمل الذي تتطلبه المراجعة لخطنا النظري و السياسي ... لبرنامجنا... لتجربتنا برمتها...للماركسية... لموضوع اليسار على صعيد العالم و الصعيد المحلي ... هل سنسطيع ذلك و نحن على هذه الحالة من وجود عوامل الدمار السلبية... ماذا نفعل هل نبدأ من الصفر... يبدو الامر بالنسبة للبعض و كأننا لم نوجد مثلا... كأننا نفتقد القدرة على النهوض.
بصراحة عالية تلك هي اكثر العوامل و الوجوه سلبية و تدميراً... بسببها يخطر ببال البعض الخوف على التجربة...و البعض النادر تجاوز الخوف الى حدود القول ان تلك الوامل لم تعد تسمح ببذل اي جهد... هكذا إذن يجب التفكير بحركة جديدة بحزب جديد خارج سياق الماضي كلياً فالتجربة ماتت... و هناك اتجاه يعتقد بوجود خيارين... تحديد الأولوية بينهاصعب... فيما اندفع قسم بسيط من هذا الإتجاه ليعتقد ان المرحلة الإنتقالية الراهنة في سورية قد تفتح على تطور جاص و عميق الحركة الديمقراطية العامة..تفتح بالتالي على خيار ضرورة التركيز الاولي عليها فيما يتعلق بإمكانية نشوء حركة سياسية جديدة و بمواصفات جديدة قادرو على الاستجابة لمتطلبات الواقع... اما القسم الرئيسي من رفاق التجربة فلا تزال تجمعهم الكثير من العوامل و الدوافع و الروابط المشتركة... و من منظوري لا تزال تجربتنا تختزن عوامل و شروط هامة تسمح بالاستنهاض و البدء بل حتى انجاز المهمات المتراكمة ... و لعب دور رئيسي فعال في اطار الحركة الديمقراطية الوطنية العامة... و في اطار اليسار السوري بجدل خاص بروح خاصة ... بمنطق خاص... بعقل و برنامج و مفاهيم خاصة قادرة تماماً على تحقيق متطلبات و ضرورات التطورات و الواقع... و التوافق النضالي معها... في الزمن المناسب... كيف و لماذا ارى كل ذلك ممكناً؟
رابعاً: عوامل الحياة والاستمرار أكثر قوة في حزبنا:
إن قوة الحياة الكامنة في حزبنا وتجربتنا متعددة.. لا بل هي جرية إلى حد كبير.. كانت تجربتنا التنظيمية والسياسية هامة إلى حد ترك بصمات عميقة في الكثير من المناحي النضالية والساسية والنظرية الاستراتيجية والبرامجية.. إن تلك الدوافع والقوى لا تقهر قوى التدمير والموت فحسب.. بل متفوقة عليها.. إن هذا ليس خطاباً تعبوياً أخلاقياً مكابراً ليس وعياً منطقياً خلفته الإدارة بل هو كلام وقائع نقيضة جدلياً لوقائع الدمار والموت.. كيف نتثبت ذلك؟. إن أول ما يجب تأكيده الآن أننا نعمل في شروط مختلفة بدرجة هامة عن مرحلة القمع العاري الشامل سابقاً.. إنها كذلك على الرغم من اعتبارنا المرحلة الانتقالية التي يعبرها الوطن غير عميقة.. لا تزال على السطح.. وليست هناك أية ضمانات قانونية لتحمي النشاطات السياسية الديمقراطية المعارضة.. إن الاختلافات القائمة بالمقارنة مع الماضي القريب سمحت بدرجة من الحراك القشري على السطح لفئات من المثقفين أو اللذين ينتمون إلى خلفيات سياسية ـ كما سمحت بالتجرؤ على السلطة والدولة.. إنه بداية سياق للتخلص من الرهابات.. والاسترخاء.. والانطلاق مجدداً.. صحيح أن السلطة تحت ضغط حاجاتها وأزملته هي التي اعطت الضوء الأخضر في كل ما يجري.. وهي التي تمنع الضمانات القانونية.. إلا أن الأمر مهم جداً للوطن.. مهم لاستعادة اللياقات الخاصة بالنشاطات المتنوعة في المجتمع.. بذلك يمكن القول أن الاشتراطات القديمة.. قد اختلفت قليلاً.. قد أنزاحت بمسافة.. وأن جميع القوى المنظمة وغير المنظمة.. يواجهون حالة تحتمل.. أو تختبئ في طياتها احتمالات متنوعة.. وتحتاج لوعي خاص ونشاط خاص.. كي نرسي خطوات نضال ديمقراطي.. وسياسي منظم وراسخ.. إن الشرط الجديد.. الحالة الجديدة ستعكس نفسها على كل أمر.. فما هي عوامل قوة الحياة القائمة فعلياً في تجربتنا والآفاق المحتملة لتطورها في الآفاق التي يعبرها الوطن.
1 ـ على الرغم من جملة الضغوط ومحاولات التشويه والقتل التي تعرض لها حزبنا.. على الرغم من الجهود التي بذلت من أجل ذلك من جهات مختلفة سلطوية أساساً وغير سلطوية.. على الرغم من الإشاعات المشوه ونحن نحبو مع خطنا النظري والسياسي.. أو نواجه لاحقاً مصائرنا ومصائر أصول العمل السياسي في المعتقل.. هكذا ضربنا مثلاً نفخر به صراحة في أصول الكفاح النظري والسياسي وأصول مواجهة تجربة المعتقل.. وعلى الرغم من ذلك العالم الجحيمي.. كما عالم الصغائر بوجهه الآخر.. إلاّ أن أصحاب التجربة بكتلتهم الرئيسية بشتى ميولهم وردود فعلهم.. بكل التلوينات التي صبغوا بها.. مع كل الآثار التدميرية التي أصابتهم كل الإهانات والمرارات التي تلقوها من قبل الأجهزة.. بالإضافة إلى أطراف أخرى مارست الإشاعات والشكوك والتشويه.. على الرغم من ذلك وبعدما خرجوا إلى الحياة..إلى الحرية ومع كل المتاعب المعيشية والأمنية التي اجهوها ولا يزالوا .. فأنهم وبعد قليل من الراحة.. اكتشفوا قدراتهم على تجاوز الصغائر.. اكتشفوا قدرتهم على اختزان كل ما هو إيجابي في مجمل تاريخ التجربة وبشكل خاص في تجربة المعتقل مع فظاعتها ومراراتها.. تأكدوا أنهم ينتمون إلى حركة سياسية أصيلة.. لم ينجم ذلك من مجرد تكون عصبيات خاصة عبر تاريخ طويل.. بل اكتشفوه أيضاً بالمقارنة على كل المناحي مع تجارب سياسية أخرى إن كانت في المعتقل أو ظواهر وحركات سياسية في الحياة بعد إطلاق سراحهم.. اكتشفوا أنهم نموذجاً قد تربى نضالياً وسياسياً وأخلاقياً بصورة مميزة.. وله مفاهيمه النظرية .. والبرنامجية .. فجاءت الحياة المشتركة في السجن في الصف الأول من الرقي.. اكتشفوا معنى أهمية العلاقات الديمقراطية الندية التي تعبنا عليها نظرياً وتنظيمياً وممارسة.. وعندما خرجوا من كل محاولات الجذب التي حدثت تجاههم لشدهم هناك وهناك بشكل خاص إلى المواقع الإصلاحية والانتهازية سياسياً.. فأنهم رفضوا بصورة واعية، أما تلك الحالات التي يقل عددها عن عدد أصابع الكف الواحدة (وأعني ما أقول) التي قامت باختيار العمل السياسي خارج التجربة والإطار فإنها لم تستطع الانسجام هناك..إذ بقي أداؤها متميزاً يتمثل الكثير من مفاهيم الحزب وتريته الداخلية.. صحيح أن الرهابات والخوف والحذر وآثار الاعتقال كانت قائمة تضرب في كل ناحية بحيث لم يسمح الأمر بكامل الاشتراطات الموضوعية والذاتية وكأنه موجود داخل إطار تشده إلى بعضه روابط عديدة.. وعلى الرغم من بعض الأصوات النشاز التي سمعت في أحياناً نادرة بقي المجموع في موقع الدفاع عن التجربة.. والحرص عليها.. موقع النقد الشامل البناء.. موقع الأهتمام بكل ما هو إيجابي وحي.. هذا عامل هام جداً بحد ذاته.. إنه الشعور العيق الانتماء إلى حركة سياسية أصيلة.. متميز لها تاريخ نضالي مشرف..
2 ـ إن الثمن الباهظ الذي دفعناه من أجل حرية الوطن.. وحرية الإنسان فيه.. ضد القمع والديكتاتورية والطغيان.. من اجل مجتمع ديمقراطي عادل.. ذلك الثمن الذي يستحقه الوطن بجدارة كما تستحقه الحرية والديمقراطية.. لم يأتي من خلال السجن المديد لأعداد كبيرة من رفاق حزبنا وأصدقائه فحسب بل أيضاً من خلال التدمير المتعدد الوجوه الذي أصابنا وأصاب أهلنا ولايزال يصيبنا منه الكثير.. كما ترك آثار صحية سيئة على كثيرين .. منا وآثاراً نفسية.. لقد دفعنا ذلك الثمن كما فعل غيرنا من بعض القوى السياسية اليسارية قاهرة كان يعبر بها الوطن.. كان الموقف النضالي خلالها ضرورياً جداً.. كان صعب جداً أن يقف المرء أو الحزب ليقول لا للدكتاتورية.. ذلك الكفاح والثمن الباهظ ليس مادة للتجارة ونحن نفخر به.. لكنه ثمن لا يموت.. تاريخ لا يمحى.. إنه عامل قوة وحياة لنا كما هو لكل من ساهم نضالياً في تلك المرحلة الصعبة.. ومن حقنا أن نعتبره رضيداً متميزاً
3 ـ من يعتقد أن هناك إمكانية لتسجيل تجربة السجون والمعتقلات.. الأقبية والتعذيب بأشكاله الفظيعة حتى حدود الموت أحياناً.. وذلك في سورية دون الانتباه الفوري والجدي إلى تاريخ حزب العمل الشيوعي فإنه وأهم.. بل غدت تجربة المعتقلات الكفاحية في سورية متميزة بالتاريخ الخاص لحزب العمل الشيوعي فيها بدءاً من عام 1977 حتى الآن.. بل مرت سنوات متواصلة أحياناً طبعت فيها تجربة الاعتقال بوجود حزبنا (رفاق ورفيقات) بشكل خاص بعد قرار السلطة القمعية بتقديمنا إلى محكمة أمن الدولة.. والعقوبات الردعية الخاصة التي واجهتنا بها بالمقارنة مع غيرنا.. والآثار الجانبية المدمرة لقرارت المحكمة حتى بعد انتهاء الاحكام.. تجربة المعتقل الخاصة بحزبنا في الوقت الذي أريد منها تدميرنا بصورة شاملة فأننا استطعنا(على الرغم من جوانب التدمير التي ذكرناها) أن نعطيها الكثير من السمات الإيجابية.. الصمود العالي في كثير جداً من الحالات أمام التعذيب الوحشي.. الحياة المشتركة في الميادين الاجتماعية والمعيشية المادية.. التي كانت أكثر رقياً من غيرها.. الحياة الغنية جداً على صعيد الحوارات النظرية والسياسية والتنظيمية.. إلى درجة تمكن غالبيتنا من إنجاز المراجعات النظرية والسياسية المطلوبة باتجاهاتها الرئيسية قبل إطلاق سراحنا بالإضافة إلى تراكم هام من النتاج السياسي والفكري والأدبي.. المنجز.. ينتظر شروطاً مناسبة لنشره بالإضافة إلى التعاون السياسي والاجتماعي والإنساني المتطور الراقي مع كل القوى والحالات التي وجدنا معها سوية.. كل ذلك عامل قوة للحياة والنهوض.
4 ـ في ذلك التاريخ الخاص المتميز أستطعنا أيضاً ولأول مرة في تاريخ سورية السياسي أن نستقطب، نقنع.. نشد أعداداً كبيرة نسبياً من نصف المجتمع الآخر (المرأة) ..عشرات من الرفيقات اعتقلن وأمضين سنوات عديدة في المعتقلات كانت تجربتنا التنظيمية والسياسية على ذلك الصعيد جديدة.. جريئة.. صحيحة لم نسلم خلالها بالطبع من محاولات التشوية والتشكيك.. وإعطانا الأمر تفسيرات مختلفة وبائسة وكأن ذلك القطاع خارج التاريخ .. خارج الوعي.. ولا مصلحة له بالنضال.. كانت الرفيقات في الموقع الندي تماماً في الكثير جداً من الجوانب .. للرفاق ذلك الوجه في تجربتنا أيضاً نفخر به.. ويشكل عامل قوة ورصيداً لنا ونحن ننهض بشكل خاص في النصف الثاني للمجتمع.. عالم المرأة.
5 ـ من لم يدخل المعتقل من وسطنا الرفاقي كذلك جزء مهم من وسطنا السياسي وعلى الرغم من كل المظاهر السلبية والآثار التي تركتها الانقطاع التنظيمي.. فغنهم تحملوا الكثير من أجل التجربة.. بدورهم لم تشتتهم الرهابات.. بل شكلوا جزءاً حياً من التجربة وانتظروا كامنين أو في موقع الدفاع عنها.. وبمجرد بروز اختلاف جزئي في الشروط داخل الوطن .. اصابتهم الحيوية.. والأهم من ذلك أن قسماً مهماً من جيل الشباب يسأل عنا.. يهتم بتجربتنا.. يكن لها الاحترام وعلى استعداد للتفاعل مع أي برنامج استنهاضي.. هكذا إذن لا يقتصر الأمر على الإطار القديم بكل إشكالاته وشروط.. خبراته وعلاقاته بالتجربة.. بل هناك قوى احتياطية بمثابة دماء جديدة علينا أن نجيد التعاطي معها.. إنها قوة حية إضافية.
6 ـ يمكن التأكد عموماً أننا نحتفظ بموقعنا في إطار اليسار السوري ـ كحزب راديكالي ماركسي.. على الرغم من كل ما جرى لذلك الموقع.. على الرغم من فترة الانقطاع ونحن في المعتقل.. عندما لم يتمكن أي طرف أن يحل محلنا بالمعنى النظري ـ السياسي والبرنامجي.. لم يتمكن أن يشغل الحيز الموضوعي والذاتي الذي شغلناه.. لم يتشكل أي تنظيم أة تيار جديد.. ليحل محلنا أو محل غيرنا من اليسار بالطبع.. ولم تستطع كل الشروط أن تدفع بقوانا نحو قوى واتجاهات سياسية أخرى .. لم يستطع أي تيار جديد أو قديم أن يأخذ موقعنا في مستوى تحليلنا الاستراتيجي أو محتوى خطابنا.. عداك عن ديناميتنا.. ومفهوماتنا.. هذا عامل مهم جداً ونحن نجري جردة حساب لمعرفة عوامل الموت أو الحياة.. لهذا العامل قوة الشرط الموضوعي..
7 ـ هناك عدد من السمات الرئيسية في تاريخ تجربتنا .. في نموذجنا السياسي ـ الحزبي.. كانت ولا تزال قائمة في إطارنا حتى لو بدت الآن كأنها كامنة في بعض جوانبها.. أو تبرز ببطء أو عطالة خاصة تحت ضغط مستوى التد مير السابق.. لكنها سمات أصيلة ستلعب دوراً هاماً جداً في استنهاض التجربة بقوة.. منها: (أ) الحيوية الفكرية الخاصة والذهن الدينامي الجريء .. ذهن سمح ويسمح لنفسه بطرح أي تساؤل.. أو التداول مع أية قضية.. لقد وسم ذلك العديد من أسس نشاطاتنا .. ومفاهيمنا الاستراتيجية.. برامجنا.. وسائل النضال التي لجأنا إليها.. كذلك جرأتنا في ميدان التحليل السياسي. (ب) كفاحية عالية تجلت في وجوه كثيرة .. الإصرار على تجاوز الصعوبات الحادة.. الآستعداد للتضحية ودفع ثمن باهظ.. المقاومة النوعية للقمع العنيف المتواصل..(ج) موقف متطور في جانبه الأخلاقي تجاه العمل السياسي: موقف حاولنا به أن نتجاوز الكثير من السمات التقليدية السيئة للوسط السياسي السوري.. من عدم الجرأة على الحوار العلني المفتوح الواضح .. الاستكانة إلى الشعور الأقطاعي بالانتماء إلى إطار حزبي يحدد من ردود الفعل حتى حدود (الزعل) لو مس أحد تلك الاقطاعات حتى بالنقد.. بالإضافة إلى الأخلاق الاتهامية الشكلية.. حاولنا أن نرسي تقاليد جديدة حتى فيما يتعلق بمواجهة القمع والأجهزة بفرض شروط لا أخلاقية من مثل كتابة تعهدات وتصاريح بترك الحزب أو العمل السياسي أو التجريح بالحزب.. ودفعنا ثمناً إضافياً قاسياً من أجل ذلك.. ربما نجحنا بصورة جزئية.. على الأقل إرساء خطوات أولية .. ليس هذا فحسب .. بل اعتبرنا العمل السياسي برمته في كل زمان ومكان مرتبط بقول الحقيقة.. بعيداً عن الكذب والمبالغات والإثارات الفارغة.(د) لقد تعبنا جيداً على المستوى النظري والتنظيمي.. على مستوى الوثائق التي تعكس ذلك الفهم وتحدد الممارسة.. تعبنا من أجل خلق تجربة ماركسية حزبية وديمقراطية فعلاً .. تجاوزنا بتصميم كل التقاليد الرسمية للحركة الشيوعية العالمية والمحلية.. عدنا إلى الموقف الماركسي الأصيل .. صنعنا تلك التجربة على الرغم من التهديد الدائم بوقوع خسائر أمنية جزئية هنا وهناك.. كنا بالمطلق مع وجود تيارات سياسية ايديولوجية ماركسية داخل الحزب .. أرسينا منطق العلاقة بين الأكثرية والأقليات.. حمينا الأخيرة بنصوص وممارسة وتقاليد.. كان ممنوعاً توقيف الحوارات المختلفة داخل الحزب.. وجريدتنا البروليتاري شكلت منبراً ومثلاً غير معروف من قبل .. كانت علاقاتنا ندية.. لا أمتياز لأحد على احد مهما بلغ من القدرة على التأثير والنفوذ والنشاط والوعي.. لقد اعتقد البعض أننا حركة منفلشة.. غير قابلة للأستمرار ولو إلى زمن قصير.. حركة بدون روابط تنظيمية كلاسيكية تمسك بها.. كان البعض لا يصدق أننا نستطيع عقد اجتماعات في أية هيئة.. بعد زمن استغرب كثيرون حالة عدم وجود انقسامات جدية في صفوفنا.. لقد نسوا أن الديمقراطية الداخلية الفعلية في التنظيم وإرساء تجربةعميقة وغنية فيها .. تعتبر أهم صمام لمنع الانقسامات .. تلك السمات الأربعة وضعتها مع بعضها .. إنها قائمة وجاهزة للعمل بفعالية.. إنها تمثل سمات للقوة والحياة.
8 ـ هناك رابطان مهمان لا يزالا يلعبا دوراً هاماً أيضاً في شد لحة التجربة .. الروابط السياسية القائم على جملة تلك السمات السابقة .. على الإرث السياسي والكفاحي للتجربة .. يضاف إليه رابط اخلاقي خاص أكثر رقياً من الرابط الأخلاقي المنتمي إلى البناء الفوقي المجتمعي القيمي .. لقد تشكل في مجرى النضال و مواجهة المخاطر .. في مواجهة قمع وحشي .. في سياق مواجهة شروط حياة معيشية ونفسية تدميرية .. إنه رابط قام ويقوم على أسس وجدانية راقية جداً وشفافة منؤها شروط مواجهة القمع شوط مواجهة الموت أحياناً .. والتدمير .. منشؤها الاعتقال المديد .. منشؤها فكرة التشارك الديمقراطي الحر .. والخطر من أجل مشروع نبيل إن صح التعبير .. لا يزالان يمثلان عامل قوة رئيس لحياتنا السياسية الجديدة .
9 ـ على الرغم من كل التطورات التي جرت على صعيد العالم و المنطقة مما اقتضى و لايزال ضرورة إجراء مراجعات شاملة في كل شيء...مع هذا فإن تجربتنا تركت بصمات نظرية سياسية و متميزة ..كما تركت مجموعة مصطلحات سياسية بالأضافة إلى شكل و محتوى خاص في خطابنا النظري -السياسي..الدعاوي أو التحريضي.. كما لاتزال بعض الموضوعات في الأستراتيجية تحتفظ بالكثير من الحيوية و الصحة حتى الأن..على رأسها ما يتعاق بموضوع السلطة و برجوازية الدولة البيروقراطية..و البرجوازية الصغيرة..كذلك موضوع الحركة الشيوعية المحلية..وجدل بناء الحزب الشيوعي الثوري في ساحتنا ..بل لايزال قسم هام من فهمنا للمسألة الفلسطينية حيا.. بالإضافة إلى عدد من موضوعات المسألة القومية..كما أن فهمنا المنهجي لمسألة البرنامج بشقيه الأنتقالي والأستراتيجي لايزال صحيحا ذلك الفهم المنهجي مهم بحد ذاته ونحن نراجع نتاجنا لوضع برنامج جديد.
10ـ لا أعتقد انه تنقصنا الجرأة والاستعداد لبروز فريق عمل مؤقت,انتقالي ..بروز عدد من الكوادر لتحمل شرف المسؤولية بتجديد روح وحياة ومنهج عمل المنظمة ..لتحمل شرف المسؤولية مجددا" لتنظيم عملية إعادة المراجعة والإنتاج الشاملة ..لقد كبر الجميع..كبر وعينا..كبرت تجربتنا..في منظمة الأنداد..في تجربتنا كثر جاهزون لتفهم شروط المرحلة والشروع باستنهاض التجربة..وهذا بحد ذاته قوة للحياة..
ويتابع البعض معترضا"..لكن لم يتضح لنا بدقة حتى الآن كيف يمكن تجاوز عوامل التدمير أو الآثار التدميرية..كيف يمكن تجاوز العقبات الأساسية المتراكمة ..كيف يمكن حل بعض الأزمات إن صح التعبير..؟لم يتضح لنا ذلك تماما" على الرغم من استعراض عوامل القوة والحياة..
أ) أعتقد أن شروط المرحلة الانتقالية الجديدة وما جرى حتى الآن يسمح بالقول أن الكثير من آثار ومظاهر الرهابات قد بدأت بالتراجع..أعني في وسط القوى السياسية المعارضة في وسط قشرة المنتمين إلى إطارات سياسية أو قشرة المثقفين..وهذا سيحرر القوى الكامنة في تجربتنا كما يحصل فعلياً .. كما سيرفع من مستوى نشاط وحيوية القوى التي بدأت الفعل .. سيحسن لياقاتها .. وهذا سيعيد النشاط النظري والسياسي والتنظيمي بالحدود الضرورية المطلوبة .. بروح جديدة .. بمنطق جديد يحقق متطلبات العصر والضرورة بصورة تدريجية مناسبة..
ب )من الصعب بعد هذه التجربة الغنية، الطويلة .. المريرة.. بعد ذلك الثمن الباهظ عدم الاعتقاد أننا لم نتجاوز بعد مرحلة الطفولة اليسارية وبعض ما نجم عنها.
ج) إن المراجعات النقدية التي جرت في معتقل بدون تفاعل سياسي جدي مع المجتمع وفي خضم الحركة .. على الرغم من شدة التلوينات .. على الرغم من الطابع النبذي في كل ذلك لغياب المؤتمرات. وغياب العمل التنظيمي المؤطر.. إلّ أنها مراجعات ذات قيمة تمثل قسطاً من الجاهزية العالية للحوار النقدي والتفاعل .. الجاهزية لتحديد المسائل التي تتطلب المراجعة وإعطائها المضامين الجديدة..
هكذا لا توجد أية خطورة هامة في تعداد التلاوين والآراء في تلك المراجعات لا توجد خطورة ببروز خلافات على القضايا النظرية والسياسية .. أو حتى المتعلقة ببعض جوانب المرحلة واحتمالات تطورها.. إن خبرتنا الغنية في مسألة الديمقراطية الحزبية .. خبرتنا في تعايش الآراء والتلاوين والتلاوين والخلافات وإصرارنا على التحلي بوعي ديمقراطي .. كل ذلك سيسمح لنا وأكثر من غيرنا باستيعاب الأمر .. أما فيما يتعلق بعدم إقدام الطواقم القيادية القديمة دفعة واحدة على هيئة نسق واحد .. بصورة منسجمة للعمل على هيئة قبضة واحدة فهو شيء طبيعي جداً .. ولو حصل على الهيئة الأكثر إيجابية لكانت النتائج أكثر رقياً وسرعة .. ذلك جانب، ومن جانب آخر .. اعتقد أن تجربتنا غنية وكبيرة إلى حد نعتبر فيه العمل السياسي شيئاً يتعلق بالوعي والقناعات والضرورات الموضوعية أكثر بكثير مما يتعلق بأشخاص بعينهم على الرغم من وجودنا في الشرق .. وعلى الرغم من أهمية الأشخاص ذوي الفعالية المتقدمة الذين تركوا بصماتهم على التجربة ربما أكثر من غيرهم.
ه ) إن الانتقادات التي وجهت إلى الطواقم القيادية داخل المعتقل وخارجه وتحميلهم قسطاً هاماً مما جرى .. ليس شيئاً سلبياً فحسب .. بل هو شيء إيجابي جداً من منظور العل الحزبي النقدي حتى ولو وصل حدود عدم الثقة بهذا القيادي أو ذاك حتى لو وصل حدود المحاسبة الجدية .. وتجربتنا تحتوي في إطارها الكثير من الكوادر الذين ارتقى وعيهم والواقع أفرز آخرين كلهم ذوي قدرة واستعداد للعب دور قيادي .. ولديهم صفات تسمح بذلك .. والعلاقات الداخلية الديمقراطية في سياق النضال الجدي في هذه المرحلة ونحن ننهض.. كفيلة باختيار الطواقم القيادية المناسبة .. بعد تلك الخبرة سيكون الأمر أكثر رقياً من أي مرة في اختيار الطواقم القيادية المستحقة ذلك.
و) أعتقد أن المرحلة الجديدة .. وديناميات الحرية بحد ذاتها.. والشعور بالراحة بعد إطلاق السراح .. قد ألغت الكثير من الحساسيات .. قد ألغت بعض تمفصلات الصغائر على الأشياء الهامة والكبيرة.. لكن لا بد أن هناك دائماً خسائر يصعب تعويضها.. هناك تطورات غير عكوسية ذلك عند الحالات الاستثنائية .. فبعض الإحباطات الشديدة .. بعض حالات الانكفاء الانعزالية على النفس.. بعض ردود الفعل التي تصل حدوداً مرضية .. مهما كان الشرط مناسباً.. ومهما اتسم الاستنهاض بالوعي والرقي.. فإن تلك الخسائر لا تعوض بحد ذاتها..
ز) أما الإشارة إلى تركيبتنا"الأقلياتية "كسمة ترتبط باليسار الشيوعي أساساً والعلمانية عموماً نقاشها بصورة تاريخية حية واستنباط الدروس الضرورية منها أن كان في إطار ظاهرة اليسار أو في إطار تجربتنا المحددة.. يمكن نقاشها من زاوية دور البناء الفوقي في الصراع السياسي والايديولوجي .. دور دور البرنامج السياسي إلى جانب العوامل الإيديولوجية الأخرى . وهي قضية إشكالية قديمة في صفوف القوى الثورية الأكثر راديكالية بعلاقاتها مع الأقليات المضطهدة .. الأقليات التي كانت بعيداً عن إمكانية أستلام السلطة .. الأقاليات التي يمكن أن تختزن بناء فوقياً في إطار الدين أو القيم الاجتماعية الأكثر تحرراً من غيرها من الزاوية الفكرية والاجتماعية بمقاييس التنوير .. ذلك جانب، والجانب الأكثر أهمية ينعلق بدور الذات اليسارية أو (الثورية) في كل واقع بعينه .. الممارسة بمعناها الشامل.. مضمون وشكل بالخطاب السياسي.. ثم علاقة كل ذلك بما نسميه بالموجات الإيديولوجية والسياسية في التاريخ القريب .. صعود موجة أو تراجعها .. وتأثير ذلك على الكتلة الرئيسية من الشعب حيثما كانت موافعها الدينية .. بالنسبة لنا انطلقنا في ظاهرة الحلقات من تركيبة واسعة متوازنة جداً. وقطعنا مساراً معقولاً على ذلك المستوى من التوازن حتى دخلنا عمليات التوسع التنظيمي سوية مع عمليات القمع العنيف من قبل السلطة. هكذا حصلت انقطاعات تنظيمية مؤقتة في بعض المواقع .. كما استطعنا تحقيق نفوذ أعلى بصورة طبيعية في مواقع أخرى.. مما أثر ذلك على شكل التركيبة بحالتها التأسيسية .. لكن ونحن نعتبر ذلك وجهاً إشكالياً كما هو الأمر في وسط القوى الشيوعية .. إلا أنه ليس مهدّداً إلى الدرجة التي يتصورها البعض. وسيبقى جوهر الأمر طابع نشاطنا. وبرنامجنا ومستوى ممارساتنا في المرحلة الراهنة وإن خبرتنا والثمن الذي دفعناه مع قوى اليسار المعارضة.. في مرحلة صعبة من تاريخ الوطن سيلعب دوراً إيجابياً في تجاوز بعض جوانب تلك الإشكالية ربما يسمح للجميع باختراقات جدية في وسط الكتلة الشعبية الواقعة تحت تأثير الاتجاهات الإسلامية المحافظة بشكل رئيسي
ح) أخيراً من يحاول تعقيد الأمر بربطه بأزمة اليسار العالمي.. أو وسط اليسار المحلي.. فأنه يقوم بتحويل القضية وإبعادها عن المعالجة.. اليسار العالمي في الكثير من بقاع العالم تجاوز إشكالات تطور الثورة العالمية.. تجاوز مسألة الشكوك المثارة حول الماركسية أما عندنا فالأمر خاصة في صفوف المعارضة اليسارية بحكم فترة القمع والشمول بحكم الديكتاتورية المطبقة .. والآن بدأ الأمر بصورة جدية .. أن خبراتنا المتراكمة والتاريخ النضالي الخاص بهذا اليسار كفيلة أن تنهض بهذه المهمة على الرغم من الحجم الهائل في التراكم.. على الرغم من مستوى الدمار الذي تسبب به القمع السلطوي السابق.
خامساً: حوار مع بعض وجهات النظر الخاصة:
1 ) بين خياري النهوض بالحزب (أو اليسار) أو التماهي بالحركة الديمقراطية العامة :
هناك أصوات بدأت تقرأ ما يجرى في الوطن من تحولات وآفاق أساساً بإمكانية قيام تطور عام واسع جديد وغني ديمقراطي وعصري يفتح على احتمالات جديدة كلياً من زاوية الحركات السياسية والأحزاب لتتجاوز تلك القديمة المدمرة العاجزة، المتخلفة، الشمولية.. الـخ حركات فعالة وأكثر قدرة بما لا يقاس مع تلك القديمة.. على تشكيل قوة لحل المهمة الديمقراطية كمهمة مركزية تعلو على كل شيء .. لدحر الطابع الديكتاتوري للنظام والسلطة.. ثم ليأتي أي شيء بعد ذلك.. وتأتي قصة اليسار واليمين.. تأتي بقية المهمات في الميادين الاجتماعية والوطنية.. تأتي بقية القضايا البرنامجية .. وتتنوع وجهات النظر التي تعول أولاً على الحركة الديمقراطية العامة بين ما ذكرناه و تلاوين أخرى إضافية من مثل ضرورة البحث عن أحزاب تتجاوز الأيديولوجيات لخلق إطارات وبرامج معاصرة أو تواكب العصر.. متحررة من الأيديولوجيات التي سقطت .. أحزاب رحوة واسعة الإطارات تصل أحياناً حدود الجمع بين أقصى اليمين وأقصى اليسار على مهمة واحدة كمهمة إنجاز نظام سياسي ديمقراطي .. أو خلق أحزاب على مهمات أنتخابية.. أو التفكير بيسار جديد مراجع للعمق بالماركسية.. حتى حدود التخلص من منظومتها الرئيسية.. والإبقاء الانتقائي على الرغم من المفاهيم لا أكثر.. مفاهي تخدم أساساً بالمعنى البراغماتي في التأثير والنفوذ داخل الحركة الديمقراطية.. والبعض من اليساريين الماركسيين أو الأشتراكيين الذين لا يزالون يجدوا أنفسهم مشدودين إلى إطاراتهم ومنظوماتهم ومناهجهم بصورة خاصة أو بأخرى فإنهم يفضلون صب الجهود بشكل رئيسي على الحركة الديمقراطية العامة .. لأن النظام الشمولي السوري (كأي حالة شمولية طغيانية) قد دمر الإطارات القديمة .. بإضعاف نفوذها .. والمستقبل للحركات الجديدة.. هكذا (حسب أدعائهم) جاء الطابع القانوني .. الطابع العام لهزيمة الأنظمة الشمولية.. فالجديد سيكون أكثر تأثيراً ونفوذاً .. هنا أيضاً تبرز البرغماتية بوضوح .. تلك هي بعض وجهات النظر. ولقد وصلت بصورة ضعيفة ومحدودة حتى إلى أوساط حزبنا .. وهي عندنا ربما أقل انتشاراً من الأحزاب الأخرى .. ماذا يمكن القول في الحوار مع تلك الآراء الجديدة والأولية .. التي لم تتعزز بعد ولم تستقر على مفاهيم ناضجة ومحددة..
من طبيعة المراحل الانتقالية العابرة .. إن كانت كبيرة وأساسية بين تشكيلة اجتماعية وأخرى .. أو إطار نظام سياسي محدد .. من طبيعتها أن تتسم بالتجريبية وعدم الاستقرار .. والغموض .. وعدم القدرة على الحسم من قبل القوى والفعاليات الموجودة .. ويشمل ذلك المجتمع برمته بما فيها السلطة المهيمنة ودولتها .. ونلاحظ ذلك بصورة أوضح عندما يتعلق الأمر بمرحلة طويلة ماضية من الشمول والإطباق على كل شيء من قبل السلطة مصادرة أي نشاط سياسي ..
مرحلة طويلة من القمع الديكتاتوري العاري .. لكن هل الأمر على تلك الدرجة من الفوضى أو اللادارية في عملية المعرفة والتحليل .. بحيث يمكن جعل الاحتمالات الخاصة بالتطور واحدة في درجة قوتها وتصطف إلى جانب بعضها بدون أفضليات .. بالطبع لا .. هكذا يصبح منهجياً أولى ما يجب أن نقرأه ونفهمه في مثل هذه الحالة خاصة وأن الحركة الديمقراطية العامة لا تزال في بداية خطواتها كادت أن تسمح لقشرة من المنتمين إلى إطارات سياسية أو المثقفين بتجاوز حالة الإرهاب السابقة التي فرضتها السلطة بقمعها للمجتمع وقواه .. طالما أن كل ما حصل ويحصل في وطننا السوري قد جاء بصورة أو بأخرى"بأذن" أو "بضوء أخضر" ..أو "بتسامح" من السلطة ودولتها وأجهزتها .. تحت ضغط أزمتها العميقة المستفحلة وضرورات إعادة إنتاج نفسها وليس تحت ضغط قوى المجتمع المنظمة أو العفوية .. أول ما يجب أن نفعله منهجياً هو قراءة التاريخ الخاص لوطننا السوري فيما يتعلق أساساً بطابع وتقاليد الحركة الديمقراطية العامة .. العفوية كإطار عريض و مستوى الاستقلالية فيها أو بعلاقتها وارتباطها بنشاط وبرامج القوى السياسية المنظمة وصولاً حتى اللحظة الراهنة .. ثم احتمالات التطور المفتوحة بعلاقنها مع طابع المرحلة الانتقالية وضروراتها .. لا بد أنها عملية واحدة ..
اعتقد وباختصار شديد أن تاريخ الحركة الديمقراطية في سوريا هو تاريخ نضال ونشاط وتأثير قوى سياسية منظمة .. ودرجة ارتداد الحركة الديمقراطية العفوية المستقلة على القوى المنظمة .. هو الجانب الضعيف والأقل أهمية بكثير .. وطننا السوري في أهم مراحل تطوره السياسي كان تاريخاً يقوم على أكتاف وجهود القوى السياسية المؤطرة .. أن ذلك الطابع لم يمت .. ولم يتراجع لصالح الحركة الديمقراطية المستقلة أبداً .. حتى في أشد محطات القمع ومصادرة الفعل السياسي من قبل السلطة .. حتى عندما"ضبت" السلطة الجسد الرئيسي من القوى السياسية وشلتها تنظيمياً .. أضعفتها جداً من زاوية النشاط السياسي .. وحتى زمن قريب..قريب.. حتى البارحة.؟ لحظات بدء تفكير السلطة بإعادة إنتاج نفسها وإعطاء ضوء في أشياء عدة .. حتى تلك اللحظات بقيت القوى السياسية المؤطرة تاريخياً .. وهي في المعتقل .. أو أفراد أطلق سراحهم .. أو قوى استأنفت بشكل محدود نشاطها .. بقيت هي الأسلوب الحاسم ـ بل بدون أي طرف أخرـ في النشاط الديمقراطي والسياسي .. أصوات خافتة جداً صدرت عن بعض المثقفين في العامين الأخرين وأكثر ما تركزت .. تركزت على قضايا سياسية خارجية تسمح بالقياس على قضايا محلية .. بينما كانت الحركة الديمقراطية والنضال السياسي رهناً بالقوى المؤطرة .. أو بظلالها .. أو بأشباحها المخبأة .. رهناً بقواها الكامنة .. أو خلف جدران المعتقلات تنتظر صوتاً جريئاً ضد القمع والديكتاتورية تنتظر ولو ثمناً بسيطاً من أجل الحرية .. حرية المجتمع .. حرية قواه السياسية .. حرية المعتقلين"المؤبدين" في السجون .. حرية المبدعين والمثقفين ,, وأكثر مما سمع ذلك الصوت.. سمع من مصادرخارجية متنوعة .. منظمات حقوق إنسان.. مثقفين وسياسيين لاجئين خارج الوطن"ممن حرقوا زوارقهم".
ليس هذا فحسب، بل حتى بعد انطلاق المرحلة الجديدة في سورية.. فإن القوى البشرية..التي تصدرت عمليات النشاط والجرأة في التحليل والنقد وطرح المهمات الضرورية على فجاجتها .. كانت القوى السياسية المؤطرة.. أو التي بدأت استنهاض ذاتها.. أم أشخاص من خلفيات سياسية مؤطرة ذوي خبرة وتاريخ شخصي ورصيد متنوع الجوانب .. بالإضافة إلى عدد من المثقفين الذين بدورهم ربما بجماعهم أو بقسمهم الكاسح كانوا ينتمون إلى حركات سياسية أو ينشطون فكرياً في إطارها .. أيضاً ذوي خبرة ورصيد .. ولديهم درجة من التحصين الشخصي .. وإلى جانب كل أولئك وجد عدد قليل جداً من الأشخاص المحصنين لأسباب متنوعة .. إن ما جرى ويجرى حتى الآن في سورية عموماً يؤكد الطابع شبه القانوني لحالات كثيرة متشابه ..وليس صحيحاً أبداً أن الشموليات السلطوية العابثة .. الاستثنائية والخاصة جداً حتى في التاريخ .. ليس صحيحاً أنها تصفي الحركات السياسية المؤطرة .. تنهيها إلى الأبد.. لتفتح آفاق جديدة فقط أو أساساً أمام حركة ديمقراطية عفوية مستقلة منفلتة على احتمالاتها الذاتية الجديدة .. في كل نظم الاستثناء الرأسمالية .. أكثرها شراسة وقسوة واستثناء (النازية،الفاشية) .وكل نظم الشمول والقمع .. والديكتاتوريات الشرقية .. كلها وبعد تفككها .. وجدنا أن السياقات والتطورات السياسية التي جرت .. جرت لصالح القوى القديمة المؤطرة مهما قد كان وصل فيها مستوى التدمير .. قد جرى لصالح حتى الأفراد الذين تجرأوا قبل غيرهم وطالبوا بالحرية ودافعوا عنها .. وقفوا ضد القمع الديكتاتورية والشمول في أصعب الراحل .. وجدنا ذلك عند"المنشقين" مثلاً في الدول الشرقية حيث لم تكن هناك أية أحزاب أو مجموعات معارضة قديمة .. من بدأ حصد نتائج نشاطه .. من كان قد وقف كأقلية في الأحزاب الشيوعية وعوقب حصد نتائج ذلك .. هذا هو منطق الأشياء. بل حتى في تلك البلدان الشمولية فإن انطلاق الحركة الديمقراطية لم يلغي الأحزاب الرسمية القديمة.. المفترض.. أنها قمعية، مكروهة، مستبدة، شمولية .. الـخ .. بل نهضت وطورت ذاتها وفي غالبيتها الكاسحة تحولت إلى الأحزاب الأكثر نفوذاً في المراحل الجديدة .. إن الشمولية لا تلغي التاريخ خاصة التاريخ القريب .. في مواجهتها ..
ب) إذن في كل الأحوال خاصة بعد معرفة التاريخ الخاص لوطننا على صعيد النشاط السياسي والحركات السياسية .. لا يجوز الرهان أولاً على احتمالات منطقية تسوقها الرغبات .. يسوقها الوعي المنطقي المجرد .. والقياسي في بعض حالتها الأعم على تجارب خارجية خاصة ومحددة .. في مرحلة انتقالية ببدايتها .. واضحة التوجه بعد وغير معروف المستوى الذي ستوجهها به السلطة على ضوء أزمتها ومصالحها ولا بد أنه مستوى ودور كبير .. بل هناك خيارات أخرى واضحة ومحددة ترتبط بالتاريخ المعاش حتى الآن .. وليس الماضي القديم في وطننا .. خيارات تتوفر فيها كل الشروط الرئيسية للانطلاق .. لا يمكن اعتبار الخيار الأول في احتمالات انفتاح الحركة الديمقراطية إلاّ بقسر التطورات .. أو إرادة التخلي عن المسؤوليات .. أو الرهان على خيارات وهمية .. هي الأكثر سهولة من الزاوية النضالية .. أو أن هناك وعياً جديداً مراجعأ لمسائل اليسار والشيوعية طلق كل شيء .. ويبحث عن خيارات جديدة مهما كانت احتماليتها من التطور.
ج) لكن سيبقى ذلك الطابع والتاريخ للحركة السياسية السورية أبدياً .. سيبقى كالقدر لا فكاك منه؟ بالطبع لا .. ليس هذا فحسب .. بل من زاوية الوعي المستقبلي والرغبات الحضارية المعاصرة .. يجب العمل على تغييره .. على تغيير طابع المعادلة واتجاهها بين القوى المؤطرة والحركة الديمقراطية العامة يجب أن نسعى بكل الجهود الممكنة بكل الخبرات .. لخلق حركة ديمقراطية لها درجة عالية من الاستقلال .. تشكل إطاراً وخلفية متينة صلبة .. يصعب القضاء عليها أو تدميرها بسهولة لو عاد القمع العاري مجدداً .. بوجودها تشكل عامل قوة للحركة السياسية المؤطرة .. ستخفف عنها مستوى القمع .. ومستوى التكاليف .. من النشاط السياسي برمته.. نشاطاً يتسم بالقيم الحضارية الديمقراطية المعاصرة .. يتسم بقيم أخلاقية راقية .. لكن ونحن نسعى لنفعل ذلك .. هناك خيارات أولى موضوعية تفرض نفسها على المعارضة اليسارية .. وعلى كل من يدعي أنه يساري ..
د) من المؤسف أن البعض يضع بحدة تناقض .. هوة .. يضع صعوبات مستعصية على التجاوز بين النشاط السياسي الحزبي المؤطر.. والنشاط الديمقراطي العام .. لماذ نضعهما في مواجهة بعضها .. لماذا لا نقوم بالنشاطين معاً.. هل هذه الأزدواجية محرمة.. هل محرم علينا النشاط المزدوج أو أكثر بين العمل الحزبي .. ومنظمات حقوق الإنسان والمنتديات .. والثقافة والفكر .. أليس في الأصل من واجبنا تعزيز النشاط الديمقراطي المستقل وتعميقه .. رفع مستوى التقاليد النضالية فيه .. لتعزيز مؤسسات المجتمع المدني خاصة تلك الأكثر رقياً وأهمية .. الأحزاب والأطر السياسية .. ألا ينطلب ذلك تخفيف أو إلغاء كل عمليات المصادرة .. أليس نشاط القوى السياسية المنظمة في الحركة الديمقراطية الآن .. نشاطاً ديمقراطياً حقيقياً .. ألا تدعمها بكل قواها وبدون مصادرات .. أعتقد أنه نشاط بعي عن المصالح الضيقة، الثأرية، أو التعويضية إنه نشاط باحث عن برنامج ديمقراطي وطني شامل .. باحث عن ضمانات قانونية واجتماعية وسياسية للمجتمع الديمقراطي الفعلي .. المجتمع الحلم حتى الآن..
ه) من يعتقد أننا لا نستطيع تلبية الحاجات والضرورات الموضوعية للعصر .. والمرحلة .. لا نفهم ما يتطلبه التطوير والتجاوز في قضايا الأيديولوجية والتعددية والديمقراطية لا نستطيع وضع اليد على القيم الحضارية الجديدة من مثل حقوق الإنسان .. الأخلاق والسياسية .. هم وأهم جداً .. إننا في الحزب العمل الشيوعي تربينا على ذلك .. إن عقلنا(العام) وطريقة تفكيرنا وحيويتنا الذهنية والفكرية .. وجرأتنا سمحت لنا سابقاً وستسمح الآن أن نأخذ كل ذلك بعين الاعتبار والارتقاء بصورة متوافقة مع الضرورات ومتطلبات الواقع .. سنكون رياديين كعادتنا ..
و) ومن يعتقد أن بعض المساهمين في الحركة الديمقراطية العامة وهي تحبو وتتطور .. من (المثقفين) كما يقال .. أو رجال الأعمال .. أو المبدعين .. تركوا تنظيماتهم القديمة .. وأيديولوجياتها .. أو في الأساس لا ينتمون إلى أي تنظيم .. أنهم غادروا الايديولوجيا تحرروا منها .. لأنها سقطت .. ماتت تمرغ وجهها في الأرض .. هو واهم. ويخدع نفسه. ومن يدعي أنه لا ايديولجيات له .. هو مخادع أيضاً .. أو أنه ينشط بدون هدف بالمطلق .. بدون مصلحة .. بدون اعتبارات طبقية أو فئوية شخصية ..أي أنه يقف في نقطة الصفر من شد وجذب القوى والايديولوجيات والمصالح .. ذلك مستحيل ومضحك .. أننا نستطيع أن ندرك ونتفهم الموقف الحضاري والاخلاقي برفض مفهوم الوهم والتزييف والخداع في الايديولوجيا من حيث جاء .. من أي وعي أو فهم .. أو منهج .. لكن لا نستطيع أن نقتنع أو نتفهم مسألة غياب المصالح والأهداف أو أنعدامها في أي نشاط سياسي أو اجتماعي أو اقتصادي أو ثقافي أو فني .. الموافقة على ذلك تعني بالنسبة لنا كذب وخداع الايديولوجيا مرة أخرى .. أو دورها المزيف ويصبح السؤال المطروح بشكل آخر .. أيفكر نريد.. أي أيديولوجيا.. من زاوية أية مصالح وأهداف .. كيف نجعله شيئاً حقيقياً ملموساً متوافقاً مع القيم الأخلاقية الأكثر رقياً بالمعنى الإنساني الحضاري المعاصر .. كيف نجعله متطابقاً مع الحقيقة الفعلية أياً كان وراءها .. طبقة، فئة.. حزباً .. جمعية ..
ي) أما أم نعتبر برنامجنا السياسي مقتصراً على مهمة مركزية واحدة .. هي الديمقراطية .. مهمة تغيير الطابع الديكتاتوري للنظام والسلطة .. وبعدها يأتي أي شيء .. أن نطرح ذلك هكذا بصورة مجردة .. تقوم على الرغبات والوعي النطقي والإرادة .. خارج حركة التناقضات بحديها الحركيين .. النسبي والقصوي .. الراكد والحاد وما بينهما .. خارج وعي المجتمع بفئاته و قواه .. واستعداده للفعل والصراع .. مثل ذلك الصراع يمثل غناءً حراً خارج التاريخ .. بين الضرورات التاريخية بنهاية آفاقها والمهام العطاة والممكنة تاريخياً في إطار التناقضات فرق شاسع .. هو الفرق بين الحلم .. والواقع الحسي الملموس (البارد) (أو الحار هنا) .. ولأن أهدافنا هي أهداف المجتمع في مرحلة نضالية محددة .. هي أهداف المجتمع المتحرك .. هكذا فهي أكثر أتساعاً من أن تقتصر على مهمة واحدة وما عداها لا أهمية له .. ولأن أهدافنا ليست أهدافاً انتخابية مؤقنة صرفة .. فإن مهمتنا تتعلق بالديمقراطية .. والمسألة الوطنية .. والمسألة المعيشية .. والقضايا القومية بمنعكسها الوطني هنا .. وأهمية تلك المهام والأهداف لا تتحدد من قيمتها التاريخية والحضارية والإنسانية .. أهميتها وحضورها أولويات النضال والبرنامج تتحدد من كونها معطاة بالمعنى النضالي الفعلي في إطار التناقضات ومستوى الحراك السياسي .. ومستوى حضور كل مهمة في وعي المجتمع وفئاته واستعدادهم للصراع من أجلها .. هكذا إذن .. لا نخلق أوهاماً .. ولا نحلق .. ولا نهرب من مسؤولياتنا .. ولا نبحث عن الأمر الأكثر سهولة عندما نطرح برنامجاً سياسياً .. عندما نحدد مستوى التناقضات ودرجة الاستقطاب .. عندما نحدد المصالح الملموسة لطبقات الشعب .. ونعمل من أجل تحقيقها .. هكذا إذن لا نحلق في الفراغ عندما نركز خيارنا الأول في الحركة السياسية القائمة .. في الإطار التنظيمي القائم .. عندما نستنهض ذاتنا .. وذلك سيسمح لنا فعلياً بأن نقدم كل ما هو ضروري تجاه الحركة الديمقراطية دون خلق أي تناقض بينهما .. أو بينها وبين المهمات الأخرى التي ربما تهتم بالكتلة الشعبية وتمس مصالحها و وجودها أكثر من المهمات الأخرى التي يتحسسها المثقفون أو السياسيون من منطلق قيمتها التاريخية وأهميتها للوطن (لو تحققت) وما أسهل تلك (اللو) .. باختيارنا ذلك سنتحمل مسؤولياتنا أيضاً تجاه حركة اليسار السوري والانفتاح على كل الضرورات .. الأيديولوجية ...
2 ـ مسألة اليسار : ماذا يعني أن يكون المرء شيوعياً، ماركسياً، اشتراكياً .. الـخ . يعني أساساً موقفاً واضحاً ومحدداً من الرأسمالية كطبقة .. كنمط إنتاج .. أي في القطب المعاكس .. النقيض للصراع في المجتمع .. ليس هذا فحسب .. بل يجب أن يعني أساساً ضرورة توفر أداة للصراع .. تنظيم.. حزب.. يخص أولئك المناضلين.. برنامج محدد .. ذلك بعيداً عن أي اختلاط في الايديولوجيات والأدوات والبرنامج .. الـخ من المفهوم أت يكون هناك موقف مرن من الايديولوجيا .. تلوينات غير نقيضة حول ايديولوجيا أساسية .. من المفهوم أن يكون هتاك مرونة سياسية .. أما الخلط .. الأندماج .. التماهي البحث عن أداة واحدة للنضال.. عن حزب مرن بلا حدود .. بحجة المهام المطروحة .. بحجة توحيد المجتمع في مهمة واحدة .. فذلك شأن لا علاقة له بالماركسية أو اليسار .. وكان مسألة التحالفات غير موجودة في الماركسية على مهمات محددة تكتيكية .. كأن فكرة توحيد قوى المجتمع الرئيسية على مهمة بعينها غير معروفة بينما كل ايديولوجيا .. وفئة أو طبقة أو حزب .. أو مصالح محددة، كل منها في صفة، في موقعه، كيف يمكن للماركسي، للاشتراكي "الراديكالي" الجذري في موافقة أن يجمع كل تلك الأشياء في جراب واحد .. إنه شيء غير ممكن إلا بإرادة التخلي بوعي التخلي عن قضية اليسار والمهمات الاجتماعية الطبقية .. ومصالح الطبقات الشعبية على رأسها الطبقة العاملة.
كيف يمكن لبعض اليساريين (ماركسيين أو اشتراكيين) من المثقفين .. أو ممن كانو ينتمون إلى إطارات يسارية سابقة .. كيف لهم أن يفكروا بعملية التماهي فيما يسمى الحركة الديمقراطية العامة هكذا من دون حدود .. من دون التفكير المنهجي بصورة متميزة .. أكثر علمية وراديكالية من كل الأطراف الأخرى ..من دون التعبير عن تطلعات الطبقات الفقيرة في كل مهمة برنامجية .. لماذا لا يفكرون وهم في قلب النشاط الديمقراطي .. إن كانوا يعتقدون أنه لم يعد بإمكانهم العودة إلى إطاراتهم .. أو الوجود في أحد الإطارات اليسارية القائمة .. هل يخافون من عدم المصداقية .. من اتهامهم بأنهم سيعودن إلى الوعي الشمولي غير الديمقراطي .. في حال تميزهم في حزب يساري .. وممن يخافون. من أنصار الديمقراطية الجدد .. أو الذين تجرأوا على رفع صوته مجدداً أم أنهم لا يخافون شيءاً ويريدون ركب موجة بالنسبة للبعض .. بصراحة .. كل ذلك يمثل انزلاقاً إلى صف إلى خندق الرأسمالية .. وأي رأسمالية؟ أم يعتقد البعض أن هناك إمكانية لموقف ديمقراطي على صعيد الوعي والممارسة .. مجرد .. حيادي اتجاه المجتمع وقواه .. أما من يعتقد أن وعيه الديمقراطي السابق يعيبه يخجله .. وهو كاف ليجعله يتماهى في الحركة بدون محددات .. ولا يستطيع القيام بموقف نقدي جدي تجاه قناعاته النظرية .. إلى أية جهة انتمت .. إلى الماركسية أم غيرها .. ويستمر بعد ذلك ماركسياً .. فهو خاطىء مرتين .. الأولى لأن كثيرين على صعيد العلم أو قوى كثيرة شيوعية قد راجعت ذلك ومنذ زمن غير قصيرـ وثانياً لأن المراجعة النظرية ونقد الماضي سيعطي مصداقية عند قوى الشعب أكثر من التماهي .
3 ـ هل صحيح أن مانفعله لا يساهم في حل أزمة اليسار.. بل يفاقمها: يعتبر البعض أن هناك أزمة كبيرة في صفوف اليسار .. وهي أكبر من إشكالات حزب العمل بل أكبر من حزب العمل نفسه .. والأمر أساسه عالمي .. شامل .. وهو محلي بمعنى الموجه الممتد آثارها من لحظات سقوط الاتحاد السوفياتي .. وظهور شكوك عميقة في الشيوعية في الماركسية في الاشتراكية .. في اليسار .. والمسألة المطروحة هي: كيف نشكل يساراً على أساس ماركسي .. أي كيف نعيد الثقة إلى الماركسية .. ثم إلى اليسار .. إذن المسألة من وجه أخر هي مسألة حوار جدي بين الماركسيين على الصعيد العالمي .. كذلك على الصعيد المحلي للوصول إلى تصور نظري يشكل قاعدة للحركة .. إن الحوار لتحديد الأساس الفكري هو خطوة أهم وأسبق على أي عمل حزبي .. المسألة إذن أكبر بكثير من حكاية استنهاض هذا الفصيل أو ذاك .. وتسبيق أي خوة عملية (تنظيمية) على التقييم الفكري لا يسهم بعمل جاد في حل أزمة اليسار أو أي فصيل فيه .. بل يساهم في مفاقمة الأزمة .. وفي ذلك هدف مخطط غائي مسبق .. بل هو حب التميز وغرور التميز .. إنها محاولة لرؤية الذات أكبر بكثير مما هي .. وذلك في صلب الشمولية .. بعيداً عن الديمقراطية ..
يا أخي هل المسألة مسألة بداية عمل من الصفر بدون أية مقدمات .. بدون أي تاريخ خاص .. إنها مسألة قوى متعددة لكل منها مفاهيمه وتاريخه الخاص .. لم تنشأ سوية ليضعف نفوذها أو تموت سوية. على هيئة نسق .. يبدأ مع بعضه .. وينتظر بعضه .. الــخ. كيف الأمر لو ربطناه أيضاً بحل أزمة اليسار العالمي .. وكيف ستحل من منظور البعض .. الذي ربما يعتبر أن الأومة لم يحل بها أي شيء حتى بعد عشر سنوات على سقوط الاتحاد السوفياتي .. بل ربما بالنسبة له هي تتفاقم .. إذن اهدموا كل شيء أيها الشباب .. كل ما هو قائم لا معنى له .. أبدأوا حواراً نظرياً فكرياً صرفاً .. حددوا من جديد ماذا تعني الماركسية بالنسبة لكم .. أعيدوا الثقة المفقودة بها .. إليها وكم هي عديدة موضوعات الماركسية .. بعد ذلك يمكن أن تبدأوا خطوة تنظيمية هذا ما يجب أن نفعله قوى اليسار .. ما عدا ذلك بمجرد البدء بنحديد ما لكم وما عليكم .. كل تنظيم .. بمجرد البدء بعملية مسح شاملة .. ونقد ومراجعة .. يعني خطوة خاطئة .. غايتها التميز .. والغرور .. وامتلاك الحقيقة .. الشمولية والقمع .. يعني ترسيخ الحدود القائمة .. بنبش الماضي وتعميق سلبياته وحدوده .. يعني تجذير الأزمة عوضاً من المساهمة بحلها .. ألا نستطيع تقديم تصورات وقناعات يتطلبها الواقع من أجل توحيد صفوف اليسار .. ألا نستطيع تقديم تفسير موضوعي صادق لكل حالة .. أليس البدء بالبدء بخطوة تنظيمية صحيحة معطاة .. هو الأنسب أساساً فإجراء أية مراجعة أخرى .. وإلا المطلوب هو العمل العفوي تماماً .. ماذا نقول للرفاق في التجمع .. هيا اوقفوا كل شيء وتعالوا نبدأ حواراً فكرياً .. نحن وأنتم والأحزاب الشيوعية في الجبهة .. وعلى الأخيرة أن تحل نفسها وتوقف أي نشاط أيضاً .. أم أن الأمر يخصنا فقط .. ولماذا؟ أننا بصدد عملية جديدة جداً في إجراء مراجعة نقدية جريئة وشاملة .. بصدد عملية استنهاض نأخذ فيها جدل خاص الذاتي .. وجدل اليسار في سورية .. وهل وجهة نظرنا تدل على غرور فيما يتعلق بجدل بناء الحزب .. تلك القديمة ـ الجديدة .. تدل على حب التميز الذي يصل حد طرح الأندماج؟ وهل هذا في صلب الشمولية والقمع ..؟.
إن من أهم أهدافنا ونحن نجري مراجعة شاملة .. ونحن نستنهض تجربتنا هو التركيز على دروس العمل الوطني السوري .. منها دروس علاقات اليسار ببعضه .. وتجديد طرح روح تشاركية للعمل .. بحدها الأدنى حواراً في القضايا الاستراتيجية والفكرية عبر وسيلة مشتركة تقوم بدور دعاوي فعال.
4 ـ بعض عناصر قوة الحياة .. تمثل رأسمالاً رمزياً فحسب .. يقول البعض أن هناك سعياً قصدياً لحشد عدداً من عوامل القوة ذات الطابع الأخلاقي، التعبوي، الإداري. تقوم في قسم منها على مفاهيم زئبقية .. ملتبسة .. يصعب تحديد معناها على أسس علمية هكذا فهي تشكل رأسمالاً رمزياً لا غير .. ولا يمكن الاعتماد عليها كعناصر قوة للحياة .. نعم القول بوجود دينامية عالية خاصة .. وجود روح كفاحية خاصة .. وجود موقف وتربية وتاريخ خاص في موضوع الأخلاق والسياسية .. تلك مفاهي ومؤشرات لا يجوز أساساً أن تحدد بصيغ علمية رياضية .. تلك مفاهي تقاس بمعايير مختلفة لكنها مقاييس موجودة لتحديد صواب أو خطأ الأمر .. صدفة أو كذبة هناك التاريخ الذاتي الخاص بالتجربة .. وهناك التاريخ المقارن مع تجارب أخرى .. بل أريد التأكيد أن تلك السمات وعوامل قوة الحياة هامة جداً في حياة تنظيم ثوري .. هل الأمر حقاً هو أمر وثيقة برنامجية ناضجة علمية ، دقيقة .. ومن قال أنه يمكن قياس المفاهيم والمهمات المحددة بها بصورة علمية ؟ .. أم الأمر أمر مفاهيم فكرية .. وخط نظري ـ سياسي .. كم مرة اكتشفنا في التاريخ أن أشخاصاً مفكرين لوحدهم قد وضعوا وثائقاً ناضجة وتنتظر بدورها قيام ضرورات في المجتمع .. كما تنتظر تنظيماً وحزباً مكوناً من كوادر ووعي .. وإدارة وقيم .. وروح كفاحية عالية .. ودينامية .. بالضبط على عكس ما يتصور البعض .. وجحود تلك العوامل .. تلك السمات على حقيقتها (غير الكاذبة، غير المبالغ بها .. غير المزيفة ) تمثل وجوداً لعوامل قوة الحياة .. وجوداً مضاداً لنزوع التدمير والموت وإن شئتم في الحقيقة يجب إضافة ضرورات توفر سمات أخرى ملتبسة لا تقاس علمياً مثل الجرأة .. نعم الجرأة والاندفاع والاستعداد لتحمل المسؤولية الشخصية والوطنية .. مرونة تكتيكية .. صلابة استراتيجية .. بل حتى نبالة .. أخلاقية في العمل السياسي .. وغيرها وغيرها .
5 ـ تجاوز الأزمات .. حزبنا بين الماضي واليوم .. البعض يعيد أزمة اليسار بما فيه (أزمتنا من منظوره) إلى دلالات ردود فعلنا بعد سماعنا وتأكدنا من سقوط الاتحاد السوفياتي .. من تلك اللحظة أصابنا الإحباط والشعور بالموت .. أصابنا العجز ولم نتمكن من تجاوز الأزمة التي بدأت تتفاقم وصولاً حتى اللحظة الراهنة .. يقول أننا استطعنا سابقاً حتى في بداية نشوئنا أن نتجاوز العديد من الأزمات الخاصة تلك المرتبطة بشدة القمع السلطوي .. مع أن خبرتنا كانت أولية بعد .. كانت حملات الاعتقال متواترة بسرعة .. والنزيف شديد إلى المعتقلات .. والتقاطعات التنظيمية هنا وهناك والإشاعات التدميرية حولنا من كل صوب .. مع ذلك تجاوزنا الكثير من الأزمات وتطور نفوذنا .. بل سجلنا محطات هامة جداً على صعيد تطور نفوذنا حتى ما بعد عام 1986 مثلاً .. إذن لا يقول السبب في القمع السلطوي والمتواصل العنيف .. فهناك قوى يسارية لم تعتقل أبداً مع ذلك هي مأزومة مثلنا وربما أكثر .. إن وجه النظر تلك تغير باعتبارنا كنا جزءاً (عضوياً) من كامل الحالة السوفيتية الرسمية .. نظرياً وسياسياً .. وبناء استراتجياً في فهمنا للعملية الثورية .. ثم قوة معنوية .. كنا جزءاً من الماركسية الدارجة"الستالينية" .. وهكذا فعندما انهارت تلك الماركسية بكل ما عانته ومثلته .. انهرنا مثلها .. وهكذا يكون الاستنهاض بإعادة الاعتبار والحياة للماركسية الحقيقية غير الستالينية .. إعادة الحياة إلى تبني منظوماتها الحية وروحها .. إلى روح النقد المعروفة ..
للحق هي قضية قابلة للإثارة والحوار حولها .. تحديداً لماذا تجاوزنا الكثير من الأزمات والإشكالات في مراحل متقدمة .. وعجزنا لاحقاً من الأنتباه وضبط قوانا .. ثم المحافظة على درجة معينة من النشاط بدلاً من الانقطاع التنظيمي الطويل وتراجع النفوذ .. وتراكم المهمات ..
يجب الاعتراف وعلى الرغم من الخط الذي انتهجناه في نقد الاتحاد السوفيتي.. وعدد أخر من تيارات الحركة الشيوعية العالمية .. فإن نقدنا لم يتمكن أن يصل الحدود الصحيحة .. لم يكن الأمر أمر جرأة .. بل كان أمراً ايديولوجياً (مزيف هذه المرة ) .. تمثل في عدم تصديق القوى العدوة لصف الثورة فيما تنشره من معلومات وما لم تتقدم به من معلومات وما تتقدم به من انتقادات .. كما كان الأمر معرفياً .. بمعنى عدم الاستطاعة على توفير معلومات مدققة موثوقة من جانبنا .. على الرغم من كل ذلك لم نكن مرة واحدة من زاوية الوعي الإرادي سوفيتيين .. عداكم عن أن تكون ماركسيين رديئين ستالينيين .. بل عرفنا في صفوفنا مرات عديدة عمليات ترك وهجرة التنظيم بسبب أنتقادنا للاتحاد السوفيتي ولم نتخلى مرة واحدة عن ضرورة النقد إنما الرفاقي .. وعلى طول الخط من موقع الماركسية الثورية كما كنا نفهمها.
ذلك جانب .. أما إمكانية أن تلعب المفاهيم المشبوه من منظور ماركسي .. والمرتبطة بعربة الماركسية الرسمية .. أن تلعب دوراً تحضيرياً في البنية الفكرية والتنظيمية لتجعلنا مهيئين للأنهزام .. بعد هزيمة الاتحاد السوفيتي وانهياره .. بمعنى أن كل شيء قد انهار .. وحتى الماركسية انهارت .. فالأمر حقيقة لم يكن كذلك على أرض الواقع .. بل كنا نغلي ونتفاعل مع تطور الصراع في الاتحاد السوفيتي بداءاً من عام 1987 .. وكنا نشعر أن ملاحظاتنا الانتقادية القديمة الماضية .. جدية وصحيحة .. وملئنا بالقوة بعد مؤتمر شباط 1985 .. واستمر ذلك ثم بدأنا نمسك قلوبنا بعد سنتين أو ثلاثة حتى انهار الوضع .. بعد انهياره قامت الدنيا ولم تقعد وكنا فيها .. وجرت شتى المراجعات .. لكن واقعياً كانت عوامل التكيف في التنظيم خاصة خارج المعتقل .. عوامل قوة المراجعة والتقاط الأنفاس .. ضعيفة .. كانت قوانا التنظيمية وخاصة الكادرية .. والطاقم القيادي قد ضعفت .. ليس هذا فحسب .. بل كان القمع قد حاصرنا بشدة .. بينما استمرت في الوعي والممارسة الطفوليين اليساريين في العديد من الجوانب .. ولم يكن الأمر أمر السوفييت .. بل حتى بعد انهيارهم استمت حيويتنا في السجن .. لكنها استمرت في السجن أساساً إذ كانت قد وقعت خسائر تنظيمية استثنائية بعد حملة 1987 حتى بداية التسعينات وشلت العمل في الخارج .. بحكم التدمير الهيكلي .. وبحكم الرهابات ..
في بدايات نشوئنا وحتى سنوات متقدمة كان الأمر مختلفاً جداً على الرغم من بروز عدة مؤشرات تهدد ببعض المخاطر .. ولم يكن الأمر أمر سوفييت أو ماركسية ستالينية .. فموقعنا في الجوهر لم يتغير ومفاهيمنا في الجوهر لم تتغير .. كان الشرط الموضوعي في الأساس مختلفاً كما كانت عدة سمات في الشرط الذاتي مختلفة أيضاً .. وكلاهما تحول بالتدريج ما عدا شرط القمع في الجانب الموضوعي .. كان متسارعاً عنيفاً .. ذلك الجدل بين الشرطين كما شرح سابقاً هو المسؤول عما يسميه البعض بأزمة ..
بعد كل ذلك يجب التأكيد أن مسألة المفاهيم الماركسية الحية .. غير المزورة هامة جداً واعتدنا في تجربتنا ألا تكون مراجعتنا في الماركسية ذات طابع فئوي متعلق بتيار أو تلوين ايديولوجي محدد متحيز .. بل كانت مراجعتنا على طول الخط المنظومات الماركسية الفكرية .. المنهج .. الفلسفة .. حتى تلك لم تكن يوماً مقدسة بمعنى المحرم بحيث لا نجرؤ على نقدها .. والآن أكثر من أي مرة يجب أن تكون مرجعيتنا المفاهيم الحية .. الصحيحة .. وأكثر من أي مرة يجب أن نتجرأ على النقد بذلك فحسب تؤكد ماركسيتنا .
6 ـ سادساً : تصورات أولية مكثفة حول محتوى المراجعة المطلوبة
كيف نبدأ؟
نخلص إلى القول إذن أن خيارنا الأول .. تركيزنا الرئيسي .. جهودنا الرئيسية هي استنهاض تجربتنا التنظيمية والفكرية والاستراتيجية .. والسياسية البرنامجية .. هكذا تقول ضرورات الواقع الموضوعي والتاريخي .. كما تقول العوامل الذاتية .. عوامل قوة الحياة من الجانب الرئيسي أو بمحصلتها الجوهرية .. وكل ذلك لا يتناقض بأية درجة مع واجباتنا النضالية تجاه الحرية والديمقراطية العامة .. سلمية وعلنية .. كما لا يتناقض بأية درجة مع واجباتنا تجاه الحركة الوطنية السورية .. لا في ميدان التحالفات .. ولا ميدان العمل المشترك الواحد حتى دمجياً في صف اليسار بل ما تقوم به من أوليات يحفز نشاطنا في تلك الميادين يجعله أكثر حيوية أكثر وضوحاً ومنهجية من هذه المهمة له دلالات أخرى في الوعي والقناعات والدوافع والحسابات ..
لكن كيف سنبدأ .. ما هي المسارات التي سيأخذها النهوض .. ما هي الاتجاهات الرئيسية في المراجعات المطلوبة وإعادة الإنتاج .. لا شك أن ذلك عمل كبير يحتاج لجهود الجميع بل يحتاج لجهود كل من هو مهتم بموضوع اليسار في سوريا لكنه يجب أن يبدأ عندنا .. كما عند غيرنا في وسط قوى اليسار ..
لقد تقدمت بتصوراتي مكثفة حول ضرورات ودوافع النهوض .. والآن أتقدم بتصورات أولية مكثفة غايتها إثارة الحوار لتحديد اتجاهاته ومضامينه .. تتعلق بالمراجعة المطلوبة في الميادين الأكثر أهمية من تاريخ ونتاج تجربتنا .. التنظيمية .. والنظرية ـ السياسية .. الفكرية .. والبرنامجية ..
أ) نعني بالاستنهاض الذي بدأ فعلياً بهذ المداولات والحوارات وببعض الصيغ والنشاطات انطلاق مجموعة مستعدة لتحمل كامل مسؤولياتها .. لديها الجرأة لتقول ذلك بصوت مرتفع وبصورة علنية (سأوضح أسباب العلنية.. تحدد وتمتلك بعض الوسائل المساعدة في النشاط المتاح والممكن الآن في الوطن وخارجه .. مسؤولياتها مؤقتة ريثما يرتقى الوضع إلى حالة شرعية، رسمية شرعية، ورسمية من زاوية وعي وإرادة وقرارات أصحابها فحسب) تهتم أساساً بتنظيم الأولويات وتركز على ثلاثة أهداف أولها تنظيم إجراء مراجعة نقدية شاملة للتجربة لكل واحد من أصحابها .. ممن أنتموا إليها أولوية في حق النقد والكتابة والنشر والتعميم في الوسائل المتوفرة داخل الإطار وخارجه .. كما أن ذلك الحق متاح لكل من يرغب خارج التجربة .. بل نرحب بذلك .. المطلوب .. مراجعة كل شيء .. نقد كل شيء تقتضيه الضرورة، من أجل التصويب والاستكمال والتجاوز لبلورة وتحديد كل ما هو ضروري وموافق لقيم العصر وتطوراته .. تطورات واقعنا وضروراته .. يجب ألا يكون ذلك شيئاً عفوياً .. بل يجب أن ينتظم في برنامج يحدد بشكل أساسي موضوعات المراجعة .. بأولوياتها ويحدد آفاقها بربطها مع الارتقاء الضروري بالعمل التنظيمي والسياسي ذلك العمل الذي يجب أن يرافق المراجعة فوراً بالسويات التوافقية الضرورية .. يجب أن نراجع الفكر .. والمفاهيم الاستراتيجية .. والايديولوجيا البرتامج .. التجربة التنظيمية .. الخط السياسي .. وكل ما يتعلق بأشكال النضال ووسائله وليس لأحد الحق في حجب أي مادة تحت تلك العناوين في إطار الخطة العامة مهما كانت طبيعنها .. مهما أبدت من اختلافات جذرية تجاه بعضها وتجاه تاريخ التجربة .. يجب أن يظهر كل ذلك بشل علني وأن نسعى لتشترك به كل القوى والاتجاهات .. لا أن نحصره في إطارنا .. على الرغم من حق الأولوية لنا.
ثانيهما: مراجعة دروس العمل الوطني السوري لتجاوز الماضي بروح منهجية جديدة .. لفتح صفحة جديدة . ليس فقط أمام صيغ التحالفات التكتيكية بتجاوز الصيغ القديمة .. بل أساساً بكامل الجدية والتركيز من أجل الارتقاء وتجاوز إطاراتنا الذاتية إلى حركة سياسية منظمة واحدة .. وهناك إمكانية جدية كما نعتقد أمام اليسار السوري في صف المعارضة يجب أن نعطي في نشاطنا ووسائلنا حيزاً .. قسطاً مهماً كمياً ويساوي القسط المتعلق بالمهمة الأولى السابقة .. ويجب أن تقدم باقتراحات ملموسة على هذا الصعيد .. من مثل تشكيل هيئة حوار .. مجلة نظرية ـ سياسية مشتركة .. لفتح قنوات للأعمال المشتركة في شتى الميادين الممكنة ..
ثالثهما:تحفيز وتنظيم النشاطات السياسية والاجتماعية والثقافية العامة .. المنتديات الديمقراطية العامة .. والمتخصصةوالقيام بأكبر وأوسع نشاط فيها .. بل الأكثر جرأة أيضاً وحيوية وأستنارة .. كذلك يجب متابعة الأحداث السياسية الرئيسية .. وقضايا البرنامج الأخرى في الميدان الديمقراطي أو الوطني أو الاجتماعي أو المعيشي .. بالتحليل المناسب الضروري ليشكل وسيلة للتعبئة الداخلية في الإطار .. وخارجه .. مع ضرورة التحلي بمرونة عالية فيما يتعلق بوجهات النظر المختلفة في التحليل السياسي المنشور في وسائلنا .. ذلك إلى جانب وجود تحليل مركزي .. إن وسائل النشاط في الخارج .. الخاصة (بتنظيم الخارج) يجب أن تتطور وترتقي بحيث تعكس الوقائع والتطورات والحاجات الجديدة في الوطن ..
ب )لماذ اختيار أسلوب العمل العنلي كأسلوب رئيسي في هذه المرحلة التاريخية بمعناها العام .. والوطني الخاص ..؟ يجب القول أولاً بالمعنى النظري والتاريخي أن اختيار أسلوب العمل التنظيمي العلني .. السلمي والديمقراطي أ الشفاف ـ لا يعني أبداً رفضاً مبدئياً أو إلغاء أو استبعاد لأسلوب العمل السري حيثما اقتضت الضرورات ذلك .. ـ أي ضرورة كانت ـ بداءاً من أي حالة تفتؤض الدفاع عن النفس (الذات) .. وصولاً حتى التفكير الاحتياطي في شروط موضوعية ـ واقعية لا ضمانات قانونية ..أو سياسية .. أو حتى تقاليد وبناء فوقياً ..
إن اسلوب العمل العلني يرتبط اساساً بقيم العصر... يرتبط بالتطورات التي وقعت على مجرى العملية الثورية و طابعها فعندما يكون طابعها و سياقها قد انقلب من حالة الهجوم الاستراتيجي ضد الامبريالية و قوى الرأسمالية... الى حالة الدفاع الشاملة في كل مكان... بحيث يكاد يكون قد تحول الى دفاع استراتيجي ( بالمعنى الزمني و ليس بالمعنى التاريخي ) ... و انقلب من حالة الهجوم التكتيكي المتوافق مع الهجوم الاستراتيجي العام و التاريخي...في الكثير من ساحات الصراع الجزئية...انتقل الى طابع الدفاع التكتيكي التكيفي... ( مع امكانية و احتمال وجود استثناءات هنا و هناك تسمح بهجومات تكتيكية لقوى الثورة بحكم تراكب التناقضات المحلية )... ذلك الوضع بالمعنى العام يتطلب تغييراً في اساليب و اشكال النضال ... منها مفهوم الحزب و الشكل الرئيسي لنشاطه... و يجب ألا يكون ذلك التغيير الآن شيئاً تكتيكياً برغماتياً... بل يجب ان ينتقل من الضرورات التكتيكية إلى الوعي و القناعات القيمية العامة الؤنسنة المنسجمة مع مقتضيات العصر و الواقع يجب ان تنسجم مسالة الحزب مع مسألة الوعي و القناعات الديمقراطية و العمل الديمقراطي بمعناه الشامل... باستخدام وسائل النضال السلمية و العلنية .. بل يجب الاصرار على صيغ العمل الديمقراطي العلنية و السلمية ... و اكتساب مستوى متقدم من التحصين في اطارها... و يجب الاصرار على ذلك كلما كان النظام اكثر ديكتاتورية و قمعية يخلق قوى ديمقراطية مجتمعية محصنّة غير قابلة للتدمير بسهولة ... و كل ذلك لا يعني ابداً التفريط الغبي و المستهتر بالقوى الحزبية ... ذلك الاصرار كما ذكرنا لا يلغي ضرورة وجود اشكال نشاطات حزبية سرية ... احتياطية ... للدفاع عن النفس عند الضرورة.
و اذا اضفنا الى ذلك طابع المرحلة الانتقالية في سورية و التي تسمح بدرجة من النشاط العلني. ذلك على الرغم من كونها لا تزال على السطح بدون عمق و بدون ضمانات جدية فعلية لكنها مهمة جداً حتى بالحدود القائمة عليها... و الاكثر اهمية ان تطول مدتها و تتعزز ... انّ السلطة و تحت ازمتها الذاتية والاحتمالات التي يمكن ان تتفتح عليها ... ازمات الترهل البيروقراطي القاتل... و الجمود في الاداء .. الفساد المستشري... الازمة الاقتصادية... الاستحقاقات تجاه العولمة و الاتفاقات مع الاتحاد الاوربي.
كل ذلك تضخم و غدا مهدداً للمستقبل بينما السلطة تعيد نفسها في مرحلة مفصلية حرجة...في ذلك السياق سمحت السلطة بكل ما يجري ... بل اعطت ضوءاً اخضراً به... دون اللجوء الى ذلك المستوى السابق من القمع العاري شكلاً و مضموناً... هذه مرحلة تجريبية و غير مستقرة ... السلطة و اجهزتها تراقب كل شيئ فيها... للتحديد ايّ توجه جديد و ضبطه... مع ذلك فالمرحلة تفتح مجالاً حقيقياً امام العمل العلني... الحزبي التنظيمي المؤطر... او الديمقراطي العام... و لا بد ان للسلطة خطوطاً حمراء من جهتها في ذلك... اما من جهتنا فيجب ان يكون الامر اساساً من منطلق قناعة... فكرية منسجمة مع متطلبات العصر والواقع... ليس هذا فحسب... بل يجب الانتباه الى انّ ايّ حركة سياسية ... ايّ حزب لا يكتسب درجة من الشرعية و التحصين العلني ... الداخلي و الخارجي ... ايّ يندفع اكثر فاكثر نحو العمل السري فإنه سيخسر الكثير من زاوية نشر برنامجه في وسط النسيج الوطني ... ليصبح اكثر رسوخاً و يتحول الى برنامج لقناعات لدى البشر مستعدين للدفاع عنه... و العمل السري غير المحصّن في إطار فقدان التوازن الهائل سيعني المزيد من الخسائر... تعني سهولة اعلى في القضاء عليه و تدميره هيكلياً... بينما و على العكس... كلما اكتسب العمل تحصيناً و مشروعية علنية...بشكل خاص في مثل هذه المراحل الانتقالية التي تفتقد الضمانات القانونية و السياسية... كلما اكتسب الحزب ذلك التحصين... تصبح قضية حياته و تطور نفوذه قائمة على اسس قوية و راقية... ان اكبر تحصين للحزب الذي يعمل بصورة علنية من الزاوية الرئيسية هو اصراره على العمل العلني و قطع الطزيق على كل حجج الاجهزة و السلطة...بان دافعها للاعتقال هو فكفكة الهياكل السرية التي لا تعرف عنها شيئاً... و هي اقرب من منظورها لهياكل الصيغ التآمرية...بالطبع لن تتوقف و يجب الاّ تتوقف الصيغ الاحتياطية... غياب الضمانات القانونية و السياسية يفترض ذلك... لكن الامر يتعلق بالشكل الرئيسي في هذه المرحلة بالمعنى العام... و بالمعنى الخاص داخل الوطن. ..هل في كل ذلك شيئ من المغامرة؟ نعم هناك درجة حقيقية من المغامرة... و الطاقم الرئيسي الذي سيتولى مسؤولية البدء و المتراس في ذلك ...معرض لعدم الامان على الرغم من طابع و امكانات المرحلة الانتقالية... لكن كما اعتقد و في كل الاحوال من الصعب ان يتعرض لذلك المستوى من القمع القديم... فشروط ممارسة القمع القديم من حيث المحتوى و الشكل تغيرت بدرجة كبيرة...في ذلك الاطار يمكن التفكير بالاشكال الاحتياطية... مع قناعتي العميقة بضرورة تجاوزها كلما امكن ذلك.
ان العمل الحزبي بشكل خاص في بداياته لا يتطلب اية تعقيدات في الهياكل و المؤسسات يتطلب الحد الادنى الضروري...يتطلب البساطة و الفعالية... يتطلب الدينامية... و ما عدا تلك الضرورات...فإن صيغ التحلق او اشكال الارتباط بالتنظيم يجب ان تكون مرنة جداً تهتم بالتاثير العميق و الفعالية اكثر من الاهتمام بالشكل و الحرتقات و الطقوس...فليكن هناك اكبر عدد من المهتمين و الفاعلين في الحوار... و نشر وسائل الدعاية و العمل السياسي... دون ان يكونوا بالضرورة مؤطرين شكلياً ... و بطبيعة الحال فان اللافاق الواقعين في اطار التجربة بالمعنى التاريخي و الاخلاقي و النظري و السياسي... بعد ذلك الزمن الطويل,,, و الاشتراطات القاهرة...فإنهم لا بد سيقتربون من الدوائر التأطيرية الاكثر فعالية بصورة تدريجية... و بقدر امتداد المرحلة الانتقالية... او ترسيخها على صعيد الضمانات القانونية او السياسية فإنهم سيجدون انفسهم مندفعين اكثر فاكثر عن دوائر الفعل الخلفية الى المركز...او الدوائر الاولى المحيطة به.
ج ـ من زاوية الوسائل المتعلقة بالمراجعة و اعادة الانتاج على صعيد التجربة... او دروس العمل الوطني...او التحليل السياسي حيثما برزت ضرورة...فإننا كالعادة يجب ان ندرك بسرعة و نستخدم الوسائل الاكثر عصرية و فعالية و اماناً... يجب الاَّ نقسر انفسنا على صيغ منتظمة متباعدة... بل صيغ جاهزة للصدور كلما برزت ضرورة لنشر شيئ... يجب ان تستخدم كل الوسائل المتاحة من طباعة و فاكس و انترنت و وسائل مسموعة او مرئية في وسائل النشر الخارجية المتاحة أيضاً بشكل منهجي و فعّال و بحيث نتحلى بحس وطني دقيق كعادتنا.
د ـ من الزاوية الايديولوجية و الفكرية: و نحن نتبنى الشيوعية كفكر...كمنهج...كفلسفة هناك الكثير من العمل المطلوب منا و نحن نراجع الماركسية... بذلك فقط نكون ماركسيين حقيقيين...بل بدونه لن نكون...و سأطرح ملاحظات اولية مكثفة فحسب الآن... ربما تتاح الفرصة و نقلع بالحوار الفكري المعمق و المفتوح.
1) ضرورة تخليص الماركسية من كل ما يمت بصلة الى الفكر الشمولي... في الميادين الرئيسية لمنظومتها الفكرية... في المنهج و في الفلسفة.
2) ضرورة تخليصها من أيّّّّ غائي " منطقي " .. إذ هناك فرق شاسع بين النضال من أجل اهداف معطاة بالمعنى التاريخي و العياني...بالممارسة المتوافقة مع الضرورات الملموسة.. و النضال القائم على اساس من الوثيقة المنطقية الحتمية.
3( يجب مراجعة مفهوم ديكتاتورية البروليتارية... يجب إلغاءه و تطوير المسائل المتعلقة به ... فالديمقراطية القائمة الآن في العالم لم تعد مجرد شيئ مرافق للتطور الرأسمالي ـ مع التذكير الدائم لكل و ابشع النظم الاستثنائية التي جاءت بها الراسمالية ـ بل غدا التطور الديمقراطي ـ الوعي الديمقراطي .. و المفاهيم الديمقراطية و النضال على اساس من البرامج الديمقراطية لفرض سلطات متطورة ديمقراطياً كل ذلك غدا بمثابة المفهوم الحضاري القيمي المؤنسن ... الذي ساهمت به القوى الطبقية المسحوقة ... بل ساهمت بترسيخه اكثر من غيرها ... و لم تكن لها مجرد مصلحة مؤقتة في ذلك لتعود و تفرض او تطالب باشكال استثنائية ( كما فعلت الرأسمالية و قواها السياسية ) ليست لها مصلحة اقتصادية و سياسية و ايديولوجية ذات طابع سطحي تكتيكي ... هكذا إذن يجب أن يكون أسلوب النضال الديمقراطي العلني السلمي الشفاف ... أسلوباً حتميا و أساسيا بل مطلقا أن أمكن... و مهما كانت ردات فعل الرأسمالية ... يجب أن ندخل ميادين المنافسة بصورة شاملة في كل الميادين... بقناعتنا و مفاهيمنا الجديدة... الأكثر رقيا و تطوراً ... أن ندخلها بوعي و قناعة اخلاقيين... استراتيجيين ( لا تكتيكيين).. ان ميدان النضال الديمقراطي يجب ان يكون ميداننا... لقد ارتقت مفاهيمها و وعي البشرية له... يجب ان نجعل من التنافس الصادق ميدانا لكشف حقيقة القوى الراسمالية... و لنثبت اننا اكثر تمثيلاً لقيم العصر الاخلاقية... اكثر اخلاقية منها على كل صعيد... بذلك تصبح فكرة البروليتاريا بكل اشكالها المتاحة نظريا و عمليا... فكرة لا ضرورة لها... ذلك طالما اننا سنحتكم الى القيم الديمقراطية حتى و لو لم يكن النظام نظامنا او الدولة دولتنا او القوانين قوانيننا... يجب ان ندخل الصراع الديمقراطي العلني ... الاستراتيجي و الاخلاقي ببرامج واضحة على كل صعيد بدءا من البلديات و المؤسسات الشرعية الى تركيب و بنية السلطة التي نريدها... و البرنامج الاقتصادي الذي نريده... يجب ان ننافس ديمقراطيا بشرف و صدق مكشوفين حتى حول حقنا بتغير و قلب شكل الملكية الراسمالية...او ما يسمح به ميزان القوى ديمقراطيا... يجب ان يكون ذلك كله جليا واضحاً...هكذا ايضاً في الميادين الاجتماعية و السياسية...يجب ان نطور وعينا و نشاطنا الى ذلك الحد على الرغم من كل الصعوبات التي نواجهها... بل ربما اساسا بسببها... صعوبات ما بعد هزمة الاشتراكية الرسمية... و بعد كل الإشكالات الايديولوجية و الفكرية الناجمة عنها...بعد كل الشكوك التي اثيرت حول الماركسية...بكل ذلك تصبح فكرة الديكتاتورية ...شعار الديكتاتورية...مهما حملناه...مهما وضعناه على وجهه صبغات لماعة... يصبح سلبياً...يخلق حساسيات و يفتح حواجز ز حدود مجتمعية...لا بل قد يساهم في تمزيق وحدة الوطن في شروط العصر و قيمه الحضارية و الانسانية. }
4) يجب مراجعة كل فهمنا بخصوص الراسمالية ... ازمتها ... و قدراته على التكيف... و قدراتها على الدفاع عن نظامها و تطويرها بآفاق واسعة ممتدة زمنيا...ان وعينا لتلك القدرات يفتح امامنا مجلات نظرية و برنامجية واسعة جديدة.. إن الراسمالية كشكل خاص من الملكية و عبر مئات السنين استطاعت ( على الرغم من وحشيتها التي تجلت عليها) ان تجعل من شكل الملكية الراسمالي بتاريخه و آفاقه و قدرته عند قسم واسع من المجتمع شيئاً و كأنه مستعص على المنافسة...غير قابل لأن يقهر... هكذا في مواجهتنا الشيئ الكثبر للرد المقنع عليه... علينا ان نبدع افكاراً تتعلق حتى بالتنافس حول طابع و جوهر اشكال الملكية و قضايا الانتاج و السوق.. بينما نحن نخوض نضالا سلبياً في قلب النظام الراسمالي و ضده لتغييره... ذلك لإقناع الفئات الشعبية ان الراسمالية قابلة للهزيمة... و قد نضطر بل يجب ان نفعل ذلك بصورة نظرية... غير سياسية ايضاً... يجب فعله حتى بصورة اقتصادية انتاجية او توزيعية مع ادارتها بصورة ديمقراطية متفوقة و نحن في قلب النظام الراسمالي... ربما نضطر الى ذلك لخلق قناعة نقية لدى الطبقات الشعبية... و العمال بشكل خاص...قناعة شبه غريزية ان نموذجنا الاشتراكي متفوق...ان اية عودة مستقبلاً في ظل نظام سياسي اشتراكي لاستخدام اشكال انتاج راسمالية...سيعني الاعتراف و لو جزئياً و لو مرحلياً بتفوق الانتاج الراسمالي.
5) ماذا بقي من الماركسية بعد كل ذلك: بقي الشيئ الكثير... بقيت اهم الاساسيات في منظوماته الفكرية و المنهجية و الفلسفية... اولها الجدل المادي و التاريخي.. و المنهج في ذلك الجدل الذي يعني بصورة مبسطة كما الاكثر تعقيداً: فهم الحركة كما هي لا زيادة و لا نقص في اي ميدان و تطوير كل المناهج العلمية و الانسانية كل في ميدانه بحسب مقتضيات التطور التي تبرز التطور التي تبرز... اي تطوير القوانين الاساسية المشتقة... و ينطبق الامر بنفس المقياس المنهجي على قوانين الجدل العامة... على فلسفة الحركة و التطور... اذ يجب تفجير تلك القوانين... تطويرها... تغييرها كلما برز ما تقتضي ذلك في منجزات العلوم المختلفة.
ان قوانين التناقض كدافع للحركة و الصراع... و التراكم كمؤشر و حتمية التطور حتى الانقلاب النوعي... و نفي النفي بعد تخليصه من اي نزوع نمائي منطقي... بل فهمه و اخضاعه للفعل و الممارسة المرتبطان بالشروط و الضرورة...مثل تلك القوانين يمكن اعتارها عموميات في فلسفة الحركة و التطور...لكن لفهمها لاحقاً بدقة...لرصد مسارها... ة توقع احتمالات اتجاهاتها... علينا استخدام مناهج عديدة جزئية في ميادين اخرى متخصصة ستبدو في لحظات و كأنها اكثر اهمية من الفلسفة ... او المنطق العام لقوانين الحركة اكثر قدرة على الفعل...دون ان تتناقض معها... بل و هي تعمل في إطارها.
ـ كما بقيت الماركسية بصفتها منهجاً علمياً في تحليل النظام الراسمالي بل اي شكل من اشكال الاستغلال الرئيسية و الثانوية... ذلك لكشف التناقضات و اصطفافاتها و اتجاهات الصراع... منهجها في التحليل الطبقي... مهما اصبحنا الان مقتنعين بضرورة ابداء ملاحظات نقدية جدية على تحليلات كبار الماركسية بخصوص المجتمعات الراسمالية الطبقية و اجاهات تطور الطبقات ... و بذلك تبقى الماركسية منهجاً و وسيلة في النضال السياسي ـ الطبقي ـ الاقتصادي و الايديولوجي من اجل سلطة نقيضة و نظام نقيض في نهاية المطاف.
ـ الماركسية ـ الشيوعية ... تمثل أيضا الفكرة النقيض من زاوية نمط الانتاج...شكل الملكية و العلاقات الاقتصادية التي يجب ان تسود المجتمع الاشتراكي نقول ذلك على الرغم من كل الانتكاسات التي جرت في حالة انظمة الاشتراكية الرسمية...و علينا مجددا القيام بالجهد النظري المطلوب... كما جهد المنافسة المتعلق بميدان... اشكال الملكية و نمط الانتاج... و علاقات الانتاج و السوق...(كما ذكرت) حتى في ظل سيادة النظام الراسمالي...و داخل الدولة الواحدة و هي محكومة بسلطة راسمالية... بنظام راسمالي... كلما امكن ذلك... بصورة و ديمقراطية...علنية.. شفافة...حضارية و اخلاقية.. ذلك لتصبح فكرة الاشتراكية او نمط الاناج الاشتراكي او اشكال الملكية الرئيسية منها و الثانوية...لتصبح فكرة ملموسة قادرة على المنافسة حتى خلال الواقع المعاش.
هـ ) على صعيد خطنا النظري ـ السياسي و مفهوماتنا الاستراتيجية فإنها تحتاج الى مراجعة شاملة على الرغم من استمرار بعض المفاهيم حية و صحيحة بقسمه الرئيسي .. بشكل خلص و كا ذكرت ما يتعلق منها بالبرجوازية الصغيرة و السلطة السورية تاريخياً... و موضوع برجوازية الدولة البيروقراطية... كذلك جدل بناء الحزب ... و ما رافق تلك الموضوعة من تحليل يتعلق بالحركة الشيوعية المحلية و بقية قوى المعارضة و المبرر الموضوعي التاريخي لوجود قوى شيوعية عن يسار حزب شيوعي رسمي متكون تاريخياً... اي مبرر وجود غيرنا سابقاً... و دورنا... او موضوعة المسألة القومية في بعض اهم اتجاهاتها بشكل خاص المسألة الفلسطينية و مسألة الوحدة ... كل تلك الموضوعات حتى الآن تحتفظ بقسم مهم من الحيوية و الصحة تحتاج فعادة انتاج و تطوير شاملة... بالإضافة إلى تلك التي غدت متخلفة لان التطورات تجاوزتها و رمتها جانباً من كل لوحة الصراع الطبقي العالمي... و الحركة الشيوعية العالمية و المركز الاممي...اشكال النضال و وسائله... او التحليل الستاليني في مسألة القومية و الأمة العربية... أو تحليلنا بخصوص الطبقة العاملة السورية و ضرورة استكمال فهم اللوحة الطبقية في صف البرجوازية لتحديد ما جرى عليها من تطورات بعد ذلك الزمن الطويل... و كما علينا الآن بشكل خاص أن نعمق فهمنا لمسألة جدل بناء الحزب و دورنا فيه...ليكون الامر أكثر مرونة و فعالية و عملية... في اطار حركة اليسار السوري بشكل خاص المعارضة منه.
و ـ) بشكل خاص يجب ان نتحلى في حزبنا مجدداً بمرونة ايديولوجية تصل حدود وجود تلاوين لايديولوجيا رئيسية أو فرعية تقاربها أو مشتقة منها... يجب أن نفعل ذلك و نحن نتبنى الماركسية و الشيوعية... في ذلك تحقيق لمقتضيات العصر و الواقع... في ذلك رد مناسب على دروس الايديولوجيا و الفكر.
النظام الرأسمالي و الأحزاب الرأسمالية قادرة على ذلك في اطار التلاوين الايديولوجية الراسمالية بشتى صنوفها...فلماذا نستبعد الفكرة طالما أن التحليل الطبقي الواقعي...و الاهداف البرنامجية... و مسألة الافكار و الايدبولوجيا كلها اساساً بعيدة كل البعد عن منطق القطبية الشفاف بإطلاقية...فماالذي يمنعنا من قبول كل التلاوين الايديولوجية الشيوعية أو الماركسية... أو الأشتراكية العلمية بكل صنوفها أو الاشتراكات الباحثة عن العدالة على اسس علمية... ان هذا ليس شيئاً تجميعيا... او ابعد ما يمكن عن التجميع الايديولوجي المتناقض... أن قبولنا بالمرونة الايديولوجية شيئ... و قبولنا بتعايش ايديولوجيات متناقضة في حزب واحد شيئ آخر مختلف كلياً... ذلك الأخير هو المرفوض بالمطلق... و لن يسمح أساسا بوجود حركة سياسية او حزب متماسك الى زمن معتبر... سيكون في أحسن الحالات تجمعا مؤقتا من أجل أهداف انتخابية أو برنامجية مؤقتة... أما الحركة السياسية التي نريدها... الحزب الذي نريده فهو مناقض في الجوهر و الشكل في المحتوى و البرنامج و الممارسة للنظام الرأسمالي بكل تلويناته... أنه أداة النضال من أجل النظام النقيض بكل المعاني... أنه أداة النضال الاشتراكية ضد الراسمالية و النظام الرأسمالي... أن المرونة الايديولوجية لا تعني أيضاً تعايشاً بين فلسفات متناقضة مثل تعايش الفلسفة الماركسية و الفلسفة الدينية باسم العدالة مثلاً..
إن تحديد كل ذلك سهل من الايديولوجيا العامة... إلى الفلسفة... إلى ميادين الصراع الأخرى... كما يمكن الفصل بين الفلسفة و البرنامج السياسي فيما يتعلق بالكتلة الرئيسية للمنضويين تحت قيادة البرنامج... ان الألتزام بالايديولوجيا الماركسية... بالفلسفة الماركسية أو الشيوعية شيئ... و مفهوم البرنامج السياسي خاصة الانتقالي منه هو شيئ آخر... إذ يمكن أن ينضوي تحت لواء الأخير كل من يريد و دون أن يتبنى بالضرورة الفلسفة بل يمكن أن يكون متديناً كما هو معروف.
ز ـ ) أعتقد أن برنامجنا السياسي يحتاج لنفض... بشكل خاص ما يتعلق منه بأشكال النضال بوسائل النضال... لكن بعض مفاهيمه الرئيسية... المنهجية بشكل خاص لا تزال صحيحة. علينا هذه المرة التمييز بدقة من دون التباسات بين الانتقالي و الاستراتيجي باستخدام مصطلحات جديدة بنشر دعاوة أكثر اتساعاً..
علينا أن نؤكد مجددا أن البرنامج هو معطى تاريخي موضوعي و ذاتي يتعلق بالمجتمع ككل... و أن أهمية أي مطلب أو قضية لا تأتي منها ذاتياً...بل تاتي من مستوى التناقضات في المجتمع... من درجة الحراك السياسي... و الصراع... و استعداد الطبقات و الفئات أو القوى المعنية على النضال ن أجل تحقيقها... و أننا لا نستطيع الانجاز بمجرد اقرارنا أن هذه المهمة أو تلك ضرورية و هامة و مركزية و حان الوقت لطرحها أو التركيز عليها... بل هي تماما أسيرة التناقضات و الصراع... و وعي أهميتها من قبل القوى المعنية بها.. هكذا يصبح علينا التأكيد أن برنامجنا ليس برنامجاً قاصراً على مهمة واحدة بعينها... ليس برنامجاً إراديا أو وهميا...بل هو برنامج شامل في مختلف الميادين الرئيسية و الثانوية...كما أنه ملموس و محدد باتجاه انجاز المهمات الرئيسية... إنه يشمل النضال من أجل المجتمع الديمقراطي بدحر الطابع الديكتاتوري للسلطة... كما يشمل النضال ضد العدو الصهيوني بمهمات محددة.. إنه يهتم بالمسألة الوطنية كما هي معطاة بأهميتها.. كذلك بالمسألة المعيشية و موضوع الفساد... و بشكل خاص الآن... إلى جانب المهمة الديمقراطية...مهمة الإصلاح الاقتصادي...بالإضافة إلى كل المهمات الجزئية المتبلورة و الهامة في حياة المجتمع و الشعب ذلك فيما يتعلق ببرنامج المرحلة... أو الانتقالي... و وسيلتنا في كل ذلك دائما النضال العلني الديمقراطي...السلمي... و الاحتكام إلى صناديق الاقتراع.
أمابخصوص برنامجنا الاستراتيجي فأعتقد أنه يحتاج في العديد من محتوياته إلى إعادة نظر جديدة... و ستبقى فكرة النضال لبناء نظام اشتراكي هي الأساس كما فكرة النضال من أجل الوحدة العربية و بذلك كل جهد إرادي ممكن من أجلها...و في الوقت الذي علينا فيه تطوير كل ما يتعلق بفكرة المركز الاشتراكي الأممي العالمي...فإنه علينا الا نخجل من الماضي... الا نخجل من ضرورة مواجهة الرأسمالية في نفس الفكرة و الميدان...علينا أن نتذكر كم هو متطور صف القوى الرأسمالية على ذلك الصعيد... هناك ضرورة لمواجهة كل أشكال التنظيم و التكتل و الإرادة المركزية...ذلك بأشكال و تنظيمات و مؤتمرات و مراكز قادرة...علينا البحث عنها... و التنسيق الجدي مع أي شكل موجود منها.. علينا خلقها... و دفعها إلى التطور...ما هو العيب في ذلك... ما هو الخوف من ذلك طالما أننا سننافس على أسس ديمقراطية و أخلاقية و سياسية و إنسانية أكثر رقيا من الرأسمالية... أكثر عقلانية منها... و غير مهددة بأي شكل للبشرية و الحياة...يجب أن يتجاوز الأمر بصورة جوهرية و حية تلك المفاهيم و الأشكال القديمة المتخلفة. }
2ـ مرة أخرى المؤكد أنه يجب علينا أن نحي مجدداً و نؤكد بعض أهم ما جاء في موضوعتنا المتعلقة بجدل بناء الحزب... و ذلك لنكون حركة سياسية جديدة بكل معنى الكلمة. أي قادرة على مجاراة مقتضيات التطورات العامة و الخاصة علينا أن نتحلى بمرونة عالية فيما يتعلق بمسائل الاندماج و تشكيل حركة واحدة أو حزب واحد بين صفوف المعارضة اليسارية السورية أساساً... و صف اليسار عموما علينا أن نغيب حساسيات الماضي كليا إن أمكن... أن نفكر بروح جديدة و منطق جديد...أن نختصر الاسباب العديدة المعقدة التي يبحث كل منها في الخصوصية... و الوجود الذاتي المستقل أبدياً و المحدد على ضوء العصبيات... لنبحث في المسارات المرنة لتطوير العلاقة التشاركية بإتجاه الدمج... علينا أن نؤكد امكانية التعايش في إطار واحد تحكمنا القيم الديمقراطية و العلاقات الديمقراطية حتى ة لو كنا على هيئة تيارات... إن التفاعل النظري و الممارسة كفيلان بدحل و تمهيد شروط التناقض و التنافر و النبذ... و تطوير شروط الدمج...علينا ألاّ نخاف من تلك الفكرة كعادتنا سابقاً... كفهمنا السابق... علينا ان نكون رياديين في كل ذلك... إذ في الوقت الذي نعمل به استنهاض تجربتنا و إعادة انتاجها... يجب ان يبقى ذهننا و وعينا و إرادتنا مفتوحة لإنجاز أي خطوة ممكنة... و أمامنا في صف اليسار قوى ينطبق عليها ما ينطبق علينا في العديد من المسائل الرئيسية... و بعضها تعرض للقمع الشديد مثلنا... بعضها أقل... لها وجودها في الواقع... ربما كنا و لا نزال الأكثر جرأة في قراءة و استنباط ضرورة مثل هذا الطرح... علينا الاستمرار ببلورته مجدداً و العمل من أجله.
ط ـ اخيراً ... يجب علينا ان نكون الطرف الأكثر حيوية و نشاطاً في الحركة الديمقراطية العامة بل الأكثر جراة في الحفر العميق لمساراتها... و في الحوار النظري بخصوص موضوعاتها...علينا أن نسعى لتعميم دروسها و قضاياها النظرية و السياسية.. علينا أن نكون في الصف الأول لنشر و تعميم كل شكل أو مؤسسة او وسياة نضال ديمقراطي فنحن لا نجد أي تناقض في خياراتنا و خيارات الحركة... و نعرف جيداً دور القوى المنظمة سياسياً فيها فكيف الأمر عندما يتعلق بدورنا... نحن في حزبنا و تجربتنا لا نعاني من تعذيب الضمير و الوجدان فيما يتعلق بنضالنا الديمقراطي سابقاً في اخطر و اعقد مرحلة ربما مر و سيمر بها الوطن... و دفعنا الثمن ( دون ندم ) من أجل الديمقراطية و النظام الديمقراطي ... صحيح أن مفاهيمنا قد سادها الإلتباس و التشويش سابقاً بحكم الموقف النظري للماركسية من النظام الديمقراطي الرأسمالي سياسياًَ و حدود شكلانيته... و لأنها ( الماركسية) لم تلحظ تطور الأمر إلى مستوى القيم الحضارية و العصرية المؤنسنة التي يصعب تجاوزها... ذلك الإلتباس لا يشكل بالنسبة لنا أي عقدة... لقد جاء في إطار شروط موضوعية... و شروط علمية تاريخية بدورها... كما أن نضالنا ضد الديكتاتورية الصادق و العنيد... قد غطى على ذلك الإلتباس... نضالنا أساساً كان نضالاً ديمقراطيا ملموساً حتى في أشدّ لحظات بروز طرحنا و تركيزنا على النضال الوطني... نضالنا الوطني (للأسف لم يكن ملموساً على الصعيد العملي) ... كان نضالنا الديمقراطي أكثر ملموسية و وضوحاً ... هكذا إذن نستطيع ان نلعب دوراً رئيسياً في الحركة الديمقراطية ونحن مرتاحون بينما نطور مفاهيمنا ونرتقي بتجربتنا.
انتهى
فاتح جاموس
6/1/2001