أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - أكرم جلال كريم - سُفُنُ الأمان بين الفَلسَفة والعرفان ( الجزء الثاني)















المزيد.....

سُفُنُ الأمان بين الفَلسَفة والعرفان ( الجزء الثاني)


أكرم جلال كريم
(Dr. Akram Jalal)


الحوار المتمدن-العدد: 6163 - 2019 / 3 / 4 - 21:37
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


سُفُنُ الأمان من الفَلسَفة الى العرفان
(الجزء الثاني)
العِرفانُ إذن هُوَ المَنهَج الآخر في السّير نحو المَعرفة وإدراك حَقيقة الكَمالات المُوصلة الى الكَمال المُطلق والى عالم القُدس والسَّكينة والطَمأنينة. هُوَ مَنهجٌ لا يَعتَمد في عُمْقِ مُفرداته على العَقل كأساس ومُنطَلق في السّير نَحو الفَّهم والأدراك، انّما يَعتَبر الإلهامَ والتَّلقي والمُكاشَفة هي الطّرق المُوصلة الى المعرفة والكمال . وأرتَكَز العُرفاء على حقيقةِ أنّ العَقل لايَكفي بَل قد يَكون عاجزاً عَن إدراك ما فَوقه، كما أشار الى ذلك الغَزالي بقوله: (ثم يترقى إلى طول آخر، فيخلق له العقل، فيدرك الواجبات والجائزات والمستحيلات، وأموراً لا توجد في الأطوار التي قبله. ووراء العقل طور آخر تفتح فيه عين أخرى يبصر بها الغيب وما سيكون في المستقبل، وأموراً أخر، العقل معزول عنها كعزل قوة التمييز من إدراك المعقولات، وكعزل قوة الحس عن مدركات التمييز1).
والعرفانُ في اللّغة مُشتَقّ مِن عَرَفَ، ويُعْنى به المَعرفة. وَيُقال هذا عارِف اي يَعرف الأمور، والعارف بالله، هو مَن يتَحقق بمعرفته ذوقاً وكشفاً. والعِرفان هيَ المَعرفة الحاصلة عن طريق المُشاهدة القَلبية، دون وَساطة العَقل ولا التَجربة الحسّية، وتُسمّى أيضاً المعرفة اللّدنيّة كَونها تأتي مِن لَدُنِ اللّه، يَقول ابن عربي: "العارف من أشهده الرب عليه، فظهرت الأحوال على نفسه".
وَقَدَّم بَعضُ أصحاب الاختصاص تعاريف مُشابهة لمنهج العرفان، من أهمها ما قاله القيصري:(هو العلم بالله سبحانه، من حيث أسماؤه وصفاته ومظاهره وأحوال المبدأ والمعاد والعلم بحقائق العالم وبكيفيّة رجوعها إلى حقيقة واحدة، هي الذات الأحدية ومعرفة طريق السلوك والمجاهدة, لتخليص النفس عن مضايق القيود الجزئية واتّصالها إلى مبدئها واتّصافها بنعت الإطلاق والكلّية2).
وَيَرى البَعض أمثال محمد عابد الجابري أن العِرفان مَنهَجٌ معرفي، ورؤية للوجود، لكنه يرى أنّه انتقل إلينا من ثقافة كانت سائدة قبل الاسلام حَيث تسمّى الغنوص Gnose، والكلمة يُونانية الأصل، ومعناها المَعرفة ، وقَد انتقلت الى الثقافة الإسلامية. لكن مُفَكرين آخَرين أمثال الشهيد مرتضى المطهري(ره) يرى "إن العرفان من العلوم التي ولدت وترعرعت وتكاملت في مهد الثقافة الإسلامية".
فالعِرفانُ اذن هو مَنهج المعرفة الحَقّة والأدراك الجَلي، بلا قُيُود أو حُجُب، وهو إزالة المَوانِع والحَواجز الدنيوية ورفع الغَشاوة والسّير نَحو إدراك الحقيقة والوصول الى مَراتب اليَقين الحق. وما لم تَتَجلّى لَدى الطالب حَقيقة الحقيقة ولو بأَجزاءها فإنه قَطعاً لَم يَطوي جميع المَراتب نَحو كمال العرفان، والإمام الخمينيّ قدس سره وَضّح هذا البيان بقوله:(إنّما حقيقة العرفان والشهود ونتيجة الرياضة والسلوك هي رفع الحجاب عن وجه الحقيقة ورؤية ذلّ العبوديّة وأصل الفقر والتدلّي في النفس وفي جميع الموجودات، ولعلّ في الدّعاء المنسوب إلى سيّد الكائنات صلى الله عليه وآله وسلم: "اللهمّ، أرني الأشياء كما هي!"، إشارة إلى هذا المقام، بمعنى أنّه صلى الله عليه وآله وسلم سأل الله سبحانه أن يُشهِده ذلّ العبوديّة المستلزم لشهود عزّ الربوبيّة3).
وَقَد قَسّم أهل الأختصاص العرفان الى قسمين: العرفان النظري، والعرفان العملي، على أنّ بَعضَ أهلِ العِرفان قد رَفَضوا هذا التَّقسيم. والعرفان النَّظري، هو العلم الذي يَهتَم بشؤون الخالق والكون والإنسان، فَيَتَعَمق في فَهمِ أسماء الله تعالى وصفاته وتجلّياته، وهو بذلك يقترب من المنهج الفَلسفي في دراسة الوجود، فالفيلسوف يَستعين بالعَقل والفهم فقط من أجل إثبات وإدراك الدّليل والبُرهان لأصل واجب الوجود ، بينما العارف يُقَدّم رؤية كونية من خلال المُكاشفات والإستدلالات نحو معرفة أساسيات حقيقة الوجود، وهو الله جل جلاله والأنسان والوجود نفسه.أما العرفان العَملي فَهو علاقة الإنسان وواجباته مع نَفسهِ وَوجوده ومع خالقه، ويُسمّى ايضاً بعلم "السير والسلوك"، وهو يُبين المَراحل والمَراتب التي لا بُد أن يطويها السالك في سَيره إلى الله، ما هي المحطة الأولى وأين ستكون المحطة الأخيرة، وما هي المنازل والمَقامات التي يَمُر بها العارف أثناء سَيره للوصول إلى معرفة الله تعالى.
فعن أميرُ المؤمنينَ علي عليهِ السلام أنه قال: (وَأَنِرْ أَبْصَارَ قُلُوبِنَا بِضِيَاءِ نَظَرِهَا إِلَيْكَ حَتَّى تَخْرِقَ أَبْصَارُ القُلُوْبِ حُجُبَ النُّوْرِ فَتَصِلَ إِلَى مَعْدِنِ العَظَمَةِ، وَتَصِيْرَ أَرْوَاحُنَا مُعَلَّقَةً بِعِزِّ قُدْسِكَ4).
ولِنَظرية وحدة الوجود أهمية تَستَحق الوقوف عندها، وشرح حقيقةَ معناها وتَنقيح ما أصابَها من تَلفيق وتشويه. فَمَن يَدّعي أنّها تَعني إتّحادٌ بين وجود الإنسان ووجود الله عز وجل، فهذا خَطأ عَظيم وَفَرضٌ مَرفوض ولا يَدّعيه مُسلم عاقل. فالموجود الحقيقي هو الله جل جلاله، وما سوى اللّه إنما هي وجودات من صُنعِ الله٬ فهي امام َحقيقته وَهمية وخَيالية، فوجود الله عز وجل لا حُدود له، وأنّ عِلمَه وقُدرته وحَياته هيَ عَينُ ذاته، وأمّا باقي الموجودات وإن كان لها وجود لكن وجودها ضَعيف، مَحدود، أقرَبُ ان لا يَستَحق تَسميته وجودًا.
والتفسير الواقعي لمعنى وحدة الوجود هو فَناء هذا المحدود (اي الإنسان) في الواجب الغير مَحدود (وهو الله سبحانه وتعالى)، فَمراتب الإيمان تبدأ بالعلم واليَقضة والإيمان والتّوكل ثم التسليم ثم مرتَبة الرّضا وأخيرا مرتبة الفَناء وفيها يَصِل السّالك الى دَرجةِ الفَناء في الله، عندها لايَرى لنفسهِ وجودًا، فالعبادة الحقّة والسّير الحَثيث يَجُذب السّالك نَحو الوجود الحَقيقي، وهو أن لا يَرى إلا الله وجوداً حقاً، وباقي المَوجودات لا وجود لها، فلا يرى لنفسه وجوداً، وهذا ما أشار اليه أمير المؤمنين علي عليه السلام حينما قال: (ما رأيت شيئًا إلا ورأيت الله قبله وبعده وفوقه وتحته وفيه5)، ومَرتبة الفَناء هذه هِيَ التي تُسمّى بوحدة الوجود، أي أن السّالك قد أنصَهَر بالعبادة أثناء سَيره حتى أدرك أن لا لنفسه وجودًا. ويُستَدلّ على هذا المعنى بالدُّعَاء الوارد عن الِإمام الحُسين فِي يوم عرفة، (كيْفَ يُسْتَدَلُّ عَلَيْكَ بِما هُوَ في وُجودِهِ مُفْتَقِرٌ إلَيْكَ؟! أيَكونُ لِغَيْرِكَ مِنَ الظُّهورِ ما لَيْسَ لَكَ حَتَّي يَكونَ هُوَ المُظْهِرَ لَكَ؟، متى غبت حتى تحتاج إلى دليل يدل عليك ومتى كانت الاثار هِي التِي تدل عليك، عميت عين لا تراك عليها رقيب وخسرت صفقة عبد لم تجعل من ودك نصيب6).
وَكَما أشَرنا سابقاً فأنه من الخطأ التَصوّر أنّ أهلَ العرفان قد ألغوا العَقل البرهاني والتفكير العَقلي بالمُطلق في جميع مراحل الكشف والسير الى الله، فالكثير من أكابر العِرفان يَعتبرونه النُّور الأول من أنوار السّير والسلوك بَل هو مُقدمةً وضرورةً لصحةِ المَسير. فالسّير والمُكاشفة لابد لها من مقدماتٍ مَعرفية، ولا يمكن للعارف ان يَخطو أول خطواته وهو خال من التعليم البَشري، والكَشف لا يَتم الا بتحصيله إعتماداً على العَقل والحواس. فالعقل البرهاني يعلو على كل الحواس الأدراكية وبيده زمام ‏القيادة.
وهنا لابد من التمييز بين العَقل وإدراكه وحصوله على العلم والذي يسميه البعض علماً حصولياً، أمثال العارف اية الله عبد الله الجوادي الآملي، وهو يأتي بالواسطة بين العالم والمعلوم، بينما العقل الذي يَدرِك نوعاً آخر من العلم أسماه علماً حضورياً فهو يَتَأتّى من دون وساطة بين العالم والمعلوم. لذلك فالعلم الحصولي خاضع للخطأ والبطلان أثناء سير العارف في استكشاف الحقيقة وذلك لوجود الواسطة بين العالم والمعلوم، غير أن هذه الواسطة تنتفي في حال ما يُسمى بالعِلم الشهودي، أي العلم بين الشاهد والمشهود، عندها ينتفي الخطأ والبطلان وتُثَبّت الحقيقة، بمعنى آخر أنّ الحقيقة في العلم الشهودي تُستَمد بناء على الإتقان ‏العَينى، والاتصال والإنصهار وليسَ مثالا منفصل مبني على وجود خارجي. وروى الصدوق مسندا عن أبي المعتمر مسلم بن أوس قال: حضرت مجلس علي عليه السلام في جامع الكوفة. فقام إليه رجل مصفر اللون - كأنه من متهودة اليمن - فقال: يا أمير المؤمنين، صف لنا خالقك وانعته لنا كأنا نراه وننظر إليه، فسبح علي عليه السلام ربه وعظمه عز وجل وقال:(... ولا تدركه الأبصار. ولا تحيط به الأفكار. ولا تقدره العقول. ولا تقع عليه الأوهام. فكلما قدره عقل أو عرف له مثل، فهو محدود7).


وللحديث تتمة في الجزء الثالث إنشاء الله تعالى ..
د. أكرم جلال
19 جمادي الثاني 1440


1. المنقذ من الضلال، أبو حامد الغزالي ص22.
2. القيصري، شرف الدين محمود، رسائل القيصري، رسالة التوحيد والنبوة والولاية، ص 7، نقلاً عن: حسيني، السيد قوام الدين، العرفان الإسلامي، مركز الدراسات والتحقيقات الإسلامي، قم، ص 19.
3. معراج السالكين، الامام الخميني، ص25.
4. بحار الأنوار, ج 91، ص 98, باب 32: أدعية المناجاة, المناجاة الشعبانيّة.
5. التبريزي الانصاري- اللمعة البيضاء- ص169.
6. إقبال الأعمال، ص‏350.
7. الكافي للشيخ الكليني ج1/ ص137.



#أكرم_جلال_كريم (هاشتاغ)       Dr._Akram_Jalal#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سُفُنُ الأمان بين الفَلسَفة والعرفان ( الجزء الثالث)


المزيد.....




- السعودية تعدم مواطنا ويمنيين بسبب جرائم إرهابية
- الكرملين: استخدام ستورم شادو تصعيد خطر
- معلمة تعنف طفلة وتثير جدلا في مصر
- طرائف وأسئلة محرجة وغناء في تعداد العراق السكاني
- أوكرانيا تستخدم صواريخ غربية لضرب عمق روسيا، كيف سيغير ذلك ا ...
- في مذكرات ميركل ـ ترامب -مفتون- بالقادة السلطويين
- طائرة روسية خاصة تجلي مواطني روسيا وبيلاروس من بيروت إلى موس ...
- السفير الروسي في لندن: بريطانيا أصبحت متورطة بشكل مباشر في ا ...
- قصف على تدمر.. إسرائيل توسع بنك أهدافها
- لتنشيط قطاع السياحة.. الجزائر تقيم النسخة السادسة من المهرجا ...


المزيد.....

- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام
- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - أكرم جلال كريم - سُفُنُ الأمان بين الفَلسَفة والعرفان ( الجزء الثاني)