المستنير الحازمي
الحوار المتمدن-العدد: 6162 - 2019 / 3 / 3 - 01:25
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
بشرى غير سارة ..فهناك حياة مبتذلة رخيصة للبيع ...
أعرض حياتي لأدني وأقل سعر و بأي سعر .. موصفات سعودية ..خليجية عربية .. في الثلاثين من العمر .. أعزب .. لا يعول أحدا .. كامل الأوصاف أبيض اللون...أسود العينين. اقني الأنف
ليس بالطويل ولا بالقصير .. ليس بالمثخن ولا بالنحيف .اجش الصوت لا يبكى ولا يضحك ..مصمت صامت لا يجش ولا يتحرك.. تعجبك أطرافه وقوامه ولا تحسبه أبشر ولا تعده كائن ام حجر ..ولا تعرف منه انسانيته من بشريته من ساديته من حيوانيته !!
.. لا يعاني من أمراض مزمنة ولا محجرية ولا معدية او مستوطنة ومستعصية .
هذا كل ما يملكه ويفتقره .. كامل الأوصاف فاقدها ..كامل الاشياء ناقصها ..مالك موجودات معدمها.. ومغارة كنوز سارقها ..واهب لأشياء لا يملكها ...
هذه هي حياتي اعرضها للبيع اقدمها لمن يدفع لمن يساوم .. يزايد يقامر
فمنذ ان توقفت ومنعت أسواق النخاسة.. ونحن بشر بلا قيمة أو ثقل أو وزن او هوية
منذ أن أغلقت ونحن لا شيء لا معنى ولا شرف او موطن او قوميه
منذ ان سرح المشترون والبائعون والمزايدون والمرابون ...
انتهى ما كان للعربي من بيت ووطن وأرض وشرف وعز وسؤدد ..انتهي كل ما راهن عليه ..ما كان يرتقبه من دعاوي الحرية ,, ما ينتظره أن يأت به كل صباح من إنسانية ..وما يأت به المساء من كرامة وحرية فإذا الصبح .. صباح الخير أيتها التعاسة ..وإذا المساء مساء مظلم لا صباح بعده ولا عشية.. لا نقوي فيه على الموت ولا على الحياة ..مصادرون من إنسانيتنا من حيوانتنا ..من كوننا من ترابنا من ثلجنا من دمنا .. استعصى عليه أن يكون شيئا في عداد موتى أو في عداد أحياء "
منذ ان كسرت تلك المعارض وتلك الخشبات .وسقطت تلك الرايات وخفت تلك الاصوات والصيحات
. أسواق كانت تعرض اجسادنا عارية ..ونفوسنا متجردة .. و أرواحنا كالسائل المنوي سائلة .. وعيوننا شاخصة وعقولنا طافيه .. وكل مالنا كالنمارق مصفوفة معروضه متدلية..
منذ أن سقطت سقط ما للعربي من هوية ووزن وقيمة.. سقط ما للعربي من مكان وأهمية .. سقطت لوحته المرسومة باللحم الأبيض بالشمع الأحمر .. بالشامة السوداء الثمينة..
أسواق كانت تعرض حقيقتنا هويتنا .. صادقة واضحة لا غبار عليها .. تعرض أجسادنا كما البغايا والعاهرات سلعة غالية وزهيدة.. نفسية ومبتذلة ..تقاد من شارع الي شارع ..تلاك من عاهر الي عاهر و تمضغ من فراش الي فراش ..
كانت الاغلال أَمنا كانت الأسوار والأساور جدتنا ...كانت الاسواق مملكتنا.. كانت اصوات المزايدات سهمنا وأسهمنا ..كان في الرق اذلال و استعباد لنا .. و كان المعنى الحقيقي لنا ..
كان الوحيد الذي يستشعر فيه الإنسان قيمته وأهميته .. وأن له على أرض العبيد ...يصعد في القيمة ولا ينزل ..
يعلو في السعر ولا يهبط.. يرتفع ..ويرتفع ..معه ذاته ومعناه ويومه وغده.. وما تحته وفوقه وأسفل أرجله ..وما بين يديه وناظريه ..يتحسس رأسه ويده ورجله وجسده كما لو ولد لساعته واستفاق لتوه في مسقط رأسه.. وبين أهله وحضن ودفء أمه وناسه ..
لا يهمه أكان يساوي درهما فلسا دينارا قنطارا... بيع مقابل برا أو علفا أو دقيقا أو ثمن للخرفان حشيشا
فهوى يساوي ويساوي ما لا يراه ولا يستشعره في صرة مال ..ودفتر حساب و بورصة ومزادات ..وسوق سلع وسندات!
كان لعذابنا وبؤسنا وانحطاطنا من يساوم عليه ويبايع و يقايض و يشترى
كان لذلنا ولرخصنا وهواننا من يعطى عليه مقابل ... ويدفع مالا نقدر على رؤيته وحسه واستشعاره ..
كان هناك من يرى امتهاننا ما عليه قيمتنا ..من يرى في انكسارنا سعادتنا .. وعرينا غطاء يلتحف سماءنا .. وهواننا رفعة رؤوسنا ..ومجد حياتنا ..واعضائنا الجنسية رمزًا عروبتنا الساقطة ..
وعرقنا المنثال ودموعنا المنسكبة هوية أرضنا المسلوبة ..وما بدواخلنا ورغباتنا المنكسرة شيء يعد كرامتنا المصادرة ..وهواجسنا المكبوتة ..
كان يهب ما لا تهبه أوطاننا ..ما لا تعطيه أمنا ..وما تقايض به في سوق المزادات حكوماتنا.. ما لا يقدر عليه اسم ونسب أبونا.. وشرف عائلتنا وقومنا و وأهلنا وعشائرنا
كانت في عبوديتنا معني لنا ..في اخصائنا شرف يفض البكرات .. من غير جماع و تدخيل وفشخ و زغب ..حتى صار كل من على الخريطة مفشوخ مخصب ثيب مثلنا ..
فما على أرض الأعراب إلا مفشوخ ومنكوح ومفعول من غير مس أو ملامسة ومضاجعة.. ذاك يبيعنا وأخر يسوقنا .. وذاك يزايد علينا ...وأخر يرابى ويزايد على كوننا وكياننا
كانت لحلماتنا لنهودنا المستشرفة ..لأعضائنا المتدلية لبزازنا ..لبظرنا البارزة .لكسسنا لشفرتنا للحومنا وشحومنا المعروضة غاية عظيمة ... لمؤخراتنا البارزة ..أرقام ولغة و وزن وثمن وكمية ..
تفوق وجودنا ...تفوق الوصف والقيمة .. ما لو بعنا ..كل ما علينا ..ما لو وزنا ووزن به آبائنا واجدادنا .. ومالنا من انسانية ..ورجولة ..وعقل واسم .. ووجود وكيان وحضور ,,
فلقد كان هناك من يتحسسها .. من يتفحصها من يلامسها يملئ يديه وعينيه من رؤيتها ..من المرور والمشي عليها .. يشبع غرائزه منا
" فمن أعظم الحقوق أن تعرض نفسك .. تبيع نفسك ...أن تلاك و تباع وتشترى , أن تساوم على ذاتك وروحك قبل أن تموت وتتحلل وتصير سائل أسود ذهبا أسود ..كائنات أحفوريه نفط سائل أو غاز,, يبعك في براميل وناقلات بكل ذل ورخص وهوان بلدك. ووطنك من على رايته تموت وتموت لكي يحي الوطن "
كقفزك وأنت هارب .. كوثبك وأنت لاجئ ..تنزو على وطن ..تطىء الزمن المعلق الشارد ..تعاقر الحائط الشاهق ..تشتبك بحدود بين الأفق والشفق ..المخيم مخيم الإذن والعين ..والبلد زورق القراصنة والظلمات ..ومستوعب الروائح والاجساد المكتظة .. والسرادق سرادق أم العار والبنين !!
فيا عصبة الأمم اعيدوا لنا عبوديتنا..اعيدوا لنا الأساور والقيود والاغلال ..اعيدوا لنا المزادات والبورصات والأسواق .. اعيدوا لنا ممالكنا وفرشنا وعروشنا. وحضائرنا .. من سألكم الحرية ..من طلبكم الحقوق والكرامة والانسانية ..من قال لكم أنا نأن من أغلال عبوديتنا.. نتألم من قيود امتهاننا ..نبكي وندمع من أساور حضائرنا.. !!
من قال لكم أننا نريد أوطان كهذه الأوطان ..وبلاد كهذه البلاد .. وممالك وجمهوريات مثل الصناديق والكانتونات وأوراق وثبووتات وجوازات ..لا تساوي الحبر والورق ..أوراق مراحيض وحمامات ..
أوطان يحكمها أسياد .وقياصرة واكاسرة ...يملكون ولا يفتقرون يعيشون ولا يموتون ..يحوطون ترب ومنابت الشجر ..والهواء وزرقة السماء . ويساومون على الترب والطين والإنسان والطير والحيوان والحجر والضحكة والبسمة والبشر ..
وشعوب في حضائر يحملون قصاصات مزيفة تدعى الوطن .. من خليج مستعبد ..والي محيط هادر مستذل مستقذر .. ندفع فيه ثمن الصمت والكلام ..ثمن الوقوف ..والبكاء على الاطلال . ثمن الركوع ثمن السجود .. ثمن الثورة وثمن الإنصياع ثمن الخروج و الانقياد. ثمن المظاهرات والاحتلال ... ثمن أننا مواطنون أو لاجئون هاربون ..ثمن فقرنا وغنانا .. ثمن الموت من الجوع .. الموت من الشبع والتخمة ثمن أننا في الشوارع نتسكع,, في الطرقات والأزقة نتشرد ..في المقاهي نحتسى اليوم المقرف المزعج الذي كان ..ونتشرف الحلم الذي لا يأتي ..في فناجين وأكواب فارغة صدئة قد توقف ساعة نبضها .. فهي كأكفان ونعوش موتى متكدسة ..
في توابيت من العفن لا نأن ولا نصيح .. وأفواه مثل ملابسنا مخيطة مرقعة .. تصدح بالثقافة والشعر والفصاحة و الأدب ..
لقد كذبتم علينا " يا هيئة الأمم "..وكان الكذب أكبر من دولنا وادميتنا ..مانحن إلا عبيد أبناء عبيد ..
فكل ما على هذه الأرض ملوك للأبد وعبيد للأبد .. فمتي حررتم العربا وقد ولدتهم امهاتهم عبيد ..قد تناسلوا من أرحام العبيد وينجبوا العبيد والعبيد ..
متي كنا وقوفا وعشنا منتصبين بشرا أمما ..ونحن منذ خلقنا على أربع ساجدين على أربع راكعين ..
متى كنا أناس بنو أدميين ..متا كنا مواطنون من الدرجة الثانية والثالثة أو العاشرة أو الثلاثين أو السبعين .. وما بعد ,,بعد المقامات والرتب والدرجات معدودين ومحسوبين .. متي كنا .,,ومتي صرنا
لكن الآن وعلى كل الخريطة لا أحد يشترى لا أحد يساوم ..
ينتهى العمر وتنقضي الحياة دون ان يعرف لماذا اتي.. ولماذا قدم ولماذا هو أنا هو هنا .. ما قيمته ما اهميته ..ما قيمة الحرية المخدوعة المكذوبة ..وإنسانيتنا مصلوبة.. نمشي ندعي الحرية أننا احرار ..اذا لا تساوي كلك وبعضك بعرة في است كبش وحيوان نافق
.. ما قيمة الأرض والأوطان والأشياء .. وأنت دون أن تدري هل احد باعك قبل ان تعي .. وساوم عليك وقبض الثمن قبل ان تعرف وتدرك وتحيي .. و على هذه الأرض وتمشي
فمن يشترى الان ..من يشترى البؤس الذي نحن فيه ..
من يساوم على العذاب الذي نصلى فيه ..من يدفع على الأحزان والشقاء الذي نحشر فيه ...
نعرض كلانا .. فما أحد لكلانا سوامنا .. نعرضنا كبودنا .. فما قبل أحد بحمرة كبودنا ..
عرضنا رئتنا لتزرع .. قلوبنا لتخلع .. حدقة أعيننا . صنوان أذننا ..هامات رؤوسنا ... فما أحد لكلنا قبل بنا ..
لا أحد يدفع .. لا أحد يساوم ..
لنا أعين ما رأت
لنا قلوب ما شعرت
لنا شفاه ما نطقت
للحب ما عرفت
وجوه كالحة مكفهرة
ما تبسمت
بطون من كسرة خبز ما شبعت
من فتات موائد ما جمعت
حياة من رحم الالام ما ولدت
لنا أيد للجمال ما لامست
لنا أرجل للحرية ما مشت
و أقدام للأوطان ما عبرت
فلما نمشي ولماذا نسير
لما لانزال نقدر على التنفس
ونحن بكبرنا لا نستطيع ان نكون من الأحياء و الأنفس
فلما إذا لا نبيع.. ولما نخجل من الوقوف
على الخشبات نصيح .. من يشترى من يبيع.. نريد أن نباع ونبتاع ..
فكل ما على هذا الأوطان يرتهن و يباع لكن لا أحد يجروا على الكلام و على ان يقال
( في زمن أكذوبة مجلس الأمم و هيئات حقوق الإنسان) فقد الانسان انقرض الانسان
وفي الأجنة والمشيمة كان السمسار حاضرا بعقوده وصفقاته مع الحبل السري يبيع ويشترى .
. فلما الأعراض ولما النكوص
ونحن من هناك ..لا هنا
من الزنوج من العبيد ..
من الأجيال المسروقة
من الهنود المطحونة
أبيع نفسي عارية
حانية مطاطاة
أبيع ما لا أملك ..
وما لا أحلم ولا أقدر وما أنا عليه
توقف الزمن .. واستدار ..
العبودية هنا ورب العبودية لايزال
والسادة والالهة
وذوي الطيالسة والدماء الزرق
في احيائهم وانديتهم
فلما السؤال
عن الشرف الرفيع هذه الأوطان
تتحدث
فالله لا الشيطان من يتحدث
من نحن قوارب في البحار
مخيمات ..أسلاك .. أوراق .. مزورة
كانتونات .. تأشيرات قصاصات مزيفه
وكلما بصرنا للعالم من حدقة العين
زاد لنفس احتقارنا
فلما النكوص عن الأسواق
فلما الخجل .. ألست من بصل ..ومن فجل .تعود
فلا جينات ولا شفرات
فلا شرف رفيع .. ولا نسب وضيع
ولا وهم ولا إنسان
ولا قردة عليا وسفلى او نزق حيوان
من حنفية او بالوعة ربما جئت
أو ولدت أو سقطت أو كنت ..
أنت مستثناة من اي حكاية
او فرضية او نظرية في أصل الأنواع
أنت أحقر وارخص من ان تكون قبل أن تولد حكاية ..قبل أن كنت وكن وانتخاب وأكون
فلما البقاء على أرض ..ليس فيها ما يستحق عليه الحياة ..
وقبل أن أحترق واحرق واقطع وامزق ..وأعوم وأغرق
قبل أن يدلهم زوار الليل .... زوار الفجر
وتنتهي معه الولادة والحكاية
وتطوي صفحة كائن ربما لم يعرف نفسه الا في قبضة سجان ..وسجون كبيرة بلا قضبان ..هي كل ما تدعى به الاوطان
أبيع واعرض نفسي وسوق العبيد ثانية وثالثة
فهل من مشترى ! فأنا أعرف أن لا أحد سيتشرى .. أفتح المزاد.. لأدني سعر فهل من مقامر وسمسار و مبادر !!
وفي النهاية .. استعصت علي الحياة فما أدري على ماذا أقدم على ماذا أفعل .. أيهما أفضل وأسوء السيئين
هل أبيع نفسي .. هل أعرض نفسي كما فعلت أم أسلم لنفسي للجهات الأمنية والسلطات ... وأدعي أن مجرم خطير وذو سوابق .. وأشكل خطرا ورعبا و إرهابا ..أدعي أنني أمتلك قنابل ومتفجرات وأحزمة ناسفة و مواد متفجرة وسيارات مفخخة ..وديناميت متفجر ومادة تي أن تي ..ومادة تريكس شديدة الانفجار والتفجير .. أريد فيه أن أنسف هذا الجزء من العالم وأفجر فيه هذه القطعة من الكوكب التي استعصت على الحل .. والفناء والانتهاء .. في حين أنني في الحقيقة مسالم شديد السلمية ..لا أجرؤ إلا على قتل نملة أو بعوضة أو ذبابة ..
أنني في حيرة و التباس ووضع شديد التماس في عنق زجاجة لا أستطيع الخروج منها !!
هكذا حالي وحال كل من قرأ قصاصة ..وسمع حكاية من كان مشغول بالشأن العام والشأن التاريخي والمستقبلي وكل من لا يفكرون في أنفسهم ووضعهم وحياتهم !!
المستنير الحازمي
كاتب من السعودية
ومدير مرصد شهداء الحقوق والحريات في الإسلام
#المستنير_الحازمي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟