|
صناعة الوهم والقدسية والشيطان...3
حكمت حمزة
الحوار المتمدن-العدد: 6160 - 2019 / 3 / 1 - 18:16
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
في البحث والتقصي عن الأديان والآلهة وما فيها، نجد دوما أن هناك شخصية محورية كانت نقطة الأساس، والمنبع الفكري الذي بني عليه الكثير والكثير من الأقوال والأفعال وحتى الأنظمة السياسية، هؤلاء هم الأنبياء، ولا بد لي من أن أشير هنا، بأني لا أبحث وأتحدث في دين معين أو شخصية معينة، ولست مهتما أبدا بصحة دين وزيف آخر، لأن الخلاصة التي أصبو إليها هي محاولة الوصول إلى كينونة الدين، وما أقصده بكلمة دين هو وجود ذات أو ذوات مقدسة خلقت هذا الكون (كما في المنظومة الدينية)، وأن البشر بالنتيجة، أدوات لصراع بين الخير والشر، الخير الذي يتجسد بالإله أو الآلهة المقدسة، والشر الذي يتمثل بالشيطان، وقد يختلف مفهوم الآلهة والشيطان بين معتقد وآخر، ولكن بالنتيجة سنصطدم بثالوث الوهم، الإله والقدسية والشيطان. لو تناولنا فكرة الدين من زاوية إنسانية فلسفية بحتة، ونزعنا من خواطرنا كل ما يجول فيها من أن النبي فلان كاذب، والآخر كتابه محرف...الخ من هذه الأمور التي ما زالت أفضل أنواع الوقود لإشعال فتيل الخلافات الفكرية أو الحربية حتى، ولنأخذ الأديان الابراهيمية على وجه الخصوص، كونها أقرب لنا جغرافياً ومجتمعياً، والوصول إلى أمهات كتبها يسير جداً، نرى بأن كل نبي من الأنبياء ارتبطت نبوته بكتاب معين، كل منهم يسمي كتابه بالمقدس، هذا الكتاب يحوي مجموعة من التعاليم والفروض والمحرمات والأحداث، يجسد فيها قصة نبي وقومه وأتباعه والبداية والنهاية، ويرفق بهذه الكتب بعض الكتب الأخرى غير المقدسة، التي هي من النوع التاريخي الذي يهتم بسرد الأحداث، هذه الكتب تشكل مجتمعة ما يسمى بأدبيات الدين. بالنظر إلى ما تحتويه الكتب، يتبين وبشكل سهل لأي قارئ، أن هذه الأديان في جوهرها، ليست إلا محاولة يائسة من محاولات الإجابة على السؤال البشري الأهم، ألا وهو لماذا نحن هنا، وما الهدف من هذه الحياة. في زمن كان الجهل فيه أضخم من العلم بأضعاف مضاعفة، كمّاً وكيفاً، تبدو فكرة الأديان فكرة مقبولة نوعا ما في تلك الظروف التي أحاطت بالبشر والبشرية حينها، وليس من الضروري أن الانسان القديم على بساطته وجهله، لم يهتم بهذا السؤال والبحث عن إجابته، وأنا على ثقة بأن أي انسان يعيش في وسط عديم الأديان، لا بد أن يأتي عليه يوم ليسأل نفسه هذا السؤال، لماذا نحن هنا؟ وما سبب وجودنا؟ . وقد تطورت إجابة هذا السؤال بشكل متزامن مع تطور البشرية فكريا وعلميا وحضاريا. لو طالعنا التاريخ البشري منذ القدم، لوجدنا أن هناك تشابها في الخليقة بين الحضارات جميعا، ولا نجد حضارة موثقة إلا وتحدثت عن شخصيات مطابقة لآدم وحواء، مع اختلاف الأسماء وبعض التفاصيل، والأديان التي نقلت ذلك فيما بعد، وفي الأديان الابراهيمية تحديدا نرى آدم وحواء أبطال الكتب المقدسة ذاتها، وعلى اعتبار أن المسيحيين واليهود يشتركون في قصة الخليقة في سفر التكوين، والإسلام جاء بعدهم على انفراد، معترفا بشكل جزئي بعقائد اليهودية والمسيحية، نرى أن المسلمين يبررون التشابه بين بدأ الخليقة لديهم ولدى المسيحيين واليهود، بأنه نابع من نفس المصدر، و منطقيا النقيضان لا يجتمعان، وعليه فإن قصة الخليقة الإسلامية لا بد أن تكون هي نفسها لدى أقرانها الإبراهيمية، ولكن، هل فعلا سبب التشابه هو أنه صادر عن نفس الذات الإلهية؟ أولا، هذه القصص عن الخليقة، ليست براءة اختراع مسجلة باسم الإله الابراهيمي، فهي موجودة في تراث كل الشعوب، ولا بد أن وجود هذه القصة في التوراة، كانت نتيجة تأثر اليهود أثناء فترة السبي البابلي، بما ورثته بلاد الرافدين من الحضارة السومرية والأكادية، ويقول الدكتور سيد القمني في كتابه (منابع سفر التكوين ص48 -49): "وقد أخذ الساميون بهذه الأسطورة، ولكن البطل حمل اسم (أوتنابيشتيم) و (إثرا خاسيس)، و (تجنوح)، لكن الأسطورة المصاغة للبطل (تجنوح)، دخلتها ع ناصر من قصة الخلق، فقالت أن تجنوح لم يستمر في الحياة الخالدة، بعد أن خسرها لما أكل من فاكهة محرمة، ولنلاحظ القرب الزماني لأسطورة تجنوح من وقت ظهور التوراة، حيث اختصر فيها (تجنوح) إلى (نوح)، الذي تقول التوراة أنه عاش عمرا مديدا بلغ حوالى تسعمئة وخمسين عاما، وهو يكاد يكون ترديدا لمعنى الخلق الألفي، الذي ينقطع فجأة بالأكل من الثمرة المحرمة" انتهى. أتفق مع الدكتور سيد القمني في طرحه، لأن التشابه الرهيب بين قصة الخلق لدى السومريين والبابليين مع التوراة، لا يكمن عن تأثر فقط بالتراث البابلي، بل أراه يميل إلى أن يكون سرقة أدبية من قصة الخليقة لدى حضارات بلاد الرافدين، خاصة أننا نرى فيما بعد أن النهج التوراتي ينحو باتجاه مختلف فيما بعد، عندما يصل إلى إبراهيم وما بعده، ولو أكملنا مع المسيحية والإسلام، الذين يشتركان مع اليهودية في قصة الخليقة، نرى أن لدى المسيحيين والمسلمين اعتقادا بالحياة ما بعد الموت، أو لنقل الخلود بعد الموت، سواء في النار أو الجنة أو في الملكوت، وهذا الاعتقاد لم يكن مقبولا البتة لدى السومريين، بالخلود بعد الموت، وإن كانوا يتمنون ذلك، إلا أن القضية مرفوضة لديهم عقليا ومنطقيا، وعليه أرى أن ما ورد في التراث الابراهيمي، لا يتعدى كونه اقتباسا من الآخرين مع إضافة اللمسة الخاصة لكل فلسفة من الفلسفات الابراهيمية الثلاث، على اعتبار أننا نوهنا في البداية أننا سنتعامل مع الأديان على أنها فلسفات و محاولة فهم أصل الحياة وسببها. أما لو أننا ذهبنا في الاتجاه الآخر، أي أن قصة الخليقة اليهودية ليس تأثرا بالسومريين والبابليين، وأن القرآن لم يسرق هذه القصة من التوراة أو من الحضارات الأخرى، فسوف نواجه إشكالا فكريا هنا، وهو سبب تشابه هذه القصص في الأديان وغير الأديان، أي في الإرث الحضاري للشعوب، فهل من تفسير يعتبر منطقيا نوها ما؟ شخصيا أرى بأن سرد أصل الوجود في التراث الإنساني، هو عبارة عن محاولة استقراء الواقع، أي أن أي شخص ينظر حوله، يرى أن صديقه له أم وأب، وأبوه له أم وأب، وأمه لها أم و أب، باختصار، كل من حوله جاء عن والدين، وكذلك بالنسبة لأجداده، وأجداد أجداده، وهنا يقف الانسان ذو العقلية البدائية أمام احتمالين، إما أن تستمر السلسة إلى ما لانهاية، أي أن العديد من الأسلاف، أنتجوا لنا العديد من الأخلاف، وإما أن كل هذه البشرية أتت من زوجين اثنين، وللهروب من الرهاب من المجهول، كان عليه أن يتبنى إحدى الروايتين، كي يقنع ذاته بأنه سبر ذلك الغور، و بشكل منطقي بالنسبة لتلك العقلية، اختار أن تكون البشرية من زوجين اثنين، وذلك أن العقلية البشرية لا تقبل التسلسل اللانهائي، لأنه يجعل العقل يدور في حلقة مفرغة، والسبب الثاني هو الانتماء للعائلات أو العشائر، التي تسمى أو ينظر لها تحت اسم أحد الأسلاف القدماء، مما يوحي بأنه لا بد من عودة جذور البشر جميعا إلى علم واحد متميز، وهذا ما أراه برأيي، دوافع مهمة لاعتماد أن الحياة بدأت من زوجين اثنين. و كنتيجة، أرى أن ما سبق، قد يكون تفسيرا منطقيا لتشابه بداية البشر بين الحضارات والأديان، وخاصة إذا لا حظنا أن كل قصة خليقة لدى كل حضارة، مكتوبة بشكل يبدو فيه أثر الجغرافيا وطبيعة الحياة واضحا فيها، وليس وحدة المصدر كما يدعون، لأنه فيما بعد، تفرعت الحياة إلى طرق عديدة، فلا نجد أثرا للأنبياء الابراهيميين في الحضارات الأخرى، ولا نرى تشابها في التفاصيل الدينية بين دين وآخر على الجغرافيا الأرضية إلا قليلا، وإن وجد، لا بد أن يكون لدينين متلاصقين جغرافيا أو تجاريا، لأن علة وحدة المصدر لا تفيدنا فيما بعد بما يتعلق بالشعائر الدينية، فكل الأقوام القديمة قبل التواصل، لا بد وأنها تظن بأنها الوحيدة في العالم، وكل الأديان التي قامت فيها مطابقة ومتوائمة مع أسلوب الحياة والطبيعة السائدين لديهما، فلو كان المصدر ذاته، لما رأينا هذا الاختلاف الشاسع بين معتقدات الدين في أمريكا الجنوبية، وبين معتقدات الحجاز. وهنا تبدو الأديان بمظهر المميز لكل شعب، ويصح أن نقول بأن الدين وليد الجغرافيا والتراث البشري وليس العكس، و أنه ليس إلا محاولة للإجابة على غائية الحياة، وهذا يتضح من قضية الثواب والعقاب، والحياة ما بعد الموت، أو الجزاء الدنيوي كما حدث مع بني إسرائيل كما تقصه علينا الأسفار الخمسة الأساسية والأسفار الأخرى كسفر القضاة، وسفر الملوك الأول والثاني...الخ، مع الأخذ بعين الاعتبار أن قسما من المذاهب اليهودية يؤمن بالبعث بعد الموت. أما لماذا اختار فلاسفة الدين (أنبياؤه) هذه الطريقة في الإجابة عن الغاية من الحياة، فهو ليس إلا مجهولا مقنعا بإجابة مرضية، لأنهم لا يملكون بين أيديهم أي شيء يمكن أن يثبت غائية الحياة، لذا لجأوا للخوارق، والأشياء التي لا يمكن إجراء تجارب لنفيها، أي للعلوم والمعارف الزائفة، وهكذا يريح الأنبياء نفسهم من عبء الإثبات، فكل شيء سيقضى في الحياة بعد الموت، ونحن هنا كإجراء مؤقت، لنثبت جدارتنا في استحقاق النعيم الأخروي، وهذا برأيي ينطبق مع نظرية فرويد في تفسير الأحلام، الذي يرى بأن الكثير من الأشياء في الأحلام، عبارة عن قناع لفكرة أو خاطر موجود في اللاشعور، وعملية إلباس الأقنعة للأفكار، هي للهروب من الرقابة التي يمارسها الوعي على الأفكار، ولو اعتمدنا فكرة الهلوسات العقلية أو أن هناك في فلاسفة الأديان نوعا من المس الجنوني، لوجدنا أن هذه التفصيلات عن الحياة والموت وما بعد الموت، ليست إلا أفكارا تدور في رؤوس الأنبياء، وهذه الهلوسات، سمح لها بالظهور إلى الواقع، تلبية لرغبات الأنبياء المغروسة في اللاشعور لديهم. . . يتبع
#حكمت_حمزة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
صناعة الوهم والقدسية والشيطان...2
-
صناعة الوهم والقدسية والشيطان...1
-
هذا ما يجب أن نفعله يا مايكل
-
قتلوكِ يا نبض العروبة
-
يا قلبها.....
-
قرآنيون...ولكن...
-
السعودية، بشار الجعفري، وهيئة علماء المسلمين....عندما تتحدث
...
-
كيف نجعل من النقد الديني أكثر فعالية وفائدة
-
الرايات
-
السياسة والدين...من منهما يستغل الآخر
-
نحارب الخرافة للقضاء على الاستبداد لا الدين
-
في سوريا
-
تساؤلات وتناقضات بسيطة في قصص القرآن...هود و صالح
-
إليكِ يا آلهة الهيام
-
الخريف الخامس
-
جمال خاشقجي الذي يساوي ملايين البشر!!
-
تساؤلات وتناقضات بسيطة في قصص القرآن...نوح
-
واقع التفاسير القرآنية...هريس من اللغة والتاريخ والأهواء الش
...
-
تساؤلات وتناقضات بسيطة في قصص القرآن...آدم
-
من لغة العوام...إلى الشرف والأخلاق والحرية..كيف أثر الموروث
...
المزيد.....
-
عمال أجانب من مختلف دول العالم شاركوا في إعادة بناء كاتدرائي
...
-
مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى بحماية شرطة الاحتلال الإسرائي
...
-
أجراس كاتدرائية نوتردام بباريس ستقرع من جديد بحضور نحو 60 زع
...
-
الأوقاف الفلسطينية: الاحتلال الإسرائيلي اقتحم المسجد الأقصى
...
-
الاحتلال اقتحم الأقصى 20 مرة ومنع رفع الأذان في -الإبراهيمي-
...
-
استطلاع رأي إسرائيلي: 32% من الشباب اليهود في الخارج متعاطفو
...
-
في أولى رحلاته الدولية.. ترامب في باريس السبت للمشاركة في حف
...
-
ترامب يعلن حضوره حفل افتتاح كاتدرائية نوتردام -الرائعة والتا
...
-
فرح اولادك مع طيور الجنة.. استقبل تردد قناة طيور الجنة بيبي
...
-
استطلاع: ثلث شباب اليهود بالخارج يتعاطفون مع حماس
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|