|
تعالوا نشتم أمريكا
شموس نجد
الحوار المتمدن-العدد: 1529 - 2006 / 4 / 23 - 12:10
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
-1- هل تريد أن تكتسب الشهرة؟ هل تريد أن تحظى برضا العم سام؟ الحل بسيط، افتح النيران على العرب والإسلام. هذا ملخص مقالة بعنوان " اشتم العرب والإسلام وأصبح مشهوراً في أمريكا " كتبها الدكتور فيصل القاسم معرضاً بالدكتورة وفاء سلطان، والمقيمة في لوس انجلوس منذ حوالي 17 عام، والتي سبق له أن استضافها في برنامجه الشهير الاتجاه المعاكس في حلقة عن علاقة الإسلام بالإرهاب. فيصل القاسم، كباقي القومجيين والعروبيين الذين اقفلوا دكاكينهم بعد كساد بضاعتهم القومية وانتهاء صلاحيتها، قفز إلى عربة الدين ليجلس جنباً إلى جنب أعضاء الجماعات الدينية (أعداء الأمس). ولما لا، فالإسلام هو الخيار الوحيد والمطروح بقوة في العقود الأخيرة ليس بغرض الدفع الحضاري للأمة ولكن بغرض التعبئة الجماهيرية وضخ الدماء الحارة في عروق الأمة في حربها المقدسة ضد الغرب، وعلى رأسه أمريكا. فيصل القاسم حينما يكتب لا يختلف عن ذاك الذي يحرض ويؤجج النار، كلما بردت بين خصمين تبلل وجهيهما وكذلك شاشات التلفزيون برذاذ صراخهما. فيصل القاسم وهو يكتب لا يفترق عن ذاك الذي يشعل أعواد الكبريت في استديو الجزيرة. فيصل هو نموذج شائع للمثقف الجماهيري الذي يجيد العزف على أوتار الجراح النرجسية، دون أن يملك الشجاعة، وربما الأهلية، على إضاءة شمعة بدلاً من لعن الظلام. فيصل القومي يقف على بعد سنتيمترات قليلة عن فيصل الإسلامي، فكلاهما قطبان يتجاذبهما كراهية الغرب، وأمريكا تحديداً.
-2- صاحب الاتجاه المعاكس يدعي بأن وفاء سلطان تتسلق أكتاف الإسلام للصعود إلى الشهرة. سؤالي هنا: ما هي حدود الإسلام؟ أين تبدأ حدوده وأين تنتهي؟ الإسلام أشبه بمجرة كونية هائلة، يسبح فيها القرآن بما فيه من آيات منسوخة نصاً وحكماً كآية رضاع الكبير التي أكلتها دابة عائشة أم المؤمنين، وأحاديث نبوية بعدد حبات الرمال قالها النبي محمد أو دست عليه، وغبار أرواح آلاف مؤلفة من الموتى الغابرين. عندما تنتقد عبثية محاربة أبي بكر للمرتدين، وفساد سياسة عثمان المالية والإدارية، وجرائم معاوية وانتهازيته، ومجون الوليد الثاني وتخنثه، وحماقة الأمين وشذوذه، وضيق أفق المتوكل وتسلطه، فأنت بلا شك تهاجم الإسلام. عندما تنتقد أحاديث " شريفة " تحقر المرأة، وتتنافى مع العقل والعلم، وتحرض على العنف والانغلاق، فأنت بلا شك تهاجم الإسلام. عندما تمسك بأدوات البحث والنقد لإعادة تفكيك وقراءة التاريخ والدين بعيداً عن سلطة الغيب وهيمنة الخرافة، فأنت بلا شك تهاجم الإسلام. عندما تدين إرهاب تنظيم القاعدة ووحشية ودموية زعيمها بن لادن ومنظره الفكري الظواهري، فأنت بلا شك تهاجم الإسلام. عندما تفضح أكاذيب فقهاء الدين وزعيمهم " الوسطي " يوسف القرضاوي وتكشف ظلاميتهم وانتهازيتهم الرخيصة، فأنت بلا شك تهاجم الإسلام. هل أجرمت الدكتورة وفاء لإنها كشفت عن أمراض كثيرة تستوطن جسد الإسلام منذ قرون وتنهشه؟ هل أجرمت لإنها نزعت العصابة السوداء عن عيون المؤمنين كي يروا الحقيقة بدلاً من السراب التاريخي؟ هل أجرمت لإنها أسمعت المؤمنين ما لم يعتادوا ويحبوا سماعه عن دينهم العظيم؟ يحق لامرأة بقامة وعلم الدكتورة وفاء أن تصرخ في وجوه هؤلاء الأغبياء الذين يساوونها بالكلب الأسود والحمار. لقد كذّبت الحميراء عائشة أم المؤمنين حديث أبي هريرة صاحب الحصانة النبوية، فلما لا يستمطروا لعنات السماء على أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها؟ لماذا تُقمع أي محاولة تمنح العقل فسحة من التفكير؟ لماذا يعاقبون وفاء سلطان وغيرها من الباحثين والباحثات، وهو لم يفعلوا أكثر من تجميع نتف التاريخ المنثورة في كتب المؤرخين والتفاسير الإسلامية؟ أليس من الأجدى أن يقوموا بحرق سيرة ابن هشام، وتاريخ الطبري، والمصاحف للسجستاني من باب " سد الذرائع " لتفويت الفرصة على معشر العلمانيين والملاحدة من النيل من الإسلام والكيد له ولأهله؟ أليس من الأجدى لأولئك الخائفين على شرف الإسلام، وبياض صفحاته، وملائكية أتباعه أن يبحثوا عن رفات مؤرخي الإسلام ويحرقوها ألف مرة، أو يصلبوها –إن كان فيها بقية – كما فعل أمير المؤمنين هشام بن عبد الملك بجثمان الثائر الشيعي زيد بن علي، أو ما فعله فيما بعد العباسيون بجثمان هشام نفسه.
-3- لندع مسألة التهجم على الإسلام جنباً، فما من أحد هذه الأيام بمأمن عن تهمة الإساءة للدين، حتى أن وابل رصاص التكفير غالباً ما يرتد إلى صدور أكثر التكفيريين غلواً. لنتوقف عند الشطر الثاني من عنوان مقالة القاسم. ربط الهجوم على الإسلام بأمريكا هما عنصري الخلطة السحرية التي ستضمن لفيصل التهاب كفوف المصفقين وتعالي أصوات الاستحسان. ما مدى صلابة إدعاء القاسم ومصداقيته؟ لا مكان للسؤال في زمن العقول الدنيكوشيتيه الشاهرة سيوفها الخشبية في وجه طواحين الهواء. الغرب الصليبي أو الغرب الامبريالي ما هما إلا وجهان لعملة واحدة يتادولها الإسلاميون والقومجيون في بازاراتهم الفضائية والأرضية وباقي وسائل الإعلام. هل أمريكا متلهفة حقاً على كتابات تنتقد، أو تهاجم كما يفضل القاسم، الدين الإسلامي؟ لو كانت الحكومة الأمريكية تفكر بمثل هذه العقلية لما تركت عقول إسلامية مستنيرة في عراء العالم العربي، مكشوفة صدورها وظهورها، وتواجه احتمالات السقوط موتاً بسيف الردة أو برصاصة مهووس أصولي. لكم أتمنى من القلب أن يصدق إدعاء القاسم حتى لا تتكرر مأساة فرج فودة، ونجيب محفوظ، ومهدي عامل، ومحمود طه، وباقي سلسلة شهداء الكلمة والحرية والفكر. لقد قضيت سنوات لا بأس بها في بلاد " الشيطان الأكبر " أو أمريكا، فلم أشعر يوماً بأني منبوذاَ بسبب لوني أو عرقي أو ديني. كان اختلافي مبعث فضول الأمريكان، ورغبتهم في التعرف على الآخر، وليس إقصاءه أو التضييق عليه. في المقابل، كان احد المسلمين الباكستانيين يفيض في كل مجلس بكراهيته وحقده على أمريكا حكومة وشعباً. لقد منحته الحكومة " الصليبية " منحة دراسية، وعموداً صحفياً يسفه ويندد بسياسات الحكومية الخارجية، ومنزلاً لا يحلم به في بلاده. صاحبنا الذي سد يوماً أحد ممرات متجر كبير بسجادته وانكب يصلي كدعاية مجانية لإسلامه، خرج بكل وقاحة في لقاء نظمته أحد الكليات للتعريف بالدين الإسلامي ليقول بكل صلف وغرور: لو طبقت أمريكا الشريعة الإسلامية " السمحاء " لقطعت أيدي نصف الشعب!!! هل سمعتم عن منظمة " كير " الأمريكية الإسلامية؟ استشهد رئيسها نهاد عوض في حلقة تلفزيونية على قناة MBC قبل أحداث الحادي عشر من سبتمبر بمثال أراد من خلاله أن يبرهن على مدى عداء الأمريكان للدين الإسلامي. ذكر السيد نهاد أن منظمته قد " فضحت " كتاب يدرس للطلاب الأمريكان فيه إساءة بالغة للنبي محمد، حيث يروي الكتاب الفضائحي أن النبي تزوج بصفية بنت حيي بن أخطب بعد أن أجهز على أبيها وأخيها وزوجها، وأن المنظمة قد رفعت دعوى قضائية وكسبتها، وبالفعل تم محو الحادثة " الملفقة " من الكتاب. إن من يقرأ أي كتاب في تاريخ الإسلام سيجد تلك القصة بكل تفاصيلها. الغريب هنا أن ذكر تلك القصة الحقيقية في بلاد الغرب يدخل تحت خانة التمييز الديني والتشويه المنظم للإسلام، بينما نفيها في فسطاط أو ديار الإسلام يدخل تحت بند إنكار لمعلوم من الدين ضرورة!!! مرة أخرى، لو أن أحد المسلمين، كالدكتورة وفاء سلطان، قد استشهدت بتلك القصة فسوف تتهم بمثل ما اتهم به السيد نهاد المؤسسة التعليمية الأمريكية. ما الحكاية؟ ألهذه الدرجة تشعرون بعار أجدادكم لو تناهت أخبارهم للغير؟ ما رأيكم مرة أخرى لو قمتم قبل أن تتهجموا على غيركم بتعقيم تاريخكم من كل مثالبه وفضائحه حتى لا تتسرب روائحه الكريهة لأعدائكم؟
-4- فيصل القاسم ومعه ملايين من العرب يشبهون شخصية كوميدية لعبها ببراعة الفنان الكويتي الساخر داود حسين في برنامجه الرمضاني قبل أعوام قليلة منصرمة. قدم داود نموذجاً مألوفاً للشخصية العربية المصابة حتى النخاع بعقدة المؤامرة الأمريكية. عندما جلس في مطعم شعبي، ولم يجد طعام الأكل جيداً، اتهم العامل الهندي المسكين بأنه يعمل لمصلحة الاستخبارات الأمريكية، وعندما ركب سيارة أجرة، أفشى للسائق العربي بسر خطير وهو أن الهدف الشهير الذي سجله الأسطورة الكروية مارادونا بيده في شباك انكلترا عام 1986 كان بتخطيط أمريكي محكم. هل يبدو مثالاً فاقعاً ومشحوناً بالمبالغات؟ لا بأس، فالكوميديا لن تصنع الضحكة دون تبهير الواقع بنفحات من الجنون. ولما نذهب بعيداً؟ أليس المعارضون لبرامج تلفزيونية، مثل سوبر أكاديمي، يشيرون بأصابع الاتهام للغرب بإفساد أخلاق الشباب، وتخديرهم، وصرفهم عن قضايا الأمة المصيرية؟ قبل أعوام قليلة، أدعت امرأة سعودية كذباً أن رجال ملثمين اغتصبوها قسراً في شقتها. ماذا كانت ردود فعل الشارع؟ رجال الدين ألقوا بالمسؤولية على قنوات الفضاء الإباحية، والبقية أدانت الاستخبارات الأمريكية والإسرائيلية!!! ختاماً، أدعوا أولئك الحالمين بزوال أمريكا من على خارطة العالم، والمبشرين بسيناريو مستقبلي سيشهد انهياراً أمريكياً وشيكاً، أن يفكروا بشيء من العقلانية (وإن كان هذا مطلب صعب) كيف ستبدو حياتهم بدون التكنولوجيا الأمريكية، والفيلم الأمريكي، والدواء الأمريكي، والكتاب الأمريكي، والسيارة الأمريكية، والملابس الأمريكية. والأهم من ذلك كله، من سيبقى لنحمله تبعات التخلف والهزيمة والانكسار فيما لو سقطت الشماعة الأمريكية؟
#شموس_نجد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حمائم غاندي ومانديلا أم صقور بن لادن والزرقاوي؟
-
القانون في مواجهة المقدس والعرف.
-
الثوابت في خطر
-
يا للغرابة! أنا لا أكره الشيعة ولا أمقت النساء
-
اللون الأحمر وثيران الهيئة
-
عندما ينقلب السحر الدنماركي على أهله
-
أحاديث كاذبة ولكنها مبجلة
-
أطلقوا الله من أسره
-
الفردوس.... كم هو حلم جميل!
-
انتبه! تحت كل حجر جندي من جند الله شاهر سيفه
-
سجل...ابن سبأ (حقيقة) وابن لادن -وهم
-
الأديان طرقات... تتناءى ثم تتلاقى
-
سارقو الفرح
-
الإسلام بين ثبوتية النص وحركية الواقع
-
عصافير الموسيقى لا تطير تحت سماء المملكة
-
أما آن للسيف أن يغمد في قرابه؟
-
ردود القراء: محاولة للفهم
-
عبادة الأسلاف
-
فتاوى الدمار الشامل
-
المصادر القرآنية 4-4
المزيد.....
-
ثبت تردد قناة طيور الجنة الجديد على النايل سات وعرب سات
-
تردد قناة طيور الجنة الجديد 2024 Toyor Aljanah نايل سات وعرب
...
-
اللواء باقري: القوة البحرية هي المحرك الأساس للوحدة بين ايرا
...
-
الإمارات تكشف هوية مرتكبي جريمة قتل الحاخام اليهودي
-
المقاومة الإسلامية تستهدف المقر الإداري لقيادة لواء غولاني
-
أبرزهم القرضاوي وغنيم ونجل مرسي.. تفاصيل قرار السيسي بشأن ال
...
-
كلمة قائد الثورة الاسلامية آية الله السيد علي خامنئي بمناسبة
...
-
قائد الثورة الاسلامية: التعبئة لا تقتصر على البعد العسكري رغ
...
-
قائد الثورة الاسلامية: ركيزتان اساسيتان للتعبئة هما الايمان
...
-
قائد الثورة الاسلامية: كل خصوصيات التعبئة تعود الى هاتين الر
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|