|
عمر الكون ومعضلة الزمن 6
جواد بشارة
كاتب ومحلل سياسي وباحث علمي في مجال الكوسمولوجيا وناقد سينمائي وإعلامي
(Bashara Jawad)
الحوار المتمدن-العدد: 6159 - 2019 / 2 / 28 - 23:54
المحور:
الطب , والعلوم
عمر الكون ومعضلة الزمن 6 د. جواد بشارة عندما نتوهم أن الحاضر هو واقع حقيقي مستمر و لا ندرك أنه يتحول إلى ماضي خلال ثواني ويتجه نحو المستقبل باستمرار دون توقف ، ولا ندرك أن ذلك يحدث على الصعيد النفسي أو السيكولوجي والشعوري فهذا يؤشر إلى حالة من غياب الإدراك والفهم أو الوعي الصحيح. فالعلم الفيزيائي بدأ قبل فترة وجيزة الإهتمام بمفهوم الزمن و" مروره " أو " تدفقه" المعنوي وليس الفيزيائي من خلال دراسة سيرورة عمل الدماغ البشري . فلو دار المرء بسرعة حول نفسه وتوقف فجأة فسوف يشعر بدوخان ويتكون لديه انطباع أو شعور بأن العالم يدور من حوله ولكن ما تراه عينيه خاطيء فحركة العالم حول الجسم وهم بصري سببه دوران السائل في الأذن الداخلية ويمكن تطبيق ذلك على حالة إدراك التدفق الزمني. شيئان من عدم التناسق الزمني يخلقان الشعور بتدفق ومرور الزمن وهما: أولاً: التمييز الثرموديناميكي بين الماضي والمستقبل، كما لاحظ الفيزيائيون فمفهوم الأنثروبي ( النظام) مرتبط بالمعلومات الموجودة في نظام ما. لذلك فإن تشكل الذاكرة هو سيرورة أحادية الإتجاه uni-dir-ectionnel فالذكريات الجديدة تضيف معلومة للمعلومة المخزونة عن طريق التراكم المعرفي والمعلوماتي ويزيد من مستوى الأنثروبي في الدماغ حينئذ نشعر بأننا ندرك هذا الاتجاه الأحادي كما لو إنه تدفق للزمن ومرور للوقت. وثانياً هو ن إدراكنا للتدفق مرتبط ، بطريقة أو بأخرى، بالميكانيك الكمومي أو الكوانتي. فمنذ بواكير صياغة هذه النظرية الفيزيائية تقبل العلماء أن الزمن مدرج في سياقات هذه النظرية على نحو متفرد مختلف عن المكان عكس ما طرحه آينشتين حول وحدة المكان والزمان في نسيج " الزمكان" فالدور الخاص للزمن هو أحد الأسباب التي جعلت توحيد الميكانيك الكمومي أو الكوانتي مع النسبية العامة صعب جداً إن لم نقل مستحيل. فمبدأ الريبة أو اللادقة لهيزينبيرغ يقول أن الطبيعة غير حتمية بذاتها وتوحي بأن المستقبل مفتوح والماضي أيضاً وإن هذه اللاحتمية تتجلى على مستوى أو نطاق ذري أو مجهري وما دون ذري. فالخصائص المرئية أو المرصودة والمشاهدة التي تميز أي نظام فيزيائي هي غير محددة وغير دقيقة ولا حتمية من لحظة إلى أخرى . فعلى ل سبيل المثال، إن الإلكترون الذي يصطدم بذرة يمكنه أن يقفز إلى أي موضع أوأي اتجاه، ومن المستحيل التنبوء بمكانه مسبقاً، و لا معرفة مآل هذا الحدث إلا من خلال الإحتمالية. فاللاحتمية الكمومية أو الكوانتية توحي بأنه في أية حالة كمومية أو كوانتية خاصة يوجد عدد لا محدود من الأزمنة المستقبلية البديلة أو عدة "واقعات " كامنة قد يصل عددها إلى اللانهاية. فالميكانيك الكمومي أو الكوانتي يزودنا بالاحتمالات المتعلقة بكل حل ممكن الحدوث وبكل مخرج قابل للمشاهدة والرصد لكنه لايشير على الإطلاق لأي مستقل ممكن سيصبح عليه الواقع . ولكن عندما يقوم مراقب بشري بعمل قياس وحساب فسوف يخرج بنتيجة واحدة فقط. فالإلكترون المعرض للقياس والحساب سوف يتجه باتجاه واحد معلوم بعد قفزته . ففعل القياس والمشاهدة أو الرصد سوف يفرز واقعاً واحداً من بين عدد لامتناهي من الواقعات الممكنة. فبالنسبة للمراقب ، يغدو الممكن واقعاً والمستقبل المفتوح يغدو ماضياً ثابتاً مما ينطبق تماماً على ما نعرفه على أنه مرور أو تدفق الزمن . بعض العلماء الكلاسيكيين يعترض على هذه الفرضية لكن البعض الآخر ، ممن يعتقدون بصحة نظرية العوالم والأكوان المتعددة، يتقبلون هذا التفسير. ففعل الرصد والمراقبة ووعي المراقب الذي يقوم بعملية الحساب والرصد يدفع الواقع إلى الانشطار ويدفع الطبيعة لكي تقرر. وقد أعرب بعض الباحثين مثل روجيه بينروز ، الأستاذ في جامعة أوكسفورد، عن اعتقاده بأن الانطباع أو الشعور بمرور الزمن يمكن أن يكون مرتبطاً بالسيرورة الكمومية أو الكوانتية التي تحدث داخل الدماغ فهي مصدر مثل هذا الشعور. لم يعثر العلماء لحد الآن على عضو عضوي داخل دماغ الإنسان يكون مختصاً بالزمن كما هو الحال مع القشرة البصرية في الدماغ المسؤولة عن الرؤية . ويمكن في المستقبل القريب أن يتوصل العلماء إلى حقيقة عمل ووظائف السيرورات الدماغية المسؤولة عن إدراكنا لمرور الوقت وجريان الزمن على المستوى الشعوري . حينئذ يمكن التفكير بصنع دواء لوقف هذا الإدراك . أما إذا تمكن العلم من إثبات عبثية مفهوم مرور و أو تدفق الزمن فلن يقلقنا بعد ذلك قلقنا وخشيتنا من المستقبل وألا ناسف على ما حصل لنا في الماضي و لا الخوف من الموت أو الولادة. و لا الانتظار أو الحنين حيث سيكونان من بين المفردات البشرية. هناك أيضاً ما يدعى بحالة نفاذ الصبر ، فلم يعد المرء يحتمل الانتظار أمام شباك التذاكر أو المعاملات الإدارية و لا الوقت الذي يحتاجه الكومبيوتر للانطلاق والعمل أو تنفيذ أمر أو عندما يكون الباص أو الميترو أو القطار متأخراً ، حتى أن البعض تشكل لديه نفور مرضي من الدخول إلى الإدارات الحكومية لإنجاز معاملاته خاصة في بلدان العالم الثالث حيث طوابير الانتظار طويلة ولاتطاق ، وهذا يشير إلى تسارع إيقاع الحياة والعمل والتواصل الآني بين الناس عن طريق الانترنت ووسائل الاتصال الاجتماعي لقد انتهى البريد العادي والرسائل التي كان ينتظرها العشاق بفارغ الصبر . من هنا يتساءل علماء الأعصاب عن تداعيات وانعكاسات مثل هذه التغييرات على نمط الحياة وعلى دماغ الإنسان. ومحاولة معرفة آليات العمليات العصبية والدماغية عندما نصل إلى مرحلة نفاذ الصبر وعدم تحمل الانتظار. ماهو الانتظار في الدماغ؟ إن مفهوم الاندفاع قد يساعدنا في فهم عدم تقبل وتحمل الانتظار فالاندفاع هو نزعة التنفيذ بسرعة وفوراً حتى بدون تفكير أو تأمل أو تروي وعدم مراعاة ما يمكن أن يترتب على هذا التسرع والاندفاع من نتائج وتبعات أو تداعيات على المدى القريب أو المتوسط أو البعيد، لأنه ترجمة نفسية لعدم تحمل مرور الزمن ببطء على الصعيد السيكولوجي المحض . ومن وجهة نظر علم النفس، هناك نوعان من الاندفاع : الأول مرتبط بعملية السيطرة أو عدم السيطرة وعدم القدرة على كبح الاندفاع الآني والفعل الآلي الناجم عن رد الفعل الفوري ، والثاني مرتبط بالاندفاع الانفعالي والتحفيزي ، أي القدرة أو عدم الدرة على القيام باختيار زماني متداخل intertemporels، أي الاختيار بين عدة خيارات يترتب على كل منها تبعات مستقبلية آنية أو مؤجلة ولقد أخضعت تلك الاندفاعات إلى تجارب مختبرية وطبية عديدة لدراسة المناطق الدماغية المتعلقة بذلك . يتبع
#جواد_بشارة (هاشتاغ)
Bashara_Jawad#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عمر الكون ومعضلة الزمن 9
-
عمر الكون ومعضلة الزمن 8
-
الإنسان ماله وما عليه في الكون المرئي 1
-
عمر الكون ومعضلة الزمن 7
-
العراق بين مطرقة إيران وسندان الولايات المتحدة الأمريكية
-
عمر الكون ومعضلة الزمن 5
-
الكون الأرمل
-
6الكوزمولوجيا الفضائية غير البشرية – 6 -
-
سؤال قديم وسيبقى إلى الأبد هل نحن وحيدون في هذا الكون؟ - 1 -
-
قراءة في كتاب الدكتور فالح مهدي - مقالة في السفالة نقد الحاض
...
-
عمر الكون ومعضلة الزمن 4
-
عمر الكون ومعضلة الزمن 3
-
عمر الكون ومعضلة الزمن 2
-
كتاب جديد للدكتور جواد بشارة قراءة في كتاب - كون مرئي وأكوان
...
-
5الكوزمولوجيا الفضائية غير البشرية – 5 -
-
4الكوزمولوجيا الفضائية غير البشرية – 4 -
-
3الكوزمولوجيا الفضائية غير البشرية – 3 -
-
الكوزمولوجيا الفضائية غير البشرية – 2 -
-
وحدة الوجود وحقيقة الكون المتسامي 1
-
الكوزمولوجيا الفضائية غير البشرية
المزيد.....
-
تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك ابو ظبي الجديد على القمر الصناع
...
-
تحقيق لبي بي سي يكشف عن تقييد فيسبوك للصفحات الإخبارية الفلس
...
-
نصائح للحوامل.. إزاى تحافظى على صحتك وتتجنبى العدوى في الشتا
...
-
أطعمة قد تغير مسار سرطان البروستات وتقلل من خطره
-
إليك 5 طرق آمنة تقدمها الفيزياء للسفر عبر الزمن
-
شركات تكنولوجيا تخطب ود ترامب.. كيف ستكون العلاقة بينهم؟
-
أسرع طريقة لتخفيف آلام التهاب المرارة خاصة فى الليل
-
التهاب اللوزتين فى الشتاء.. أعراض لا يجب تجاهلها وطرق العلاج
...
-
روسيا.. تطوير برمجيات لزيادة دقة حساب مسارات الأقمار الصناعي
...
-
بلغاريا تنزل إلى المياه سفينة عسكرية جديدة
المزيد.....
-
هل سيتفوق الذكاء الاصطناعي على البشر في يوم ما؟
/ جواد بشارة
-
المركبة الفضائية العسكرية الأمريكية السرية X-37B
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في الهند
-
-;-السيطرة على مرض السكري: يمكنك أن تعيش حياة نشطة وط
...
/ هيثم الفقى
-
بعض الحقائق العلمية الحديثة
/ جواد بشارة
-
هل يمكننا إعادة هيكلة أدمغتنا بشكل أفضل؟
/ مصعب قاسم عزاوي
-
المادة البيضاء والمرض
/ عاهد جمعة الخطيب
-
بروتينات الصدمة الحرارية: التاريخ والاكتشافات والآثار المترت
...
/ عاهد جمعة الخطيب
-
المادة البيضاء والمرض: هل للدماغ دور في بدء المرض
/ عاهد جمعة الخطيب
-
الادوار الفزيولوجية والجزيئية لمستقبلات الاستروجين
/ عاهد جمعة الخطيب
-
دور المايكروبات في المناعة الذاتية
/ عاهد جمعة الخطيب
المزيد.....
|