|
صناعة الوهم والقدسية والشيطان...2
حكمت حمزة
الحوار المتمدن-العدد: 6158 - 2019 / 2 / 27 - 23:02
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
تحدثت في الموضوع السابق عن بعض الأسباب التي ساهمت في تشكيل الثالوث الديني، أي الوهم والقدسية والشيطان، واستطرادا يمكن أن أقول عن الدين، بأنه تلبية لحاجة ملحة لدى الانسان الأول، فكما رأينا سابقا أنها تجيب على العديد من الأسئلة، وتصنع عالما وهميا للإنسان، يرى نفسه من خلاله قد سبر أغوار الكون والحياة وأسرارها، محاولا بذلك إرضاء ذاته وعقله الباطن بأنه قد رسم صورة متكاملة عما يحيط به، لكن الفضول الذي يأبى أن يموت، جعل عملية الأديان عرضة للتطور والتغير سواء من ناحية الشكل أو من المعنى، والدلي على ذلك هو الكم الهائل من التيارات والمذاهب الدينية، ووجود الكثير من المذاهب داخل الدين الواحد، طبعا هذا الشيء لم ينتج من اللاشيء، لأن تقدم الحياة واستمرارها لفترات طويلة بالنسبة لمعظم الأفراد، أوجد ثغرات جديدة في منظومته الفكرية، وهذه الثغرات من شأنها أن تحطم الصورة النمطية الوهمية، والتي رسمها الانسان في مخيلته على أنه انتهى من الإجابة على محيط الأسئلة الذي يسبح فيه، بالإضافة إلى أن شخصية الأنبياء الذين ادعوا أنهم يحملون رسالة الآلهة لهم، كانت تشكل وزنا ثقيلا في هذا المجال، كونه صلة الوصل بين البشر والآلهة، أو تجسيدا للإله نفسه، ومع رحيل وموت هذا النبي، سيعاد خلط الأوراق من جديد ولكن في مرحلة فكرية متقدمة أكثر مما كانت عليه زمن الأنبياء، فغياب التواصل، واختفاء الحلقة الوسيطة بين الآلهة وخليقتها، سبب الكثير من الفوضى و التناحرات الفكرية، وفي الكثير من الحالات وصلت إلى حد الحروب الضارية وإراقة الدماء، كما أن وجود شخصية بمثل مواصفات الأنبياء، لها سطوتها على عقول وأجساد الكثيرين، حفزت الرغبة في السيطرة داخل الانسان، وأصبح كل شخص ينحو بدينه اتجاها مختلفا عن الآخر، في محاولة لخلق منطقة نفوذ سواء كانت جغرافية أو فكرية، فالنتيجة هي نوع من حب السيطرة و التسيد والشهرة والنجومية إن صح أن ننعتها بذلك. تلك الأسباب أعلاه، هي ما أراها وفق منظوري، الأكثر تأثيرا وتحفيزا لتشكيل هذه المذاهب والتيارات الفكرية التابعة لكل دين، ومن هنا أود القول بأن هذه التيارات الدينية، ليست سوى فلسفة وأسلوب تفكير وتحليل معين، يرى صاحبها من خلالها المنظومة الدينية التي حصل عليها ذاتيا أو بالوراثة، وتعميما بشكل مبني على ما سبق، أرى بأن الأديان وفكرتها وأصولها، ليست سوى خلاصة فلسفية حياتية يراها أنبياؤها بأنها صحيحة، أما عملية تعميمها و إيصالها للبشر، وإعطاءها المكانة المعروفة لها اليوم، كانت مهمة من عاصر الأنبياء وعاش معهم، وهذا ما يبدو واضحا بشكل جلي، لدى مطالعتنا لتاريخ الأديان و أحداثها وما وقع فيها من أمور مهمة وغير مهمة، وإذا آمنا جدلا وافتراضا بوجود الخالق وصحة الأديان، فلا بد أن نجد ان طبيعة كل دين تم تحويرها بشكل فظيع من قبل الأتباع، مما أدى إلى تشويهها وانحرافها عن الطريق المفترض لتسير فيه، و هذا نتيجة نزعة الانسان للتسلط والسيطرة، إذ أنه يستند إلى مقدسات، ويضفي على تطبيقها شيئا من اللمسات والتوابل الخاصة به، كي يغدو علما مشهورا ذا شأن ومكانة أعلى ممن هم حوله، وهذا ما هو موجود فعلا في معظم الأديان حاليا، فجميع المذاهب والتيارات الفكرية في كل الأديان، تنسب لنفسها الصحة والدقة في تناول وطرح الدين، وأن المخالفين منحرفون عن الطريق القويم، ويصعب أن تجد دينا بلا مذاهب، لكونها أصيلة ومتجذرة بالدين نفسه، بالإضافة لأنها تضفي على ذات الانسان شعورا بالانتماء لفئة معينة، معززة بذلك الأمن والطمأنينة التي تضفيها الجماعة على الفرد، كون الانسان بغريزته لا يستطيع البقاء وحيدا للأبد. قد يتساءل البعض عن جمود الأديان وعدم تطورها حاليا، أو عن سبب عدم ظهور دين جديد، يكسب ذات الشهرة التي اكتسبتها الأديان القديمة، ونضوب ينبوع الأديان، فآخر معتقد ديني أخذ رواجه الكبير هو الإسلام، وبغض النظر عن أنه انتشر بالسيف، إلا أنه كان ختام هذا الينبوع، وأخر قطرة خرجت من ذاك البئر، ويمكن أن ألخص الأسباب التي أدت إلى توقف مفرخة الأديان في النقاط التالية: I. تطور البشرية بشكل ملحوظ نحو مستقبل وعالم يختلف بشكل جذري عن المقومات التي كانت في العصر القديم، والتي كان لها دور أساسي في نمو وترعرع الأفكار الدينية، وتتسم هذه المرحلة بأن العلم آخذ في التعاظم يوما بعد يوم، وانتشار هذه العلوم أدى إلى تحجيم فكرة الدين ووضعها داخل حدود ضيقة لا تستطيع المناورة فيها، إذ أن الأديان الكبرى المسيطرة على العالم، تكاد تقف عاجزة عن الوقوف في وجه المد العلمي، الذي أفضى إلى إفهامنا آلية عمل وأداء الكثير من الأشياء حولنا، وبات الكثير من الناس يصنفون ضمن اللاإكتراثيين، الذين لم يعودوا يهتموا بمثل هذه المواضيع، باستثناء أولئك الذين يرزحون تحت وطأة الاستبداد السلطوي، الذي غمرهم في مستنقع الجهل وتوجيه العلوم التطبيقية والإنسانية كي تدعم ما يصبو إليه. ورجال II. عدم تبني هيئات سياسية أو حكومية رسمية لأي دين جديد مولود حديثا، لأنهم إن فعلوا ذلك، سيكتبون نهايتهم بأيديهم، سيؤلبون عليهم شعوبهم لأنهم كسروا القدسية التي توارثتها الأجيال لمعتقداتهم، إضافة إلى فقدان الثقة بين الشعب ورجال الدين المؤتمرين بأوامر الحكام بشكل مباشر أو غير مباشر، وبالتالي سيفقد أحد أهم عوامل السيطرة على القطيع، وستنقطع خيوط الدمي التي يمسكون بها الشعب ويقودونهم حيث يشاؤون، فالإسلام مثلا، ما كان لينتشر بهذا الشكل لولا وجود هيئة حاكمة قوية سياسيا واقتصاديا وعسكريا قامت بقيادة الأفراد على أساس الدين أن أعمالها مباركة دينية وواجبة، كذلك المسيحية لم تكن لتنتشر على هذا المدى لولا تبني الإمبراطورية الرومانية للمسيحية كدين لها، مما ساهم في انتشار أفكارها عبر هذه المسافات الشاسعة. III. انعدام المعجزات في العصر الحالي، أو بالأصح عدم قدرة الدجالين على خداع البشر بأمور تبدو للعيان أنها خارقة ويستحيل أن تكون من صنع بشر، وذلك بفضل التقدم الفكري والعلمي أيضا، فلم يعد هناك شيء يمكن فعله وخداع الجميع به، ووجود شخص عادي لا ميزة له، هو نوع من السخافة للتصديق به، لذلك نرى أن كل التيارات الدينية الجديدة، تعتمد في أسسها على الأديان القديمة، وتقوم ببعض التغيرات الجوهرية وغير الجوهرية مظهرة نفسها على أساس أنها حركة اصلاحية وليست دينا جديدا. IV. توفر مصادر المعرفة بسهولة وبكثرة وخصوصا على الانترنت، ويسعني هنا أن أقدم أسمى التحيات العطرة لتكنولوجيا المعلومات التي سمحت لنا بالوصول إلى المعارف والعلوم بسهولة ويسر، إذ أن القديمين كانوا بحاجة للسفر من بلاد لأخرى كي يحصلوا على كتاب أو مقالة، أو كان عليهم الانتظار لفترات طويلة قبل أن تصلهم أحدث الكتب والعلوم والتيارات الفلسفية والفكرية، مما أدى لتغيير جذري في عقلية البشر، وظهور مدارس فكرية جديدة تتخذ من بعدها عن الأديان مسلكا لكل تفاصيلها. V. الوصول إلى الحدود القصوى تقريبا للخيال البشري في هذا المجال، ولم تعد المخيلة قادرة على انتاج أشياء موهومة أكثر من هذا الحد في هذا المجال، فهي بذلت أقصى جهد في نقل الآلهة إلى مكان لا نستطيع الوصول إليه ومعاينته، ولا أظن أن هناك خيالا أوسع من جعل الإله موجودا في اللامكان واللا زمان، إذ أنه لم يعد بالمقدور إبعاد الآلهة أكثر من ذلك، وأي دين جديد يأتي به أي شخص، لن يستطيع أن يكون ذا مكانة بين الناس، لأنه بشكل أو بآخر سيظل يراوح بين الخطوط العريضة التي رسمها القدماء. ومما سبق، أستطيع أن أقول بأن الأمل مفقود تماما في وجود أي دين جديد، بل إن المستقبل يبشر بقرب انتهاء التسلط الديني على رقاب البشر في فترة ليست ببعيدة، وما الكفاح دفاعا عن الدين، والحملات التبشيرية التي تطلقها الأديان، إلا لفظ للأنفاس الأخيرة الدينية، ومسمار غليظ يدق في نعشها، وكما يقال بأن الصراخ على قدر الألم، وما نراه من تشابكات واشتباكات دينية، سواء كانت فكرية أو حربية، تعبر عن جسد يحتضر ويجاول استجرار أرواح كي يبقى على قيد الحياة مسيطرا، لأطول فترة ممكنة. . . يتبع
#حكمت_حمزة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
صناعة الوهم والقدسية والشيطان...1
-
هذا ما يجب أن نفعله يا مايكل
-
قتلوكِ يا نبض العروبة
-
يا قلبها.....
-
قرآنيون...ولكن...
-
السعودية، بشار الجعفري، وهيئة علماء المسلمين....عندما تتحدث
...
-
كيف نجعل من النقد الديني أكثر فعالية وفائدة
-
الرايات
-
السياسة والدين...من منهما يستغل الآخر
-
نحارب الخرافة للقضاء على الاستبداد لا الدين
-
في سوريا
-
تساؤلات وتناقضات بسيطة في قصص القرآن...هود و صالح
-
إليكِ يا آلهة الهيام
-
الخريف الخامس
-
جمال خاشقجي الذي يساوي ملايين البشر!!
-
تساؤلات وتناقضات بسيطة في قصص القرآن...نوح
-
واقع التفاسير القرآنية...هريس من اللغة والتاريخ والأهواء الش
...
-
تساؤلات وتناقضات بسيطة في قصص القرآن...آدم
-
من لغة العوام...إلى الشرف والأخلاق والحرية..كيف أثر الموروث
...
-
عشوائيات حكمت - منافسة غير نزيهة
المزيد.....
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
-
إيهود باراك يفصح عما سيحدث لنتنياهو فور توقف الحرب على غزة
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|