|
تشريح الثورة
مروان عبد الرزاق
كاتب
(Marwan)
الحوار المتمدن-العدد: 6158 - 2019 / 2 / 27 - 20:31
المحور:
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
تشريح الثورة* مروان عبد الرزاق
إن كلمة الثورة لا تنطبق إلا على الثورات التي يكون هدفها الحرية، بتعبير أرندت. ويرفض "كرين برينتين"-وهو دكتور في التاريخ بجامعة هارفرد- نظرية الظروف، التي ترى الثورات تلقائية لشعوب مخنوقة، ونظرية المؤامرة التي ترى في الأسباب الخارجية هي التي تخطط لقيام الثورة. لأن الثورة مثل العواصف الرعدية، تنمو من بذور يغرسها أفراد يريدون التغيير، يريدون الحرية، ولا يعمل هؤلاء الثوريون ضد الطبيعة، بل في مناخ موات لعملهم وتمثل النتائج النهائية تعاوناً بين الطبيعة والأفراد. فالحرية هي السمة الملاصقة لأية ثورة، بغض النظر عن شكلها التي تعبر فيه على الأرض. وفي كتابه "تشريح الثورة"، يعمل على الثورات الأربعة التي تنشد للحرية، والتخلص من الاستبداد الملكي والكنسي، في كل من إنجلترا (١٦٤٠)، وفرنسا (١٧٨٩)، وروسيا (١٩١٧)، كذلك في الولايات المتحدة الأمريكية (١٧٧٥) في حربها ضد التاج البريطاني. وأن الثورات الأربع قامت من أجل الشعب، والديمقراطية، والحرية، وكانت ناجحة أدت إلى أن الثوار أصبحوا الحكومة الشرعية. وتناول جميع الظروف الاقتصادية والسياسية والاجتماعية التي رافقت الثورات، مستخلصا منها التشابهات الهامة، ومقسما مراحل الثورات إلى عدة مراحل موضحاً تقلباتها، وصراعاتها، وازماتها العنيفة. فالمجتمعات كانت غير مستقرة، وفيها نوع من الاضطراب الثوري. حيث جميعها متقدمة اقتصاديا، عدا الخلل المالي في جهاز السلطة، والجهاز الحكومي غير الكفء للسيطرة. وبدأت جميعها بأسباب عفوية مثل: مقاومة محدودة في برلمان باريس وتأسيس الجمعية الوطنية، وسقوط الباستيل. والثورة الإنجليزية انطلقت في البرلمان، والأمريكية في نيوكلاند في اجتماعات مجالس المدن، والتي انطلقت بفعل ضريبة الطابع، وثورة شباط الروسية والتي ضمت العديد من القوات المسلحة. والحكومات الأربعة كانت تحاول جمع الأموال من الناس الرافضين لها. وقد حاول المؤلف استخلاص المقدمات، وسير العمليات، والنتائج المتشابهة للثورات. فالمرحلة الأول التي اتسمت بالاضطراب الثوري. عداوات طبقية بين الفلاحين والاقطاعيين، وانتشار الإفقار الشديد، وعدم فعالية الطبقة الحاكمة في روسيا وفرنسا وتحول قسم منهم نحو الليبرالية. ولا كفاءة الحكم، وعدم قدرته على استخدام السلاح بشكل فعال، فالجيش البريطاني والفرنسي لم يكونا أقوياء لردع الثورة، وانضم العديد من أفراد الجيش الروسي للثورة. وعندما تعجز السلطة عن استخدام القوة العارية، فالسلطة ستسقط حتمت. وبقيادة الطبقة الوسطى، تم استيلاء المعتدلين على السلطة، فأصبح البرلمان الإنجليزي هو السيد بعيداً عن تشارلز الأول، وبرلمان باريس والجمعية الوطنية، وإعلان الجمهورية الفرنسية، وحكومة شباط في روسيا بعد أن انضمت أفواج كبيرة من الجنود لصالح الثورة، والجمعية التشريعية الأمريكية التي قادت الثورة الأمريكية، التي استمرت ثلاثة عشر عاماً. وقد كان لولاءِ المفكرين للثورة واضحاً. فجمعيات الفكر التنويري في فرنسا تحولت إلى عمل سياسي ثوري، مثل فولتير، وروسو وديدرو، والذين عملوا ضد الكنيسة. وفي روسيا نجد تورجنيف وغيره، وأدب الكراسات في إنجلترا، وفي أمريكا نجد حركة التنوير عند المثقفين من خلال جون لوك ومونتسكيو. وبالتالي كان للأفكار دورها في الثورة، لكن الأفكار بمفردها لا تخلق ثورة. كما هو الحال في الإفقار للشعب، الذي لا يخلق ثورة بمفرده. ومع استلام المعتدلين للسلطة، بعد أن تحولوا إلى مستبدين، وعجزهم عن إدارة شؤون البلاد، بدأ الصراع مع المتطرفين، وبدأت المرحلة الثانية، وانتهاء ازدواجية السلطة بانتصار المتطرفين، والذين كان عددهم قليلاً، لكن كانوا يتمتعون بالقوة والتنظيم الجيد: انتصار البلاشفة في (أكتوبر ٢٠١٧)، وإعدام نيقولاوس الثاني في (١٩١٨)، وكرومويل في إنجلترا، الذي أصبح حامي الثورة، حيث تم إعدام تشارلز الاول في (١٦٤٨)، وسيطرة اليعاقبة وروبسبير في فرنسا عام ١٧٩٢ وإعدام لويس السادس عشر (١٧٩٣). وأمام حالة المتطرفين كان لابد من مرحلة الخلاص والنقاهة، والانتعاش من جديد. والدخول بالمرحلة الثالثة، مع إعدام روبسبير مع اليعاقبة في (١٧٩٤) انتهت مرحلة العنف الثوري، ثم جاء نابليون بونابرت في (١٧٩٩)، ليصبح الطاغي الأول، والذي عمل على نشر الثورة في أوروبا، ومع استلام البلاشفة للسلطة الثورية بقيادة لينين، وتأسيسه لنظام اقتصادي وسياسي جديد، وكرومويل في إنجلترا حامي الثورة والبرلمان. وبالتالي أصبحت الأجواء مهيأة للدخول في المرحلة الأخيرة، في مرحلة العودة البطيئة وغير المنظمة للهدوء والانتعاش من جديد. ويعتبر المؤلف أن نهاية الثورات بدأت بعودة آل بوربون الى السلطة في (١٨١٤)، وعودة آل ستيورات الى السلطة في إنجلترا (١٦٦٠)، واستلام ستالين السلطة، وسلسلة الاعدامات التي نفذها ضد خصومه من الماركسيين، باسم دكتاتورية البرولياريا، وصعود جورج واشنطن للسلطة في أمريكا. مما وضع حدا للثورات وانتهت من حيث بدأت، والتي تشرع الحكم للسلطة الجديدة. وأن الثورات جميعها أنهت استخدام إساءات العهد القديم، وأقامت خليجاً بين القديم والجديد، وعملت على تغييرات كبيرة في المؤسسات والأفكار. وقد غيرت عُقُول الانسان أكثر من تغيير عاداته. -2- لكن ليس صحيحاً استنتاج المؤلف أن العهد القديم عاد في روسيا وأمريكا. فالبلاشفة في روسيا عملوا على قطع كامل مع النظام القديم، واشتغلوا على تأسيس جمهورية سوفيتية، ذات نظام اقتصادي سياسي جديد، وأمموا الصناعة، ووزعوا الأراضي على الفلاحين. الخ. والنظام الأمريكي بعد الانتهاء من السيطرة البريطانية، أسسوا نظام جمهوري بأجندة أمريكية. وحتى تآلف القديم مع الجديد في بريطانيا وفرنسا، إلا أنه تم اقتلاع النظام القديم، وملأت الثورة الفرنسية بعد إعلان جمهوريتها الأولى، أوروبا بأكملها حتى ثورات ١٨٤٨ البرجوازية وإعلان الجمهورية الثانية، وبقي شعار حقوق الإنسان والمواطن هو حلم البشرية جمعاء. والمهم ماذا يمكن أن يقدم لنا هذا الكتاب، في ظل ثورات الربيع العربي؟ هل قمنا نتشريح ثوراتنا والمآزق التي وقعنا بها، وماهي مهماتنا الراهنة، ماهو مستقبلنا؟ هل تشريحنا لثوراتنا تُؤكّد أننا أمام أنظمةٍ استبدادية، قوامها الأمن والجيش وثلة من المرتزقة المثقفين. وأن الجيش الذي وقف حيادياً في مصر وتونس عاد للسلطة من جديد. وطرد صالح من اليمن أوقعها بحربٍ طائفية تقتل البشر والحجر، على يد الوهابية السنية والشيعية. وأن الحل كما حصل في ليبيا، اقتلاع الطاغية وكل منظومته الأمنية والعسكرية، رغم المآسي والصراعات الدموية بين القوى المجتمعية والسياسية والعسكرية، إلا أنهم سيصلون إلى أهدافهم في الحرية والكرامة. وإن من نصبوا أنفسهم ممثلين للمعارضة والثورة، في الائتلاف وغيره، لم يعرفوا أن الإسلام السياسي والعسكري هو من القوى المضادة للثورة، والذي يتساقط الآن بأوامر من مموليه، والذي ساهم مع النظام في تشريد نصف الشعب السوري. وأين هم ممثلو الثورة من المثقفين الديمقراطيين، الذين شاركوا الإخوان في تشكيل الكتائب العسكرية، والتي حكمت باسم السيف والشيخ، وقدمت صورة للثورة بأبشع صورها. علينا أن نتعلم أن الإسلام السياسي والعسكري عدو للثورة، لأنه ليس مقتنعاً بأهدافها، والديمقراطيين المختبئين في دكاكين مغلقة، عندما يؤسسون لتيار وطني ديمقراطي في الداخل السوري، وليس في الخارج مطالبين بالتدخل الدولي المقيت، قادرين على اقتلاع النظام السوري من جذوره. وأن المستقبل لدولة دمقراطية، دولة المواطنة التي تمثل كل الشعب، وليست دولة "مدنية ديمقراطية تعددية" على طريقة الإخوان، والتي مازال يرددها العديد من مثقفينا. ومسائل أخرى لا تنتهي، إذا بدأنا بتشريح ثورتنا المجيدة. ------------ برينتين، كرين- تشريح الثورة-ترجمة سمير الجلبي-دار الفارابي-بيروت- عدد الصفحات ٣٨٥ صفحة.
#مروان_عبد_الرزاق (هاشتاغ)
Marwan#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ثورة السودان
-
وارسو: مؤتمر للسلام أم للحرب
-
صعود الجهادية التكفيرية
-
هل النظام السوري طائفي؟
-
صراع المتشابهات في سوريا(الجزء الثاني)
-
صراع المتشابهات في سوريا)الجزء الاول)
-
لن اتهم احدا
-
بين وثائق القاهرة وخطة الخبراء للانتقال السياسي في سوريا
-
ملاحظات اولية:رسالة من مثقفين سوريين للجمعية العامة
-
ملاحظات اولية حول مسار الثورة السورية-لماذا لم تنتصر الثورة؟
-
العراق, سوريا. إلى أين؟
-
الثورة السورية والسلم الاهلي
-
هروب المثقف من الثورة السورية
-
مؤتمر جنيف(2) والسلام المفقود في سوريا
-
الثورة السورية-غياب السياسة
-
الانقلاب العسكري في مصر وعودة النظام السابق
-
من أحاديث الثورة السورية(1) طبيعة الثورة– العسكرة والاسلام-
...
-
هل يمكن تفادي الحرب الأهلية القادمة في سوريا
-
مسقبل الثورة السورية
-
آفاق الثورة السورية
المزيد.....
-
ماذا يعني إصدار مذكرات توقيف من الجنائية الدولية بحق نتانياه
...
-
هولندا: سنعتقل نتنياهو وغالانت
-
مصدر: مرتزقة فرنسيون أطلقوا النار على المدنيين في مدينة سيلي
...
-
مكتب نتنياهو يعلق على مذكرتي اعتقاله وغالانت
-
متى يكون الصداع علامة على مشكلة صحية خطيرة؟
-
الأسباب الأكثر شيوعا لعقم الرجال
-
-القسام- تعلن الإجهاز على 15 جنديا إسرائيليا في بيت لاهيا من
...
-
كأس -بيلي جين كينغ- للتنس: سيدات إيطاليا يحرزن اللقب
-
شاهد.. متهم يحطم جدار غرفة التحقيق ويحاول الهرب من الشرطة
-
-أصبح من التاريخ-.. مغردون يتفاعلون مع مقتل مؤرخ إسرائيلي بج
...
المزيد.....
-
-فجر الفلسفة اليونانية قبل سقراط- استعراض نقدي للمقدمة-2
/ نايف سلوم
-
فلسفة البراكسيس عند أنطونيو غرامشي في مواجهة الاختزالية والا
...
/ زهير الخويلدي
-
الكونية والعدالة وسياسة الهوية
/ زهير الخويلدي
-
فصل من كتاب حرية التعبير...
/ عبدالرزاق دحنون
-
الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية
...
/ محمود الصباغ
-
تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد
/ غازي الصوراني
-
قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل
/ كاظم حبيب
-
قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن
/ محمد الأزرقي
-
آليات توجيه الرأي العام
/ زهير الخويلدي
-
قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج
...
/ محمد الأزرقي
المزيد.....
|