أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - حكمت حمزة - صناعة الوهم والقدسية والشيطان...1















المزيد.....

صناعة الوهم والقدسية والشيطان...1


حكمت حمزة

الحوار المتمدن-العدد: 6158 - 2019 / 2 / 27 - 00:09
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


يوجد بجانب كل فرد فينا، تلال ضخمة من الموروثات الشعبية والاجتماعية والدينية، ولكل مجتمع حول العالم، خواصه الفريدة التي تميزه عن غيره، وإن كان هناك تشابه غير مباشر في الخطوط العريضة بين المجتمعات، لكن التفاصيل والطابع الإنساني المؤثر في هذه الخطوط، يأبى إلا أن يفرض نفسه وبقوة، ويشكل مغناطيسا شديد الفعالية، في تشذيب وتفصيل كل شيء، وإطلاق مفاهيمه في جميع الاتجاهات ودون هوادة. تعتبر الأديان والموروثات الاجتماعية عن الأسلاف، العامل الأهم والمؤثر الأعظم في ترتيب نسق الحياة في أي مجتمع، وإذا غضضنا البصر لبرهة قصيرة، عن تلك الاختلافات التي تشكلها الأسباب سالفة الذكر، وتحدثنا بشكل عام عن أي مجتمع وأفراده، سنرى بأن الدين والإله، هي عامل مشترك للجميع كما هو معلوم، ولا يوجد مجتمع واحد في العالم، لا يحوي أي انتماء ديني مهما كانت النسبة بسيطة.
خلال الصفحات التالية، سيشغل الدين والمعتقدات الدينية حيزا كبيرا من حديثنا، الذي من المؤكد أنه سيغضب الكثيرين، ولكن لنكن صريحين وواقعيين ولو لمرة واحدة في حياتنا، ولنقف بكل شجاعة أمام مرآة نفوسنا، ونعترف بأن الأديان كانت ولا زالت أهم المصانع والمنشآت، التي تصدر للبشرية أهم ثلاثة أمراض أصابت الجنس البشري، وهي الوهم والقدسية والشيطان، ولا زالت حتى هذه اللحظة، تقوم بإعادة تدوير لتلك المصطلحات والمنظومات الفكرية، كلما تقدمت عجلة الزمن والحضارة والتطور، لأسباب عديدة حسب وجهة نظري، هذه الأسباب التي يمكن أن أراها محصورة في ما يلي:
I. جهل الإنسان القديم بالتفاسير المنطقية للكثير من الأحداث التي كانت تدور حوله، باعتبار الانسان فضوليا بالفطرة، ولا يرضيه أن يبقى ضمن وسط مجهول، فحاول أن يجد تفسيرا يلاءم عقله وتفكيره في تلك الحقبة، وأقدم كما هو معلوم للكثيرين، على وضع البذرة الأولى في عالم الماورائيات، ونسب كل شيء يجهل آلية حدوثه إلى كيان أو مجموعة كيانات خارقة القوة، والمثير في هذه النقطة أنه صدق افتراضات عقله بكل سهولة، وأخذ يؤلف الطقوس والشعائر استرضاءً لتلك الكيانات.
II. الانسان بطبعه لا يستطيع العيش في وحدة وانعزال عن الجماعة، وكان لا بد من إيجاد رابطة قوية تلم شمل الجماعة تلك، ولا شيء أقوى من رابط بمتانة الرابط الديني بين أفراد الجماعة التي تتبنى منظومة فكرية ماورائية معينة، الذي يجعل العلاقات بين الأفراد بقوة لا تضاهيها أي قوة أخرى.
III. في تاريخ الأديان، لم يوجد الإله غير المرئي دفعة واحدة، وتطورت فكرة الإله والآلهة بالتدريج، بين من يعبدون الأنهار والبراكين، الشمس والقمر، الأصنام، وصولا إلى الإله غير المرئي، الذي يقبع في السماء، أو الذي يقود حشوده من مكان إلى آخر ولا يظهر مباشرة، سوى في خيمة بني إسرائيل زمن موسى، أو تجسد بشكله الناسوتي كما في المسيحية. هذا التدرج لم يأتي من عبث، بل تطور عبر الزمن نتيجة لاقتحام عالم المجهول من قبل البشر، ومحاولة بعض العقلانيين، إيجاد تفكير منطقي بدل تلك الافتراضات التي ثبت زيفها بعد برهة من الزمن، فلا البركان يمتنع عن الثوران، ولا النهر عن الفيضان، رغم الكم الهائل من القرابين والطقوس والشعائر التي أقيمت له، وهذا دفع أولئك القدامى ذوي العقول المتنورة قياسا بالمنظومة السائدة آنذاك، إلى البحث عن تفاسير أكثر ملائمة وتماشيا مع العقل والمنطق، ومن هنا بدأت رحلة الآلهة من الأرض إلى السماء، مما أتاح لإضافة تفاصيل وجزئيات كثيرة، كون الآلهة أصبحت بعيدة عن مطرقة وسندان النقد، وعلى الصعيد الشخصي، أعتبر هذه المرحلة، هي النقلة النوعية في التاريخ الديني على مر العصور.
IV. منذ القدم، ارتبط الملك أو القائد أو المسيطر، بشكل أو بآخر بالآلهة، هذا لارتباط شكل هالة هائلة حول شخص الملك أو القائد، وأضفى عليه شرعية مزيفة ليتسلط بها على رقاب البشر، ويجد الدافع لأي عمل تشتهيه نفسه، ولو نظرنا إلى التاريخ البشري لوجدنا أن الارتباط بين الاستبداد الحاكمي السلطوي وبين الدين، قديم قدم الحضارة ذاتها، رغم الاختلاف في شدة هذا الارتباط، ومن هذا المنطلق، أخذ كل الحكام المستبدين شرعية لاحتفاظهم بهذه السلطة للأبد، فلا نكاد ملكا أو حاكما مستبدا إلا ومعه الكثير من رجال الدين الذي يثبتون له الحكم عبر النصوص الشرعية، ويستغلون ي ذلك نقطة ضعف الانسان التي لازمته على مر التاريخ، وهي القدسية التي يمنع على أحد كسرها أو تجاوزها، مما أدى إلى تأخير فظيع للثورات التي تقوم من أجل الإنسانية، في كثير من الدول الحالية، وخصوصا دول العالم الثالث، التي لا زالت حتى اليوم ترزح تحت هذا الحمل الثقيل الذي أثقل كاهلها، وأفقدها القدرة على الارتقاء بشكل شبه تام، إلا بعض الاستثناءات المتنورة التي لا زالت تكافح حتى اليوم في سبيل إبقاء الشعلة متقدة لتنير درب بصيص الأمل الذي لا زال يترنح يمينا وشمالا مدمى القدمين، في هذا الطريق الشائك المليء بالعقبات والحفر.
V. ظاهرة الشيطان التي تعتبر من أهم الأسس التي تقوم عليها كل المنظومات الاستبدادية على اختلاف مجالاتها وعناوين تصنيفها، فهي تحاول تجسيد مسألة الخير والشر في جميع مناحي الحياة، ويمكنني القول وأنا على درجة كبيرة من الثقة، بأن ظاهرة الشيطان لا تشمل فقط ذاك الكائن الخفي، العدو اللدود للإله والخير، بل تجسد و تقولب وفقا لمتطلبات كل مستبد، سواء في المجال الديني أو السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي، فالحكومات الشمولية تشيطن المعارضين لها، والنظريات الاقتصادية تشيطن بعضها البعض، والأديان تشيطن بعضها، حتى الدول تفعل الشيء ذاته، وفكرة الشيطنة هذه لم تأت من فراغ، بل جاءت بوصفها أحد الدعائم الأساسية للهيئات المسيطرة أو التي تسعى للسيطرة، لأن وجود الشيطان سواء بشكله الديني أو السياسي أو الاقتصادي، يعطي المبرر والدافع القوي، والأسباب الوجيهة، كي تحافظ هذه الهيئات المستبدة على وجودها، إذ أنها (كما تدعي) موجودة لمحاربة ذاك الشيطان، ولا هم لها إلا هزمه وابعاده بوصفه خطرا على البشر، وهي بذلك تعطي لنفسها الصلاحية التامة لقمع كل مظاهر التغيير أو التحرر من البراثن المفروضة، وما أكثر هذه الظواهر حولنا لو دققنا النظر، فهذه إيران تشيطن أمريكا، والسعودية تشيطن إيران، الشيوعية تشيطن الرأسمالية...الخ، ويمكن اختصار ما سبق بأن كل المتسلطين، يصنعون عدوا وهميا أو حقيقيا لأنفسهم، في سبيل إعطاء مسوغ قوي ومبرر لسعيها في البقاء أعلى الهرم، وعدم وجود مثل هذا العدو، يضعف موقفها ويقصر العمر الافتراضي لها
VI. من لا يصنع أعداء، يستخدم القدسية في تثبيت أركانه بدعوى تنفيذ الأوامر الصادرة عن الكيان الإلهي، وأن الإله أو الآلهة انتدبته ليكون مسؤولا عن تطبيق وصاياها على الأرض، أو يدعي بأنه تجسيد الإله بشكل بشري لنفس المهمة آنفة الذكر، و أنا آمل (يوما ما)، أن تتدخل كل الآلهة المزعومة بشكل مباشر، كي تحل المشاكل والحروب، وتفصح لنا عن رغباتها الحقيقية وما يجب أن نفعله وما لا ينبغي علينا فعله، بدل استخدام الأسلوب سيء الصيت، الذي أوصلنا إلى ما نحن عليه الآن، فلسنا مضطرين كي نحشر أنفسنا وكل ما نملكه ضمن دفتي كتاب أو آخر.
VII. الأديان على اختلاف مسمياتها، هي أفضل وأنسب القوالب الملائمة لسياسة القطيع، فهي تربط الانسان منذ طفولته من حيث يشعر أو لا يشعر، بتلك الكيانات الخارقة، و تحد من حرية عقله وتفكيره، مما يسهل السيطرة والتحكم عن قرب أو بعد، و أي نغرد خارج السرب يلقى ما يلقاه من الوسط المحيط به، والشواهد على هذا الشيء كثيرة جدا، ويزخر بها التاريخ القديم والحديث والمعاصر.
ومن هنا، أرى أن الثالوث الأساسي المشكل لكل الأديان، ألا وهو الوهم والقدسية والشيطان، لعبت دورا كبيرا في حياة البشر، وأدت إلى إفناء شعوب، وسيطرة أخرى ولا زالت حتى اليوم تستقطب الكثير من الناس إلى تلك الحظائر التي لا بد لك من إقفال عقلك كي تستطيع الدخول إليها والعيش فيها...
.
.
يتبع



#حكمت_حمزة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هذا ما يجب أن نفعله يا مايكل
- قتلوكِ يا نبض العروبة
- يا قلبها.....
- قرآنيون...ولكن...
- السعودية، بشار الجعفري، وهيئة علماء المسلمين....عندما تتحدث ...
- كيف نجعل من النقد الديني أكثر فعالية وفائدة
- الرايات
- السياسة والدين...من منهما يستغل الآخر
- نحارب الخرافة للقضاء على الاستبداد لا الدين
- في سوريا
- تساؤلات وتناقضات بسيطة في قصص القرآن...هود و صالح
- إليكِ يا آلهة الهيام
- الخريف الخامس
- جمال خاشقجي الذي يساوي ملايين البشر!!
- تساؤلات وتناقضات بسيطة في قصص القرآن...نوح
- واقع التفاسير القرآنية...هريس من اللغة والتاريخ والأهواء الش ...
- تساؤلات وتناقضات بسيطة في قصص القرآن...آدم
- من لغة العوام...إلى الشرف والأخلاق والحرية..كيف أثر الموروث ...
- عشوائيات حكمت - منافسة غير نزيهة
- عشوائيات حكمت - في التطرف والتطرف الاسلامي


المزيد.....




- في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا ...
- المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه ...
- عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
- مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال ...
- الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي ...
- ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات ...
- الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
- نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله ...
- الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
- إيهود باراك يفصح عما سيحدث لنتنياهو فور توقف الحرب على غزة


المزيد.....

- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - حكمت حمزة - صناعة الوهم والقدسية والشيطان...1