|
لنتشبث بحقنا في -جريمة- الفرنسة
يامنة كريمي
كاتبة وباحثة
(Yamna Karimi)
الحوار المتمدن-العدد: 6157 - 2019 / 2 / 26 - 23:23
المحور:
التربية والتعليم والبحث العلمي
قامت السياسة الحزبية بالمغرب منذ الاستقلال على تكريس قيم الطبقية والتمييز بين المواطنين في كل الأمور، بداية بالتعليم الذي هو أساس تحديد طبيعة الوظائف والمسؤوليات. وفي إطار ما يعرف بسياسة "إعادة الإنتاج" أو "حرفة بوك لا يغلبوك"، سهرت زعامات حزب الاستقلال بدفع أبناء الفقراء والعامة للمدارس المعربة والتقليدية وهي ما عرف بالمدارس الوطنية والمدارس العتيقة، ثم إلى المدارس العمومية بما فيها التعليم الأصيل. وعيب هذه المؤسسات، كما أسفرت عن دلك النتائج، هو أن ما يلقن بها من مضامين وباللغة العربية وخاصة بعد وباء التعريب، جعلها لا تستجيب لمعايير سوق الشغل والانفتاح العلمي والثقافي. ولذلك فتلاميذ المؤسسة العمومية بمستوياتها المختلفة لا تكون أمامهم، في الغالب الأعم، سوى نهايتين هما: - البطالة، سواء بفعل الانقطاع عن الدراسة أو لطبيعة الشواهد المحصل عليها وهي المتعلقة بشكل أو بآخر بالعربية ومعارفها. - العمل في بعض المناصب التي لا تحظى بأهمية كبيرة "في بلدنا" مما حولها لبؤر للتوتر والعنف والمهانة، وأولها قطاع التعليم. وكلا المصيرين كارثيين، ولم يترتب عنهما طيلة ما يفوق جيلين، سوى الانكماش والعزلة وتبخيس الذات والارتماء في أحضان التشدد والتطرف والعنف والكراهية. ولنا في شوارعنا ومؤسساتنا التعليمية التي تعج بمخلوقات غريبة عن الثقافة المغربية شكلا وسلوكا، خير دليل. ناهيك عن ظاهرة الهجرة و "الحريك" والانتحار... وهذه نتيجة منطقية للسياسة الحزبية التي طبعت المغرب لأن القاعدة العلمية تقول، أن الماء المهمل والراكد تولد وتتوالد فيه الجراثيم الضارة. فالماء الراكد يرمز لوضعية الفقر والتهميش والبطالة التي تعيشها الطبقات الشعبية بفعل سياسة الظلم والتمييز التي تسلكها في حقهم زعاماتهم السياسية. دلك الجور الذي يتجسد بالنسبة لقطاع التعليم عامة في ازدواجيته وطبقيته، وبالنسبة للتعليم العمومي في التعريب والمضامين المتجاوزة والأساليب والأدوات العتيقة والبيداغوجيا المستوردة و"الجوتابل" والتي لا تكيف مع خصوصيات المتعلم المغربي. إضافة لكثرة التدخلات المستعجلة والمرتجلة والمكلفة. وهدر ميزانية التعليم العمومي وحقوق المعلم والإداري... أما الجراثيم الضارة، فتشير لكل أشكال الفساد الذي يتخبط فيها المغرب بسبب وضع التفقير والتجهيل والتهميش الذي يقع على المغاربة في وضعية هشة... وبقليل من المنطق نستنتج أن زعامات حزب "الاستقلال" وبعدها حزب "العدالة والتنمية" هي سبب ركود الماء وعلة انتشار الأمراض الاجتماعية أو "الجراثيم". وبالتالي، إن كان هناك من يسرق أو من يقتل أو من يمارس الدعارة والنصب والاحتيال وهو من الطبقة الشعبية...فعلة جريمته هي سياسة الأحزاب لأنها هي التي دفعته لدلك. وإن ارتكبت جريمة وبالمعنى الحقيقي للكلمة في حق المغاربة فهي سموم الظلم والتمييز الطبقي والجنسي والعرقي والثقافي واللغوي، التي نفثتها وتنفثها زعامات الأحزاب المشار إليها أعلاه بين المغلوبين والمغلوبات على أمرهم من المغاربة والمغربيات، مما أزم أوضاعهم لصالح طبقة أخرى تنعم بكل مظاهر الغنى والبذخ دون وجه حق. لأن تلك الطبقة ما كانت لتجمع كل ذلك الثراء الفاحش ولو أنها احترمت القانون وأخلاقيات المسؤولية وتحلت ولو بنسبة ضئيلة من الحس الوطني والإنساني ودون أن تقرقر مصارينها. لكن رغم جريمة زعامات حزبي القومية والوهابية، وهما وجهان لعملة واحدة، في حق قواعدها الشعبية التي عرضتها للفاقة وللعذاب والعناء والإقصاء وقلة الكرامة جراء تحكمهم منذ الاستقلال في التوجه العام للسياسة المغربية عامة وسياسة التعليم خاصة. سياسة التعليم تلك، التي رغم أن فشلها أصبح حديث البعيد قبل القريب، فواضعوها لم تستفق ضمائرهم ولم يشعروا بأدنى إحساس بالذنب أو التأنيب مما يدل أن المسألة كانت عن سابق إسرار وترصد. وما يؤكد دلك هو إصرارهم على سياستهم المعادية لمصالح العامة، من خلال معارضتهم لعودة تدريس المواد العلمية في المدرسة العمومية باللغة الفرنسية. وهو أمر لا محيد عنه في مجال إصلاح المدرسة العمومية وهم أعلم بدلك من غيرهم فقط يتشبثون بمبدأ "حلال علينا حرام عليهم". وفي هذه النقطة تحضرنا كذلك الضجة التي اختلقوها بعد إدماج بعض أسماء المأكولات المحلية في الكتب المدرسية رغم أن المسألة مشروعة وجاري بها العمل في كل اللغات ولا تضر اللغة في شيء. بل على العكس، فدلك أمر صحي لأنه يفعل أحد المعايير الأساسية للغة الحية وهي الانفتاح والتطور. وبالتالي فكل تلك الاحتجاجات التي ساندت معارضة زعامات الحزبين، أصلها الجهل الدي زرعته تلك الزعامات في الطبقات الشعبية. والمؤسف في هذا الأمر هو اصطفاف فئة من نساء ورجال التعليم في صف غوغائية الزعامات الحزبية المعنية دون أدنى اجتهاد أو بحث في مجال اللغة. وهذا ولوحده، ودون أن نضيف له التهافت للتصويت على حزب العدالة والتنمية، يكفي دليلا على أن المدرسة العمومية قد أثمرت وأتت الأكل الذي انتظره كل من الحزبين المذكورين وهو تكريس الفقر والجهل والحكرة إلى أن كره المغاربة أنفسهم وثقافتهم وأرضهم و" طجو". ومهما كان هول الجرائم التي ارتكبها الزعماء السياسيون وخاصة حزبي "الاستقلال" و"العدالة والتنمية" وكل من يحذو حذوهما من جمعيات وهيئات ومنظمات، فالأمر يبقى مفهوما، لأن داء الجشع والطمع وجور الزعامات السياسية التقليدية، من صنف حزبي "الاستقلال" و "العدالة والتنمية" حاضر عبر التاريخ. لكن ما هو غير مفهوم ويطرح ما لا ينتهي من علامات الاستفهام والتعجب... هو الموقف السلبي للقواعد الشعبية من سياسة زعماء حزبيهما. إنه لا يعقل أن نجد أناسا في زمن الثورة العلمية والإعلامية والحقوقية، سلبيون سلبية العبيد اتجاه أسيادهم في زمن الرق والعبودية أو سلبية أتباع الكنيسة عهد الظلمات. فالعبد كان يعتبر أن استغلاله وجلده من طرف سيده، هو وضع طبيعي وحق لسيده عليه. ونفس الموقف كان لدى أتباع الكنيسة عهد الظلمات الذين كانوا يؤمنون بأن عليهم أن يشقوا ويفنوا من أجل أن تنعم الكنيسة والكهنة وحراس المعبد. دون أن يعقلوا يوما بأن الدين جاء لتحريرهم من العبودية ونشر العدل وحماية إنسانيتهم وكرامتهم. والحرية والعدالة وتسييد القانون هي التي تبنى الشعوب وتسير بها إلى الأمام. ومن أجل الحرية والعدالة الاجتماعية، لا بد من وعي القواعد الشعبية للحد من ديكتاتورية الزعامات وتسلطها. والقواعد الشعبية لحزبي "الاستقلال" و"العدالة والتنمية"، عليها اتخاذ قرارات جريئة ومسؤولة للحد من معاناتها من جور وظلم ونفاق زعاماتها السياسية دلك الجور والنفاق الذي لا يمكن الرد عليه بأقل من الانسحاب والمقاطعة... نعم الانسحاب والمقاطعة. -... تمردوا، انسحبوا...فأنتم لا تشكلون في نظر زعامات حزبيكما سوى سلما نحو الكراسي والسلطة. تلك السلطة التي تخول لهم قطع ارزاقكم وقتل كرامتكم وإنسانيتكم بسياسات اقتصادية واجتماعية وفكرية وثقافية ولغوية تكرس الفوارق الاجتماعية وثقافة التمييز والتهميش في حقكم. ولنا في التعليم شاهدا حيا ودليلا قاطعا. إن زعامات حزبيكما، في الوقت الذي يوجهون أبناءهم لمدارس البعثات الخارجية أو إلى الخارج ليتلقوا مضامين ولغات تضمن لهم الشغل والسلطة والثروة والجاه والانفتاح وبأساليب وتقنيات معاصرة ومريحة، يقذفون بأبنائكم إلى المدرسة العمومية التي جعلوا منها مؤسسة للانحراف والعنف وتفريخ البطالة والتطرف. - انسحبوا... أيها المنتمون لكل من حزبي "الاستقلال" و"العدالة والتنمية". لأنهم هم الأصل في كل معاناتكم وآلامكم. إنهم هم الذين أثقلوا كاهلكم بالضرائب وألهبوا الأسعار وفاقموا الديون الخارجية التي ستقتطع من جنوبكم. إنهم هم الذين أفسدوا القطاعات العمومية بداية بالتعليم ومرورا بالصحة والنقل والسكن ... إنهم هم الذين جمدوا الأجور وأفرغوا الصناديق وقلصوا المعاشات... ناهيك عن سياسة الاقتطاعات التي جعل منها حزب "العدالة والتنمية" أو بالأحرى حزب "لن نسلمكم أخانا" ...موردا لخزينة الدولة التي انهكتها أجور وتقاعد الوزراء والبرلمانيين والريع، دون أن ننسى المحسوبية والزبونية وتملص أصحاب المال والنفوذ من تأدية الضرائب والمساهمة في التنمية الوطنية كما هو الحال في البلدان/الأوطان. إنكم أنتم... من سمحتم لزعامات حزبي "الاستغلال والمتاجرة" المهووسة والمريضة بالشد على أعناقكم وخنق انفاسكم. وأنتم من سمحتم لهم أن يرتكبوا في حقكم من خلال السياسة التعليمية في المغرب وسياسة التعريب، جريمة لا تضاهيها أي من الجرائم التي راكمها الحزبان في تاريخهما السياسي سوى جريمة توقيع وثيقة الاستقلال المبتورة والشنيعة. -انسحبوا... تعززوا وتكرموا... انسحبوا وتشبثوا بحقكم في "جريمة الفرنسة" وحتى "الأنجلزة" لتنقذوا أنفسكم وخاصة مستقبل بناتكم وأبناءكم. وإن تحليتم بشيء من الشجاعة فقوموا بتغيير المواقع مع الزعامات السياسية والنخب المالية... حلوا مكانهم في عالم جريمة "الفرنسة والأنجلزة" ويأخذون مكانكم في المدرسة العمومية والتعريب وابن تيمية و...على أساس أن تلتقوا بهم بعد حوالي جيلين. وأؤكد لكم أنكم ستكونون بألف خير. لكن ما لا أضمنه هو أن تقبل الزعامات السياسية للحزبين المعنيين ومن يدور في فلكها أن تحل مكانكم في المدرسة العمومية وأن تتخذ من العربية لغة لتعلمها وتواصلها. ولكم في قوله عز وجل، "لا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم" أحسن الآيات وأفضل العبر.
#يامنة_كريمي (هاشتاغ)
Yamna_Karimi#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
القضية أكثر من -الدَرَّة- يا تجار المخدرات المقدسة
-
التجنيد وإمكانية القطع مع تنسيء الأنثى
-
تأملات فيما قدم من دفوعات لمنع المساواة في حضرة القاضيات وال
...
-
-يوصيكم- لا تحرم المساواة في الإرث
-
أسباب وخلفيات ظاهرة التحرش الجنسي، وسبل مواجهتها.
-
أي هدية تليق بمقامك سيدتي، في عيدك الأممي؟
-
تاريخ المرأة على مقاس الفكر الأبوي، إلى متى؟
-
التعصيب لا يصح مع وجود الولد ذكرا كان أم أنثى
-
الإعاقة السمعية والبورن آوت Burn-out
-
في التفاعل مع احتجاجات الريف ج 2
-
النموذج رقم 1 للتفاعل الرسمي مع احتجاجات الحسيمة/المغرب
-
الكتب السماوية بين التحريف والحفظ (3)
-
الكتب السماوية بين التحريف والحفظ (2)
-
الكتب السماوية بين التحريف والحفظ
-
حور عين، مقاربات للحد من الشبهات
-
حور عين: التأسيس النظري واتساع الأفق الفكري
-
الاختمار بين الحقيقة والنفاق الجزء 2
-
الاختمار بين الحقيقة والنفاق الجزء 1
-
المجتمع المتدهور وليد -الفقه- المتحجر(2)
-
المجتمع المتدهور وليد -الفقه- المتحجر
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
اللغة والطبقة والانتماء الاجتماعي: رؤية نقديَّة في طروحات با
...
/ علي أسعد وطفة
-
خطوات البحث العلمى
/ د/ سامح سعيد عبد العزيز
-
إصلاح وتطوير وزارة التربية خطوة للارتقاء بمستوى التعليم في ا
...
/ سوسن شاكر مجيد
-
بصدد مسألة مراحل النمو الذهني للطفل
/ مالك ابوعليا
-
التوثيق فى البحث العلمى
/ د/ سامح سعيد عبد العزيز
-
الصعوبات النمطية التعليمية في استيعاب المواد التاريخية والمو
...
/ مالك ابوعليا
-
وسائل دراسة وتشكيل العلاقات الشخصية بين الطلاب
/ مالك ابوعليا
-
مفهوم النشاط التعليمي لأطفال المدارس
/ مالك ابوعليا
-
خصائص المنهجية التقليدية في تشكيل مفهوم الطفل حول العدد
/ مالك ابوعليا
-
مدخل إلى الديدكتيك
/ محمد الفهري
المزيد.....
|