|
دكتاتور تركيا يعيد ممارسة سياسات السلطنة العثمانية البائدة
كاظم حبيب
(Kadhim Habib)
الحوار المتمدن-العدد: 6155 - 2019 / 2 / 24 - 16:39
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
أينما يولي الإنسان وجهه يجد في دول الشرق الأوسط دون استثناء نظماً سياسية دكتاتورية وعلى رأسها دكتاتوراً مطلقاً، إما تحت واجهة دينية إسلامية سياسية وطائفية، وأما تحت واجهة مدنية مشوهة ومزيفة، وإما تحت واجهة عشائرية أو عائلية، بعضها ملكي، وبعضها الآخر جمهوري، ولكنها كلها في الهمِّ شرق، كلها مصابة بداء العداء لمبادئ الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان وحقوق القوميات وحقوق أتباع الديانات والمذاهب، كما أنها أغلبها، إن لم نقل كلها، مصابة بداء مناهضة مصالح الشعب والتنمية الوطنية والفساد، وغالباً ما تتهم المناهضين لسياساتها بالتآمر والتعاون مع الأجنبي على حساب شعوبها، في حين أنها هي المتعاونة مع هذا الأجنبي الإقليمي أم ذاك ومع هذا الأجنبي الدولي أم ذاك، على حساب مصالح شعوبها ومستقبلها. نحن اليوم أمام نظام سياسي تلبس أولاً بلباس الافتزام بمبادئ الحرية والديمقراطية، كما ادعى إمكانية المعايشة والمزاوجة بين الإسلام السياسي والحريات العامة والحياة الديمقراطية وحل المشكلات القومية بالطرق السلمية. وكان الهدف من وراء ذلك تعزيز مواقعه في البلاد وفرض الهيمنة على الدولة بسلطاتها الثلاث وعلى الاقتصاد والمجتمع. وحالما تيقن من قدرته على العودة إلى أصوله الإيديولوجية الإخوانية (إخوان المسلمين) والاستفراد بالدولة والمجتمع والسير على الأسلوب السلفي وممارسة العنف في مواجهة المعارضة حتى أعلن عن سياساته ومواقفه صراحة ودون مواربة. إنها الدولة التركية وإنه الدكتاتور طيب رجب أردوغان. وقد استثمر محاولة الإطاحة به من قبل زميله في الدين والعشرة الطويلة والعمل المشترك فتح الله گولن في 15 تموز/يوليو 2016، (وكان، كما تبين أخيراً، قد وصلته معلومات تفصيلية عن خيوط التحرك ضده واستعد له)، ليشن حملة شعواء لا مثيل لها في المجتمع التركي، حتى في فترة سيادة العسكر على البلاد، فاعتقل عشرات الآلاف من المواطنات والمواطنين من مختلف القوميات ومن المدنيين والعسكريين، ومن مختلف الوزارات والمؤسسات والشركات، بتهمة التآمر على حكومة أردوغان. كما استغل هذه الحادثة ليشن حملة على كل معارضيه من مختلف القوى السياسية التي لا ترتبط بأي صلة بحزب أو جماعة فتح الله گولن، ولاسيما حزب الشعوب الديمقراطي الكردي، إضافة إلى جمهرة كبيرة من المدافعين عن حقوق الإنسان وأولئك الذين شاركوا في احتجاجات ساحة غيزي في العام 2013، كم افتعل معارك جديدة ضد الشعب الكردي ومطالبه العادلة والمشروعة، وشن حرباً عدوانية ضد الأحزاب الكردية المناهضة لسياساته في تركيا. في أكتوبر من عام 2017 قامت الشرطة التركية باعتقال الشخصية الثقافية التركية ورئيس معهد الأناضول الثقافي والناشط في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان واليساري المزاج ورجل الأعمال عثمان كافالا ومعه 16 شخصاً آخر بتهمة التحريض ودعم احتجاجات "غيزي" عام 2013. وبقي هؤلاء في المعتقل دون توجيه تهمة مباشرة وتحديد موعد للمحاكمة طوال 477 يومياً. واليوم ولأول مرة وجه المدعي العام التركي التهمة ضد عثمان كافالا والـ 16 الآخرين بتهمة التعاون مع الخارج للتحريض ضد حكومة أردوغان، والتي تصل عقوبتها إلى السجن المؤبد. وتشير الجريدة البرلينية "برلينر تسايتونگ بتاريخ 22/02/2019 إلى أن التهم الموجهة له وللآخرين يمكن أن تصل عقوبتها إلى مئات السنين. إن التهم، كما اشارت منظمة العفو الدولية، سخيفة ومضحكة، وهي محاولة بائسة للانتقام ممن شاركوا أو ساندوا احتجاجات الشعب التركي في ساحة غيزي عام 2013. إن نداءات كثيرة صدرت عن منظمات دولية وإقليمية تطالب بإطلاق سراح المعتقلين لأنهم لم يرتكبوا جرماً، بل مارسوا حقاً ثابتاً حتى في الدستور التركي الراهن ورغم التغييرات المخلة التي لحقت فيه، حيث يكفل حق الاحتجاج والتظاهر السلمي. إن مكتب معهد الأناضول الثقافي عبر عن فرحه بتحديد موعد المحاكمة، بعد أن حبس ما يقرب من 16 شهراً بعيداً عن الشرعية الدستورية، لكي يتسنى له الدفاع عن نفسه وتأكيد براءته من التهم الفارغة والقرقوشية الموجهة له ولنشطاء الدفاع عن حقوق الإنسان والمجتمع المدني الديمقراطي في تركيا. إن سيف الدكتاتور مسلط على رقاب الناس في تركيا فحتى شهر نوفمبر من عام 2018، بل حتى الآن، قامت الشرطة وتقوم بحملات اعتقالات جديدة واسعة للمئات من العسكريين والمدنيين الترك بتهمة التعاون مع فتح الله گولن. وهي تهمة أصبحت، كما يقال في الأدب السياسي العرابي "قميص عثمان" لاعتقال أي إنسان يريد اعتقاله أردوغان وطغمته الحاكمة. كما إن رئيس حزب الشعب الديمقراطي في تركيا وعشرات من صحبه يقبعون في سجون السلطنة العثمانية الجديدة دون وجه حق وبتهمة تأييد حق الشعب الكردي في الحصول على حقوقه العادلة والمشروعة وفي سبيل الحريات العامة والحياة الديمقراطية في تركيا. أن الإدانة لهذه السياسات غير كاف، بل لا بد للرأي العام العالمي ومنظمات المجتمع المدني والمجتمع الدولي، وكل الذين يؤمنون بالحرية والديمقراطية والعدالة، أن يرفعوا أصواتهم مطالبين بإيقاف التعذيب وانتزاع الاعترافات والمحاكمات القوقوشية، (التي عرفت بها السلطنة العثمانية القديمة)، وأطلاق سراح جميع معتقلي الرأي والعقيدة والنشاط المدني والمدافعين عن حقوق الإنسان في تركيا. إنها ساعة الحقيقة التي يجب مواجهتها بجرأة وتضامن متين مع الشعب التركي وقواه الديمقراطية. إن على الاتحاد الأوروبي أن يوقف مفاوضاته مع تركيا بشأن عضويتها في الاتحاد الأوروبي، لأنها خرقت كل الشروط الأساسية والإنسانية والحقوقية التي تتطلبها عضوية الاتحاد الأوروبي، فهي لم تعد دولة تحترم القانون الدولي والمبادئ الأساسية للائحة حقوق الإنسان الدولية والعهود والمواثيق الدولية بهذا الصدد، كما تمارس الاعتقال الكيفي الطويل ودون تهم أو محاكمات، وتمارس شتى أساليب التعذيب الجسدي والنفسي، وترفض الاعتراف بحقوق القوميات الأخرى وتمارس التدخل في شؤون الدول الأخرى سياسياً وعسكرياً وإعلامياً، كما هو الحال في العراق وسوريا، وسيادة الفساد في الدولة، وهيمنة الحاكم المستبد على السلطات الثلاث ومصادرة استقلالية القضاء التركي، وكذلك إخضاع مجلس النواب لإرادة السلطان الجديد. وكان أعضاء في برلمان الاتحاد الأوروبي قد طالبوا أخيراً بإيقاف المباحثات مع تركيا بهذا الصدد، وهو موقف صحيح وعادل. 24/02/2019
#كاظم_حبيب (هاشتاغ)
Kadhim_Habib#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عرش الدكتاتور السوداني في مهب الريح!
-
أسئلة مباشرة إلى رئيس وزراء العراق
-
السيسي ينصَّب نفسه دكتاتورا مطلقاً على شعب مصر
-
الميليشيات الطائفية المسلحة في الحشد الشعبي، المخاطر المحتمل
...
-
من أجل تضامن شعوب العالم مع انتفاضة شعب السودان
-
هل يمكن لسلطات دولة فاسدة محاربة الفاسدين والمفسدين؟
-
العوامل الكامنة وراء نجاح انقلاب شباط/فبراير 1963 في العراق
...
-
من هم قتلة الروائي والكاتب علاء المشذوب؟
-
ألا يحق للشعب توجيه الاتهام لبوش الأب والابن بارتكاب جرائم ف
...
-
تجربتي الشخصية مع داء سرطان الرئة
-
السودان ونظام البشير الاستبدادي إلى أين، وأين هي قوى المعارض
...
-
البصرة: الشرارة التي ستنطلق منها الانتفاضة ضد الطائفية والفس
...
-
ستبقى آمال الشعب الكردي قائمة رغم معاناته الراهنة
-
اليمن الحزين يبكي على قتلاه ويدين مساهمة تجار الحروب والسلاح
...
-
نادية مراد القدوة المشرفة والنموذج النبيل
-
حصاد الحكم الطائفي الفاسد في العراق
-
نقاشات حول سجون العراق
-
هل شبهة الفساد تسمح بتوزير المشتبه به؟
-
التعامل العقلاني المطلوب في التحالفات السياسية في العراق
-
خلوة صريحة مع النفس والمجتمع: هل عرفنا الديمقراطية وهل عشناه
...
المزيد.....
-
من معرض للأسلحة.. زعيم كوريا الشمالية يوجه انتقادات لأمريكا
...
-
ترامب يعلن بام بوندي مرشحة جديدة لمنصب وزيرة العدل بعد انسحا
...
-
قرار واشنطن بإرسال ألغام إلى أوكرانيا يمثل -تطورا صادما ومدم
...
-
مسؤول لبناني: 47 قتيلا و22 جريحا جراء الغارات إلإسرائيلية عل
...
-
وزيرة خارجية النمسا السابقة تؤكد عجز الولايات المتحدة والغرب
...
-
واشنطن تهدد بفرض عقوبات على المؤسسات المالية الأجنبية المرتب
...
-
مصدر دفاعي كبير يؤيد قرار نتنياهو مهاجمة إسرائيل البرنامج ال
...
-
-استهداف قوات إسرائيلية 10 مرات وقاعدة لأول مرة-..-حزب الله-
...
-
-التايمز-: استخدام صواريخ -ستورم شادو- لضرب العمق الروسي لن
...
-
مصادر عبرية: صلية صاروخية أطلقت من لبنان وسقطت في حيفا
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|