منذ حوالي خمسة آلاف سنة هتف الشاعر السومري الذي لا نعرف اسمه مخاطباً تلك الرقعة الجغرافية الخضراء المنبسطة بين النهرين الخالدين قائلاً: (يا سومر: أيتها الأرض العظيمة بين كل أراضي الكون، أنت التي يغمرك ضوء لا يخبو، يا من تسنين القوانين لكل الشعوب من الشرق والغرب). لكن الأرض العظيمة التي أعطت العالم أول مرة الشرائع والقوانين لم تعد ذلك. إن أساطين النظام الدولي الجديد، وفي المقدمة الولايات المتحدة يجربون على أرضها خرق قواعد القانون الدولي والشرعية الدولية في سعيهم لأن يسودوا العالم، بعد أن أبقوا جرح العراق نازفاً وجردوه من عوامل قوته، وأفقروا شعبه وحملوا الملايين منه على التفرق والشتات في المنافي. في النص الآشوري القديم هددت عشتار حارس البوابة الذي كان يمنعها من دخول العالم السفلي بالويل والثبور.. كان الشاعر الآشوري كمن يقرأ المستقبل حين استخدم مفردات تهديد مرعبة كتلك التي يستخدمها (حراس الخليج الجدد): (يا حارس البوابة، افتح أبوابك ليتسنى لي الدخول، وإن لم تفتح البوابة لتحول دون دخولي، سأحطم الباب، سأكسر الرتاج، سأحطم عضادة الباب، سأرفع الأبواب، سأوقظ الموتى ليلتهموا الأحياء، وعند ذاك سيفوق الموتى الأحياء عدداً). ومع الحرب العدوانية التي شنتها الولايات المتحدة وبريطانيا ضد العراق يحضر هذا النص القديم المدهش في وصف غطرسة إملاء الشروط، وإذلال بلد وشعب وتدمير ما تبقى لديه من عوامل قوة، من أجل مراكمة الخسائر حتى يصار إلى فرض البديل وقد صودرت من أيدينا بقايا القدرة الاحتياطية على مواجهة صورة الشرق الأوسط القادمة كما تريدها الولايات المتحدة وإسرائيل. الذين يشنون العدوان اليوم ضد العراق وشعبه الأبي الذي يدفع منذ اكثر من عقود أثماناً فادحة لأخطاء ارتكبتها قيادته، لا يحسبون بالشكل الكافي إرادة شعب العراق نفسه، الذي سيظل رغم كل ما يواجههه يختزن تلك القوة الكامنة التي عناها بدر شاكر السياب في (أنشودة المطر): أكاد أسمع العراق يدخر الرعود - ويخزن البروق في السهول والجبال - حتى إذا ما فض عنها ختمها الرجال - لم نترك الرياح من ثمود - في الواد من أثر). هل نسمع العراق؟!