انضم مئات الالاف من المحتجين على الحرب الى التظاهرة الحاشدة في الهايد بارك في لندن و التي نظمت من قبل " التحالف لوقف الحرب". في هذا المقال القصير اريد التاكيد على مجموعة نقاط كانت مبعث استفهام الالاف من الحاضرين في التظاهرة.
لقد أثار منظر و عدد المتحدثين من الاسلاميين انتباه عدد غير قليل من المتظاهرين. كانت الخطابات تستهل بالقاء التحية الاسلامية و تعظيم الله، و قراءة ايات من القرآن، و تنهى بالتهليل "الله اكبر"!
كما هو واضح ان الاسلاميين يرفعون شعاراتهم، ينظمون انفسهم، يدعون خطباءهم، يجزلون العطاء و دفع الاموال بكرم، يقومون باعمالهم كأي حزب سياسي يروج لافكاره، و يستفادون من اجواء الحريات السياسية، ليطرحوا اجندتهم و شعاراتهم بصوت واضح و عال.
الا ان السؤال هو لماذا لا تقوم الاحزاب البريطانية التي تطلق على نفسها احزابا عمالية و اشتراكية مثلSocail Worker Party منظم "التحالف من اجل وقف الحرب"، باعمالها ايضا؟ لماذا لا يروجوا لاشتراكيتهم؟ لماذا لا يرفعون شعاراتهم العمالية - ان وجدت- في هذه الحركة المناهضة للحرب، جنبا الى جنب و تمثلا بـ" رفاق الدرب" من الاسلاميين!
بل لماذا يعبدون الطريق اما اكثر التيارات يمينية و رجعية ليس في الشرق الاوسط بل في العالم باجمعه، و يتركون لهم المجال رحبا، ليصولوا ويجولوا في الحركة المناهضة للحرب، ليقرروا من سيتحدث في التظاهرة و اية شعارات سترفع، و اية قرارات ستتخذ، واية خطابات ستلقى؟
هل يعلم الاشتراكيون العماليون في بريطانيا، انهم، و بحني الظهر امام الحركات الاسلامية، انما يقوون و يعضدون اكثر القوى معادية للعمال و الاشتراكية؟ هل يعلمون انهم بتقوية هذه الفرق، انما يقوون الحركات المعادية لتحرر المرأة و المساواة و الحقوق المدنية للبشر؟ هل يعلمون ان الملايين من كابول الى الجزائر و طهران و الخرطوم و حلبجة و نيويورك قد ذاقت الويلات على ايدي هؤلاء الصارخين بشعار " الله اكبر"؟
هل يعلم الاشتراكيون العماليون في اوربا، ان تقوية الاسلام السياسي في اي مكان و في كل بقعة في العالم، سيؤدي الى تقويتهم " امميا"؟ هل يعلمون ماهية رسالة و بلاغ الاسلاميين الى مجتمعاتنا؟ حجاب المرأة و الرجم بالحجارة؟ و تزويج الفتيات في سن التاسعة من العمر؟ و عقوبات قطع الايدي و قطع الارجل، للسارقين، و الاعدام للمثليين الجنسيين, واصدار فتاوى القتل بحق التاركين او المنتقدين للاسلام و التعذيب و الاعدام بحق المعارضين السياسيين؟
هل اشتراكيتهم و عماليتهم الاوربية تدفعهم لمعاضدة وتقوية اكثر القوى معاداة للبشر في الشرق الاوسط و الاقصى؟ انه لسخف حقيقي، ان يشعر هؤلاء و تحت وطأة الخجل من حكوماتـ" هم". انهم مضطرون الى تبرئة ذممهم، بالترديد و دون فهم لما تحمله صرخة "الله اكبر" من بلاغ سياسي و اجتماعي و أقتصادي للمجتمع!
هل يعلمون، ان الحركات العمالية و اليسارية بدأت نهوضها الان في العالم مرة اخرى، مع بزوغ النظام العالمي الجديد المخضب بالدماء* مع انكشاف زيف الديمقراطية، و انتهاء التحميق و زيف الوعود التي وعدتها للبشرية بعد ازالة " خطر الشيوعية" عن العالم؟، هل يعلمون ان الملايين التي نزلت الى شوارع اوربا و امريكا و كندا واستراليا هي القوى الاشتراكية و الاتحادات العمالية المناهضة للرأسمالية و المطالبة بالعدالة و المساواة و الحريات للبشر، القوى التي بدأت تضع دعاة مفاهيم" الديمقراطية" و" حقوق الانسان" امام محاكمات تاريخية؟
هل يعلمون ان الحركة المناهضة للحرب اليوم، اكثر من اي يوم مضى في عالم "ما بعد 11 سبتمبر" و "النظام العالمي الجديد"، و "مشروع القرن الاميركي الجديد" بحاجة الى قطب اشتراكي واضح الافق و الخطاب السياسي، و له برنامج و دليل عمل واضح؟
ان الاسلام السياسي يسعى للاصطياد في امواج هذه الحركة العالمية المتلاطمة، يسعى الى ركوب موجة هذه الاعتراضات بالادعاء بان هذه الحرب تشن ضد الاسلام، الامر الذي لم يطرحه حتى بوش بدعايته الحربية، قائلين انها "حرب الصليبيون ضد المسلمين". انهم يسعون الى توظيف الدين كعامل و محرك في الاحداث. انهم يسعون الى اعادة اعتبارهم بعد احداث سبتمبر، باختطاف الحركة المناهضة للحرب، لتسجيلها بأسمهم و لتجنيدها لصالح حركتهم، كمتحدثين باسم المسلمين.
لقد قلنا في مرات سابقة، ان احد النتائج الخطيرة لحرب امريكا على العراق، هي انها ستنفخ روح الحياة في حركتين تحتضران، القومية العربية و الاسلام السياسي، انهما سيعتاشان لفترة غير قليلة من الزمن على معاداة الاسلام و معاداة العرب، لتجنيد الشباب الساخطين على سياسات امريكا. ان الحركة المناهضة للحرب ليست معركة الاسلام السياسي مع اليمين الاميركي و البريطاني. ان معركة هذين القطبين ظهرت في 11 سبتمبر، و هي تتبادل الفعل ورد الفعل فيما بينها مذاّك.
ان القوى التي نزلت الى ميدان مناهضة الحرب، هي القوى المناهضة للرأسمالية بكل اشكالها و الوانها، القوى المناهضة للعولمة، القوى المناهضة للامبريالية. ان الذي نزل الى الميدان، هي الطبقة العاملة التي لديها قضايا ومعارك جدية مع حكوماتها. ان معركة عمال الاطفاء في بريطانيا، هي معركة الطبقة العاملة مع الرأسمالية الحاكمة، اعلنوا اضراباتهم احتجاج على الحرب، ضد حكومة لا تدفع لهم الزيادات في الاجور، الا انها توقع على صكوك بيضاء لوزارة الدفاع.
ان الحركة المناهضة للحرب، حركة انسانية عظيمة، بطلها و رائدها العامل و الاشتراكي ضد البربرية الاميركية و اطماعها التوسعية للسيطرة على العالم، و ليس حركة قطب سياسي رأسمالي ضد قطب رأسمالي يميني اخر. هذه الحركة ليست حركة جاك شيراك ضد توني بلير و جورج بوش، بل حركة الملايين في فرنسا ضد الحرب، ليست حركة شرودر في المانيا، بل حركة الجماهير المليونية في المانيا التي تقول لا للحرب وافق شيراك او رفض، وافق شرودر او رفض، كما في بريطانيا، قالو لا للحرب ، رغم انف توني بلير، وجارلس كيندي* و كلير شورت*، ان الحركة المناهضة للحرب، لا تمثل حركة الاسلام السياسي ضد سياسات امريكا، فالاسلام السياسي، قطب سياسي يتعقب اهدافه و مصالح طبقته الرأسمالية السياسية، مثل شيراك المناهض للحرب، ليس لانه يهيم حبا بذوي العيون السود في العراق، بل تعقبا و تحقيقا لمصالح طبقته.
ان من فتح الابواب واسعا، و انحنى لدخولهم، انما هي الاحزاب التي تضع خطأ على ابواب مقراتها اسماء عمالية و اخرى اشتراكية. في مقالي هذا اطالب الحزب الاشتراكي العمالي في بريطانيا بتغيير اسمه منعا للالتباس، ومنعا للاصابة بالغثيان و القرف من مواقف اشتراكية عمالية، تصب قلبا و قالبا في مصلحة الرأسمالية و الرجعية و اليمينية، فعليهم ان يتنحوا جانبا.
ان ادعاءاتهم بانهم لا يريدوا منع اي صوت مناهض للحرب، خال من الحقيقة، يجب ان نعرف من يقف ضد الحرب و لماذا، صدام يقف ضد الحرب، و اسامة بن لادن يقف ضد الحرب، و بوتين يقف ضد الحرب، علينا في قيادة الحركة المناهضة للحرب، ان نتفحص اسنان الجميع. فالذي يخبأ في جيب معطفه، اجندته، علينا ان نخرجها و نقرأها جيداً، و ان نقرر موقفنا بصددها. فالملايين كانت ستتظاهر في الشوارع مناهضة للحرب، شاء الطرف الفلاني ام ابى، انها حركة الجماهير، وردها بوجه حكامها.
و بالقدر الذي يسعى الاسلاميون في اوربا الى ركوب الحركات المناهضة للحرب، كما يجري في بريطانيا، بنفس الشكل يسعون مع القوميين الى محاولة السيطرة على الحركة، و ابعاد القوى اليسارية منها في الشرق الاوسط و الاقصى كما جرى في الباكستان قبل اسبوعين، حيث انهالوا بالضرب على المنظمات الشبابية الطلابية اليسارية، في محاولة لاخراجهم من الميدان.
ناهيك عن المحاولة البائسة التي تعرضت لها في 15 فبراير بالتهديد بانزالي من المنصة اذا ما ذكرت الحركات الاسلامية الارهابية في حديثي في مدينة بيرن السويسرية. انها حركة تريد ان ترفع رأسها لقمع اليسار في بلداننا، هذا الدرس الذي يجب ان يدركه تماما اعضاء التحالف ضد الحرب في كل اوربا.
ان الاشتراكية و العمالية لديها طبقتها و حزبها و الناطقين باسمها، التي رفعت مرة اخرى صور كارل ماركس في قلب التظاهرات المناهضة للحرب في الهايد البارك، حيث كانت الناس تحيي عودته بالوقوف الى جانب صورته، و التقاط صور تذكارية.
ان الشيوعية العمالية هي البديل.
23-3-2003
• عنوان مقالة لمنصور حكمت كتبت في عام 1991 تحت نفس العنوان.
• جارلس كيندي زعيم الحزب الديمقراطي الليبرالي، كان يتصدرتظاهرة 15 فبراير ضد الحرب، الا انه صوت للحرب في انتخابات البرلمان الثانية.
• كلير شورت، وزيرة التنمية البريطانية، هددت بتقديم استقالتها من حكومة بلير، اذا لم يكن هنالك تفويض من الامم المتحدة بشن الحرب، عدلت عن موقفها، تغيبت عن التصويت الاخير في البرلمان، و ساندت بلير في الحرب.