أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عبدالجبار الرفاعي - التطورُ سُنّةٌ شاملةٌ عند الخولي















المزيد.....

التطورُ سُنّةٌ شاملةٌ عند الخولي


عبدالجبار الرفاعي

الحوار المتمدن-العدد: 6152 - 2019 / 2 / 21 - 20:27
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


لا يتردّد الشيخ أمين الخولي في القول بأن "تطور العقائد ممكن، وهو اليوم واجب لحاجة الحياة إليه، وحاجة الدين إلى تقريره، حماية للتدين، وإثباتاً لصلاحيته للبقاء، واستطاعة مواءمة الحياة، مواءمة لا يتنافر فيها الايمان مع نظر ولا عمل". وفي السياق نفسه يدعو الخولي إلى رؤية جديدة في التعاطي مع الغيبيات، والتحرر من نسبة كل شيء إلى اليها، والاستغراق في تفاصيل عوالمها، لأن تكوين الأجيال الجديدة لا يهضم عقله العلمي هذا اللون من الكلام. وفي موقف لافت يشير إلى أن القصص الواردة في النصوص الدينية تتحدث بلغة التمثيل وليس لغة التاريخ، إذ يكتب: "ما ينبغى أن تظل تلك الصور الساذجة من الحديث عن غيبيات لم يأمر الدين بشيء من التفصيل لها، وإطالة الحديث عنها، ولا أن نستمع إلى صنوف من القصص الذى هو تمثيل لمعان، وتقريب لحقائق لا تاريخاً ولا تسجيلاً، لأن ما فيه من الحديث المفصل يصدم حس هذه الأجيال، ويناوئ تكوينها العقلى بعلميته، وتكوينها الفنى بدقته، كأن تقول لهم إن التصوير حرام، وإن أشد الناس عقابًا يوم القيامة المصورون، فى حين تحتاج أنت إلى الاستفادة من التصوير ومجالاته الفنية فى الإيضاح الدينى اعتقاديًا وعمليًا، وهذا مثل قريب لوجوب تطور العقائد فى عرضها فى جوهرها وصميمها".
يشدّد الخولي على رفض أيّة قراءة لا تاريخية للتراث، وينظر إلى التراث بوصفه محكوما بعوامل وظروف خاصة مولّدة له، تتناسب مع ضرورات ومشروطيات زمانية مكانية تفرضها كلُّ حقبة تاريخية، وعلى هذا فهو يتغيّر ويتطوّر مستجيبا لما تمليه عليه تلك المشروطياتُ والضرورات.
ويحيل الخولي الخلافَ بين المتكلمين، وتغيّرَ الأقوال وتنوّعَها في مسائل: "الذات والصفات، والكلام الإلهي، والقضاء والقدر، والجبر والاختيار.. وغير ذلك"، إلى التغيّر في البيئات والزمان والمكان، والتغيّر هو التطور، تبعاً لمفهومه.
وهو بذلك يتخطّى الدعوةَ لفتح باب الاجتهاد في الفقه، ويصرّ على ضرورة شمول الاجتهاد لكلِّ علوم ومعارف الدين. وتشديدُه على أن "تطورَ العقائد واجبٌ" يؤشر بوضوح الى أنه قد تجاوز ما كان عليه سلفُه وأقرانُه من دعاة الإصلاح في الأزهر.
ودعوتُه هذه من الدعوات المبكرة في دنيا الإسلام لبناء "علم كلام جديد"، على وفق التسمية المتداوَلة اليوم، ذلك أن علمَ الكلام الجديد ما هو إلا ضربٌ من الاجتهاد في تفسيرِ وتسويغِ الاعتقاد، طبقاً لما يتطلّبه كلُّ عصر، بنحو تتسع فيه وظيفةُ علم الكلام لتتجاوزَ حمايةَ إيمان الناس، الى صيانتةِ من التوحّش والتشدّد والتحجّر.
وكأن الشيخَ الخولي هنا يستعير مفهومَ "التاريخية" من الفلسفة والعلوم الإنسانية الحديثة، ليطبّقه على مجالات التراث المتنوّعة. إذ يحيل مفهومُ "التاريخية" إلى أن أفكارَ كلِّ بيئة تشبهها، ففي البيئة الخصبة عقلياً تزدهر الأفكارُ العميقةُ الغنية ُالمركّبة، وفي البيئة الفقيرة عقلياً تتفشّى الأفكارُ المبسّطة الفقيرة الهشّة. وتظلّ الأفكارُ على الدوام متماثلةً مع بيئتها، معاصرةً لها، ومشتقّةً منها. في ضوء هذا الفهم لا يمكن امتدادُ الأفكار خارج سياقاتها الزمانية والمكانية الخاصة، وتأبيدُها للعصور كافة، على اختلاف أنماط الحياة، وتغيّر الزمان والمكان والبيئة.
وهو في كلّ ذلك يصرّ على ضرورة دراسة التراث والتبصّر بمسالكه المتنوعة، بل يعتقد أن "أول التجديد قتل القديم فهماً". وكأنه يلمح بعبارته الى أولئك المراهقين ممن لا يكفون عن التبسيط، فيلبثون عند السطح في فهمهم للتراث، ولا يدركون مدياتِه المتشعبة، ولا يرون شراكَه المتشابكة، فيظنون أن التجديدَ يتحقّق فور نسيان القديم وتجاهله، بلا دراسةٍ ودرايةٍ بمجالاته ومشاغله ومقولاته. مثلما يشير إلى أولئك الذين يعكفون على حراسةِ التراث وتقديسِه، فينبّه إلى أنه مالم تتحوّل وظيفتُنا حيال التراث، من حارس للتراث إلى دارس، فلا يمكننا الخروجُ من أنفاق الماضي، وأن نكون معاصرين لزماننا.
لعل اختيارَ الخولي لكلمة "قتل" تشي بأننا واقعون في شراك القديم شئنا أم أبينا، وتلك الشراكُ لا تفتأ تتراكم باستمرار، فتحيطنا من كلّ جانب، ولا سبيل للإفلات منها من دون أن تتمّ غربلتها. ومعنى القتل هنا ليس التدمير والإبادة، إنما هو تبصّر "العناصر القاتلة" في التراث، كي نتغلّب على تسميمها لحياتنا، وننجو من فتكها بنا. القتلُ هنا كنايةٌ عن الوعي الدقيق بمدارات القديم، واستكشافِ خرائطه، وتغلغلِ أسئلته ومفاهيمه في عصرنا، وتعطيلِ عناصره المحنِّطة لحركتنا، وشلِّها لقدرتنا على النهوض وإدارة الحاضر واستبصار المستقبل. وبوضوح لا لبس فيه يفصح الخولي في موضع آخر عن مفهومه للتجديد، وأنه ليس بمعنى اجتثاث واستئصال القديم بأسره، إذ يفسّره على أنه: "اهتداء إلى جديد كان بعد أن لم يكن، سواء أكان الاهتداء إلى هذا الجديد بطريق الأخذ من قديم كان موجودًا، أم بطريق الاجتهاد في استخراج هذا الجديد بعد أن لم يكن". إنه لا يدعو لإهدار القديم والتفريط به، بل يريد:
أولاً: تحيين ما هو قديم ببعث روح جديدة فيه، بعد أن تحجّر مما تراكم عليه من الماضي، وغرقِه في سوء الفهم والأسئلة المبسّطة والأحكام السابقة.
ثانياً: الاجتهاد، بمعنى ابتكار وإبداع " الجديد بعد أن لم يكن". وهذا ما يمتاز به هو عن جماعة من المصلحين في عصره، ممن ذهبوا إلى أن كلَّ جديد إنما هو استئنافٌ وإعادةُ إحياء للقديم، بخلع غطاء جديد على مضمون قديم، وتقديم القديم بأوعية جديدة، بوصف التراث مستودعاً يستوعب كلَّ ما ننشده في كلّ زمان ومكان، على وفق ما شاع وذاع من قول: "ما ترك الأول للآخر شيئاً".
ثالثاً: استيعاب وشمولّ التطوّر بوصفه "سنة شاملة في: الأصول والعقائد والعبادات والمعاملات". وهي دعوةٌ تتخطّى أيضاً ما يدعو له الكثيرُ من الإصلاحيين، ليس فقط لأنها تستوعب العقائدَ بموازاة الفقه، بل لأنها لا تتوقف عند المعاملات خاصة في الفقه، التي شاع القول بأنها "إمضائية"، وإنما تشمل كذلك العبادات. وهو قول ربما ينفرد به الشيخُ الخولي، ذلك أن المعروفَ أن أحكامَ العبادات توقيفية، لا تتغيّر أو تتبدّل أو تتطوّر. لكن مع ذلك دعا الخولي إلى إعادة النظر في المؤلفات الفقهية والكلامية، وضرورة الإصغاء لصوت الواقع المتغير، والتحدث إليه باللغة التي يفهمها، لأن الواقع في تحوّل متواصل، والبشر تستجد في حياتهم أمورٌ لا تعرفها مدونةُ الفقه، وذلك ما أشار إليه بقوله: "إن الناس تحدث لهم باختلاف الزمان أمور ووقائع لم يرد لها ذكر فى كتب الفقه القديمة، فهل نوقف سير العالم لأجل كتبهم؟ إن هذا لا يُستطاع، إنه جمود وموات يجعل العوام ينصرفون عن دينهم الذى لا يجارى وقائع حياتهم". وفي نقاشه مع شيخ الأزهررفض الشيخُ الخولي انحصارَ التطوّر ببعض أحكام العبادات، فذهب إلى أن "التغير والتطور سنّة شاملة في الأصول: العقائد والعبادات والمعاملات، وفي هاتين الأخيرتين شريعة الإسلام هي انتخاب ما نراه أيسر عملًا وأصلح للبقاء".
لذلك نراه لا يتردد في الدعوة لتطوير أحكام العبادات بما يتناغم مع متغيرات الواقع، فيثير مسائل تتصل بتيسير أداء الصلاة عبر الافادة من الوسائل الحديثة، إذ يقول: "وماذا يكون الرأى فى حكم الاقتداء بالأجهزة المتطورة التى تُذاع بها الصلوات الجامعة من جمعة وعيد، وفيها واسطة حاضرة مشهودة كالتليفزيون، يرى فيه المُصلى من حال الإمام وحركاته ويسمع من صوته، ووعظه ما لا يستطيع أن يراه إلا بكل صعوبة فى مسجد حيَّه الصغير أو الكبير المزدحم". وأحكام المعاملات عند الشيخ الخولي تدور مدار المصلحة، ذلك أن: "الأمر فى المعاملات على كل حال ليس إلا أمر مصلحة واقعة حيث وجدت فثم حكم الله كما يقولون بصريح اللفظ، وتطور عرض العقائد والعبادات والمعاملات يهدف إلى أن لا يبدو الجو الدينى فى صور منعزلة عن الحياة".

وعلى الرغم من أن الخولي لم يشرح لنا بالشكل الكافي مبررات موقفه، والمنهج الذي تبتني عليه دعوته هذه، وربما لم يسعفه العمر لبيان تطبيقاتها في مختلف أبواب العبادات، لكن تظلّ الدعوةُ لتطوّر العبادات غريبةً على تفكير المصلحين وقتئذٍ. ولا أظنه يعني أكثرَ من فتاوى تيسير وتسهيل أداء الفرائض العبادية، وتوسيعِ مفهوم "نفي العسر والحرج" واللجوء لمصاديق "العناوين الثانوية"، ليستوعب حالاتٍ ومواقفَ لم تكن تُصنف من مصاديق العسر والحرج أو العناوين الثانوية لدى الفقهاء قبل ذلك.
والخبير بأصول الفقه وقواعد الاستنباط يعرف أن مثل هذا الدعوات تظل أقرب للشعارات العامة، مالم تتوغل في البنية التحتية العميقة للاستنباط الفقهي، وتعيد بناء ما ترتكز عليه، من أصول للفقه وقواعد لاستنباط الأحكام الفقهية، بنحو يسمح ببناء أصول وقواعد جديدة تمنح المستنبط امكانية انتاج فتاوى بديلة تواكب ايقاع حياة المسلم المتغيرة بتغير الزمان والمكان.



#عبدالجبار_الرفاعي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أمين الخولي وفكرة التطور
- دعوة الشيخ أمين الخولي للتجديد
- الديمقراطيةُ ليستْ محايدةً
- التباس مفهوم مدنية الدولة
- الدين والاغتراب الميتافيزيقي مقدمة الطبعة الثانية
- دين الدولة
- ولادةُ الدولةِ في الفكرِ السياسي الحديث
- الدولةُ ظاهرةٌ أنتجها الإنسانُ
- لا يمكن استئناف تراث المتصوّفة كما هو في عالمنا اليوم
- محيي الدين بن عربي من عنف الأسماء إلى نفس الرحمن -1
- الفلسلفةُ لا عقيدةَ لها
- واقع الدرس الفلسفي في العراق
- السلمُ وليس الحربُ هو الهدفُ المحوري للقرآن
- إحياء علوم الدنيا يتكفل بإحياء علوم الدين
- الرحمةُ مفتاحُ فهمِ المنطق الداخلي للقرآن
- الرحمةُ ليست بديلًا عن العدالةِ
- سعةُ الرحمةِ الإلهية
- من آثار التديّن الشكلي
- المدياتُ التي ينجزُ فيها الدينُ وعودَه
- كتاب الدين والنزعة الإنسانية


المزيد.....




- عمال أجانب من مختلف دول العالم شاركوا في إعادة بناء كاتدرائي ...
- مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى بحماية شرطة الاحتلال الإسرائي ...
- أجراس كاتدرائية نوتردام بباريس ستقرع من جديد بحضور نحو 60 زع ...
- الأوقاف الفلسطينية: الاحتلال الإسرائيلي اقتحم المسجد الأقصى ...
- الاحتلال اقتحم الأقصى 20 مرة ومنع رفع الأذان في -الإبراهيمي- ...
- استطلاع رأي إسرائيلي: 32% من الشباب اليهود في الخارج متعاطفو ...
- في أولى رحلاته الدولية.. ترامب في باريس السبت للمشاركة في حف ...
- ترامب يعلن حضوره حفل افتتاح كاتدرائية نوتردام -الرائعة والتا ...
- فرح اولادك مع طيور الجنة.. استقبل تردد قناة طيور الجنة بيبي ...
- استطلاع: ثلث شباب اليهود بالخارج يتعاطفون مع حماس


المزيد.....

- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عبدالجبار الرفاعي - التطورُ سُنّةٌ شاملةٌ عند الخولي