- السويد*
ما أكثر اللقاءات والمقابلات التي تجري في الفضائيات العربية والكردية والأجنبية عن العراق، والهجوم على صدام حسين أو الدفاع عنه. وما أشد أصوات الإستنكار ضد حملات التصفية التي نفذها نظام صدام حسين بحق الشعب العراقي كله، وما أعنف الدعوات التي تدعو لإزاحته، باعتباره أحد أكبر المجرمين الذين عرفهم التاريخ المعاصر في العراق بعد الحرب العالمية الثانية. تقابل هذه الأصوات دعوة بعض القوميين المتطرفين العرب بالدفاع عنه بإعتباره قومي عربي يدعو إلى "الوحدة العربية". كما أنه في منظور بعض المتحزبين الإسلامويين صاحب جبة وعمامة (كاذبة)، نجح أن يخادع بها المسلمين المغفلين، ويتاجر بعواطف البسطاء السذج بديماجوجية متناهية، وكأنه حمل وديع، فيعارضون إزاحته من السلطة. كل هؤلاء الذين يدافعون عن الشر من خلاله، إنما يدافعون عن مصالحهم على حساب الشعب العراقي الذي لاقى المآسي والويلات من سياساته الظالمة التي تجاوزت حدود التفكير الإنساني النبيل.
المشكلة الكبيرة هي أن الذين يدافعون عن صدام لا يميزون بين معاداتهم للحرب على العراق، وشعب العراق الفقير البائس، وبين بقاء الطاغوت على السلطة. وهي نفس الإشكالية التي يقع فيها المؤيدون لإسقاطه بأي ثمن كان، بالحرب على العراق وقتل مليون عراقي. فكلا الطرفين لا يفكران بالعواقب التي تكمن وراء بقاء صدام حسين لسلخ شعب العراق، أو الحرب على العراق وقتل مليون نفس. لكن الهدف في كل الأحوال كما يُقال: "عراق ديمقراطي فدرالي تعددي برلماني". يتم تحت مظلته الأهداف التالية:
- إسقاط نظام صدام حسين والقتلة الذين تجمعوا حوله.
- الحاكم الفعلي هو حاكم عسكري أمريكي على العراق في الفترة الإنتقالية.
- تأمين النفط والسيطرة على منابعه.
- الإعتراف بإسرائيل، وإزاحة ياسر عرفات من على رأس السلطة الفلسطينية.
- تحقيق السلام مع إسرائيل.
- ضرب حزب الله في جنوب لبنان وتأديب سوريا.
- تغيير خارطة الشرق الأوسط بشكل يضمن المصالح الدولية في المنطقة.
- تحديد المد القومي العربي وإيقاف المد الإسلامي المتطرف.
- تحطيم الأمن القومي العربي.
- جعل الورقة الكردية بين خيارات السياسة الأمريكية وقوة الدعوات التركية، العربية، الإسلامية، الأوربية والإسرائيلية.
- التوازن في المنطقة وأهمية الدور الكردي في تحقيق السلام أو إستمرارية الصراع.
من الطبيعي جدا أن تكون هناك أطراف رابحة وأطراف خاسرة في المنطقة، لكن في كل الأحوال فإن الربح والخسارة ستكونان في ميزان الولايات المتحدة الأمريكية بدعم مسبق من صدام حسين نفسه سواء بقي في السلطة أو أُزيح عنها. فصدام حسين هو أكبر سمسار أمريكي صهيوني باع العراق كله، وباع العرب كلهم، وقتل من العرب والكرد والأقليات أكثر بكثير مما فعله كل أعدائهم خارج العراق منذ توليه السلطة. وصدام حسين كان ولا زال يحمل مفتاح جميع القواعد الأمريكية في المنطقة، وفتحها بجرائمه وخَلقه الأحقاد، وإجبار الكرد والعرب والأقليات بالتعاون مع الأجنبي. وكان لابد للولايات المتحدة أن تجد مصلحتها في الأغلبية فتخلت عن صدام طبقا للمقولة السياسية المشهورة "لا صداقة دائمة، ولا عداوة دائمة، إنما مصلحد دائمة". فالألوان تمحو، والآيديولوجيات تختفي في مواجهة المصلحة الدائمة. لكن ما لايمكن نسيانها هي الجروح العميقة التي تركها ويتركها صدام حسين. ولن تلتئم هذه الجروح إلاّ بإسقاطه، في عيد إنتصار الشعب. إنه بالنسبة لكل المظلومين في الإنسانية نصر على قوى الشر. أما أمريكا فستخرج كما خرجت بريطانيا العظمى قبلها.
الهدف السامي بالنسبة للشعب العراقي بعربه وكرده واقلياته هو ضرورة إسقاط نظام صدام حسين وإنهاء وجوده، والعمل على تحقيق الديمقراطية والحرية لشعب العراق وبشكل يتحقق الإستراتيجية المحددة في عراق ديمقراطي فدرالي تعددي برلماني كما إتفقت عليها الأحزاب العراقية المعارضة في مؤتمر المعارضة العراقية بلندن في شهر ديسمبر من العام الماضي. التغيير لابد ان يكون شاملا، ولا بد أن يكون بعيدا عن عقلية صدام حسين الدكتاتورية، وضرورة العمل على محو آثار تلك السياسات الإستبدادية بحق الشعب العراقي والإنسانية.
كثيرون يسيؤون مغزى المظاهرات التي عمت المدن الأوربية ضد الحرب. فالحديث عن هذه المظاهرات الأوربية، وعن المظاهرات العربية الخجولة لها دلالات متباينة.
المظاهرات الأوربية هي مظاهرات للدفاع عن المصالح الأوربية بضرورة مشاركة أوربا في صياغة نظام العلاقات الدولية، ومنع أمريكا في التفرد بحكم العالم والسيطرة على منابع النفط في الشرق الأوسط. إضافة إلى أن الأوربيين يمينا ويسارا، وبكل طوائفهم السياسية والدينية يدافعون عن "السلام" وليس عن صدام. لأن الدفاع عن السلام يعني المشاركة الأوربية في صنع "السلام" إلى جانب الولايات المتحدة الأمريكية لتقسيم الكعكة الطيبة.
أما المظاهرات العربية والإسلامية، فهي في الأصل مظاهرات ضد أمريكا والهيمنة الأمريكية، والتضامن مع عدوان صدام حسين بحق الشعب العراقي، وهي ليست منظمة من أجل السلام. إنها أيضا مظاهرات ضد الأنظمة العربية التي لها عقد قران مع الإدارة الأمريكية.
أما صدام حسين فلم يميز بين هذه المظاهرات، أوربية كانت أو عربية إسلامية، ولسان حاله يقول بأنها مظاهرات تأييد للنظام العراقي، ودعم لسياساته العنصرية البغيضة، وممارساته الإرهابية اللاإنسانية بقتل أبناء الشعب العراقي الأبي، من أجل بقاءه على السلطة، وأن أمريكا معزولة. وكل هذه "الترهات" خداع وتضليل لا يسمعها العقلاء.
وقد وقع بعض الكتاب وأشباه الكتاب في نفس المغالطة أو أنهم يغنون نفس أغنية صدام بنهاية جورج بوش الإبن، من أجل خداع الجماهير العربية والإسلامية بالإلتفاف حول صدام وإطالة أيام حياته. النتيجة النهائية هي عجز العقلية العربية في تحديد الطريق، فكيف تستطيع هذه العقلية أن تسلك الطريق؟
نتمنى أن ينشط العقل العربي ويتفاعل مع الأحداث، وينجح في تنحية صدام حسين وجلاوزته من السلطة وإقناعه بالذهاب إلى المنفى الأبدي، وإنقاذ العراق وشعب العراق من الحرب. فنجاح العقل العربي في ذلك هو نجاح الإرادة الحرة في التغيير من أجل الديمقراطية والحرية بالطرق السلمية، وحينئذ تشعر المعارضة أيضا بالقوة في التعاطي مع الحدث، وإعطاء المكانة الدولية اللائقة للعراق الديمقراطي بعد صدام. وفشل العقل العربي في إقناع دكتاتور العراق بالتنحي من السلطة يعني سقوط العرب في مزبلة التاريخ. وعلى أي حال فنهاية صدام حسين قريبة جدا، وسيحتفل الشعب العراقي العظيم بالنصر في شوارع بغداد وأربيل والسليمانية والبصرة ونينوى ودهوك والنجف وكربلاء وكل مدن وقرى العراق وكردستان, وسيرفع أبناء العراق وكل الشرفاء في العالم رايات الحرية مع إطلالة يوم الحرية. فإلى ذلك اليوم تلتقي القلوب، وتغني الافئدة أغنية النصر. إليك ياعراقي محبة الملايين من المشردين والأمهات الثكالى اللاتي فقدن أعزاءهن في عراق الخيرات التي حجبت نعمتها عن الفقراء والمساكين. الجميع ينتظر موت الطاغوت، لترجع البسمة إلى القلوب قبل الشفاء. فإلى اللقاء في شارع أبي نواس على ساحل نهر دجلة الخالد، وإلى اللقاء في أربيل الحرة لتُنسى الأحقاد والثارات، وإلى اللقاء في الكوفة حيث مرقد الإمام علي كرم الله وجهه، ولتعم الخيرات على الجميع إنشاء الله، وليذهب الأعداء إلى الجحيم، ويبارك الله تعالى الثوار في عراق المجد والعطاء.
* باحث عراقي مستقل