|
القوة الغاشمة ومحاربة التطرف
محمد زكريا توفيق
الحوار المتمدن-العدد: 6152 - 2019 / 2 / 21 - 10:09
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
بقلم محمد زكريا توفيق
هل القوة الغاشمة تكفي لمحاربة التطرف وجماعات التكفير التي تنتشر في بلادنا اليوم؟ بالطبع لا. لأنه لا يكفي نزح الماء قبل أن نقفل الصنبور.
الماء هنا يمثل جماعات التكفير والمتطرفين، والصنبور يمثل الفكر الفاسد العفن، الذي يجعل الإنسان العادي مستعدا لتفجير نفسه وتدمير وطنه وقتل الأبرياء بدون ذنب أو جريرة. كلما قضيت على مجموعة منهم، ساهم الفكر المنحط في خلق جماعات أحط وأشرس.
مقاومة الإرهاب بالشرطة والقمع وحدهما، تجعل الإرهاب يتكاثر ويزداد عنفا. هذه معركة خاسرة، النصر فيها للتطرف والفكر الإرهابي بدون شك. هذا ما يقوله العلم والفطرة السليمة.
إننا لن نستطيع بالقوة وحدها القضاء على التطرف والفكر التكفيري. قد نستطيع اخفاءه من السطح، ولكنه سيظل ينمو ويترعرع تحت الأرض إلى أن تحين الفرصة ثانية لكي يظهر أكثر شراسة وعنفا. القوة وحدها في مقاومة التطرف، هي وصفة أكيدة للفشل والإخفاق.
إذن ما العمل؟ وهل من الممكن إيجاد حل لهذه الورطة؟ نعم هناك حل.
عندما أراد محمد علي باشا النهوض بمصر، أرسل البعثات إلى أوروبا. فقام أعضاء هذه البعثات، ومنهم الأزهري رفاعة الطهطاوي، بقلب المجتمع المصري رأسا على عقب.
هذه البعثات، لم تكن تبغي شهادات علمية أو ثروة، وإنما كانت متعطشة للمعرفة والحضارة. عادت لتحول مصر من ولاية عثمانية تعيش في غيابات العصور المظلمة، إلى دولة حديثة سبقت دولا أوروبية كثيرة. هذا هو تأثير الفكر المستنير على الشعوب.
ماذا نفعل لمحاربة هذا الفكر الظلامي الكارثي الإجرامي؟ وكيف نحاربه؟ المثل يقول لا يفل الحديد إلا الحديد. وأيضا، لا يفل الفكر العفن إلا الفكر المستنير.
• هذا ما يجب أن نفعله، ولا مندوحة عن ذلك:
تنقية كتب التراث، المتاحة للعامة والطلبة، من الخرافات والإجرام والخزعبلات والأساطير والإسرائيليات التي تطفح بها. الأصول توضع في المتاحف والجامعات، ويقتصر الاطلاع عليها على الدارسين دراسات عليا والمتخصصين فقط. الثعبان الأقرع، يجب أن يختفي من كتبنا قبل أن تختفي داعش من حياتنا.
إعادة كتابة السيرة النبوية والتاريخ الاسلامي على حقيقته بصدق وأمانة، وإعادة شرحهما وشرح المسكوت عنه فيهما. حتى لا نؤله البشر ونسمم أفكار الناس ونحولهم إلى عبدة أصنام من نوع جديد.
وحتى لا يتأثر صغار السن والبسطاء وأنصاف المتعلمين بأحداث التاريخ المزور بدون فهم، ويتخذونه مبررا لأعمال العنف والقتل والخروج على القانون. الصحابة لم يكونوا أبدا ملائكة، والتاريخ الإسلامي لم يكن كله نور وفخار.
يجب تدريس أعمال أرسطو والمسرح الإغريقي وقصص أيسوب في مدارسنا للطلبة، حتى نعودهم منذ نعومة أظافرهم على التفكير العقلاني والحياة الراقية واحترام الإنسان والطبيعة والفنون والآداب.
وأن نزرع فيهم حب الوطن والشجاعة وحب العدل والصدق والقيم النبيلة الإنسانية. الأخلاقيات المبنية على الفهم والعقل، أكثر ثباتا واستقرارا وعدلا، من الأخلاقيات المبنية على الثواب والعقاب والجنة والنار والمصالح والأغراض، والتي تجيز الكذب والنفاق والرياء والقتل والذبح والنهب لنصرة العقيدة والرب المعبود.
يجب تدريس فكر الأنوار، فولتير، جان جاك روسو، منتيسكو، كوندورسيه، تومس بين، ديدرو، إلخ. للطلبة حتى نربيهم على الانتماء وحب الحياة والحرية والمساواة والصدق والأمانة واستقلال الفكر وحرية الرأي والديموقراطية والتقشف والعمل الجماعي والإيثار.
يجب تدريس الموسيقى الكلاسيكية الغربية إلى جانب الموسيقى العربية الأصيلة، ومسرح شكسبير وروائع الأدب العالمي للطلبة منذ نعومة أظافرهم، حتى ينمو شعورهم ويرقى احساسهم وتهدأ انفعالاتهم وتسمو نفوسهم. الموسيقى خير علاج لنزعة الإجرام المتأصلة في النفوس المريضة.
يجب أن لا نغفل واجب ودور الأحزاب ووزارة التربية والتعليم والمساجد في محاربة الفكر التكفيري المظلم، وتبيان مثالبه وخطره على المجتمعات. كما يجب تطهير كل الوزارات والمؤسسات والمدارس والجامعات من هذا الفكر الظلامي التكفيري الإرهابي.
إلغاء كل الأحزاب الدينية بدون استثناء وفقا لما نص عليه الدستور. هذا هو المنطق والعدل. هذه أمور لا تصلح معها الحلول الوسط والمهادنة. الدين بكل بساطة، لا يجب أن يستخدم كسلاح في أيدي القتلة وعتاة الإجرام والنفوس المريضة، للقتل والسبي والانتقام.
ولفرض تميز فئة، باللحية والجلباب والنقاب واللباس المخصوص، عن باقي فئات المجتمع. الدين علاقة روحانية وأسلوب حياة بينك وبين الخالق. بمحض اختيارك، أنت مسؤل عنها وحدك.
يجب إلغاء مدارس الأزهر الدينية، التي يبلغ عدد تلاميذها 2 مليون تلميذ أزهري، وتحويلها إلى مدارس مدنية وجامعة مدنية، يدرس فيها الدين في أقسام كليات الآداب بجانب الفلسفة والأديان المقارنة. الدين لا يجب أن يدرس في المدارس الحكومية، وعلى أيدي الإخوان والسلفيين وبتوع داعش.
هذه خطوات يجب أن تتخذ إلى جانب الحل الأمني. الحل الأمني وحده لا يكفي. خطره أشد من فائدته. الحل الأمني وحده، يجعل التطرف أكثر شراسة. هذا ما تقوله نظريات التطور. وهذا ما يقوله العلم والعقل.
الحل الأمني المرافق لهذه الإجراءات، لا يجب أن يستخدام القوة الغاشمة، بل القوة القادرة الذكية الواعية، بقدر ما يسمح به القانون والدستور والضمير والأعراف الدولية.
كفاءة رجال الشرطة والجيش العالية في هذه الحالة، هي خير ضمان لنجاح مسعانا والحفاظ على آدميتنا وإنسانيتنا في نفس الوقت. حتى لا نتخبط، فنترك المذنب ونأخذ البرئ. وحتى لا نضطر إلى الإفراط في التعذيب وإعدام المتهمين بهدف إثارة الرعب في قلوب المتطرفيين.
العنف يولد العنف، والقتل يولد القتل. إعدام برئ شئ لا يتحملة الضمير الإنساني. الإعدام لا يخفض نسبة الجرائم في البلاد التي تطبقه. بالتالي، الإفراط في تعذيب وإعدام المتهمين لن يقلل من حالات الإرهاب، بل يزيدها عددا وعنفا.
أعتقد أنه قد حان الوقت لإلغاء عقوبة الإعدام برمتها من بلادنا. فهي عقوبة لم تعد تصلح للمجتمعات الحديثة. القتل جريمة رهيبة ليس لها تبرير أيا كان، ويجب أن يعاقب مرتكبها بالتأكيد. لكن في رأيي، عقوبة السجن المؤبد، عقوبة كافية. تحمي مجتمعنا، وتحمينا من القتل الخطأ والمطالبة بالثأر والانتقام.
#محمد_زكريا_توفيق (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
رسائل من مصر (الفلاح المصري)
-
مونتيسكو ومبدأ فصل السلطات
-
من أين جاءت أساطير العهد القديم؟
-
قصص وحكايات من زمن جميل فات - الجلشاني
-
كيف تبني الطيور عشوشها
-
الهروب من الحرية طلبا للأمان
-
أوديسة هومير 1
-
حكم المواشي وحكم البني آدميين
-
الديموقراطية ونظام نقر الدواجن
-
عندما كانت مصر جميلة
-
كيف ولدت الشمس وكيف تموت
-
الدستور وُضِعَ فى ظرف استثنائي، وبنوايا حسنة
-
أوريستيا - ثلاثية أسخيليوس - أجاممنون
-
دعوة لسماع الموسيقى الكلاسيكية الغربية
-
لو كان ابن سلمان حصيفا
-
تيران وصنافير ومبدأ فصل السلطات
-
إلتماس إلى جوبيتر العظيم
-
فرعون مصر المفترى عليه
-
هذا ما تفعله السلطة بنا
-
تفجير كنائس المحروسة، خط دفاعها الأخير
المزيد.....
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|