|
التصرف الايراني في تهريب النفط العراقي
سعد السعيدي
الحوار المتمدن-العدد: 6150 - 2019 / 2 / 19 - 17:56
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لدى كل اشارة الى النفط الموجود في الاقليم والعائد لكل العراقيين يلاحظ حدوث عملية تجهيل متعمدة ترافق التزام تام للصمت في كل ما يتعلق بتصرف الاكراد بالنفط. ولدى تحضير كل موازنة منذ حكومة المالكي يجري الاعتماد فيها على نفس الكليشة التي تسمح للاقليم بتصدير كمية معلنة والتعتيم على ما سواها من كميات اخرى. في هذه المقالة اعيد وضع تحت انظار المواطنين والرأي العام العراقي ما جرى ويجري التعتيم عليه في هذا الموضوع ليعرفوا كيف يتم التصرف بثرواتهم. وليعرفوا اية حقائق تعمدت كل حكومات حزب الدعوة والحالية تجهيلهم بها بمعرفة وتواطؤ مجلس النواب. كل المعلومات المتعلقة بالاقليم الواردة في هذه المقالة عدا ما ورد خلافه مستقاة من كتاب الخبير النفطي فؤاد الامير المعنون النفط الصخري الصادر عام 2015 (1). وهو قد قام بهذا الجهد من خلال متابعته لتصريحات مسؤولي الاقليم ومقارنتها بما ينشر من اخبار في الاعلام العالمي المتخصص والمحلي. إذ ان ما يصدره الاقليم رسميا حول النفط هو غير شفاف وغير معلن وغير موجود في الاحصائيات العالمية عن العرض والطلب.
لم تكن فقط الحكومات ومجلس النواب هم من مارس التعتيم واخفاء الحقائق في هذا الموضوع السيادي الحساس. بل قام الاعلام ايضا بنفس الشيء لدى ايراده كميات تصدير الاقليم وتحاشى في غالب الاحيان توجيه السؤال لخبراء النفط. لكن متى كان شغل الاعلام في العراق هو فعلا الاعلام في مواضيع مثل هذه ؟ ان عمله بل وظيفته خصوصا مع العلاقات الوطيدة للقيمين على هذا الاعلام بالسياسيين هو مجرد تخدير المتلقي واضاعة الوقت بالبرامج التافهة.
لا يبدو على ايران بانها كانت مهتمة بحماية مصالح العراق بقدر اهتمامها بحماية مصالحها هي. إذ انها تقوم ومنذ سنوات بمساعدة اقليم الشمال في تهريب النفط الذي ينهبه هذا الاخير. وقد ذكر الامير في كتابه اعلاه بأن عمليات التهريب هذه إلى إيران وعبرها الى العالم (حيث كانت الممر الرئيسي الاهم حتى من تركيا) كانت جارية منذ العام 2007 ، وازدادت بصورة كبيرة في السنوات 2010 - 2013 باستخدام صهاريج النفط. إن تهريب اية كمية نفط مهما كان حجمها هو سرقة. ومتى ما جرى التساهل بكميات ضئيلة سيجري التساهل لاحقا مع كميات اكبر فاكبر كما رأينا في مقالتي السابقة.
وتجري عمليات تهريب النفط من خلال المنافذ الحدودية حاجي عمران في محافظة اربيل وبرويزخان في محافظة السليمانية ، ثم إلى أفغانستان وإلى مرافئ بحر قزوين وميناء بندر عباس وصولًا إلى دبي. كذلك فقد كانت ايران تزود سوقها المحلي من هذا النفط العراقي المسروق والمهرب. إذ انها قد اشترت من الاكراد شحنات من المكثفات النفطية بيعت الى شركة البتروكيمياويات فارابي في بندر إمام.
ولم تبدأ الحكومات العراقية باعارة الاهتمام لهذا الامر إلا في العام 2012 حينما بدأت تتحدث عن موضوع تهريب الاقليم للنفط علما بان وسائل الاعلام الاميريكية والعالمية كانت تتحدث به منذ العام 2009. وكثر الحديث حوله لاحقا عندما صدرت الاوامر الامريكية والاوروبية ومن مجلس الامن بالمقاطعة الاقتصادية لايران بسبب برنامجها النووي. ونشرت افلاما وثائقية عن النفط المهرب وعن مئات الشاحنات الحوضية على جانبي الحدود العراقية الايرانية متوجهة الى ايران. وقد جرت القصة التالية لاحد المسؤولين العراقيين. ففي احد الاجتماعات الدولية خارج العراق تقدم احد الحاضرين الى هذا المسؤول معرفا بنفسه بكونه وزير النفط الافغاني ، وقال له بانه يشكر بلده على موافقته على تصدير النفط بالشاحنات الحوضية لتغذية مصافيهم !! ولم يستطع المسؤول العراقي الرد والتزم الصمت على الرغم من ان الوزير الافغاني كان يتكلم عن النفط المهرب !
"التصدير المستقل" هو ما كان الاقليم يطلق على عمليات تهريبه للنفط. بينما "البيع الداخلي" كان يقصد به جزء التهريب بالصهاريج او الحوضيات. هذا التهريب كان يزيد عن ال 100 الف برميل يوميا. ثم قد تناقص الى النصف تقريبا بعد بدء استخدام انبوب التهريب "الرسمي" عن طريق تركيا فصار 50 – 60 الف ب/ي. وكان الاقليم يطلق اسم الشحنة على مقدار ما يهربه بالصهاريج. وقد ذكر رسميا ذات مرة مقدار 42 شحنة بقيمة 3 مليار دولار مما بيع من النفط المهرب.
هنا ابدأ بايراد تعليقي وطرح اسئلتي. من هذا العرض يتوضح بأن الايرانيين كانوا يقومون بتقويض جهود الحكومة الاتحادية لإجبار الاقليم على التوقف عن تهريب النفط. وغير معروف السبب الذي دعا الثنائي المالكي – الشهرستاني الى التزام الصمت حول ما تقوم به ايران. إذ انه كان يتعلق بسرقة الثروة النفطية التي ائتُمنا على الحفاظ عليها ، خصوصا وانها تبدر من دولة يفترض ان العلاقات معها كانت ودية ، لا كتلك التي كانت غالبة مع تركيا. لذلك فصمت الحكومة الاتحادية ومعها مجلس النواب عن هذا الامر وتغاضيهما عنه وحيث لا يمكن التسليم بجهلهما به يدفع المرء الى وضعهما كليهما في خانة القاتل الاقتصادي. كذلك لم يكن التهريب الايراني وليد ساعته. إذ انه كان مزدهرا منذ فترة النظام السابق وحيث كانت لي مقالة سابقة حول هذا الموضوع (2). وهذا ايضا هو مما لا يمكن افتراض جهل الحكومات العراقية ولا مجلس النواب به خصوصا بعدما كان قد اثير امره يومها في الاعلام الدولي. ومع ذلك فمن حقنا كدولة متضررة طرح امر هذه التصرفات الايرانية في شكوى لدى المحاكم الدولية.
يلاحظ ايضا صمت الامريكيين عن امر هذا التهريب. وهؤلاء لهم حضور قوي في المنطقة بحيث لا يمكن تصور حدوث مثل هذه الخروقات دون ان يكون لهم علم بها. ويمكن تفسير صمت هؤلاء فيما يتعلق بعلاقتهم مع الاكراد بكونه يجري على مضض. ولكن فيما يتعلق بالايرانيين فربما يكون الامر مجرد تخادم في المصالح (3).
من الناحية الثانية لا يمكن الحكم على التصرف الايراني إلا بكونه استثمارا لكن باستخدام المال العراقي المسروق. وقد استرد الايرانيون ثماره لاحقا مع ايصال كلا من عادل عبد المهدي المرتبط بايران وبتجارها وبمصالحها وكذلك برهم صالح من الحزب الحاكم في المنطقة التي سُهّل لها التهريب الى السلطة. وتكون النتيجة عدم وضوح كيفية التعاون مع دولة سارقة مثل هذه على دحر الارهاب. إذ كما يرى فإن لا فرق بينها وبين اي قاتل اقتصادي آخر. ولا تختلف هذه التصرفات الايرانية عن التصرفات الامريكية. وهي وإن استنسختها ايران لاستخدامها لخدمة مصالحها الخاصة فهي لا تنم إلا عن الغرور والغطرسة لا عن الاحترام في وقت تطالب به نفس هذه الإيران العالم باحترامها.
الروابط : (1) فؤاد قاسم الامير - النفط الصخري واسعار النفط والموازنة العراقية العامة - دار الغد - تاريخ الاصدار 2015. وهو متوفر على الانترنت حيث يمكن تحميله.
(2) اما آن الاوان لمطالبة ايران بدفع التعويضات للعراق ؟ https://www.al-nnas.com/ARTICLE/is/9t7.htm
(3) التخادم بين قادة قوات المتطوعين والمحتلين الاميركان http://www.tellskuf.com/index.php/mq/74789-may120.html
#سعد_السعيدي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ماذا نعرف عن واردات تصدير الاقليم من النفط ؟
-
اين هي خطة القضاء على الديون ؟
-
هل ان ثمة نواب جادين في القضاء على الفساد في العراق ؟
-
يجب عدم السماح لذراع ايران بالالتفاف حول بغداد
-
طريقتان لتلافي شحة المياه في العراق
-
الحكومة ومجلس النواب يتجاهلان منظومة الدفاع المدني
-
من يريد اعادة داعش الى العراق ؟
-
ملفات الابتزاز النيابية لتأمين المصالح الشخصية
-
ايران... والعراق
-
محادثة مسربة تفضح التزوير في الانتخابات منذ 15 عاما
-
الكذب والتضليل لغاية البقاء في السلطة
-
حكومة تصريف الاعمال
-
اجراءات اختيار مرشحي رئاسة السلطات التنفيذية
-
هل الحلبوسي هو الأنزه والانظف لرئاسة مجلس النواب ؟
-
قانون الكتلة النيابية الاكبر
-
الحملة الوطنية لتنظيف مجلس النواب الجديد
-
اعادة التوازن الى اعداد اعضاء مجلس النواب
-
اللصوصية النيابية الاخيرة وتاريخها
-
الاتحاد الأوروبي يروم الانتقال إلى اليورو في مشتريات النفط ا
...
-
تقرير منظمة العفو الدولية حول التظاهرات في العراق : قوات الأ
...
المزيد.....
-
أمريكا تكشف معلومات جديدة عن الضربة الصاروخية الروسية على دن
...
-
-سقوط مباشر-..-حزب الله- يعرض مشاهد استهدافه مقرا لقيادة لوا
...
-
-الغارديان-: استخدام صواريخ -ستورم شادو- لضرب العمق الروسي ل
...
-
صاروخ أوريشنيك.. رد روسي على التصعيد
-
هكذا تبدو غزة.. إما دمارٌ ودماء.. وإما طوابير من أجل ربطة خ
...
-
بيب غوارديولا يُجدّد عقده مع مانشستر سيتي لعامين حتى 2027
-
مصدر طبي: الغارات الإسرائيلية على غزة أودت بحياة 90 شخصا منذ
...
-
الولايات المتحدة.. السيناتور غايتز ينسحب من الترشح لمنصب الم
...
-
البنتاغون: لا نسعى إلى صراع واسع مع روسيا
-
قديروف: بعد استخدام -أوريشنيك- سيبدأ الغرب في التلميح إلى ال
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|