|
من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الفصل الثاني عصر الحضارة الاقطاعية ب- الاسلام - القوة الثورية في العصر الاقطاعي 1-6
عيدالله اوجلان
الحوار المتمدن-العدد: 1528 - 2006 / 4 / 22 - 10:29
المحور:
القضية الكردية
2 ـ إن شخصية محمد تظهر تطوراً متناقضاً للغاية ضمن ظروف المرحلة التي تحدثنا عنها. وكانت الثقافات المنتشرة للإمبراطوريات الكبرى الثلاث متقدمة مقارنة مع ثقافة القبائل العربية. وتفصل بينها هوة كبيرة. وكانت طواطم القبائل المتراكمة في الكعبة ميتة، و لم يبق لها أي خاصية تلهم بالقوة، حتى لو كان بعضها كاللات ومناة والعزة لا تزال تلقى بالاحترام، ورغم تمثيلها من لدن القوية ظلت بعيدة عن إعطاء الإلهام لحضارة جديدة، بل تم منع الأفكار الجديدة والطرق الصوفية وكانت العقلية والمؤسسات التي تعتمد على التعصب القبلي تحكم البنية الفوقية، والكل يفتخر بقبيلته، وكان يتم النظر إلى المرأة بازدراء إلى درجة وأدهن. تعتبر الرحلات التجارية بين مكة والشام ذات أهمية أساسية في النضوج الفكري للنبي محمد، ومن المعروف أنه أستمع إلى الكهنة النسطوريين المسيحيين وناقشهم كثيراً، وإن الزواج والثقة والحب من خديجة له دور كبير في تبلور أفكار إيجابية بحق النساء، ويتضح أنه ما أمكن لمحمد أن يكون نبياً دون خديجة، وتأثير خديجة أكثر من مريم وحتى لو كان بشكل مبطن، وتمثل ثقافة المرأة الربة. يعود سبب عدم إبلاء التاريخ الإسلامي لخديجة الدور الذي تستحقه إلى سيطرة البنية الاجتماعية الذكورية، فمن الواضح أن خديجة هي أول من أيدت محمد في مجتمع مكة، وكانت تكبره سناً، وكانت غنية وقوية لدرجة يمكنها من امتلاك أكبر قافلة تجارية، ومن الواضح أن خديجة تشكل تناقضاً جدياً في مجتمع مكة ذي الهيمنة الذكورية التي تصل إلى درجة ترك الفتيات للموت وهن على قيد الحياة "وأد البنات"، وإلى درجة الازدراء. ولذلك فإن علاقات خديجة وزواجها من محمد تعني من ضمن ما تعني أنها لا تستطيع مقاومة المجتمع المتوحش بمفردها، وإن عدم زواج محمد بامرأة أخرى حتى وفاة خديجة مرتبط بالقوة المادية والمعنوية لخديجة أكثر من أن يكون احتراماً لها، وتظهر تأييدها لنبوة محمد كأول تأييد نصيبها في التكوين، كان علي أبن عمه وزيد الذي كان بموقع عبده هما من أوائل الذين آمنوا بنبوته، وتظهر هذه الصورة الصفة الثورية للمجموعة، لقد حطم الروابط القبلية في شخص عليَّ، وفي شخص زيد يعتق العبودية ويزيلها بالثورة، لقد تحققت ثلاث ثورات بهذا الثلاثي الأول حتى لو كان بطريقة بدائية، إذ قام بثورة نسائية بعلاقته مع خديجة وبثورة قبلية مع علي وبثورة ضد العبودية مع زيد. كان يحكم علاقتهم نمط ثوري، فقد شكلوا حياة جماعية ومع توسع المجموعة أضحى لا مفر من وضع المانيفيستو الإيديولوجي. إن انزواء محمد في غار حرّاء قبل أن يصبح نبياً يعد مرحلة التركيز الإيديولوجي وقد شهدت جميع النبوات مراحل مماثلة لهذه المرحلة، ويشرح العهد القديم أن موسى قد عاش مرحلة طويلة في جبل سيناء. يمثل نزول الوحي على محمد في سن الأربعين إعلان التركيز الثوري الجديد والدخول في مرحلة النضال العلني، وهو بيان واضح يعطي الشرعية للسيادة على مكة، وخطا خطوة من التركيز الإيديولوجي إلى السياسية. وكان الوعي في هذه المرحلة يتعلق بأسس الإيمان والأخلاق، وكان يتم الأعداد النظري للثورة وتحديد مبادئها. وعندما كبر الخطر تحرك المجتمع الرسمي لمكة، وكان قتله متوقفاً على لحظات. هاجر محمد الذي لم يختر الطائف التي أصبحت مزدهرة بالتجارة، إلى المدينة التي رآها كخيار وحيد في عام 622 بعد الميلاد وهو في الثانية والخمسين من العمر. يؤكد التاريخ بأنه ما كان للمسيحية أن تكون اكثر من مجموعة صوفية بسيطة لولا صلب المسيح، ويمكن ان يقال قول نفس الشيء بالنسبة لهجرة محمد إلى المدينة، وكان من الممكن أن يبقى الإسلام مجموعة أدرية لولا الإجبار على الهجرة ولولا إظهار التعصب الشديد، لكن الظروف وفاعلية قانون الفعل ورد الفعل يؤدي إلى حملات تاريخية كبيرة على أيدت مجموعة صغيرة، وهذا ما أثبته التاريخ في الماضي. كانت مرحلة المدينة هي مرحلة التسييس وتشكيل الجيوش وتتمحور آيات هذه المرحلة على الأغلب في كيفية تكوين النظام السياسي، وكانت تتشكل في المدينة معاهدات اجتماعية جديدة لتكوين الدولة المدينة، لكن المرحلة لم تكن مرحلة ظهور حضارة سومرية ومصرية، لأنه كان في الجوار مراكز إمبراطوريات مختلفة وتجارة متطورة وكان لا مفر من التحول إلى دولة والتوسع على حساب الدول الأخرى، ويعتبر ذلك مرحلة الوجود واللا وجود، هذا الانفتاح أثار شهية القبائل الصحراوية على المراكز الحضارية المحيطة بها، فوضع القبائل الفقيرة جعل من إيديولوجية محمد واتفاق المدينة جذابة فوق العادة، وأدت إلى سرايان مفهوم الحكم الذي يقول: " أمشي يا عبدي دربك ممهد" مرة أخرى. قبيل وفاة النبي محمد كان قد تشكل نظام الدولة، وإن معرفة الخصائص الإيديولوجية والسياسية والعسكرية والاجتماعية بشكل جيد للتشكيل الذي تأسس خلال فترة قصيرة والذي أثر وما يزال على التاريخ، لها أهمية كبيرة . أ: ما تم تحقيقه على مستوى الهوية الإيديولوجية هو الترجمة الكبيرة الثالثة للميثولوجية السومرية بالشكل الذي شهد تحولاً. لقد توضح من خلال تحليل اللوحات الأخيرة أن المصدر هو الميثولوجيا السومرية. إذ كان التحول الأول في بابل والثاني عند العبريين وتم الحصول على نمط أكثر اكتمالا بالتحول الثالث بيد العرب الجيل الأخير للإرث. لقد قمنا بشروحات كافية عن المصدر والتحول الأول والثاني ويتطلب فهم التحول الثالث بشكل جيد مع الأخذ بعين الاعتبار المصدر والتحولات بشكل دائم، اننا لا نهدف هنا إلى التقليل من شأن القرآن أو إظهار الدوغمائية التي أدت الى تحجر القيم المعنوية والذهنية ككابوس على أنه تطور ديني عادي، بل على العكس نهدف الى تناول القرآن ضمن الإطار الصحيح لعلم الاجتماع، وكشف النقاب عن نوعية المصالح الملعونة التي تقوم باستخدام الإسلام قناعاً كبيراً لها، وهي مهمة علمية أساسية لنا، ويجب أن لا ننسى أنه لا يمكن معرفة القوى الحضارية الموجودة بشكل صحيح أو تنفيذ متطلبات الدور الذي يمكن لعبه بنجاح من أجل التحضر دون تسليط الضوء على الظلام المخيم آنذاك. إن البدء بسؤال "هل تؤمنون بوجود الله وبوحدته.. ؟"، في النقاش الإيديولوجي المتعلق بالإسلام، هو موقف انتهازي "تحريفي"، يعني استخدام جميع أساليب الكلاسيكيين والسفسطائيين في القرون الوسطى، ومع الأسف فقد انجرت الفلسفة واللاهوت إلى هكذا نقاش سفسطائي فارغ لمئات السنين، عذب الناس وزجوا في السجون، وفي النهاية لم يتم الوصول إلى أية نتيجة، وبينما كان الحال على هذا المنوال أدرك سقراط في أولى حواراته مع السفسطائيين بخطورة هذا النمط من النقاش، وضحى بحياته من أجل منع هذه الخطورة، وقال دائماً: "اعرف الجوهر..!" المهم ليس النقاش الفارغ بل محاولة فهم ما يتعلق بالجوهر، فبدلاً من النقاش هل النجار موجود أم لا ..؟، أو هل هو جيد أم سيئ؟. يجب سؤال كيف يمكن ممارسة النجارة بشكل مثالي وجيد..؟. وإيجاد الجواب لهذا السؤال هو الأهم، فالطراز الأول هو طراز السفسطائيين والانتهازيين، بينما الطراز الثاني هو طراز وأسلوب الفلاسفة الحقيقيين والعارفين والعلماء. إذاً ما هو المقصود بوجود الله ووحدانيته الذي يعد العامل الأساسي لبروز الإسلام؟. ما هو التطور الاجتماعي والتاريخي الذي سبب ذلك..؟ وما هي الأهداف العملية لذلك..؟ هذه هي الأسئلة الأساسية التي يجب إيضاحها وإلقاء الضوء عليها. يجب أن أؤكد قبل تحليل وإظهار تطور مصطلح الله مرة أخرى، على أن التعريفات التي تتبناها الفلسفة واللاهوت والتي تقول بأنه السبب الأول للكون ومنشؤه وصاحبه، لا معنى له البتة. وهي أقرب إلى السفسطة. وأرى من موقعنا ان النقاشات والأفكار التي تدور حول وجود الله ووحدانيته أم لا، والتي تفيد بأنه السبب الأول للكون وصاحبه، ليست مسألة مهمة وذات معنى. أريد أن أؤكد على مسألة ألا وهي أن التخلف الذي نشهده في حاضرنا يعود إلى استخدام الدين ضد التنوير في سبيل المصالح السياسية، وهذا ما كان عليه الأمر عبر التاريخ، والوصول إلى نتيجة من خلال الأساليب السفسطائية الماكرة، ونرى الرجعيين في تركيا والدول الإسلامية مازالوا يستخدمون هذه السبل بكثرة، ويحصلون على مصالح هامة من خلالها. ويتم استثمار واستغلال كبير في هذا الإطار، وأؤكد هنا على أنهم سيستغلون تقييماتي هذه في المستقبل، فمصطلح الله الذي يواصل تطوره مع المجتمع بشكل دائم سيواصل وجوده في مجتمع العلم، ويجب أن يواصل وجوده. ولكنه لم يكن إلا اسماً للقانون الوحيد للكون والمجتمع، وبمقدار معرفتنا الصائبة لهذا القانون سنتعرف على اسمه وعلى الله بتلك الدرجة من الصحة والفهم، وفيما عدا ذلك فإن كل النقاشات والتعريفات ستظل سفسطائية، وتعني في أساسها الدفاع عن الرجعية والتستر على الظلام وحماية نظام الاستغلال والرعب وعالم الكسب غير المشروع. سنحاول تحليل مصطلح الله على ضوء هذا الموقف اعتماداً على وسائل علم الاجتماع، وليس اعتماداً على المدارس الفلسفية أو اللاهوتية، وسنحاول تعريف وشرح ماهية الحاجة الاجتماعية التي أدت إلى ظهور الهوية الدينية. تؤكد جميع الدلائل المتعلقة بحياة النبي محمد، أنه ركز على مصطلح الله أكثر من غيره، وشرح وجود الله وهوية وحدانيته والتي هي من أهم المشاكل التي واجهت النبي محمد، ولم تكن هذه المشكلة مصطنعة بل كان جادة من خلال بحثه عن الجواب عبر الجهود التي بذلها لوصفه بـ 99 صفة، كمحاولة لتحقيق قفزة في الكم، وكأنه يملأ مصطلح الله بطاقة مركزة تحت أشكال جديدة ومستمرة. إن مقارنة ذلك مع القيم التي تم تضمينها لمصطلحات الليبرالية والاشتراكية، ستساهم في فهم هذه الدراسة بشكل أفضل. ففي الوقت الذي يتم فيه تطوير الهوية الإيديولوجية عن طريق التحولات الاجتماعية يتم إغناء المصطلحات الرئيسية بقيم هامة لأجل تقويتها. من المعروف إن القبائل الموجودة في شبه الجزيرة العربية كانت تحاول منذ الألفية الثالثة قبل الميلاد، قبول" أل" كقوة إلهية، تعني "أل" في الأتمولوجيا السامية "السمو" كهوية إيديولوجية لها. لقد ولد وتطور المصطلح من خلال تغييرات البنية الداخلية للقبائل وعلاقاتها مع المجموعات الأخرى في الخارج، ولا سيما علاقاتها مع الحضارة السومرية والمصرية، لقد تجسد "أل" الذي يتجول في السماء والذي كان مجرّداً أكثر من غيره في العقول، بعد أن غدا الطوطم الذي كان يشبه وجوداً إلهياً للعهد الرجعي للقبيلة في هذه المرحلة لا يستجيب للتغييرات الجديدة. ولا شك أن مفهوم الإله العالي والذي لا يتغير والمستند للنظام السماوي للكهنة المصريين والسومريين، لعب دوراً مصيرياً في ذلك. وكانت البنية الأحادية والمجردة للقبائل ورتابة الجغرافيا والعلاقة والصراع مع مراكز الحضارة، قد أجبرت "أل" على التطور كمصطلح أحادي وموحد، لقد تمت محاولة شرح ذلك كخاصية أساسية لإرث إبراهيم بشكل كامل. لقد أحرز التحميل الذي قام به موسى للمصطلح خطوة جديدة للأمام، وكأنه جعل "أل" قوة قومية، "فإسرائيل" تعني من حيث المعنى القبائل العبرية التي تتصارع مع "أل"، وعند الرغبة في تأسيس تقارب شديد فإن كلمة إسرائيل لوحدها تشكل أهم الأدلة. وأصبح "أل" أول قوة مركزية رسمية بعد أن أصبح داوود وابنه سليمان ملكاً بمساعدة الكاهن صاموئيل، وتحول اسم "أل" إلى العبرية وأصبح ألوهيم "Elohimm"، ومن الواضح أن ألوهيم هو التعبير الجدي لكيان المجتمع الإسرائيلي الذي تسيس وتحول إلى ملكية. وهو التعبير المجرد لعقلية المجتمع المتحول وهويته الإيديولوجية التي تحولت إلى مصطلح، ونحن الآن أمام مثال لاستمداد القوة من المصطلح وخلق تاريخي مذهل للوصول إلى مصطلحات جديدة من القوة، وإذا شاهدنا ما أدى إليه إله إسرائيل هذا من حروب واختراعات وتجديدات وأفكار يمكننا عندئذٍ فهم المدى المدهش لهذا التصور. لقد ظهر الإرث المسيحي الذي تطور مع عيسى كتعبير للانسلاخ باسم الطبقات الفقيرة عن الإرث العبري الرسمي، ويعبر ذلك عن اكتساب التمايز الاجتماعي كياناً كهوية اجتماعية جديدة "العهد الجديد" واتخاذه دور أمل المرحلة وإرادة التحرر والعقائد وطراز الأخلاق. لقد غير عيسى اسم ألوهيم الذي كان اسماً آشورياً وأصبح "الرب" باللغة الآرامية التي كانت سائدة آنذاك ومعناها المصطلحي هو "السيد"، وأصبح معنى مصطلح الإله "السيد" بعد السومريين ومن جاء بعدهم، ومن الواضح أنه يمثل الطبقة المتصاعدة، وأطلق على البشر الذين تم وضعهم بموقع الخدم اسم "العبد" ومن الواضح أنه يقصد بذلك الطبقة المسحوقة. من المعروف أن عيسى قد حمّل مصطلح الله الرحمة والخلاص واللطف والعناية والمحبة والأخوة والسلام والعدالة والأخلاق باسم المضطهدين. لقد تمت تقوية الرب بتلك المصطلحات كهوية إيديولوجية جديدة للمجموعات المسحوقة، وكوّن المسيحيون وفي مقدمتهم عيسى مجتمعاً تم تقديسهم فيه مجدداً كأولاد الرب، وكان ربهم سيحميهم في أصعب الظروف ولن يبخل عليهم بالمساعدة، وسيكون الدعاء للرب بعد الآن، وسيكون معهم حتى تحقيق آمالهم. ونحن مجدداً أمام مثال تاريخي مذهل يتلخص برفع المجتمعات لراية المصطلحات المجردة وتقوية وتطوير تحويل الذات من خلالها. إن ذلك هو أحد الأمثلة التي تحدد العصر والتي تثبت عدم إمكانية فصل القوة الإيديولوجية عن التطور الاقتصادي والاجتماعي واستحالة تحقيق التطور دون أيديولوجيا وجود الآخر، وقيام الإيديولوجية بدور ريادي في تحديد المسار في بعض الأحيان. ويمكننا متابعة التاريخ ومعايشة التطورات والتغيرات والتحولات خطوة خطوة ابتداءً من مساهمة "باول" حتى الإصلاحات البروتستانتية باسم المسيحية، وابتداءً من دورها في تكوين العصر الإقطاعي حتى تأثيرها ورد فعلها على خلق وتطور المجتمع الرأسمالي. أريد التأكيد على أهمية ما يلي: إذا تم الالتزام بالآمال والإيمان والأفكار التي يتم تحميلها للمصطلحات، وإذا تم عيشها بشكل مناسب مع حاجاتها، وتم تطبيق ما تنص عليها على أرض الواقع، وإذا لم تتناقض مع العصر والواقع بل تطوره. يؤدي كل ذلك إلى تطورات عظيمة، وعكس ذلك لا تخدم سوى الجمود والتخلف والانهيار، ولذلك يتمتع تحليل لغة المصطلحات الكبيرة جوهرياً أهمية كبرى بسبب تلك التطورات، وينبع دور وأهمية المنظرين والمؤمنين الكبار من هذا الواقع. إن المعاني التي حملها النبي محمد للرب ـ وحتى لا يحدث الاختلاط فإن كلمة رب هي مصطلح ذو جذور آشورية سريانية، أما كلمة الله فهي مصطلح ذو جذور عبرية أيضاً، ويحمل المصطلحان نفس المعنى ـ تحمل أهمية كبرى. تم استيعاب وتجسيد المصطلحات التي حملها الإرث العبري والسرياني إلى درجة كبيرة. ويجب ألا ننسى أن الكيان السومري والمصري، والآري ـ وان بشكل أقل ـ يقف وراء تلك المصطلحات. لكن الأهم من ذلك قيام النبي محمد بإعداد وتطوير نفسه ليكون جواباً على التغير الفكري والروحي الذي نتج عن الاقتصاد الإقطاعي والعلاقات الاجتماعية منذ القرن الخامس قبل الميلاد، ويعبر النبي محمد عن التركيز غير الطبيعي والخارق كأكبر ذهنية متطورة للعصر الجديد والمتصاعد، إن ارتعاشه وتعرّقه عند كل آية ينطق بها، يظهر مدى الجهد الذي كان يبذله من أجل التركيز. ويعني مفهوم النبي محمد من بدايته حتى نهايته عند الوضع الذي ذكرناه، اكتسابه شكلاً كهوية إيديولوجية جديدة، وتكامل السلوك الأخلاقي ككيان اجتماعي ملموس. إن اكبر ثورة قام بها هي إدخال المصطلحات الجديدة في البنية الذهنية والروحية والإرادة وتحقيق ذلك في ذاته، ويجب تقييم شرح الآية والسنة بالدرجة الأولى والثانية حسب أهميتها كخلق الإنسان والمجتمع الجديد. قام جميع الأنبياء بتنفيذ أعمالهم المتعلقة بالله كمصطلح أساسي، بالاستناد إليه وبتلقي القوة منه مقابل تحميله المصطلحات الأساسية. وتكتسب التجارة التي تعتبر من أهم الخصائص الأساسية للمجتمع منطقاً إلهياً تماماً، وتتحول إلى صيغة وقاعدة إلهية بمقولة: "بقدر ما تعطي الله ـ وذلك يعني الدعاء والعبادة والقرابين ـ تأخذ ثمن ذلك كاملاً"، إنها صيغة تحولت إلى قاعدة دينية. يجب ألا ننسى أن الأديان التوحيدية والتي تستند بشكل عام إلى الجد؛ النبي إبراهيم، لها علاقة وثيقة مع المجتمع التجاري، فالتجارة تقوم بدفع المجتمع الزراعي إلى مراحل اجتماعية أكثر تقدماً، وبذلك تؤدي إلى مجتمع المدينة ومن ثم إلى الدولة. عندما نستطيع إقامة علاقة صحيحة بين ميلاد الدولة وتسامي الآلهة، يمكننا فهم سبب تزامنها مع الحالات المتقدمة من المراحل الذهنية. إن تبني هذا الإرث ولا سيما من قبل المجموعات العبرية التي توحدت مع هذا التقليد كان يزيد من قوتها بمقدار تقويتها لله وبذلك تم إيجاد صيغة مكملة وتامة وهي: "أنت قوي بمقدار قوة ربك. إذا قضيت على ربك ستنتهي، حيّر ربك تصبح محتاراً ". إن المجتمع السومري وإلهه الذكر والذكي أنكي قد أخذ من ربة سومر إنانة قيمها الجوهرية وجميع القيم التي خلقها العصر النيوليثي وبذلك يكون أنكي قد أخذ كل ما تملكه النساء في المجتمع، لن يكون صدفة الملحمة التي تتحدث عن رحلة أنكي الناجحة من "أورك" إلى "أريدو" ورجوعه إلى "أوروك" مصطحباً معه "104" قوانين "مي". إن ذلك هو شرح ميثولوجي ولاهوتي وأدبي لصراع نتج عن العلاقة والتناقضات الموجودة بين الآلهة والربات كانعكاس لما يعيشه المجتمع، ولا يمكننا إلا أن نقف مذهولين أمام هذا العمل القيّم للأدباء السومريين، وفي الحقيقة هذا هو جوهر الآداب. لقد أضاف النبي محمد إلى مصطلح الله مع ظهور الإسلام صفات تدل على الصفات السياسية والعسكرية للثورة على الأغلب. لقد أضاف موسى إلى الصفات ما يتعلق بالتربية الاجتماعية والنظام، وأضاف عيسى إلى مصطلح الله صفة المنقذ والحب والعدالة والأخلاق. أما صفة القهّار والحاكم والمالك فهي خصائص عسكرية وسياسية تمت إضافتها مع ظهور الإسلام. لكن صفة الأزلي والسرمدي، ولم يلد ولم ويولد، وقربه إلى الإنسان أكثر من الوريد فهي مصطلحات لاهوتية تعكس تأثيرات الفكر الفلسفي الإغريقي ولا سيما فلسفة أفلاطون وأرسطو. ويوجد تأثير كبير للفلسفة على ظهور الإسلام، ويمكننا ربط انعكاس الفلسفة على الإسلام منذ ظهوره مقارنة مع المسيحية، بعلاقة الكهنة النسطوريين الذين حصلوا على كلاسيكيات الفلسفة الإغريقية باكراً مع محمد. إن انتشار الفكر الفلسفي في الشرق الأوسط كأساس مادي مع مستوى العلاقات الاقتصادية والاجتماعية المتشابكة لمجتمع تلك المرحلة قد أثر في تضمّن القرآن آيات عديدة تأوي الفكر الفلسفي، إضافة إلى الآيات المتعلقة بالإيمان والأخلاق، وتحمل البنية الفكرية ذات المضمون الفلسفي للقرآن مقابل مضمون الإيمان والأخلاق للعهد القديم والجديد على الأغلب بعداً هاماً. إن إعلان النبي محمد نفسه آخر رسول لله مسألة يجب الوقوف عندها باهتمام، ويعتبر ذلك أهم صفة إصلاحية من ناحية الدين. فقد قام بنفسه بإنهاء عهد النبوة، ويشبه هذا الوضع حالة إنهاء ماركس لعصر الحضارة ذات الدولة مع مجيء الاشتراكية. فمثلما نضجت الإدارة دون الحاجة للدولة وكما يتطلب مستوى علاقات المجتمعات التي تخلصت من الطبقات اللا معنى لها، تعتبر المجتمعات اللانبوية قد وصلت إلى مستوى نضج وحرية مشابهة لذلك، ينص ذلك على عدم حاجة المجتمعات والإنسانية التي حصلت على قوة نظامها بإرادتها الحرة للأنبياء، إن الإسلام بمعناه هذا ينهي عصر الدين، وفي الحقيقة يكون نمطاً لآخر دين كوني لمرحلة العبور من الدين إلى الفلسفة. إن التمسك الزائد بفكرة وجود شيء ما، يحمل في داخله الشك دائماً، ويشير إلى الجنوح وارتكاب الأخطاء. واعتماد الإيمان بالله على الفكر الفلسفي إلى حد كبير عند الإسلام يؤدي إلى الوقوع بالشك بنفسه، ولذلك بذل النبي محمد جهوداً كبيرة لم يسبق لها مثيل عند أي نبي آخر حول مسألة وجود ووحدانية الله، لقد ركّز على الله وحاول تعريفه ابتداءً من تعداد صفاته وإلى نمط عيشه وعمله وحتى خلقه لكل شيء، وهنا لابد من أن يخطر على بال الإنسان السؤال التالي: لماذا هذا الله الذي يعرف كل شيء والذي خلق الكون وهو حاكم كل شيء..؟! لماذا لا يحاول إقناع عبده بنفسه، ويحاول القيام بذلك عن طريق آخر نبي له؟. الجواب المطلوب هو: إن الشيء الذي يراد شرحه هو المجتمع الطبقي الجديد وعصر الحضارة، وإن الصعوبة تأتي من البنية المتشابكة للشكل الذي سيأخذه المجتمع الجديد والحضارة، ولا سيما البنية السياسية والقانونية، وهي من المشاكل الأساسية التي تنتظر الحل. فمن الواضح أن النبي محمد كان سيواجه صعوبات كثيرة أمام هذه المؤسسة التي من الصعب لثقافة قبائل الصحراء أن تستجيب لها، وكان مصطلح الله الذي تم تعريفه هو الهوية الإيديولوجية أو رمز هذا العصر في أرفع مستوياته. وكان النبي محمد يعرف بأنه سيبني وسيدير المجتمع والدولة والعصر الجديد بسهولة بقدر تحميل مصطلح الله صفات ذات معنى، وتكوينه قواعد وقوانين وقوة أمر مع المصطلح. اننا نتحدث عن وضع مشابه للمرحلة التي خلق بها الكهنة السومريون مجتمع المدينة أو الدولة. فقد أضطر الكهنة أمام الإنتاج المثمر للمجتمع الذي أعادوا بناءه والذي كان سبباً ونتيجة لهوية إيديولوجية تتطلب القوة والكمال، إلى نتاج ميثولوجيا ودين في المعابد، وكانوا على ثقة بأن المجتمع الجديد سيحصل على الثقة بقدر درجة نجاحهم بذلك، لذا فإن خلق ونشر الإيديولوجية مرتبط بالإنتاج مثل ارتباط الظفر باللحم. وهناك علاقة بين البنية الإيديولوجية كواقعة مجتمعية أساسية والإنتاج، وهذه العلاقة لا يمكن أن تنقطع في جميع المجتمعات تاريخاً وحاضراً. إن قيام النبي محمد بالتحميل الهائل لمصطلح الله، نابع من كونه على وعي بما حققه هذا المصطلح على مدى التاريخ من جهة، ويدرك مدى القوة التي سيستمدها المجتمع والعصر من ذلك من جهة أخرى. وبذلك كان تفكيره اجتماعياً، وأنا أركز على هذا الأمر بأهمية، فقد كان النبي محمد يعيش حالة تناقض لأنه كان على معرفة بأن الدين لا يكفي للمجتمع الجديد عندما تتدخل الفلسفة في الأمر، وتبرز الذهنية الواقعية مع مرور الزمن. لأنه لا يمكن للدين أن يتواجد بسهولة في المكان الذي تتواجد فيه الفلسفة، ولا يمكن للفلسفة أن تتواجد في المكان الذي يتواجد فيه الدين، ولا مفر من الاشتباك وسيتغلب أحد الطرفين. ومن المعروف أن الفلسفة قد برزت في تجربة روما والإغريق، وكان الساسانيون والمانيون يريدون إبراز الفلسفة لكنهم لم يتمكنوا من ذلك، لأن الكهنة المتطرفين دينياً كانوا ذوي التأثير النهائي، وشاهد الدين الإسلامي هذه الخطورة منذ البداية، وكان تدخل الدين في الفلسفة السبب الأساسي للشخصية المتشككة للنبي محمد، ومحاولته إثبات وجود وحدة الله التي لا نرى لها مثيل في أي كتاب ديني، كانت نابعة من تفكيره بأسئلة مثل: هل كان سيدير النظام الاجتماعي الذي كان سيخلق بقوانين تنسجم مع العقل أم بقوانين وأحكام دينية سهلة التأثير ومنسجمة مع البنية الذهنية لمجتمع العصر القديم، وكان واضحاً أن التركيز والارتباط بمصطلح الله إلى هذه الدرجة ليس ناتجاً عن إشباع فكري بسيط وذلك من خلال تجربته التي عاشها. يمكن فهم ذلك بشكل أفضل من خلال تحديد أمثلة حديثة،مثل السؤال أية اشتراكية؟ رغم مناقشة هذا السؤال منذ قرون فإنه لا يتم إيجاد أفضل اشتراكية ولا تطبيقها، والوضع هو نفسه بالنسبة إلى الليبرالية. يجب التأكيد على أن النبي محمد كان مؤمناً وواثقاً من صدق ما قام به بالفعل عند تكوينه البنية الإيديولوجية "لا يمكن التحد ث هنا عن صوفية مزيفة"، لقد أسس النظام الإسلامي عن معرفة بأنه كان في عصر لا يمكنه الهروب فيه من الشرح المنطقي والفلسفي، بمقدار تقبله لجميع القيم الدينية التي يمكنه الدفاع عنها، إن التداخل الديني والفلسفي هو تركيب صعب جداً لكنه من الخصائص الأساسية للنبي محمد، إن شعوره بالعلوم الاجتماعية، بمعنى شعوره بالعلم وتصرفه بعلمية حسب المرحلة عند إنشائه نظامه، هو من الخصائص الملفتة للنظر عند النبي محمد، وبذلك يمكننا أن نفهم كيف أعلنت الشخصية الدينية والفلسفية والعلمية عن نهاية النبوة في شخصه، إن الإيمان بوصول عقل الإنسان إلى الفكر الفلسفي ومن ثم العلمي يتطلب شخصية داهية، لكن مع الأسف الشديد فالتناقض الكبير غدا بلية أكبر من التخلف الديني هددت نظامه باكراً، والتصقت بالبنية العقلية والروحية لأمته، قال ماركس عندما شاهد المناقشات التي تدور حول الماركسية في فرنسا في عهده: "أنا لست ماركسياً"، وإنني أؤمن تماماً أنه لو نهض النبي محمد وشهد التناقضات التي تعيشها أمته مع العصر لقال "أنا لست مسلماً" وبلغة أكثر صرامة. يمكن تطوير تقييمات أكثر شمولية حول تحليل الهوية الإيديولوجية للإسلام، ولكن المهم أن تكون واقعية، وهذه مهمة لا مفر منها، ليس فقط من أجل فهم التاريخ بشكل صحيح بل من أجل التنوير في الشرق الأوسط في الحاضر، وما يتم القيام به باسم محمد في يومنا هذا لا يتصف بالعدل، فكيف نقيم الشخصية الإسلامية والمجتمع الإسلامي الذي عجز حتى عن تعريف نفسه بمحمد، في الوقت الذي قام فيه محمد نفسه بالتركيز على التطورات الدينية والفلسفية والعلمية للمرحلة على أعلى مستوى في ذاته، وطوّر بنية المجتمع المنتج والدولة، وخطى خطوات جبارة في حياته هزت العالم، من الواضح أنه يجب علينا القيام بحركة تحطيم أصنام مشابهة للتي قام بها النبي إبراهيم وموسى وعيسى ومحمد على صعيد جميع البنى الذهنية والروحية في حاضرنا، ومن ثم القيام بذلك في مؤسسات المجتمع التحتية والفوقية.
#عيدالله_اوجلان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
منظمة حقوقية تشيد بمذكرات التوقيف الصادرة عن المحكمة الجنائي
...
-
بايدن يعلق على إصدار الجنائية الدولية مذكرات اعتقال بحق نتني
...
-
وزير الدفاع الإيطالي: سيتعين علينا اعتقال نتنياهو وجالانت لأ
...
-
كندا تؤكد التزامها بقرار الجنائية الدولية بخصوص اعتقال نتنيا
...
-
بايدن يصدر بيانا بشأن مذكرات اعتقال نتانياهو وغالانت
-
تغطية ميدانية: قوات الاحتلال تواصل قصف المنازل وارتكاب جرائم
...
-
الأمم المتحدة تحذر: توقف شبه كامل لتوصيل الغذاء في غزة
-
أوامر اعتقال من الجنائية الدولية بحق نتانياهو
-
معتقلا ببذلة السجن البرتقالية: كيف صور مستخدمون نتنياهو معد
...
-
منظمة التعاون الإسلامي ترحب بإصدار المحكمة الجنائية الدولية
...
المزيد.....
-
سعید بارودو. حیاتي الحزبیة
/ ابو داستان
-
العنصرية في النظرية والممارسة أو حملات مذابح الأنفال في كردس
...
/ كاظم حبيب
-
*الحياة الحزبية السرية في كوردستان – سوريا * *1898- 2008 *
/ حواس محمود
-
افيستا _ الكتاب المقدس للزرداشتيين_
/ د. خليل عبدالرحمن
-
عفرين نجمة في سماء كردستان - الجزء الأول
/ بير رستم
-
كردستان مستعمرة أم مستعبدة دولية؟
/ بير رستم
-
الكرد وخارطة الصراعات الإقليمية
/ بير رستم
-
الأحزاب الكردية والصراعات القبلية
/ بير رستم
-
المسألة الكردية ومشروع الأمة الديمقراطية
/ بير رستم
-
الكرد في المعادلات السياسية
/ بير رستم
المزيد.....
|