|
التعليم.....خط الدفاع الأخير
عزالدين مهان
الحوار المتمدن-العدد: 6148 - 2019 / 2 / 17 - 19:41
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
عديدة هي المقالات والمعزوفات والقصائد وحتى الروايات التي انبرت لتعظيم المعلم وبيان فضله على مجتمعه، حتى ارتقت به إلى منازل "القديسين" وأحاطته بهالة قدسية اجتماعية، مكنته من حظوة وسلطة رمزية، ذات اعتبار. هذه المكانة المعرفية والرمزية صاحبها اضطهاد اقتصادي رهيب. فالقوى المتحكمة لم تر فيه سوى آلة إنتاجية يتعين أن تساير ما تسميه قهرا "التوجهات العامة"، فيكون بذلك منفذا إيديولوجيا ومدجنا لملايين المتعلمين، بل لمجتمع بأسره في توافق وتناغم مع الآيات والمؤسسات الإيديولوجية الأخرى. ولئنه مشتغل بالفكر والمجرد أكثر من سواه، فقد كان دائم " المروق " عن المفروض، وتتطلع في فترات تاريخية إلى تجاوز درجة التنفيذ ليكون قائدا مجتمعيا وطامحا للتغيير المجتمعي، فصار عدوا للقوى الاستنزافية وعاكس توجهاتها. لطالما اعترض المعترضون على تسمية تعنييف المدرسين داخل المؤسسات التعليمية بالظاهرة، متعللين في ذلك أن الأمر لا يرقى بعد إلى ذلك، معتبرين ما يجري ـأحداثا، لكن الأمر غير ذلك، فأشكال العنف المسلط على الأطر التربوية والإدارية داخل المؤسسات التعليمية أدعى أن تسمى ظاهرة، ونتاجا وامتدادا طبيعيا لما اقترفته الدولة و تقترفه من تعنيف اقتصادي واجتماعي وسياسي في حق مشاعل الفكر والثقافة، وحاملي هم التغيير والصحوة الناعمة. قبل التطرق إلى تعنيف الأطر التعليمية داخل المدارس الأجدى أن نترصد أسبابه الفعلية: - عنف الدولة أولا رصيد الدولة المغربية العنيف في حق المدرس أوسع أو أبشع من أن يتم حصره في مجرد أسطر، فالأمر يتطلب صفحات طوال تتبعه منذ سنة 1956م إلى الآن، فالنماذج في ذلك معلومة ومسجلة، لكن ما تعرضت له التجربة النضالية للأطر المعطلة والأساتذة المتدربون(فوج الكرامة) من تدخلات قمعية همجية، والتي أثارت صدمة في حينها حتى لدى المعنفين ذاتهم الذين لم يتوقعوا كم البلطجة الإعلامية والبوليسية التي سلطت عليهم. قوض "قدسية" المدرس وشرعن تنكيله. ذات الهجمات المسعورة ستجد صداها لدى فئة من المتعلمين الذين أجبروا على المكوث في حجرات الدرس لأطول مدة ممكنة، فوجهوا عدوانيتهم صوب المدرس ونكلوا به، لعلهم يعتبرون ذلك ردا وانتقاما من الدولة التي همشتهم، فالمدرس شرطي بالأبيض ليس إلا، هكذا هو أو هكذا يرى نفسه أو يراه غيره؟ لقد تحولت المدرسة إلى بيئة حاضنة للعنف من الطرفين معا، وغذيت أسبابه، وتحول المدرس والمتعلم إلى عدوين باطنيا وإن لم يفصحا عن ذلك، أما الإعلام الذاعر فيترصد كل حادثة لينكل بالمدرس ويشيطنه. لذا فالتعنيف الجسدي للمدرس ما هو إلا اليسير الظاهر من أشكال التعنيف الخفية التي لا تلحظ. فقد وجهت للمدرس حملات تعنيفية ثقافية واجتماعية، إذ سلطت عليه حملة من النكت الساخرة الهازلة، التي حطمت وهم النموذج الاجتماعي والثقافي، واتهم بالخذلان، وخيانة الأمانة، والخمول والاغتناء دون جهد، فالمدرسون متخمون بالعطل، ولا يعملون إلا أربع ساعات يومية، ويتملصون من العمل بالرخص والاضرابات، وغيرها من المسكوكات التي أريد لها أن تلحق به، حتى صارت علامة مسجلة تطبعه بل ومن أقرب مقربيه. أما اقتصاديا فنظرة بسيطة إلى نظام الأجور تكشف هشاشة هاته الفئة، التي تصنف الأقل أجرا عربيا على الأقل، ناهيك عن الوضع المعيشي المتأزم في المغرب مقارنة مع غيره، فسلالم الترقي معطلة ورتبه هزيلة، أضف إلى ذلك المنع من مزاولة أنشطة مدرة لدخل إضافي، دون أن ننسى التبعات الكارثية لاقتطاعات التقاعد والإضراب، لما في ذلك من إرهاق مادي وكبح للحركات الاحتجاجية، وتضييق على الحقوق النقابية. أما سياسيا فالأفق مسدود، والإنجازات لا توجد إلا في أرشيف القنوات الرسمية والنشرات الإخبارية السلطانية. - التعليم خط الدفاع الأخير لم يخل الشارع الاحتجاجي منذ 2011م إلى الآن من الاحتجاجات كرد فعل على الردة التي عرفها الحقل السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي؛ لكن الحركة الاحتجاجية التعليمية لم تهدأ مطلقا وظلت تتناوب في ردها الطبيعي على غزاوات الرأسمالية التي ناصبت التعليم العمومي العداء التام، وصوبت رشاشها إلى الفئة العاملة؛ وما رصاصات التقاعد والتعاقد وقانون الإضراب إلا الطلقات الأولى من رشاش الزحف على المكتسبات. وبقدر ما تُثمَّن الحركات والتنسيقيات الرافضة من داخل الجسم التربوي بقدر ما يحق التأسف على واقع التفييئ والتشرذم النقابي والتنسيق الفئوي، وغياب الوعي الجمعي بالانتماء الطبقي والوظيفي العمالي، لكن نترقب الاستمرار على درب التنسيق الوحدوي، ونسترجي الوعي بخطورة المرحلة ومفصليتها، وإلى ذلك سيظل الحقل التربوي خط دفاع صلب سيتعزز بيقظة الحركتين التلاميذية والطلابية.
#عزالدين_مهان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
التعليم.....خط الدفاع الأخير
المزيد.....
-
بدولار واحد فقط.. قرية إيطالية تُغري الأمريكيين المستائين من
...
-
عوامل مغرية شجعت هؤلاء الأمريكيين على الانتقال إلى أوروبا بش
...
-
فُقد بالإمارات.. إسرائيل تعلن العثور على جثة المواطن الإسرائ
...
-
واتسآب يطلق خاصية تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص
-
بعد العثور على جثته.. إسرائيل تندد بمقتل إسرائيلي في الإمارا
...
-
إسرائيل تعلن العثور على جثة الحاخام المختفي في الإمارات
-
هكذا يحوّل الاحتلال القدس إلى بيئة طاردة للفلسطينيين
-
هآرتس: كاهانا مسيحهم ونتنياهو حماره
-
-مخدرات-.. تفاصيل جديدة بشأن مهاجم السفارة الإسرائيلية في ال
...
-
كيف تحوّلت تايوان إلى وجهة تستقطب عشاق تجارب المغامرات؟
المزيد.....
-
عن الجامعة والعنف الطلابي وأسبابه الحقيقية
/ مصطفى بن صالح
-
بناء الأداة الثورية مهمة لا محيد عنها
/ وديع السرغيني
-
غلاء الأسعار: البرجوازيون ينهبون الشعب
/ المناضل-ة
-
دروس مصر2013 و تونس2021 : حول بعض القضايا السياسية
/ احمد المغربي
-
الكتاب الأول - دراسات في الاقتصاد والمجتمع وحالة حقوق الإنسا
...
/ كاظم حبيب
-
ردّا على انتقادات: -حيثما تكون الحريّة أكون-(1)
/ حمه الهمامي
-
برنامجنا : مضمون النضال النقابي الفلاحي بالمغرب
/ النقابة الوطنية للفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين
-
المستعمرة المنسية: الصحراء الغربية المحتلة
/ سعاد الولي
-
حول النموذج “التنموي” المزعوم في المغرب
/ عبدالله الحريف
-
قراءة في الوضع السياسي الراهن في تونس
/ حمة الهمامي
المزيد.....
|