|
افول الفلسفة الاسلامية قبل تجليها (11)
عماد علي
الحوار المتمدن-العدد: 6148 - 2019 / 2 / 17 - 17:07
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
من هنا يمكننا ان نعود مرة اخرى الى المثقف الاسلامي الكبير و نعني ( جاحظ) و ننتاجه الاخر، و به يمكن ان نعود مرة اخرى الى الحقيقة ذاتها. جاحظ في كتابه ( الحيوان) يخدم توجهنا هذا من زاوية اخرى. انه في البداية يتحدث عن تاريخ الشعر بانه حديث الولادة و عمره صغير(7). لذا انه يعتقد بان يعود عمر الشعر الى نحو مئة و خمسين الى مئتي عام لماقبل ولادة النبي . و بعد ذلك يميل الى الثقافة العربية قبل الاسلام الذي يعبّر عنها بكلمة الحكمة العربية. انه يعتقد بما انه ثمرة الحكمة العربية هي الشعر فلا يمكن ترجمته، لان الشعر له الوزن و القافية ، وحتى ان تُرجم لن تعثر في معانيه اي شيء لم يتحدث عنه ( العجم) في كتبهم(8). و عليه انه من ناحية المضمون لم يضف اي زيادة على الثقافة الانسانية و لم تكن هناك ضرورة ثقافية تفرض على الشعوب ان تترجم تلك النتاجات، علاوة على ما يقوله جاحظ انه شعر ولا يمكن ترجمته. لذا انه و في سياق الحوارات حول السيَر و افتخار الشعوب و كيفية الحفاظ عليه و الذي يسمى بلغة اليوم الحضارة، انه يتكلم عن ثلاث اجناس في الحفاظ على هذه السيَر و هي عبارة عن العمارة و بقايا القصور و العمارات و الابنية، مع الشعر و الكتب. انه يعتقد بان اسوا و اضعف جنس للحفاظ على تلك السيَر، هو القصور و العمارات و المخلفات العتيقة، لانها تتدمر و تفنى هذه مع مرور الزمن و اثناء الحرب و تغيير السلطات. و ما يخص الشعر، و بسبب الخصوصية الشعرية التي يخص بها و هو لا يتمكن من ان يحتفظ جيدا بالسيَر لانه صاحب الوزن و القافية، و عليه لا يمكن ترجمته الى اللغات الاخرى، مع ذلك، فهو ايضا لا يتمكن من اداء هذا الدور. و هنا ياتي الى الكتب كافضل حافظة للسيَر و حكمة الشعوب، ويقول عن هذه الكتب بانها تُرجمت من امة لاخرى و من قرن لاخر، و من لغة لاخرى الى ان وصلت الينا( اي العرب) نحن اخر امة وصلتنا و ورثناها و اطلعنا عليها، لذا مع انه صحيح بان الكتب لها التاثير الاكبر و الافضل من العمارات و الشعر على بقاء السيادة.(9). هذا يعني ان الكتب هي الافضل ما تتمكن من الحفاظ على السيَر وما يمكن الافتخار به و على التاريخ من القصور و الابنية و الشعر. من هذا النص للجاحظ، ان نشاهد ( سؤال عن كتابة الشعر و نشره باسم الشعر العربي للعصر الجاهلي في المرحلة الاولى من الخلافة العباسية) اهم من ما قيل ضمن النصوص هو ما لم يُقال وراء النصوص. تلك الفضاء العام هي التي افضى بالشخصية الكبيرة لذالك العصر، و هو عصر كتابة الشعر الجاهلي ان يسال و يعبّر عن رايه حول ذلك، و هو عبارة عن السؤال المطروح وهو؛ ايهما اكبر و احسن لمفخرة الشعوب، البناء، الشعر او الكتب؟ لانه بهذه الطريقة نتمكن بشكل واضح ان نصل الى ما كان في ذلك العصر من حوار الافتخار بالماضي البعيد عند الشعوب الاسلامية قويا. و من هذا التفسير للجاحظ يمكننا ان نقول بانه لم تكن العرب اصحاب الابنية المدنية البارزة الكبيرة ، مع انعدام نتاج كتاب مكتوب لديهم فلاذت العرب الى الشعر لصنع هذه السيَر. و هذه حقيقة تكلم عنها اكثر من باحث عن كتابة الشعر الجاهلي و ابرزهم طه حسين و كتابه حول الشعر الجاهلي، لان جميع هؤلاء الباحثين حللوا هذه النصوص و انتقدوا تلك التوجهات التي تعتقد بان هذه النصوص تعود الى العصر ماقبل الاسلام، و اعادوا ذلك بان احدى هذه الاساطير( وفق تسمية جولدتسهير) محاولة العربان لصنع السيَر و التاريخ لهم. و من اجل التقارب الاكثر من ظروف الفلسفة في البيئة العربية قبل الاسلام، يمكننا ان نعود الى احد الشخصيات التاريخية المهمة، وهو ( القاضي ابن ساعد الاندلسي)، صاحب الكتاب المهم جدا ( طبقات الامم)، توفي في النصف الثاني من القرن الخامس. بعد ان يتحدث عن ملوك الحمير( قبيلة عربية في اليمن، كانت لهم السلطة قبل مجيء الاسلام بستمئة سنة)، يقول؛ لم يهتم هؤلاء بالفلك و لا بحركات النجوم، و لم يهتمو بالفلسفة ابدا. و كما هو الحال لم نسمع عن احد من ملوك العرب في العصر الجاهلي قد اهتم باحد من تلك العلوم ( و يقول ايضا؛ العلم الذي تفتخر به العرب و تتباهى به، هو علم لغتها الخاصة بها و قوانينها، مع صياغة نظم الشعر و تاليف الخطابات (11) و يتحدث عن ان العرب وحدها كانت تعلم متى تخرج او تشرق النجوم و تغيب، مع اهتمامهم بوقت الامطار، و هذا بسبب الاحتياجات المعيشية و ليس بسبب تعلم الحقائق. مع معرفتهم لبعض العلوم حول المناخ و العواصف و تقسيم الزمن. و في الصفحة ذاتها يقول: تلك هي مقدار المعرفة التي كانت لدى العرب. و الا من ناحية علم الفلسفة، لم يقدم لهم الله العظيم اي شيء منه و اصلا لم يركّبهم او يخلقهم للاهتمام به. لم نسمع اي شخص عربي اصيل كان معروف بها، عدا الكندي و حسن الهمداني فقط ان كانوا عربا حقا. في هذا النص تتكرر الحقيقة التاريخية مرة اخرى و هي ان العرب في مرحلة ماقبل مجيء الاسلام و بروز علم الكلام و بعد ان اختلطت الفلسفة الاغريقية مع الحضارات، و لكن هؤلاء عاشوا كجزء من الطبيعة، مع ذلك و وفق ااكثرية المصادر التاريخية الاسلامية، عند مجيء الاسلام، كان عدد العربان التي لها قدرة القراءة و الكتابة لم يصل الى خمسة عشرة شخصا، و هذه الحقيقة ذاتها كما سجلها القرآن على ذلك المجتمع عندما يقول في سورة الجمعة الآية الثانية، في حديثه عن القومية العربية فيقول( هو الذي بعث الاميين رسولا منهم يتلوا عليهم آياته و يزكيهم و يعلمهم الكتاب و الحكمة).
#عماد_علي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
افول الفلسفة الاسلامية قبل تجليها (10)
-
افول الفلسفة الاسلامية قبل تجليها (9)
-
افول الفلسفة الاسلامية قبل تجليها (8)
-
افول الفلسفة الاسلامية قبل تجليها (7)
-
افول الفلسفة الاسلامية قبل تجليها (6)
-
افول الفلسفة الاسلامية قبل تجليها (5)
-
افول الفلسفة الاسلامية قبل تجليها (4)
-
افول الفلسفة الاسلامية قبل تجليها (3)
-
افول الفلسفة الاسلامية قبل تجليها (2)
-
افول الفلسفة الاسلامية قبل تجليها (1)
-
من عاش مخادعا مات متسكعا
-
هل النخبة السائدة انصفت المهمشة؟
-
ايهما المتهم الدين ام العلم ؟
-
هل الكلام مع الغيب ممكن ؟
-
فرصة سانحة لليسار الكوردستاني لا تعوض
-
انعدام المعارضة الحقيقية في العراق و كوردستان ايضا
-
متى نصل الى نقطة نعمل فيها بقدر ما نتتقد؟
-
لماذا ترجمتُ كتاب الشخصية المحمدية الى اللغة الكوردية؟ ( 5 )
-
لماذا ترجمتُ كتاب الشخصية المحمدية الى اللغة الكوردية؟(4)
-
لماذا ترجمتُ كتاب الشخصية المحمدية الى اللغة الكوردية؟ (3)
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|