|
تجديد الخطاب الديني
حسن خليل
الحوار المتمدن-العدد: 6147 - 2019 / 2 / 16 - 01:54
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
1 – بداية الخطاب الديني تم تجديده علي يد عشرات من المفكرين و الكتاب العرب و المسلمين في القرن ال 20 و تحمل بعضهم أقسي المشقة في سبيل ذلك بما فيه القتل و النفي و التكفير و الحجب عن وسائل الإعلام الخ . و التجديد المعاصر للخطاب الديني أخذ أشكالا متنوعة منها إعادة قرأة التاريخ الإسلامي و منها نقد العلوم الإسلامية القديمة مثل الفقة و أصول الدين و منها دمج المناهج العصرية في مناهج البحث الديني و كذلك تقديم مفاهيم عصرية مثل الديمقراطية و حقوق الإنسان للساحة الدينية و حتي البحث في التاريخ القديم قبل و بعد الإسلام و مناقشة الرموز الإسلامية السابقة. لذلك يصبح السؤال ليس تجديد الخطاب الديني بل لماذا يتم حجب و منع الخطاب الديني الاكثر استناره من المجال العام و من التعليم و لماذا لا يقدم للجمهور و الطلاب إلا أشد الخطابات الدينية رجعية و تخلفا ؟ 2 – تاريخيا خطا المفكرين العرب و المسلمين – العرب هنا بالمعني الثقافي – في الماضي البعيد خصوصا القرون الثلاثة الأولي للإسلام خطوات كبري نحو فهم أكثر عقلانية و أنفتاحا للدين الإسلامي و أصبحت هناك تيارات إسلامية تؤكد علي دور العقل و النقد و الانفتاح علي الديانات الأخري مثل المعتزلة و القرامطة و أخوان الصفا ناهيك عن الفلاسفة المسلمين القدامي الكبار مثل الفارابي و أبن سينا و أبن رشد و غيرهم فلم التركيز فقط علي المذاهب الأربعة و خصوصا علي أشدها إنغلاقا و تعنتا ؟ 3 – دون الإجابة علي السؤالين السابقين و الأسئلة الشبيهة لن نعرف كيف يمكننا تجديد هذا الخطاب و هو ينطبق علي الشيعة و السنة بنفس القدر . سأضرب مثال واحد من قضية هامشية و لكن وزنها للأسف كبير جدا و هي قضية حجاب المرأة . في مطلع الثمانينات كتب الدكتور حسين أحمد أمين كتاب دليل المسلم الحزين و فيه يفند الدعوة لحجاب المرأة علي أساس ديني صرف . و رغم كل الذي يقال و يكتب عن هذة القضية لم يتم تناول هذا الكتاب رغم أنه حاز علي الجائزة الأولي في معرض الكتاب السنوي. نحن لا نفتقر للأفكار نحن لا يسمح لنا بتداول و نشر الافكار المنتجة فعلا خصوصا فيما يتعلق بالدين. 4 – ثم عن أي خطاب ديني نتحدث هناك علي الأقل 5 خطابات دينية مختلفة في ذات الوقت . الخطاب الذي تتبناه الدولة الرسمية و الذي يتبناه الأزهر و الخطاب الإخواني و توابعه الداعشي و ما أشبه ثم خطاب عامة الشعب الذي يتأثر بكل ما سبق و كذلك الخطاب الديني للمثقفين الاكثر تحررا . و يمكننا أن نضيف حتي الخطاب الصوفي الأكثر غنوصية و غيبية لكن الأكثر تساهلا قياسا للرسمي و الأزهري. بما أن الدين موضوعا محوريا في حياة الشعب فكل طبقة اجتماعية تتبني لونا دينيا ما يتناسب مع مصالحها الاجتماعية أو يواجهة خصومها الطبقيين . و بما أننا مجتمع لم تتطور فيه الرأسمالية بشكل كافي بل أنحدرت للرجعية و البيروقراطية و الريعية فهي لم تستطع أن تعلمن الدولة و القانون و بالتالي أصبح لدينا عددا من الإسلامات . الصراع الطبقي هو جوهر تعدد الخطابات الدينية . 5 – ثم لدينا التدخل الإمبريالي بأشكاله المتعددة في خطابنا الديني. و الإمبريالية تختار من خليط الخطابات الدينية المتاحة أكثرها تشددا و رجعية. فقد أختارت أنجلترا دعم الإخوان في بداية نشأتهم و استمرت حتي الساعة و المانيا أيضا سمحت ببناء مركزا عالميا لهم – ما يعرف بأسم خلية ميونخ – أما الامريكان فكان لهم الدور الأكبر بدء من دعم دولة الوهابية و الدفع في أتجاه ما سموه الحلف الإسلامي أيام ناصر حتي تأسيس منظمة القاعدة لمحاربة السوفييت مع تجنيد السادات و اخرين لذلك وصولا للربيع العربي و محاولة فرض الإخوان كحكام في دول المنطقة ناهيك عن تسليم العراق المحتل للقوي الإسلامية الشيعية و السنية الأكثر تطرفا بل محاولة تقسيم البلد علي أساس طائفي. و ناهيك عن الدعم المباشر من أمريكا و فرنسا و إسرائيل لأشد المتطرفين الدينيين وحشية في الحرب الدائرة ضد سورية .يمكننا لذلك أن نؤسس لمفهوم الخطاب الديني الإمبريالي و هو علي أقصي اليمين الديني المتطرف. 6 – نستنتج من ذلك أن قضية تجديد الخطاب الديني هي قضية السلطة في الجوهر سواء السلطة المحلية أو العالمية. وضع الملك فؤاد في دستور 23 أن الإسلام دين الدولة. و عبد الناصر أنشأ جامعة طائفية هي جامعة الازهر و عليه خلق نظام تعليمي موازي و طائفي فيه اليوم 2 مليون إنسان من الابتدائي للجامعة. و قدم ناصر نفسه علي أساس أنه من ناحية مسئول عن الإسلام و من ناحية أخري حامي الاقلية المسيحية. و رغم كل مصادراته الاقتصادية لم يقرب ناصر للممتلكات الهائلة لرجال الدين المعروفة باسم الاوقاف. أما السادات فتبني الاتجاهات الاكثر تخلفا و رجعية فاطلق سراح الإخوان ليكونوا ذراعه في مواجهة اليسار و دعم القاعدة و اشباهها في افغانستان بالرجال و السلاح الخ. و جعل في المادة الثانية للدستور الشريعة الإسلامية مصدر التشريع متماشيا في ذلك مع التوجهات الأمريكية. و حينما أطيح بمبارك أكتشفنا أن هناك 2000 استاذ جامعي اخونجي كلهم حصلوا علي موافقات الأمن ليصلوا للمنصب و الاف "الجمعيات" و الشركات كلها بتصريح من مبارك الذي أعتبرهم البعبع الذي سيحبط كل تفجر اجتماعي . و اوباما "الديمقراطي" هو من هندس وصول الاخوان للحكم و قالها علنا في جامعة القاهرة. 7 – و لا تكتفي السلطة بتشجيع التيارات الاكثر تشددا بل تصدر قوانين بذلك منها قانون الحسبة الذي مكن غلاة المتطرفين من رفع دعاوي ضد المفكرين و أشهرهم دعوي لتطليق الدكتور حامد نصر ابو زيد من زوجته باعتباره كافر مما أضطره للهرب لهولاند فهو قانون يعيدنا للعصور الظلامية و كذلك قانون ما يسمي بأذدراء الدين الذي علي أساسه زج بالكثيرين في السجون خصوصا المسيحيين بل أن الشرطة تعتقل مباشرة من يشاع عنهم أنهم ملحدين . و من ناحية أخري ترفض السلطة حزف الديانه من الهويات الشخصية و ترفض أصدار هويات للبهائيين – رغم أن هذا كان أمر طبيعي في الستينات – كما ترفض تعديل اللائحة المتخلفة بشأن بناء الكنائس و ترميمها فبناء الكنائس يشترط موافقة رئيس الجمهورية شخصيا. و هذا يفتح الباب للمهاويس الدينيين لمهاجمة الكنائس بدعوي مخالفتها للقانون بل حتي تهجير العائلات المسيحية تحت سمع و ربما بمشاركة الشرطة. و بينما تتابع وزارة التضامن و الشرطة الجمعيات الاهلية التي تدعو للديمقراطية – أيا كانت حقيقة هذة الدعوة – فهم يتعامون عن الجمعيات الإسلامية المنتشرة في طول البلاد و عرضها و كذلك المدارس و هي تتلقي تمويلا بمئات الملايين من الخليج و في فيديو شهير تباهي أحدهم بأن ميزانية جمعيته تعد بالمليارات دون حسيب أو رقيب!! فالسلطة السياسية هي المسئول الأول عن تخلف الخطاب الديني في مصر. 8 – و مادمنا نتحدث عن السلطة كدافع أساسي لبروز التيارات الدينية الأكثر تشددا فلابد من تناول دور اليسار. في الاربعينات كان اليسار المصري ملء السمع و البصر و أفرز عشرات من الكتاب و الأدباء و المفكرين منهم الرائد الدكتور لويس عوض الذي سمي خليفة طة حسين. لكن رغم ذلك لم يرفع اليسار شعار العلمانية بشكل جدي و لم يدرجه علي لوائحه في نوع من التواطئ الضمني مع الرحعية الدينية و حتي اليوم لا يرفع هذا الشعار إلا علي أستحياء رغم كل الحديث عن الديمقراطية و لا تستقيم أي ديمقراطية دون العلمانية . الدكتور الراحل عبد الوهاب المسيري تناول العلمانية في كتاب ضخم ملتبس "العلمانية الكلية و العلمانية الجزئية" و رغم مسالب المداخلة لم يتقدم أحد لفتح و لتعميق الحوار عدا الدكتور مراد وهبة و هو لا يعد في صفوف اليسار. و الدعوة لعلمانية الدولة هي أساس لكل تجديد للخطاب الديني المختطف من قبل التيارات الرجعية لذا فهي تعادي العلمانية و تساويها بالالحاد أو الكفر. 9 – لابد من وقفه سريعة مع مجمل الخطاب الديني الرجعي الإخواني علي سبيل المثال . هو خطاب اقطاعي بامتياز . و ليس اقطاعيا بالنسبة للتاريخ العربي الإسلامي بل بالنسبة للاقطاع عموما فالاستعلاء الديني و احتقار الاديان الاخري و فهم العالم علي أساس الدين و العنف الشديد مع المخالفين حتي الحرق و الذبح و احتقار المرأة و اعتبارها عورة .و حتي ما يسمي بالصكوك الإسلامية الخ كلها افكار في تاريخ أوروبا الاقطاعية أيضا لكنها الاقطاعية في حالة الزوال و التراجع. 10 – لا تهدف السلطة من وراء تمسكها بالخطاب الديني المتشدد لتجميل صورتها أمام الرأي العام أو "للتنافس" مع التيارات الظلامية فحسب لكن أيضا لحرف النضال الشعبي و احباطه . فالشعب الذي في رأسه كل هذة الخزعبلات لن يثور أبدا. و بالتالي ترث قوي الاشتراكية ما جبنت عنه البرجوازية بما في ذلك العلمانية و التحرر من طغيان التخلف الديني.
#حسن_خليل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هل سيصبح السودان من دول الربيع العربي ؟
-
تعليق مختصر علي برنامج الحزب الاشتراكي المصري
-
السودان و الديمقراطية
-
عودة الدولة
-
100 عام علي ثورة اكتوبر الاشتراكية
-
أضحك مع صديقي الشاب
-
من بلفور إلى ترامب: المواجهة هي الرد
-
جيولوجيا التعويم
-
هل انهيار الاتحاد السوفييتي سبب أزمة اليسار؟
-
أيها الماركسية كم من الجرائم ترتكب باسمك
-
أسطورة القومية العربية
-
بين الشمال و الجنوب
-
الثورة كصنم
-
جيل الثمانينات
-
رحيل المناضل الكبير خليل كلفت
-
الثورة و مأساة الليبرالية المصرية
-
نظريات اليسار حول التدخل الروسي
-
الصعود الروسي
-
العالم الجديد
-
ملاحظات عن الثورة
المزيد.....
-
الأنشطة الموازية للخطة التعليمية.. أي مهارات يكتسبها التلامي
...
-
-من سيناديني ماما الآن؟-.. أم فلسطينية تودّع أطفالها الثلاثة
...
-
اختبار سمع عن بُعد للمقيمين في الأراضي الفلسطينية
-
تجدد الغارات على الضاحية الجنوبية لبيروت، ومقتل إسرائيلي بعد
...
-
صواريخ بعيدة المدى.. تصعيد جديد في الحرب الروسية الأوكرانية
...
-
الدفاع المدني بغزة: 412 من عناصرنا بين قتيل ومصاب ومعتقل وتد
...
-
هجوم إسرائيلي على مصر بسبب الحوثيين
-
الدفاع الصينية: على واشنطن الإسراع في تصحيح أخطائها
-
إدارة بايدن -تشطب- ديونا مستحقة على كييف.. وترسل لها ألغاما
...
-
كيف تعرف ما إذا كنت مراقبًا من خلال كاميرا هاتفك؟
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|