|
لماذا يلجأ الإسلاميون إلى الإشاعة الكاذبة ؟
أحمد عصيد
الحوار المتمدن-العدد: 6143 - 2019 / 2 / 12 - 23:35
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
من الأقوال البليغة حول الإشاعة أن "الإشاعات يخلقها الحاقدون ، وينشرها الحمقى ، ويتقبلها الأغبياء". وهذا معناه أن مصدر الإشاعة هو دائما الرغبة في الإساءة والتحطيم، ولكن يتم هذا في الغالب ضدّ من لم تنفع معه وسائل أخرى، وهذا معناه أن أكثر الناس عرضة للإشاعة هم الذين يتمتعون بقدر من المصداقية، حيث لا يجد خصومهم منفذا إليهم مما يضطرهم إلى خلق الإشاعة وترويجها لكي يتقوّوا بها ويتسلحوا، ولهذا تدخل الإشاعة ضمن الكذب والتزييف، وتحتاج إلى قدر كبير من النذالة وانعدام الضمير لكي تخلق. وتتميز الإشاعة بطابع الإثارة، حيث يكون الهدف هو لفت انتباه الجمهور، كما تتميز بأنها لا تستند إلى أي مصدر موثوق أو دليل أو حُجة، لأنها إبداع محض لمن هدفه الإساءة، لكن رغم قوة الإشاعة وتأثيرها السيء، إلا أن مفعولها يظل محدودا وعابرا بسبب أن "الكذب حبله قصير" كما يقال، إذ سرعان ما تتبين الحقائق وتنكشف للجميع. الإشاعة إذن سلاح فتاك في يد الضعفاء، لأنهم لا يتوفرون على الحُجة الكافية لتغليب آرائهم، كما أنهم يشعرون عبر فعلهم المُشين بإشباع نفسي وتعويض لما ينقصهم. وقد يزداد الأمر فداحة عندما نجد أن من يدّعون الطهرية و"الاستقامة" هم الأكثر استعمالا للإشاعة وللكذب، ما يعني أنهم الأكثر انحطاطا من الناحية الأخلاقية. ومن هؤلاء الذين ذكرنا الإسلاميون الذين أصبح لهم باع طويل وخبرة كبيرة في خلق الإشاعة وترويجها، وسبب تفوقهم في هذا الباب هو وضعية الهشاشة التي يشعرون بها أمام الواقع والعلم والتطورات الهائلة للحياة العصرية، ما يجعلهم يضطرون إلى تعويض الحُجج بالخرافة والعاطفة والعنف اللفظي، وكذلك بالإشاعة الكاذبة، التي هي نوع من العنف، لأنها تستهدف الشخص في أمنه وكرامته وحقوقه الأساسية. ولنا مع الإسلاميين ـ نحن الحداثيون الديمقراطيون ـ قصص طريفة في هذا الباب، حدثت على مدى السنوات الأخيرة ، وأسرد منها للقراء الكرام بعض النماذج التي يمكنهم التحقق منها بأنفسهم لأنها توجد على الأنترنيت: 1) في بداية الألفية الثالثة شهد المغرب صراعا قويا حول المساواة بين الجنسين طرح ضرورة تعديل مدونة الأحوال الشخصية، وفي خضم الصراع الدائر بين الحداثيين والإسلاميين عمد هؤلاء من أجل تشويه خطة إدماج المرأة في التنمية إلى استعمال إشاعتين كاذبتين: الأولى اعتبارها خطة صهيونية أملتها إسرائيل، حيث قامت الصحافة الإخوانية بنشر صورة مفبركة تجمع عبد الرحمان اليوسفي الزعيم اليساري مع الرئيس الإسرائيلي، مع العلم أنهما لم يلتقيا أبدا من قبل، أما الكذبة الثانية فقد أشاعوا وهم يدقون أبواب المنازل ليحذروا الأسر من خطورة الخطة، ومن أي تعديل للمدونة، بأن الخطة ستجعل بنات المغاربة تدخلن من الشارع في الرابعة صباحا، حيث ستصبحن مومسات وبائعات هوى. طبعا لم تنفع الأكاذيب في منع تعديل المدونة، كما لم تمنع من إقرار دستور 2011 في فصله التاسع عشر أيضا للمساواة بين الجنسين في الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية. 2) من بين الإشاعات كذلك ما نشروه حول السيدة نزهة الصقلي من أنها تدعو إلى "إلغاء الآذان"، حيث دعت النائبة البرلمانية آنذاك إلى أخذ شكايات المواطنين بعين الاعتبار، والتي تتعلق بالزيادة المفرطة في أبواق المساجد إلى درجة الإزعاج، وهو ما يخالف القانون، لأن هناك حدّا لا ينبغي تجاوزه، خاصة وأن ذلك يتم حتى في الأحياء السياحية التي يقطنها سُياح أجانب، كما كذبوا عليها عندما دعت إلى مواجهة بعض المتطرفين الذين يحاولون منع ارتداء لباس البحر في الشواطئ، فقالوا عنها إنها تدعو إلى "استعمال المايو في المساجد" !؟ . 3) ومنها كذلك ما نشر في حق الكاتب رشيد أيلال بعد إصداره كتاب "صحيح البخاري نهاية أسطورة"، حيث عرضوا فيديو له مع ابنته مرفقا بتعليق يقول إنه يعاشر فتاة قاصرا، وقد فعلوا هذا بعد أن هربوا من كل ملتقيات النقاش والحوار التي لم يستطيعوا فيها مواجهة الكاتب، وبالمقابل لجئوا إلى وزارة الداخلية لمنع الكتاب وجمعه من السوق ومصادرة النسخ المتبقية بالمطبعة. 4) ومنها ما نشروه حول أحمد بنشمسي المدير السابق لمجلة "تيل كيل" حين كتب عن العنف في رمضان متسائلا عن سبب تزايد مظاهر اللاتسامح في شهر الصيام، وعن سوء أخلاق المغاربة في ذلك الشهر الذي يعتبرونه شهر بركات وخيرات. وقد عقب محمد يتيم على المقال بالقول إنه يدعو إلى "إبطال شعيرة دينية" وشنوا حملة عليه، بينما لا أثر لما ذُكر مطلقا فيما كتبه بنشمسي. 5) أما بالنسبة لكاتب هذه السطور فقد لاحقه الإخوان والسلفيون بكل أنواع الإشاعات منذ سنوات، وأذكر منها اتهامي بالقول إن "النبي إرهابي" وهو ادعاء ملفق لأنني لم أقل قط إن النبي كتب تلك الرسالة، التي لا وجود لها كوثيقة تاريخية، بل هي منسوبة إليه شأن جميع الأخبار التي دونت بعده بأزيد من 150 سنة. وكذا اتهامي بالدعوة إلى "حذف الفاتحة من القرآن" وذلك بعد أن طالبتُ بإعادة النظر في تفسير الآية "غير المغضوب عليهم ولا الضالين" والتي يعمل المدرسون من خلالها على زرع الكراهية في الأطفال في سنّ السادسة ضدّ اليهود والنصارى، وهو ما يخالف الأهداف التربوية للمدرسة، ولذلك تم حذف هذه الأمور فعلا من الكتب المدرسية بعد المراجعة الأخيرة التي تمت لمقرّرات التربية الدينية. وقد اعتبر الإخوان دفاعنا عن الحريات الفردية "دعوة إلى الدعارة" واعتبروا دعوتنا إلى المساواة بين الجنسين "عداء للدين"، كما لو أن الدين هو التفاوت والتمييز، ونشروا بأنني قلت في مناظرة إن "الإسلام متجاوز"، بينما يتعلق الأمر بتطبيق "الحدود" والعقوبات الجسدية التي اعتبرتها متجاوزة لا يمكن العودة إليها، واعتبروا حديثنا عن الصحابة الأوائل وفق الصورة التاريخية التي أوردتها عنهم أمهات الكتب كالطبري والمسعودي وابن الأثير وابن قتيبة والسيوطي وابن عبد الحكم وغيرهم، اعتبروا ذلك سبّا للصحابة وشتما لهم بينما أوردنا معطيات تاريخية من مصادرها ولم نصنعها، وكمثل ما ذهبوا إليه مؤخرا من أنني أدعو إلى حذف آيات الجهاد من القرآن وتقليص حجمه ، بينما دعوت بوضوح بعد كارثة شمهروش إلى الإعلان الصريح عن تعطيل استعمال تلك الآيات التي ترتبط بسياقات لم تعد قائمة ولن تعود أبدا. بينما يعتبر المتطرفون أن الآيات موجودة في القرآن لكي تطبق في كل زمان ومكان. وآخر أكاذيبهم ما يتعلق براتبي الشهري ومداخيلي المادية التي أوصلوها إلى تسعة ملايين، بعد أن انتشر خبر حصول السيد بنكيران عن تقاعد استثنائي مريح أثار موجة استنكار عارمة في أوساط الشعب المغربي. قد يتساءل القارئ عن سبب استعمال الإسلاميين للإشاعة الكاذبة رغم إعلانهم بأن مرجعيتهم دينية إسلامية ـ أخلاقية، وفيما يلي السبب الرئيسي: إن استعمال الدين في السياسة واعتباره مشروع سيطرة وتحكم يجعل كل الوسائل شرعية ومقبولة، بما فيها الأكثر انحطاطا، فهذا الخلط بين الدين والسياسة، والذي يفتح الباب لكل أنواع الرذائل والكوارث، من الكذب إلى الكراهية وحتى إلى التخطيط لإلحاق الأذى، هو المسؤول الرئيسي عن كل هذا القدر الكبير من النفاق والكذب، وما نتمناه لبلدنا هو أن تمر هذه المرحلة لينتهي هذا الوهم الجماعي الكبير، ويستعيد الناس الحسّ السليم الذي هو فطرة الإنسان الأولى قبل تحريفها.
#أحمد_عصيد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بيان من أجل الشفافية
-
رسالة مفتوحة إلى السيد وزير التربية الوطنية
-
أيها المغاربة، احموا أعيادكم وأفراحكم من ثقافة الموت والكراه
...
-
باختصار شديد: سيستمر الإرهاب ما دامت أسبابه قائمة
-
الحريات العامة بين الدستور والقوانين والممارسة السلطوية
-
الفنان إحيا بوقدير: سحر الصوت والكلمة والإيقاع
-
-الجهاد الكروي-
-
منع ندوة الحريات الفردية لا ينهي النقاش في المجتمع
-
كنز -بولمان- وأسطورة -المنقذ-
-
العقلية الإجرامية في رمضان
-
عندما يكون الإنسان هو الرأسمال الأول
-
تكريم المرأة على الطريقة الإخوانية (3)
-
-تكريم المرأة- على الطريقة الإخوانية (2)
-
-تكريم المرأة- على الطريقة الإخوانية (1)
-
صفعة تونسية للمغرب
-
أسئلة إلى -أهل الاختصاص-
-
نعم -صحيح البخاري- ليس صحيحا
-
النقاش في الإرث ليس إرادويا
-
عندما يتهم الفقهاء غيرهم ب-الجهل-
-
حقوق المرأة و-استقرار الأسرة-
المزيد.....
-
البندورة الحمرة.. أضبط تردد قناة طيور الجنة بيبي على نايل سا
...
-
هنري علاق.. يهودي فرنسي دافع عن الجزائر وعُذّب من أجلها
-
قطر: تم الاتفاق على إطلاق سراح أربيل يهود قبل الجمعة
-
الفاتيكان يحذر من -ظل الشر-
-
عاجل | مصادر للجزيرة: الشرطة الإسرائيلية تعتقل الشيخ رائد صل
...
-
الفاتيكان يدعو لمراقبة الذكاء الاصطناعي ويحذر من -ظلاله الشر
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون الأقصى ودعوات لتكثيف الرباط بالمسجد
...
-
قائد الثورة الاسلامية: لنتحلّ باليقظة من نواجه ومع من نتعامل
...
-
قائد الثورة الاسلامية: العالم يشهد اليوم المراحل الثلاثة للا
...
-
قائد الثورة الاسلامية: المقاومة التي انطلقت من ايران نفحة من
...
المزيد.....
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
المزيد.....
|