أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - محمد عبد الرضا شياع - الشّاعر أحمد المجاطي بين عذاب الكتابة وألق الإبداع















المزيد.....

الشّاعر أحمد المجاطي بين عذاب الكتابة وألق الإبداع


محمد عبد الرضا شياع

الحوار المتمدن-العدد: 1527 - 2006 / 4 / 21 - 06:59
المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
    


"إن الكتابة عذاب والاسترسال فيها أليم"‏
باسترناك

يُعَدُّ الشّاعر أحمد المجاطي (1936- 1995) من أبرز الوجوه التي شيّدت صرح القصيدة الحديثة بالمغرب في ستينات القرن العشرين، وهو الذي ساهم مع ثلة من زملائه في إرساء أُسس الخطاب النّقدي الحديث، حيث المجاطي باحث وأستاذ في الجامعات المغربية، علاوة على كتابة الشّعر. لقد تَرَكَنا المجاطي مشدوهينَ بديوانه الوحيد "الفروسية"* والمتتبع لهذا الدّيوان يجده مسكوناً بالوجع الشّعري. وجع يعبِّر عن هموم الزّمان والمكان العربيين، إذ تحفل قصائد هذا الدّيوان بخلفيتها التّراثية التي تشكِّل عالماً يبتهج بالوقائع والأحداث التي تتفاعل مع لحظة الكتابة الشّعرية وتجلياتها. فإذا كان الشّاعر يبدو غريباً على زمن الأحداث، فإنّه يظلّ قابضاً على زمن القصيدة ونارها. لذلك جاء الدّيوان بأكمله كتابةً تكشف عن عمق الجروح والانكسارات التي تَشِمُ الجسد العربي في كلّ أعضائه. وقراءة بعض الأبيات من قصيدة "القدس" تأخذنا إلى هذا العذاب:‏

تحز خناجر الثّعبان

ضوء عيونكِ

الأشيب

وتشمخُ في شقوق التّيه

تشمخُ لسعةُ العقرب

وأكبر من سمائي

من صفاء الحقد في عينيّ

أكبر

وجهكِ الأجدبْ

أيا باباً إلى الحق‏

ارتمى

من أين آتيكِ

وأنتِ الموتُ، أنتِ الموتْ

أنتِ المُبتغى

الأصعبْ.‏



يحتل المكان، ليس في قصيدة "القدس" وحدها، بل في معظم قصائد الدّيوان أهمية كبيرة يتحد في ضوئه الزّمن العربي المتعثر... ولعل أهمية المكان تأتي من كون الإنسان يدرك المكان إدراكاً حسياً مباشراً انطلاقاً من جسده الذي يُعَدُّ المكان الأول بالنسبة إليه. في حين يدرك الزّمان إدراكاً غير مباشر من خلال فعله في الأشياء. أو كون الإنسان يرتبط بعلاقة حميمية بالأرض كارتباطه برحم الأم. وهذه قضية غاية في الأهمية حيث شغلتْ نقاد الفن زمناً غير قليل وفي مقدمتهم "غاستون باشلار ويوري لوتمان". من هنا جاءت أهمية "القدس، سبتة، طنجة، الدّار البيضاء، غرناطة، قرطبة، دمشق..." ليس لأنّها مدن لها تسمياتها العربية، وإنّما لأنّها تحفل بالمكان الشّعري الذي تبتهج القصيدة به. فالشّاعر يرتبط بحالة شعورية إلى حدّ العشق بالمدينة العربية علاوة على ما تنطوي عليه حالاتها المعيشية. وبين هذين البعدين تقوم عملية التّوتر الشّعري الذي يصفه محيي الدّين صبحي في الدّراسة المهمة الملحقة بالدّيوان بقوله:‏ "العشق يمنح القصائد دفقة عاطفية غامرة، أما المشاهد الموضوعية المعروضة بشكل تقريري فتمنح أجواء القصيدة صلابة، وتملأ مضمونها بمحسوسية معيشية...". فالمجاطي يمتلك رؤيا واضحة يطلق عليها محيي الدّين صبحي "الرّؤيا الكارثية". إذ تهدف هذه الرّؤيا إلى جمع شتات كل مسببات الوجع الإنساني، وصهرها في بوتقة الشّعر لتخرج تراكماً إبداعياً. فالنّص الشّعري عند المجاطي فضاء متعدد الأبعاد، تتعدد أضلاعه بتعدد المصادر والموضوعات التي ينطوي عليها. لذلك لا يمكن لأي قارئ اقتحام كون المجاطي الشّعري ما لم يكن محصّناً بثقافة تراثية تؤهله لذلك .فبين التّراث الدّيني والتّراث الشّعري العربي والحِكَم العربية تشيِّد قصيدة المجاطي مسكنها:

تلبسني الأشياء

حين يرحل النّهار

تلبسني شوارع المدينة

أسكن في قرارة الكأس

أحيل شبحي

مرايا.......‏

أقول:

يا أرض ابلعي ماءك

أو فلتغرقي

في الدّم

والأشلاء

والأنين. (قصيدة: السّقوط)



هكذا يبدو بجلاء مصدرُ أبيات المقطعين. فأبيات المقطع الأول تتناص مع قوله تعالى: "هن لباس لكم وأنتم لباس لهن" الآية، كما أنّ أبيات المقطع الثاني تتناصّ مع قوله تعالى: "وقيل يا أرض ابلعي ماءك، ويا سماء أقلعي، وغيض الماء، وقضي الأمر، واستوت على الجودي، وقيل بعداً للقوم الظالمين" الآية. من هنا نجد قصائد هذا الدّيوان حافلة بتوظيف النّصوص التّراثية ومنها الدّينية على وجه الخصوص، الأمر الذي يجعل القصيدة المجاطية متعددة القيم والدّلالات، إذ تتيح قراءتُها للمتلقي استشراف آفاق شعرية تتمتع بثراء التّجربة وبفرادة الإنتاج الإبداعي، لأنّ الشّاعر متأنٍ في الكتابة وهذا ما يجعله مقلاً غير مكثر، لذلك جاءت كتاباتُه الشّعرية خالية من الحشو والإطناب الذي أساء لشعر كثير من شعراء الحداثة. فعلى الرّغم من أنّ الكتابة عند المجاطي سيل من المتضادات يظل مقتصداً في الكلام.. فشعره فرح مترع بالألم وخضرة في دروب اليباب، حيث يتقاطع الضّوء مع الظّل والموت يغلّفه الأمل، والشّاعر يكابد هول عذاب الحرف:

أخرج من دائرة الرّفض

ومن دائرة

السّؤال

أراقب الأمطار

تجفُّ في الطّويّةِ

الأمارة

تُسعفني الكأس ولا

تُسعفني العبارة. (قصيدة: السّقوط)



لأنّ الشّاعر لا يريد لقلمه أن ينزف على البياض، إلا ما ينزفه الجرح على الجسد، لذلك تكون الكتابة عنده معاناة ولحظة عذاب لتكون إبداعاً صادقاً، ولعلّه يقول ما قاله ابن مقفع: "كل ما أريد أن أقوله لا يسعفني، ما يسعفني منه لا أريده". أو لأنّه يرى في الصّمت ثورة الكلام:‏

من شَدَّ عند صخرة ظُنوني

ومدّ منقاراً

إلى عيوني‏

يا سارق الشّعلةِ‏

إن الصّخْبَ في السّكون

فاقطفْ زهورَ النّورِ‏

عبر الظّلمةِ الحرونِ‏

نحن انتجعنا الصّمتَ‏

في المغارة‏

لأنّ نَتْنَ الملح‏

لا تغسلُه العبارهْ . (قصيدة: كبوة الرّيح)‏



ولعل فكرة "موت المؤلف" التي نادى بها" رولان بارت" تنطبق على شاعرنا، على اعتبار الكتابة هي الكيان الذي تضيع فيه كلّ هوية بما في ذلك هوية الجسد الذي يتيه بتلك الكتابة. وليسمح لنا دارسو بارت بالقول، إنّ المجاطي حينما يكتب يتعذّب فيتحول جسده إلى ذرات تنكتب القصيدة بها، وهذا في مقدمة ما يجعله مقلاً إبداعياً. أليس هو القائل:

أنا المنسي عند مقالع الأحجار‏

وتحت الصّخرة الصّماءِ‏

تأكل من شراييني‏

مسامير الدّخان‏

أكاد لا أصحو ولا أغفو‏

تجاوزني المدى‏

وانحلّ ما بيني وبين النّور‏

تمزّق كلّ شيء في يقيني‏

ما هديرُ الموج‏

ما الأنهارُ

وما الأبدُ الذي ينأى‏

وما الأزل الذي يجفو‏

ومعنى أن أحن‏

وأن أمدّ يدي‏

وأن أختارْ‏ . (قصيدة: من كلام الأموات)‏



لم يسع المجاطي للعذاب بنفسه كما كان يفعل الكثير من الأدباء ومن بينهم "بودلير" الذي كان يحلو له أن يتعذب ويضطهد نفسه ويصهر روحه في بوتقة الألم، لأنّه لم يكن راضياً عن نفسه أبداً حتى قال: "أنا الجرح وأنا السكين" كي يتسنى له الثّورة على كلِّ ما حوله. ‏فالأمر مختلف مع شاعرنا حيث ما يُكسر حوله يرن بداخله وجعاً أليماً تتداعى أمامه كلُ أسباب الحياة فيحس الشّاعر بالعذاب حيال ذلك فيتحول العذاب إلى وهج إبداع أصيل:

وتنبش في التّراب يدي

وأفتل في ظلام الليل حبلاً‏

سأبقى ها هنا ظلاً‏

على سفح الجدارِ‏

يلُمني جزر‏

وينشرني هديرُ الموج. (قصيدة: من كلام الأموات)



لذلك يحمل شعر المجاطي أوجاع التّاريخ العربي الذي حاول الشّاعر قراءته من خلال أسماء رموزه الذين يقف طارق بن زياد في مقدمتهم، ليكون الشّاهد على هول التّردي الذي تعانيه الأمة العربية والإسلامية في الوقت الذي تتسابق فيه الأمم الأخرى لصنع حاضر زاه لإنسانها، من هنا يقول المجاطي:

أنا النّهرُ‏

أمتهنُ الوصلَ بين الحنين‏

وبين الرّبابة‏

وبين لهاث الغصونِ وسمعِ السّحابة‏

أنا النّهر أُسرجُ همسَ الثّواني‏

وأركب نسغ الأغاني‏

وأترك للريح والضّيفِ صيفي‏

ومجدولَ سيفي‏

وآتي على صهوة الغيم‏

آتي على صهوة الضيمِ‏

آتي على كلّ نقع يُثارُ‏

وآتيكِ،‏

أمنحُ عينيكِ لونَ سهادي‏

وحزنَ صهيل جوادي‏

وأمنحُ عينيكِ صولةَ طارق‏

وأسقط خلفَ رمادِ الزّمانِ‏

وخلفَ رمادِ الزّوارقِ‏. (قصيدة: سبتة)



يطفح هذا المقطع من القصيدة بالرّموز التّاريخية، منها ما يتعلق بأسماء الأماكن ومنها ما يتعلق بالقائد الذي ارتبط الزّحف الإسلامي الأول نحو الضّفة الأخرى ارتبط باسمه. أضف إلى ذلك الإشارات التّاريخية التي تجعل السّياق الشّعري متعالياً في زمنه على زمن الكتابة وفق حركة تجسدها الأفعال التي يشتمل عليها شعره والتي تغدو القصيدة في ظلها حركة مائجة تتفاعل فيها الدّلالات وتتداخل بين الأمس واليوم لتسجل مفارقة التّاريخ بامتياز الشعر. تلعب هذه الرموز دور الدّوال التي تستدعي دوالاً أخرى_ يشي بها السّياق ذاته_ لها حمولاتها الفكرية والنّفسية التي تدعم دلالات النّص وتعمّقها، وبالتالي تعمل على إيقاظ ذاكرة المتلقي وانتشالها من دائرة السّكون والانكسار. وهذه، في الحقيقة، إحدى وظائف الرمز. وهو ما يعلل لجوء الشّاعر إلى الذّاكرة ومداعبتها لاستنطاق ما يأمل استنطاقه عبر قراءته تاريخ أمته وتراثها بعينه الشّعرية المنذورة لكتابة القصيدة على تضاريس الزّمن...‏





هوامش:‏

* أحمد المجاطي- ديوان الفروسية، منشورات المجلس القومي للثقافة العربية، 1987.‏

- فاز هذا الدّيوان بجائزة ابن زيدون للشعر التي منحها المعهد الإسباني العربي للثقافة بمدريد لأحسن ديوان بالعربية و الإسبانية لعام 1985. كما فاز بجائزة الكتاب المغربي.

- للشاعر أحمد المجاطي كتاب نقدي في أصله أطروحة دكتوراه الدّولة في الآداب تحت عنوان "أزمة الحداثة في الشّعر العربي الحديث" الطّبعة الأولى، دار الآفاق الجديدة المغرب، 1993، علاوة على كتابة العديد من الدّراسات النقدية في المجلات العربية والمحلية.‏



#محمد_عبد_الرضا_شياع (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فيديريكو غارثيا لوركا وثقافة الموت
- أوكتابيو باث: زمن المكاشفة وبوح الذّات*
- الاغتراب في الإبداع الأدبي
- *نازك الملائكة: قارورة الحزن الشفيف
- السّفر في عذابات الرّوح
- الرّؤيا الشّعريّة سفر على أجنحة الخيال
- دلالة المكان الدّائري في رواية جسد ومدينة
- خليل حاوي : سنديانة الشعر والموت
- محمد علي شمس الدّين والتّحولات اللوركية في شعره


المزيد.....




- الجيش الأوكراني يتهم روسيا بشن هجوم بصاروخ باليستي عابر للقا ...
- شاهد.. رجل يربط مئات العناكب والحشرات حول جسده لتهريبها
- استبعاد نجم منتخب فرنسا ستالوارت ألدرت من الاختبار أمام الأر ...
- لبنان يريد -دولة عربية-.. لماذا تشكّل -آلية المراقبة- عقبة أ ...
- ملك وملكة إسبانيا يعودان إلى تشيفا: من الغضب إلى الترحيب
- قصف إسرائيلي في شمال غزة يسفر عن عشرات القتلى بينهم نساء وأط ...
- رشوة بملايين الدولارات.. ماذا تكشف الاتهامات الأمريكية ضد مج ...
- -حزب الله- يعلن استهداف تجمعات للجيش الإسرائيلي
- قائد الجيش اللبناني: لا نزال منتشرين في الجنوب ولن نتركه
- استخبارات كييف وأجهزتها العسكرية تتدرب على جمع -أدلة الهجوم ...


المزيد.....

- -فجر الفلسفة اليونانية قبل سقراط- استعراض نقدي للمقدمة-2 / نايف سلوم
- فلسفة البراكسيس عند أنطونيو غرامشي في مواجهة الاختزالية والا ... / زهير الخويلدي
- الكونية والعدالة وسياسة الهوية / زهير الخويلدي
- فصل من كتاب حرية التعبير... / عبدالرزاق دحنون
- الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية ... / محمود الصباغ
- تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد / غازي الصوراني
- قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل / كاظم حبيب
- قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن / محمد الأزرقي
- آليات توجيه الرأي العام / زهير الخويلدي
- قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج ... / محمد الأزرقي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - محمد عبد الرضا شياع - الشّاعر أحمد المجاطي بين عذاب الكتابة وألق الإبداع